وصفه العلامة ابن خلدون بأنه “شيخ الأندلس في علوم الكيمياء في القرن الثالث”، فيما قال عنه الطبيب المؤرخ جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القِفْطِي: “كان إمام الرياضيين بالأندلس، وأعلم من كان قبله بعلم الأفلاك وحركات النجوم، وكانت له عناية بأرصاد الكواكب، وله كتاب حسن في ثمار العدد.. وكتاب اختصر في تعديل الكواكب من زيج البتاني، وزاد فيه جداول حسنة على أنه اتبعه على خطئه فيه، ولم ينبه على مواضع الغلط منه، وتوفي (مسلمة) قبل الفتنة بالأندلس في سنة ثمانٍ وتسعين وثلاثمائة وقد أنجب له تلاميذ جلة”.
أما المؤرخ الكيميائي الأمريكي البلجيكي الشهير، جورج ألفريد ليون سارتون، فقال إنه “نال شهرة عظيمة بتحريره لزيج الخوارزمي، وإضافاته البناءة له، وصرف تاريخه الفارسي إلى التاريخ الهجري، ووضع أوساط الكواكب لأول تاريخ الهجرة وزيادته فيه لجداول جديدة”، واتفق معه مؤرخ الرياضيات المعروف ديفيد يوجين سمث الذي وصفه بأنه “كان مغرمًا بالأعداد المتحابة، ومشهورًا في تفوقه على غيره من علماء العرب والمسلمين في الأندلس بعلمي الفلك والهندسة”.
هو أبو القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي، عالم الرياضيات والفلك والكيمياء في الأندلس والمغرب العربي، المولود في مدينة مجريط (مدريد حاليًّا) عام 950 ميلادية، وعُرف بإمام الرياضيين ومنقي الفلك والكيمياء من شوائب الخرافات والأساطير التي كانت مسيطرة خلال العصور التي سبقته.
وعلى مدار 57 عامًا، هي سنوات عمره كاملة (توفي عام 1007 ميلادية)، استطاع أبو القاسم تخريج أجيال من علماء الفلك والكيمياء والرياضيات ممن حملوا مشاعل التقدم والنهوض لاحقًا وكانوا نجومًا يشار لهم بالبنان في تلك العلوم، فهو صاحب أول مدرسة علمية متخصصة في الأندلس وحملت اسمه “المدرسة المجريطية”، وكان لها دورها الفعال في إثراء النشاط العلمي إبان الحكم الأموي للأندلس.. فماذا نعرف عن هذا العلم الفذ الذي سبق أقرانه من علماء أوروبا؟
بين قرطبة وبلاد الشرق.. رحلة علم ممتدة
نشأ مسلمة المجريطي في بيئة تقدر العلم والعلماء، ورغم انتمائه إلى أسرة فقيرة، فإنها كانت غنية بالثقافة والعلوم، فحرصت منذ البداية على أن تعلم ولدها وتأهيله لأن يكون قيمة مضافة إلى مجتمعها الضيق ثم التحليق عاليًا ليصبح أحد أعلام الأندلس التي كانت تحيا في ذلك الوقت، نهاية القرن العاشر الميلادي، أزهى عصور حضارتها.
عاد الرجل محملًا بأوعية الفلك والهندسة والرياضيات، ليدشن أول مدرسة في الأندلس لتعليم هذه المجالات الحياتية
ونظرًا لعدم وجود علماء متخصصين في مجريط، مسقط رأس أبو القاسم، انتقل إلى قرطبة التي كانت في ذلك الوقت حاضنة العلم والعلوم، وكانت تزخر بعشرات العلماء في شتى التخصصات، وهناك تتلمذ على أيديهم ونهل منهم وعنهم، فأصبح ذا شأن في العلوم كلها، خاصة الكيمياء والرياضيات والفلك، بشهادة علمائه وشيوخه.
لم تُرض قرطبة نهم مسلمة المتعطش للازدياد من روافد العلم التي لا تنضب، فأجرى رحلة إلى بلاد الشرق ينهل من علمائها قدرًا من العلوم والثقافات، لا سيما المتخصصين في المجالات التي يحبها، الفلك والهندسة، وبالفعل كان له ما أراد، إذ تتلمذ على يد عدد من العلماء المشهود لهم في الشرق، ومنهم عالم الهندسة التاريخي، أبي أيوب عبد الغفار بن محمد، وأبي بكر بن عيسى، صاحب المؤلفات المتعددة في علوم العدد والهندسة والنجوم.
لا تذكر الروايات والكتب التاريخية معلومات كافية بشأن رحلة المجريطي للشرق، غير أن كل مؤلفاته وأبحاثه اللاحقة، وشهادات المؤرخين الموثقة، تؤكد حجم الاستفادة التي تلقاها هناك، وإثراء فكره وعقله بكل ما هو جديد وحديث في مجالات الفلك والهندسة والرياضيات، ساعده في ذلك وجود كوكبة من العلماء المتخصصين حيث تبادل الآراء والأفكار والمقترحات والاكتشافات، وتقييمها وفلترتها للوقوف على الغث منها والسمين، النافع والضار.
لم ينكر أبو القاسم فضائل علماء الشرق عليه وعلمه، فكان كثير الحديث عنهم، مُقرًا لهم بهذا الفضل، وكم كانت المغريات بالبقاء في تلك البلدان الثرية بالعلم والعلماء، غير أنه لا بد من العودة إلى قرطبة، حيث حلمه القديم في أن يثري ترابها بمداد العلم الذي تلقاه في بلاد الشرق، وبالفعل عاد الرجل محملًا بأوعية الفلك والهندسة والرياضيات، ليدشن أول مدرسة في الأندلس لتعليم هذه المجالات الحياتية.. لكن هناك معضلة ستقابل مهندس الأندلس وفلكها الأبرز.
سياق لا بد منه
كانت تعاني قرطبة في منتصف القرن العاشر من أزمة علمية خطيرة، تمثلت في منع وتحريم بعض العلوم الرياضية والفلسفية، من فقهاء الأندلس، كما أشار الباحث محمد عنبري، فرغم النهضة الحضارية التي بدأت البلاد في استقبالها خلال هذا القرن، فإن تلك المعضلة كان الثغرة الأبرز في جدران حضارة قرطبة والأندلس.
ويكشف عنبري أن كل من كان يشتغل في تلك العلوم، الفلسفة والفلك، كان يعرض حياته للخطر، كونه يضع نفسه في مرمى الاستهداف، السلطوي والمجتمعي، وهنا يقول المستشرق الإسباني، عضو الأكاديمية الإسبانية والأكاديمية الملكية للتاريخ، خوليان ريبيرا (1274 – 1354ه / 1858 – 1935 م): “فأساليب المنع والتحريم التي كانت تصل إلى الاضطهاد والقسوة وقد عبرت بهذا العلم – الفلك – في الأندلس فترات لم يكن يسمح للناس خلالها بأن يعرفوا منه إلا ما لا بد منه لتحديد اتجاه القبلة وتعيين مواقيت الليل والنهار على مدار العام، لتعرف أوقات الصلوات، فإذا تجاوز الإنسان هذه المطالب من هذا العلم، فقد غرر بنفسه، وأما الفلك، فقد كان محرمًا مع أنه أقرب إلى العلم والعقل).
وفي عهد الدولة الأموية في الأندلس، خاصة في فترة ولاية الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله (277-350هـ/891-961م) كان يتم استهداف الفلاسفة والفلكيين، لأسباب دينية، إذ كان الفقهاء يرمون من يشتغل بتلك العلوم بالزندقة، وقد دفع الخليفة ذاته لملاحقة أتباع ابن مسرة للقضاء على مذهبه.
لكن سرعان ما تغير الأمر مع تولي الخليفة الحكم المستنصر السلطة (350-366هـ/961-976م)، إذ كان من أكثر الحكام شغفًا بالفلسفة والرياضيات، وكان حريصًا على اقتناء وقراءة الكتب الفلسفية وغيرها، وفي هذا الشأن يقول أحمد بن صاعد الأندلسي، في كتابه “طبقات الأمم”: “لما مضى صدر من المئة الرابعة انتدب الأمير الحكم المستنصر بالله إلى العناية بالعلوم واستجلب من بغداد ومصر وغيرهما من ديار المشرق عيون التواليف الجليلة والمصنفات الغريبة في العلوم القديمة والحديثة وجمع منها ما كان يضاهي ما جمعته ملوك بني العباس في الأزمان الطويلة”.
كانت المدرسة التي أسسها المجريطي في قرطبة قبلة الباحثين وطلاب العلم ممن أردوا التخصص في علوم الفلك والهندسة والرياضيات
وما إن توفي المستنصر وتولى ابنه صغير السن، هشام المؤيد بالله، الذي سيطر عليه الحاجب المنصور الذي أحكم قبضته على السلطة، حتى تبدلت الأوضاع مرة أخرى، فأحرقت الكتب واستهدف العلماء، وكان ذلك إيذانًا ببداية عصر تهجير العلماء من الأندلس وقرطبة، فيما عادت اتهامات الزندقة والتكفير تلاحق الفلاسفة والعاملين في حقول الرياضيات والهندسة مرة أخرى.
في تلك الأجواء القاتمة التي تخيم على الساحة، عاد المجريطي إلى قرطبة التي كانت تعاني من هجرة علمائها وتجريف علومها، ليبدأ العالم الأندلسي في إعلان التحدي، عاقدًا العزم على تخريج أجيال جديدة من العلماء تعوض الراحلين، وتكون نواةً لنهضة علمية تشهدها البلاد، لتستعيد بها أمجاد الماضي، وعلى الفور تم وضع اللبنة الأولى لتدشين “المدرسة المجريطية” لتعليم علوم الهندسة والفلك والكيمياء، لتكون أول مدرسة متخصصة في الأندلس.
أول مدرسة علمية متخصصة في الأندلس
كانت المدرسة التي أسسها المجريطي في قرطبة قبلة الباحثين وطلاب العلم ممن أردوا التخصص في علوم الفلك والهندسة والرياضيات، خاصة أن تلك المجالات كانت تعاني من صورة مشوهة لدى المجتمع القرطبي بسبب ما أثير بشأنها من شائعات وأساطير، إذ كان البعض ينظر للكيمياء والفلك على أنهما سحر وشعوذة.
وقد ألقت تلك الصورة المسيئة ظلالها على خريطة علوم قرطبة، فابتعد شبابها عن دراسة هذه العلوم، قبل أن يتولى الخليفة المستنصر الحكم، ومن هنا جاءت رغبة أبو القاسم في تصحيح تلك الصورة المغلوطة والتأكيد على أن تلك المجالات هي علوم تطبيقية منهجية تخضع لقوانين العلم وليس السحر، كما أنها عمل بشري لا يتعارض مطلقًا مع التوحيد والإيمان وليست زندقة.
وأسهمت تلك المدرسة في إعادة قيمة الفلك والرياضيات واستعادة حضورهما في الأندلس حتى باتا من أكثر العلوم انتشارًا وإقبالًا، وذلك بفضل المدرسة المجريطية التي خرجت عشرات العلماء في تلك التخصصات، وهنا يقول المؤرخ أحمد بن محمد المقري التلمساني في كتابه “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب“: “سمعت من أثق بعقله ودينه من أهل العلم ممن اتفق على رسوخه فيه يقول إنه لم يؤلف في الأزياج مثل زيج مسلمة وزيج ابن السمح، وهما من أهل بلدنا)، كذلك ما قاله ابن خلدون في مقدمته: “ولأهل الصناعة الحسابية من أهل الأندلس تأليف فيها متعددة من أشهرها معاملات الزهراوي وابن السمح وأبي مسلم بن خلدون من تلاميذ مسلمة المجريطي”.
ومن أشهر من تخرجوا في تلك المدرسة وصاروا نبوغًا في الفلك والهندسة: ابن السمح والزهراوي والكرماني وابن الصفار وأبي بكر ابن الخياط، كذلك عبد الله محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني، بجانب ابنته النابغة فاطمة المجريطي، التي تعد من أعلام الفلك في الأندلس، التي ساهمت مع والدها في تدقيق وتصحيح جداول الخوارزمي الفلكيَّة، فقد قاما بضبطها، لتتناسب مع خطِّ الزوال الذي يعبر فوق مدينة قرطبة بالذات، بما يجعلها النقطة المرجعيَّة لإجراء الحسابات، تمامًا كما هو حال مدينة “غرينتش” كمرجع للتوقيت حاليًّا، ولها كتاب شهير تحت عنوان “تصحيحات فاطمة” يعد علامة فارقة في علم الفلك، وقد وصفتها الباحثة الإسبانية، عضو المجلس الأعلى للأبحاث العلمية والخبيرة في التاريخ الأندلسي، مانويلا مارين نينو بأنها “الواحة الثقافية داخل صحراء علمية شاسعة، وقد اهتمت بمراجعة بعض المعارف الموجودة في زمانها منها تصحيح الأخطاء وتحديث المعرفة الفلكية”.
نابغة الرياضيات وأسطرلاب الأندلس
سبق المجريطي أقرانه من علماء الأندلس في علم الفلك، فكان أعلمهم وأكثرهم دراية بأرصاد الكواكب وحركة الأفلاك والنجوم، وله العديد من المؤلفات التي لا تزال باقية حتى اليوم في هذا المسار، التي أحدثت تطورًا كبيرًا في عمل الأسطرلاب القياسي، كما أضاف لعلماء اليونان ونقح مؤلفاتهم وأثراها بنصوصه وتفاسيره الفلكية.
ونجح أبو القاسم مع بعض علماء الأندلس في تكييف الجداول الأصلية لحركة الأجرام والأفلاك مع الوقت والمكان اللذين يعيشيان بهما، فاستبدلا التقويم الفارسي الشمسي الذي كان مستخدمًا في جداول محمد بن موسى الخوارزمي إلى التقويم الهجري الإسلامي، كذلك الحسابات الجغرافية الأخرى حتى تحولت قرطبة إلى مرجع للحسابات الجغرافية والزمنية.
أثرى أبو القاسم المجريطي المكتبة العلمية بأمهات الكتب في الرياضة والفلك والهندسة، منها: كتاب الأحجار وكتاب شرح المجسطي لبطليموس وكتاب مفخرة الأحجار الكريمة وكتاب روضة الحدائق ورياض الخلائق
وينسب للمجريطي أنه أول من علق على كتاب بطليموس “المجسطي” وخريطته الفلكية، ونقله إلى العربية، والجداول الفلكية للخوارزمي، وأحدث إضافات كبيرة في دراسة حركة النجوم والكواكب، وتتبع مساراتها وكيفية تحديد المكان والزمان عبر أدواته التي أثراها بدعم تلاميذه وأقرانه.
ومن الفلك إلى الكيمياء، إذ أرسى العالم الأندلسي قواعد هذا العلم على أسس علمية بحتة، بعيدًا عن تشعبات السحر والشعوذة والزندقة كما كان يتهم بها في السابق، وفي هذا المسار ألف كتابين يعدان من أهم المؤلفات في هذا المجال، الأول كتاب “رتبة الحكيم ومدخل التعليم في الكيمياء” الذي يتضمن مقدمة وأربع مقالات، أكد من خلالها العالم الأندلسي على أهمية دراسة الرياضيات بشتى فنونها، كونها بداية الطريق العلمي نحو دراسة الكيمياء، فكلاهما يعتمد على التفكير المنطقي والاستنتاجات التي تعتمد على مقدمات ونتائج، وكان الهدف من ذلك إثبات أن الكيمياء علم له مقدمات تقود حتمًا إلى نتائج وفق معادلات معروفة.
وما إن انتهى المجريطي من تنقيح كتاب الرتبة شرع في كتابة مؤلفه الثاني “غاية الحكيم” الذي اعتبره البعض السيف الذي قطع به العالم الأندلسي رقاب الجهل في قرطبة، جهل توصيف العلوم ونعتها بما ليس فيها، ما كان له أثره السلبي على حركة النهضة والعلوم في ذلك الوقت، قبل أن يتدارك الأمر أبو القاسم وغيره من علماء الأندلس.
يقول المجريطي مستعرضًا مبررات تأليفه لهذا الكتاب: “فالمحرك لي لتأليفه ما رأيت أكثر أهل زماننا يبحثون عنه من أمر الطلسمات وفنون أنواع السحر وهم لا يعلمون ما يطلبون ولا لأي سبيل يقصدون قد فنيت أعمارهم في مطلوب قد حيل بينهم وبينه لستر الحكماء إياه وأعراضهم عن كشفه لما فيه من خراب العالم ودثوره والله يأبى ذلك مصلحة لعالمه، فلذلك شيدوا أبنية البرابي، ووضعوا فيها نقوشات الصور تنبيها وتذكية للعقل وخلدوا ما خلدوا في الكتب بالرموز والتعميات لئلا يفهمها إلا الحكيم مثلهم وأفادوا فما بين ذلك، وبينوا الأسرار لمن عقل عنهم، فرأيت أن أبث للقوم وأشرح لهم الطريق المعمى في هذه النتيجة المسماة سيميا وأبين ما أخفوه الحكماء من أمر هذه النتيجة السحرية كما فعلنا في النتيجة الصنعوية، وأقسم هذا الكتاب على أربع مقالات كما فعلنا في (الرتبة) كل مقالة منها مقيدة بعدة فصول، المقالة الأولى من النسب، المقالة الثانية من الصور الفلكية وأفعالها، المقالة الثالثة في حظوظ الكواكب، والمقالة الرابعة في سحر الأكراد والنبط والحبشة”.
وقد أثرى أبو القاسم المجريطي المكتبة العلمية بأمهات الكتب في الرياضة والفلك والهندسة، منها: كتاب الأحجار وكتاب شرح المجسطي لبطليموس وكتاب مفخرة الأحجار الكريمة وكتاب روضة الحدائق ورياض الخلائق وكتاب تمام العدد في الحساب (كتاب المعاملات) وكتاب اختصار تعديل الكواكب من زيج البتاني ورسالة في الأسطرلاب وكتاب في التاريخ وكتاب في الطبيعيات وتأثير النشأة والبيئة في الكائنات الحية والرسالة الجامعة وكتاب الإيضاح في علم السحر.
وقد احتل العالم الأندلسي منزلة رفيعة لدى العلماء والباحثين والمؤرخين لما قدمه للنهضة العلمية للأندلس والبشرية بصفة عامة، وهو ما توثقه شهاداتهم عنه رغم قلة المعلومات التي تطرقت إلى سيرته وحياته، ومن أبرز ما قيل فيه ما جاء على لسان القفطي “كان إمام الرياضيين بالأندلس، وأعلم من كان قبله بعلم الأفلاك وحركات النجوم”، وقول ابن خلدون بأنه “شيخ الأندلس في علوم الكيمياء في القرن الثالث”.
وبعد قرابة أربعة عقود كاملة قضاها المجريطي في البحث والتأليف وتخريج عشرات العلماء وبناء جيل جديد للأمة الإسلامية والحضارية الإنسانية من العلماء الأفذاذ، الفطاحل في الكيمياء والفلك والرياضيات، غادر الحياة في مدينة قرطبة ، تاركًا خلفه إرثًا من الإسهامات والإنجازات خلدت اسمه وسيرته لمئات السنين القادمة.
ويشير الباحث محمد عنبري إلى أن وفاة المجريطي كانت محل خلاف بين المؤرخين، فقد انقسموا حيالها إلى 3 آراء، كل رأي يحمل تاريخ وفاة مختلف، الأول أنه توفي سنة (353هـ/ 964م)، إلا أن هذا التاريخ لم يلق قبول البعض، فالعالم الأندلسي رصد النجم “قلب الأسد” عام 979م، فكيف له أن يكون رحل قبل هذا التاريخ بـ 15 عامًا؟
أما الرأي الثاني فيذهب إلى أن الوفاة كانت سنة (395 هـ/ 1004 – 1005 م)، لكن هناك من كذب هذا الرأي، إذ نقلت العديد من المصادر أن المجريطي توفي قبيل فتنة الأندلس مباشرة، وهي الفتنة التي حدثت سنة 399هـ – 1008م، وعليه جاء الرأي الثالث وهو الأرجح بين المؤرخين أنه توفي عام (398هـ/1007م)، وبصرف النظر عن تباين الرؤى بخصوص تاريخه، هناك إجماع لا شك فيه أنه كان أحد أعلام الأندلس وشعاعها الذي أنار العالم أجمع منذ نهاية القرن العاشر الميلادي وحتى اليوم.