1 من بين كل 3 مواطنين يعيش فقرًا مدقعًا في الجزائر، رغم أن البلاد مصنفة ضمن البلدان النفطية، بالنظر إلى عائداتها من المحروقات التي تجاوزت العام الماضي 50 مليار دولار، مستغلة الحرب الروسية ضد أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية.
لسائل أن يسأل: أين تذهب كل هذه الأموال، وحال البلاد لم يتغير منذ الاستقلال تقريبًا؟ فمظاهر التهميش واضحة للعيان في العديد من مناطق الجزائر، الإجابة تتضمنها موازنة الدولة وتحديدًا المتعلقة بوزارة الدفاع التي تسيطر على الجزء الأكبر من أموال البلاد.
موازنة تاريخية
نحو 20% من مجموع الموازنة العامة للدولة الجزائرية، التي بلغت 98 مليار دولار، ذهبت لوزارة الدفاع، ما جعلها أضخم موازنة في تاريخ الدولة، فقد خصص نظام تبون موازنة بلغت 22 مليار دولار أمريكي للجيش وقطاع الدفاع.
لم يسبق للجيش الجزائري أن حصل على مثل هذه الميزانية منذ استقلال البلاد، رغم أنه دائمًا ما يحصل على نصيب الأسد من أموال الدولة، ففي السنة الماضية مثلًا بلغت الميزانية نحو 10 مليارات دولار، أي أنها هذه السنة تضاعفت مرتين.
وتعود أكبر موازنة للدفاع إلى عام 2015، حين بلغت 13 مليار دولار أمريكي، بينما حصلت خلال عامي 2018 و2019 على أدنى من عشرة مليارات دولار، وتضاعفت موازنة الجيش 11 مرة مقارنة بموازنة عام 2008 التي كانت في حدودها الدنيا بـ2.5 مليار دولار، قبل أن تقفز إلى 6.5 مليار دولار سنة 2009، ثم 9.7 مليار دولار في سنة 2012.
رغم هذا الارتفاع الكبير في موازنة الدفاع، لا يحق للشعب الجزائري أو نواب البرلمان الاستفسار والسؤال عن الأسباب التي دفعت لاتخاذ هذا القرار، فنظام تبون يمنع التطرق لمسائل الدفاع والأمن العام.
ارتفاع موازنة وزارة الدفاع يرجع لأسباب عديدة على رأسها التوترات الحاصلة مع المغرب
ففي نوفمبر/تشرين الأول الماضي، أصدر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، قرارًا يمنع بموجبه المسؤولين العسكريين والحكوميين من الحديث للصحافة بشأن معلومات عن القضايا العسكرية دون إذن من وزير الدفاع (يختص رئيس الجمهورية في الجزائر بصفة وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة)، كما منع النواب من استجواب الحكومة في قضايا الدفاع والخارجية لاعتبارات متعلقة بحساسية هذه المسائل.
ينص القرار صراحة على أنه “يمكن لأعضاء البرلمان استجواب الحكومة في أي مسألة ذات أهمية وطنية وعن حال تطبيق القوانين، باستثناء المسائل المتعلقة بالدفاع الوطني وأسرار الدولة في العلاقات الخارجية”.
يُفهم من هذا أن مسألة الجيش وكل ما يتعلق به، خطوط حمراء لا يجب لأحد الحديث فيها إلا بإذن الرئيس عبد المجيد تبون الذي يقود وزارة الدفاع، وهو ما يسمح له بالتصرف وفق ما يريد في هذه الوزارة، دون مساءلة.
أسباب عديدة
ارتفاع موازنة وزارة الدفاع يرجع لأسباب عديدة على رأسها التوترات الحاصلة مع المغرب، إذ تعرف العلاقات المغربية الجزائرية توترًا كبيرًا في الأشهر الأخيرة، وصل إلى قطع العلاقات بين البلدين وتبادل الاتهامات.
كما لم يفت الجزائر دخول طرف ثالث في معادلة الصراع مع المغرب، وهو الكيان الإسرائيلي الذي وضع قدمه على الحدود الغربية للجزائر، بعد تطبيع علاقاته مع المغرب وتوقيع اتفاقيات عديدة شملت مجالات كثيرة على رأسها الجيش والأمن.
ترى الجزائر أن المغرب سمح للإسرائيليين بدخول المنطقة، لذلك وجب أخذ الحيطة والحصول على أسلحة متقدمة ومتطورة حتى لا تتخلف عن سباق التسلح الذي تشهده المنطقة منذ سنوات، وكان النظام الجزائري أحد أسبابه.
لا تتوقف أسباب زيادة موازنة الدفاع هنا، فالجزائر تتابع تصاعد التهديدات الأمنية الكلاسيكية في المنطقة، خاصة مستلزمات حماية المناطق الحدودية الشاسعة الممتدة مع خمس دول هي: النيجر ومالي وموريتانيا وليبيا وتونس والمغرب.
توتر الوضع في منطقة الساحل والصحراء التي تتمركز فيها تنظيمات إرهابية ومجموعات وشبكات الجريمة والاتجار بالبشر وتهريب الأسلحة والمخدرات، فرض على الجزائر أعباءً إضافيةً، خاصة أن المجموعة الدولية رفعت يدها من تلك المنطقة.
كما أن الوضع الهش في ليبيا، يفرض على الجزائر مزيدًا من الحذر والحيطة، فالوضع مرشح للتدهور في ظل عدم اتفاق مختلف الأطراف المتدخلة في الشأن الليبي على الطريقة المثلى للخروج بالبلاد من بوتقة الفوضى وعدم الاستقرار.
بالنسبة لعام 2023، احتل الجيش الجزائري المرتبة الـ26 في تصنيف موقع “غلوبال فاير باور” المختص في الشأن العسكري لأقوى جيوش العالم، ويمتلك الجيش الجزائري أكثر من 550 طائرةً حربيةً، بينها 90 مقاتلةً، إضافة إلى 60 طائرة نقل عسكري و87 طائرة تدريب و273 طائرة هليكوبتر، ويصل عدد المروحيات الهجومية 22 طائرة هجومية.
جمدت السلطات الجزائرية العديد من المشاريع الصحية والتنموية الموجهة أساسًا للشعب الجزائري لسنوات عديدة، بحجة أن المال غير متوافر
إلى جانب ذلك، تمتلك الجزائر 1700 دبابة و224 مدفعًا ذاتي الحركة و240 مدفع ميدان و298 وحدة مدفعية صاروخية، بالإضافة إلى 5 فرقاطات و6 كورفيت و6 غواصات و25 سفينة دورية وعشرات السفن البحرية وكاسحات ألغام.
ودائمًا ما يسعى النظام الجزائري لتحديث ترسانة الجيش بمختلف قواته البرية والجوية والبحرية وتعزيز قدراته التقنية ورفع كفاءة القوات المسلحة والحصول على أبرز المعدات والمنظومات المتطورة من التسليح، وبالفعل وقعت الجزائر سلسلة صفقات للحصول على منظومات دفاعية حديثة واقتناء طائرات وقطع بحرية متطورة، إضافة إلى توجيه جزء من النفقات العسكرية للتكوين ورفع قدرات وكفاءة الأفراد والوحدات القتالية.
إهمال المسألة الاجتماعية
اهتم النظام الجزائري بالجيش والتسليح وأهمل المسألة الاجتماعية، رغم أن الدولة حصلت على موارد كبيرة السنة الماضية من العائدات التاريخية لصادرات المحروقات التي بلغت مستويات قياسية ناهزت 56 مليار متر مكعب.
زادت مداخيل الجزائر من المحروقات، لتبلغ نحو 50 مليار دولار في 2022، لكن هذه الزيادة لم تعد بالفائدة على الشعب، فأغلبها ذهب لموازنة الدولة وحاشية النظام التي تستفيد من ثروات الجزائريين منذ الاستقلال.
ينص الدستور الجزائري على حق التغذية والصحة، لكن الواقع عكس ذلك، فرغم عدم تقديم الحكومة الجزائرية رقمًا محددًا لمواطنيها الذين يعيشون في فقر أو فقر مدقع، فإن بعض العمليات التضامنية تعطي فكرة عن عدد الفقراء في هذا البلد العربي.
سنة 2019، قدر تقرير للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، عدد الجزائريين الذين كانوا يعيشون تحت خط الفقر عام 2018 بـ15 مليونًا، ما يمثل نحو 38% من العدد الإجمالي للسكان، أي أن من بين كل 3 جزائريين يوجد جزائري يعيش فقرًا مدقعًا.
ويقول تقرير الرابطة إن 1400 بلدية فقيرة تعيش على إعانات صندوق الجماعات المحلية المشترك، من بينها 800 بلدية صنِّفت ضمن خانة الأكثر فقرًا، وتضم 20 مليون ساكن، كما تعتمد 30 ولاية في توفير حاجيات المواطنين وتسيير شؤونها اليومية على هذا الصندوق الذي يتولى تقليص الفوارق الناجمة عن ضعف الموارد الجبائية.
يظهر التهميش والإهمال أيضًا في المجال الصحي، فلا يوجد إلى الآن مستشفى عصري في الجزائر، والنظام الصحي غير مؤهل لمعالجة الأمراض المعقدة، رغم أن كل الظروف والإمكانات المالية والبشرية، مواتية كي يكون للجزائر نظام صحي متطور يضاهي الأنظمة الصحية الأجنبية.
جمدت السلطات الجزائرية العديد من المشاريع الصحية والتنموية الموجهة أساسًا للشعب الجزائري لسنوات عديدة، بحجة أن المال غير متوافر، رغم أنه يتوافر حالًا عند الرغبة بشراء العتاد العسكري أو إبرام صفقات عسكرية.