أعلن رئيس الاتحاد الإيراني لكرة القدم مهدي تاج أنه بصدد رفع دعوى أمام الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا”، احتجاجًا على تسمية بطولة خليجي 25 المقامة حاليًّا في البصرة بـ”كأس الخليج العربي”، وقال الاتحاد الإيراني في بيان أوردته وكالة “إيران بالعربية”، إنه سيحتج أمام الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” على استخدام “اسم مزيف” لبطولة خليجي 25 بعد استخدام “كلمة وهمية”، بدلًا من اللقب التاريخي للخليج الفارسي في مسابقات كأس الدول العربية، كما أكد الاتحاد الإيراني أن “لقب الخليج الفارسي باق من أقدم المصادر التاريخية، وسوف نعبر عن احتجاج إيران أمام الاتحاد الدولي لكرة القدم”.
الخليج العربي
يمكن القول إن الخلاف التاريخي بين إيران وبعض الدول العربية بشأن تسمية الخليج، يعود إلى فترات تاريخية قديمة، تبلورت بشكل رئيسي في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، خصوصًا مع تأثيرات القومية العربية في العراق ومصر ولبنان، في مقابل القومية الفارسية في إيران، فقد أدى إصرار إيران على فارسية الممر المائي للخليج، إلى إصرار مماثل من العراق ومصر ودول الخليج العربية على عروبة مياه هذا الممر.
ورغم التأكيد الإيراني على أن تسمية “الخليج الفارسي” معتمدة من العديد من المنظمات الدولية، يرى أغلب العرب أن اسم “الخليج العربي” تاريخي وقديم ومبرر، لأن ثلثي سواحل الخليج تقع في بلدان عربية، في حين تطل إيران على نحو الثلث، وحتى السواحل الإيرانية تقطنها قبائل عربية سواء في الشمال (إقليم الأهواز) أم في الشمال الشرقي في العديد من مدن إقليم بوشهر، كما أن العرب يشكلون سكان أهم جزيرتين مسكونتين في الخليج هما جزيرة البحرين وجزيرة قشم.
يذكر أنه في الستينيات، جعلت الدول العربية استخدام مصطلح الخليج العربي إلزاميًا، وهو الاسم الذي يستخدمه اليوم مجلس التعاون الخليجي.
مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن هناك تسمية ثالثة لمياه الخليج، وهي التسمية العثمانية، التي ما زالت حاضرة في الخرائط والوثائق الرسمية التركية، فتطلق تركيا على الخليج اسم “خليج البصرة”، لأن البصرة عندما كانت خاضعة للسيطرة العثمانية، كانت ولاية كبيرة تتبع لها الكويت والمحمرة وعبادان وغيرها من المشيخات والإمارات المطلة على مياه الخليج، لذلك تؤكد تركيا أن هذه التسمية هي التسمية الأصح لتعريف الممر المائي في هذه المنطقة.
بعيدًا عن الحجج التاريخية التي ساقها الاتحاد الإيراني في تحفظه على تسمية البطولة، فإن هذه الخطوة تعكس من جهة أخرى توجسًا حقيقيًا من النظام الإيراني على الطريقة التي ظهر فيها التعاطي الرسمي العراقي مع الوفود الخليجية، إلى جانب الحفاوة الشعبية التي أظهرها الشعب العراقي، وهو يقدم أفضل صور الكرم والضيافة العربية لأشقائه الخليجيين، الأمر الذي يشكل ضربة قوية لجهود القوة الناعمة الإيرانية التي عملت طوال الفترة الماضية، على إقامة العديد من الموانع والمصدات لعرقلة أي جهود تسعى لتحقيق التقارب بين العراق والدول العربية.
تنظر إيران إلى أن الهدف الرئيسي من الانفتاح الخليجي الرسمي والشعبي وحتى الرياضي على العراق هو محاولة تغيير المعادلة الإقليمية في العراق، التي أرست قواعدها وهندستها الدوائر الرسمية الإيرانية
في هذا السياق أيضًا، تشير المراجعة التاريخية لمواقف إيران من إقامة هذه البطولة، إلى أنه طوال تاريخ هذه البطولة، الذي امتد إلى 24 بطولة أقيمت في العديد من العواصم الخليجية، هذه المرة الأولى التي تسجل فيها إيران احتجاجًا بهذه الطريقة، وهو ما يثير بدوره العديد من التساؤلات عن الخطوة الإيرانية الأخيرة، التي يغلب عليها الطابع السياسي بشكل عام، فالنجاح الإيراني على مستوى التأثير على الطبقة السياسية العراقية، قابله فشل على مستوى التأثير في القواعد الشعبية، وتحديدًا في المناطق الجنوبية، التي تزداد الفجوة بينها وبين إيران يومًا بعد آخر، وتحديدًا منذ احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019.
قلق إيراني
تدرك إيران جيدًا أن التقارب الشعبي المتصاعد بين العراق والدول العربية، سواء على مستوى هذه البطولة أم في المرحلة المقبلة، سينعكس سلبًا على نفوذها العام في العراق، خصوصًا إذا نجحت الدبلوماسية الشعبية التي تمارسها بعض الدول الخليجية في الدفع بالشارع العراقي للوقوف بعيدًا عن إيران، أو حتى النجاح في إعادة تشكيل الصورة الإيرانية في ذهنية الشارع العراقي، عبر إظهار الفرق الشاسع بين الطريقة التي تتعامل بها إيران مع العراق، والطريقة التي تتعامل بها الشعوب والحكومات الخليجية، وهو ما يمكن اعتباره السبب الرئيسي الذي يقف أمام خطوة الاتحاد الإيراني مؤخرًا.
وهو أمر تنبهت إليه إيران جيدًا، إذ سبق بيان الاتحاد الإيراني، استخدام زعيم التيار الصدري العراقي مقتدى الصدر، مصطلح “الخليج العربي” في تغريدة له على حسابه في تويتر، ما لاقى تفاعلًا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، فاعتبره البعض تحديًا لإيران، فيما أشار آخرون إلى أن في ذلك إشارة إلى اعتزاز الصدر بأصله العربي، وانبرى مغردون إيرانيون إلى مهاجمة الصدر، مطالبين وزارة الخارجية الإيرانية بالاعتراض رسميًا لدى العراق على هذا المصطلح.
إن التركيز المستمر على عروبة الخليج، يجعل إيران بدورها غريبة على هذه الجغرافيا، بل ويعمق من عزلتها أكثر، كما تنظر إيران إلى أن الهدف الرئيسي من الانفتاح الخليجي الرسمي والشعبي وحتى الرياضي على العراق هو محاولة تغيير المعادلة الإقليمية في العراق، التي أرست قواعدها وهندستها الدوائر الرسمية الإيرانية، لذلك تعمل إيران على اتخاذ كل السبل لإفشالها، فرغم كل سياسات الأدلجة الاجتماعية والثقافية التي مارستها إيران طوال السنوات السابقة، فإن الشارع العراقي لم يتأثر بها، بل عمل على مواجهتها بأقل الوسائل المتاحة، ليشكل بدوره أحد أدوات التأثير الفاعل ضد الإستراتيجية الإيرانية في العراق ومستقبلها.