في 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي خالد المشري، تعليق التواصل مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وأعمال اللجان المشتركة بينهما إلى حين إلغاء قانون إنشاء محكمة دستورية بمدينة بنغازي (شرق)، بدلًا عن الدائرة الدستورية في المحكمة العليا بالعاصمة طرابلس (غرب).
بعدها بأسبوعين، تراجع مجلس النواب الليبي عن قانون إنشاء المحكمة دستورية في بنغازي، المتسبب في تعليق مفاوضات حل الأزمة بين مجلسي النواب والدولة، ما فُهم منه حينها، وجود تنسيق بين الطرفين لعدم عرقلة جهود حل الأزمة في البلاد.
اتفاق جديد
عاد التنسيق مجددًا والتقى رئيسا مجلسي النواب والأعلى للدولة في العاصمة المصرية القاهرة أول أمس الخميس، وخلال هذا اللقاء أكد الطرفان إعلان خريطة طريق جديدة لليبيا قريبًا، لحل الأزمة المتواصلة في البلاد منذ سنوات.
خلال فعاليات الإعلان عن هذا الاتفاق، قال عقيلة صالح: “هناك توافق ونحتاج إلى سلطة موحدة في ليبيا لإجراء الانتخابات تحت رقابة الحكومة”، وأضاف “ستكون هناك آلية كالآلية السابقة في جنيف لوضع إجراءات جديدة وتكون سلطة جديدة بين المجلسين، وفي الأيام المقبلة سنعلن عن خريطة الطريق الجديدة في منطقة داخل ليبيا”.
وبخصوص خريطة الطريق التي سيعلنها المشري وصالح، قال الأخير إنها ستكون عبارة عن وثيقة دستورية وليست مادة واحدة في الدستور، وستتخذ الإجراءات اللازمة طبقًا للقانون ورأي المجلسين، مشيرًا إلى أنها تتضمن كيفية إتمام الانتخابات وتوحيد المؤسسات وغيرهما.
يبقى التفاؤل بقرب إنجاز الانتخابات في ليبيا حذرًا، خاصة أن خطوات المشري وصالح لا تلقى قبولًا لدى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة
بدوره، أوضح المشري، أنه سيتم العمل على خريطة طريق بالتشاور مع صالح وبعثة الأمم المتحدة وسيتم الإعلان عنها في القريب العاجل في لقاء سيتم بينهما في ليبيا، وتتعلق الوثيقة وفق المشري بعدة ملفات ومسارات وتحديد مدد ومهام واضحة، وفق قوله.
وشدد رئيس مجلس الدولة على أن يكون التوافق بين المجلسين طبقًا للاتفاق السياسي وبمظلة ورعاية أممية، حتى يتم تجنب أي تشكيكات من أي طرف كان لما سيتم التوصل إليه، وذلك لتسريع حل الأزمة في هذا البلد العربي الذي أنهكته الفوضى والحروب.
من المنتظر أن تجتمع اللجنة الدستورية المكلفة بإعداد القاعدة الدستورية بمجلسي النواب والأعلى للدولة بالقاهرة بعد انتهاء الاجتماع بين المشري وصالح، لوضع النقاط النهائية للقاعدة الدستورية وأيضًا لوضع حد للخلافات.
فرص إحياء عملية السلام بعد الجمود السياسي الطويل
جاء هذا اللقاء بعد جمود سياسي طويل أثر على عملية السلام في ليبيا، وزاد من متاعب الليبيين اليومية، فأغلب المؤسسات لا تعمل، ما يعني أن مصالح الليبيين متوقفة وحالة الانقسام ما زالت متواصلة، ولا أحد يعرف من يحكم.
لكن لقاء المشري وصالح ومخرجاته، يؤكدان وجود تقارب كبير بين مجلسي النواب والدولة للوصول إلى انتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب وقت، لإنهاء المرحلة الانتقالية التي تعيشها ليبيا منذ فترة طويلة، ما أرهق الشعب الليبي وأثر على حياته اليومية.
يرى كل من صالح والمشري أن الانتخابات بالتأكيد هي الحل للأزمة الليبية، على أن تكون البلاد جاهزة أمنيًا وتنظيميًا ولوجستيًا، ويشاركهما في هذا الرأي أغلب الأطراف المتدخلة في الملف الليبي، منها الأطراف الداخلية والخارجية.
في هذا السياق، دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أول أمس الخميس، إلى تسوية وطنية في ليبيا لإطلاق مسار واضح يفضي إلى تنظيم انتخابات في البلاد سنة 2023، وحثت البعثة “مجلسي النواب والدولة على الإسراع في التوصل إلى اتفاق كامل ونهائي، بما في ذلك القضايا الخلافية، بغية استكمال الخطوات الضرورية لإجراء انتخابات وطنية شاملة ضمن إطار زمني محدد”.
قبل ذلك، جدد المجلس الرئاسي الليبي دعوة مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة إلى تحمل مسؤولياتهما من أجل توحيد الجهود وتذليل الصعاب أمام التوافق الوطني لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في أقرب الآجال.
رئيس #الكونغو برازافيل، رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى بشأن #ليبيا دينيس ساسو نغيسو: مؤتمر المصالحة الليبية لن يحقّق أهدافه إلا إذا تم الحفاظ على جوهره الشامل والتوافق دون شروط.
– #ليبيا ستجد في عام 2023 طريق السلام الذي يمر بإجراء انتخابات عامة وتشكيل حكومة. #ليبيا pic.twitter.com/BSzqUYgyDG
— ليبيا برس (@libyapress2010) January 6, 2023
يأمل الليبيون في عقد انتخابات تشريعية ورئاسية في البلاد في أقرب وقت، ذلك أنه يُنظر إلى الانتخابات على أنها فرصة تاريخية للوصول إلى سلام دائم في ليبيا، فالليبيون يأملون أن تخرجهم الانتخابات من الأزمات التي تعيش على وقعها بلادهم منذ سنوات.
من شأن الذهاب مباشرة إلى الشعب لانتخاب رئيس يمثل الليبيين ونواب في برلمان جديد، أن يعجل بتجاوز جميع التناقضات القانونية وبناء هيكل مؤسَّسي واحد يمكن أن تتعامل الجهات الفاعلة الإقليمية والمجتمع الدولي معه، وبالتالي إنهاء حالة الانقسام الحاصلة في البلاد.
تفاؤل حذر
يبقى التفاؤل بقرب إنجاز الانتخابات في ليبيا حذرًا، خاصة أن خطوات المشري وصالح لا تلقى قبولًا لدى رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، الذي اتهم رئيسي مجلسي الدولة والنواب بعقد صفقات وصفها بالـ”مشبوهة” لتقاسم السلطة وتعطيل إجراء الانتخابات.
كما اتهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية المشري وصالح بمواصلة التسبب في إحباط الشعب الليبي بتجاهل ضرورة إجراء انتخابات “حرة ونزيهة”، وقال إنهما منشغلان دائمًا بالبحث عن طرق جديدة للتمديد لنفسيهما أو تقاسم السلطة.
الذهاب إلى مرحلة انتقالية جديدة غير مرحب به من أغلب القوى الدولية المتدخلة في الشأن الليبي بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة
الحذر لا يكمن في رفض الدبيبة مخرجات اجتماع القاهرة، وإنما أيضًا في عدم إعلان الرجلين عن جدول زمني واضح لإنجاز الانتخابات المرتقبة، وتركهما النقاط الخلافية دون الحديث عنها من ذلك شروط الترشح.
وهو ما يفسر اتهام الدبيبة للمشري وصالح، فهو يرى أنهما يسعيان فقط لإقامة سلطة تنفيذية انتقالية جديدة تأخذ مكان حكومته، دون أن تحدد بالتفصيل مواعيد الانتخابات وشروط الترشح وغيرها من النقاط الخلافية العالقة.
أكد المشري هذه المخاوف، إذ كشف عن استمرار الخلاف بين مجلسي النواب والأعلى للدولة بشأن شروط الترشح للانتخابات الرئاسية في القاعدة الدستورية المؤدية للانتخابات، خاصة فيما يتعلق بترشح مزدوجي الجنسية للانتخابات الرئاسية، ويخص الأمر اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
يصر مجلس النواب على أحقية مزدوجي الجنسية الترشح للانتخابات الرئاسية، حتى يفتح الطريق لحفتر للترشح، أما مجلس الدولة فيرفض هذه النقطة، ويرى ضرورة أن يحمل المترشح الجنسية الليبية فقط، حتى يغلق الطريق أمام حفتر.
ويرى المشري، ضرورة “إحالة النقاط الخلافية والقاعدة الدستورية والانتخابات للاستفتاء الشعبي المباشر لحسم الجدل بشأنها من الليبيين” في حال استمر الخلاف بين المجلسين، مؤكدًا أن “هناك تعهدات من المجلسين بقبول نتيجة تلك الاستفتاءات مهما كانت النتائج”.
? | البعثة الأممية في #ليبيا:
?نحث القادة السياسيين للاتفاق على ترتيبات نهائية ومحددة زمنياً للسير نحو #الانتخابات خلال هذا العام
?ندعو مجلسي النواب والدولة للإسراع في التوصل إلى اتفاق كامل ونهائي، وحل القضايا الخلافية، تمهيدا لإجراء انتخابات وطنية شاملة pic.twitter.com/vWjjg5KmMv
— Mohamed Zeidan محمد زيدان (@_mohamedzidane) January 5, 2023
كان من المقرر أن تجرى انتخابات برلمانية ورئاسية ترعاها الأمم المتحدة يوم 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، إلا أنها تأجلت إلى وقت غير معلوم بسبب خلافات تخص قوانينها، وهذه الخلافات ما زالت إلى الآن موجودة ولم يتم التوصل إلى حل لها.
بل تعمقت الخلافات أكثر بعد ظهور حكومة جديدة عينها مجلس النواب بطبرق (شرق) برئاسة فتحي باشاغا ورفض الدبيبة تسليم الحكم إلا لحكومة تكلف من برلمان جديد منتخب، الأمر الذي ساندته فيه العديد من القوى الإقليمية والدولية.
من المهم التذكير أن الذهاب إلى مرحلة انتقالية جديدة غير مرحب به من أغلب القوى الدولية المتدخلة في الشأن الليبي بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة، التي أكدت في أكثر من مرة ضرورة إنهاء المرحلة الانتقالية في ليبيا في أقرب وقت.
يعني هذا ضرورة إجراء الانتخابات في أقرب الآجال دون المرور بمرحلة انتقالية جديدة، وهو ما يرفضه مجلسا الدولة والنواب، ويصران على ضرورة رحيل حكومة الدبيبة وتشكيل حكومة جديدة قبل الحديث عن الانتخابات.
بالمحصلة يمكن القول إننا أمام إعادة تدوير للإخفاقات المتتالية التي عرفتها الساحة السياسية في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، فالعديد من الأطراف ليس من مصلحتها المضي قدمًا نحو الانتخابات، لذلك تستثمر في الأزمة وتسعى إلى تعميقها للحصول على امتيازات أكثر والبقاء في السلطة.