منذ أن أنهت دولة الإمارات قطيعتها مع النظام السوري باتت تحاول احتضانه وإعادة تدويره في المحافل الإقليمية والعربية وبرز ذلك من خلال الزيارات المتبادلة والدعم الاقتصادي الإماراتي للنظام، ويبدو أن ذلك يتم بالاتفاق مع روسيا التي وجدت بأبو ظبي شريكًا مناسبًا لتعويم النظام وانتشاله في المنطقة، خاصة أن دولًا أخرى ما زالت ترفض أو تتحفظ على إعادة علاقاتها مع النظام أو إعادته ضمن المنظومة العربية والدولية مثل السعودية وقطر.
آخر فصول الحراك الإماراتي ذكرها موقع “بلومبيرغ” بخصوص التقارب التركي مع النظام السوري، فقد ذكر الموقع أن الإمارات تضاعف جهودها مع تركيا وروسيا لإعادة تأهيل الرئيس السوري بشار الأسد، وبحسب الموقع فإن تركيا التي أيدت ثورة 2011 ضد الأسد، مستعدة الآن للاعتراف علنًا بحكمه على سوريا والعمل على إعادة بناء العلاقات الدبلوماسية والأمنية والتجارية بجهود روسية إماراتية.
وتسعى موسكو وأبو ظبي إلى تحسين مكانة الأسد في الشرق الأوسط للمساعدة في موازنة النفوذ الإيراني في سوريا، يأتي ذلك رغم أن النظام السوري ما زال يخضع لعقوبات غربية صارمة من جامعة الدول العربية والمنظومة العالمية.
لقاء رباعي
منذ أيام أجرى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد زيارة إلى دمشق والتقى برئيس النظام السوري بشار الأسد، وأشار الإعلام الرسمي للبلدين أن الطرفين بحثا “العلاقات الأخوية المتميزة التي تجمع سوريا والإمارات”، وقد أكد الأسد أن “العلاقات بين سوريا والإمارات تاريخية، ومن الطبيعي أن تعود إلى عمقها الذي اتّسمت به لعقود طويلة”، بدوره أكد ابن زايد “التزام وحرص دولة الإمارات على دعم الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية”.
ويرى محللون أن زيارة عبد الله بن زايد إلى دمشق كانت مهمتها الأساسية الحديث عن التطبيع القائم مع تركيا، خاصة أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أجرى محادثة هاتفية مع نظيره الإماراتي قبل يوم واحد من زيارة الأخير إلى دمشق، يشار إلى أن جاويش أوغلو ذكر أن لقاءً سيجمعه بوزير خارجية النظام فيصل المقداد في منتصف هذا الشهر في لقاء ربما يكون تمهيدًا لاجتماع بين الأسد والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
كان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار إضافة إلى هاكان فيدان رئيس الاستخبارات التركية قد أجريا لقاءً رسميًا مع نظرائهما من النظام السوري، ويعتبر هذا اللقاء محطة الانطلاق في قطار التقارب بين الطرفين بعد شهور من التصريحات التركية التي ألمحت وصرحت إلى أن الحل في سوريا بحاجة إلى تطبيع العلاقات مع النظام من أجل حل القضايا العالقة مثل قضية اللاجئين، بالإضافة إلى محاربة الوحدات الكردية في شمال شرق سوريا.
في تصريحات سابقة لجاويش أوغلو بين أن الاجتماع بينه وبين نظيره من النظام السوري يمكن أن ينعقد إما في موسكو وإما في دولة أخرى، وهنا ذكرت وسائل الإعلام الروسية أن الاجتماع سينعقد في الإمارات بحضور روسي، وبحسب وسائل الإعلام فإن خيار الانعقاد في الإمارات لا يستثني احتمال عقده في موسكو، بدورها قالت صحيفة “الشرق الأوسط” إن اللقاء سيحصل في موسكو، لكن تجري الترتيبات لمشاركة وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد في اللقاء ليصبح رباعيًا.
نشر مركز “جسور” للدراسات أن زيارة الوزير الإماراتي إلى دمشق جاءت بعد التقارب التركي مع نظام الأسد، الأمر الذي “شجَّع الإمارات مرة أخرى على القيام بدور الوسيط في فك العزلة العربية عن النظام، استجابةً للرؤية الروسية التي ناقشتها مرارًا مع الدول العربية”.
وبحسب المركز فإنه “حال استضافت أبو ظبي أول لقاء بين وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام، فإن ذلك سيُعزز من موقع الإمارات كوسيط إقليمي قادر على تحقيق اختراقات نوعية، كما سيُعزّز تَمَوضُعَها الجديد بعيدًا عن سياسات استخدام القوة الخشنة والصدام التي طبعت توجُّهاتها في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”.
لا يبدو أن واشنطن راضية عما يحصل من تطور في علاقات الإمارات مع النظام السوري بالإضافة إلى التقارب التركي مع الأسد، وفي هذا الإطار قال عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، السيناتور جيم ريش، في تعليقه على زيارة ابن زايد الأخيرة إلى دمشق: “تقارب الإمارات مع نظام الأسد لا يوفر فائدة تذكر للبلد الخليجي، كما أنه ينطوي على مخاطر كبيرة على سمعة أبو ظبي، ويمكن أن يعرضها لعقوبات قيصر، إضافة إلى أن مساعي الإمارات تضر بجهود السعي إلى المساءلة عن جرائم الأسد ضد الشعب السوري”.
رفض أمريكي
بدوره أفاد منسق الأمن القومي الأمريكي للاتصالات الإستراتيجية، جون كيربي، بأن بلاده تنتظر نتائج محادثات تركيا مع النظام السوري، وأكد في الوقت نفسه أن واشنطن “لن تشجع أي دولة على تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد”، وقال كيربي إن بلاده لا ترى التقارب التركي مع النظام السوري خطوة صحيحة، مؤكدًا أن واشنطن “لم تقم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، ولن تشجع أي دولة على تطبيع علاقاتها معه”.
وأضاف كيربي “لكننا سنرى إلى أين تذهب هذه المحادثات، وما الذي سينتج عنها في الواقع”، مشيرًا إلى أنه “لا أريد أن أستبق الأحداث، لكن بكل وضوح نحن لا ندعم التطبيع مع الأسد”، وردًا على سؤال عما إذا كان الأكراد في شمال شرقي سوريا سيدفعون ثمن هذا التقارب، قال منسق الأمن القومي للاتصالات الإستراتيجية: “الإجابة المختصرة هي: لا”.
ذكرت وسائل إعلام أن وزير الخارجية التركي يخطط لزيارة العاصمة الأمريكية واشنطن لإطلاع المسؤولين الأمريكيين على تطورات التطبيع مع دمشق، ولقائه بالمقداد، وخريطة الطريق التي ترعاها روسيا في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية”، بموجب اتفاق وزراء الدفاع وقادة الاستخبارات، في سوريا وتركيا وروسيا، خلال الأسابيع الماضية، بما في ذلك الإقدام على ترتيبات في شمال شرقي سوريا، حيث تنتشر قوات أمريكية لدعم “قوات سوريا الديمقراطية” ضد داعش.
لكن رغم كل التحركات الأمريكية والتحذير من التقارب مع الأسد، فإن أبو ظبي ترى نفسها أقرب للرؤية الروسية للحل في سوريا، خاصة بعد الأزمات المتوالية التي أصابت العلاقات بين أبو ظبي وواشنطن، وقد طفت هذه الخلافات على السطح بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث أثار موقف الإمارات من الهجوم الذي تشنه روسيا على أوكرانيا، شعورًا بالخيبة والإحباط في دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة التي تنظر إلى أبو ظبي على أنها أحد أهم الشركاء بالشرق الأوسط، ما تسبب بتعالي أصوات تنادي بإعادة النظر في اعتبار الإمارات حليفًا موثوقًا لواشنطن.
وفعليًا بدأت الإمارات تسبح في فلك موسكو وتتبنى روايتها في سوريا، وما يبين ذلك تصريحات المندوبة الإماراتية في مجلس الأمن لانا نسيبة التي قالت فيها إن ملف الأسلحة الكيماوية للأسد “من أكثر الملفات المسيسة بالمجلس”، ودعت الدول الأعضاء إلى التعامل معه بروح المبادئ الأممية وعدم تسييسه، وهو ما يعدّ إنكارًا باستخدام الأسد لهذه الأسلحة، وهو ما تزعمه روسيا أيضًا.
في هذا الإطار يبدو أن واشنطن تحاول أن تقطع الطريق للتقارب مع الأسد أو التشويش عليه، ويقول تقرير صادر عن مركز “الحوار السوري”: “مع ما تُبديه تركيا من مسارعة في التقارب مع نظام الأسد ولقاء وزير الدفاع التركي بنظيره من قوات نظام الأسد مؤخرًا في موسكو، يبدو أن قسد قد بدأت بالابتعاد بشكل أكبر عن نظام الأسد، ووصفته بالمستبد وأصدرت بيانًا تُغازل فيه المعارضة السورية، متحدثةً عن ثورة الحرية والكرامة وعن المعتقلين”.
ويرى التقرير أن هذا “موقفًا يمكن اعتباره مبنيًا على مؤشرات زيادة اهتمام التحالف الدولي والولايات المتحدة بالمنطقة، ما يعني زيادة اعتماد التحالف الدولي على قسد ودعمها، في الوقت الذي تواجه فيه قسد الضغوط الروسية التي تحاول إخضاعها وتجريدها من كل المكاسب وإلحاقها بنظام الأسد، ومما يزيد تخوف قسد منه حصول التوافقات بين تركيا وروسيا ونظام الأسد، مما قد تكون له تداعيات على مناطق السيطرة المشتركة بين قسد ونظام الأسد في وقتٍ لاحق، لا سيما إذا قدّم نظام الأسد التزامات لتركيا بإبعاد قسد أو محاربتها”.