ما إن أتمت حكومة أخنوش عامها الأول حتى طغى الحديث عن تعديل حكومي مرتقب على المشهد السياسي، وقد عاد هذا النقاش إلى الواجهة مع بداية العام الجديد، وبدا العديد من الوزراء كأنهم يتحسسون رؤوسهم، فكل منهم يخشى أن يحزم حقيبته ويغادر الحكومة بقرار من الدوائر العليا.
التعديل الحكومي هو إجراء مرتبط بالعاهل المغربي ومستشاريه، وقد دأبت العادة، بعد مضي مدة معقولة على تشكيل الحكومة، على إعفاء وزراء وتعيين آخرين بدلًا منهم، أو حتى تقليص الحقائب الوزراية مثلما حدث مع حكومة العثماني السابقة، بعدما طلب الملك محمد السادس من سعد الدين العثماني تقليص عدد الوزراء واقتراح كفاءات جديدة.
وزيران مثيران للجدل
صيف العام الماضي، انفردت مجلة “جون أفريك” الباريسية بخبر عن أول تعديل حكومي سيعصف بوزيرين من الحكومة المنبثقة عن انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021، ويتعلق الأمر وفقًا لهذه المجلة المقربة من مراكز القرار المغربي، بوزير العدل والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي، ووزير التعليم العالي عبد اللطيف ميراوي، عن نفس هذا الحزب الذي جاء ثانيًا في لوحة نتائج الانتخابات.
وزيرا العدل والتعليم العالي أثارا الجدل كثيرًا، فالأخير اهتم منذ البداية بإلغاء نظام الإجازة (3 سنوات للتكوين) وإعادة نظام البكالريوس الذي تم التراجع عنه منذ سنوات عديدة، كما انخرط الوزير في فرنسة التعليم العالي، وأيضًا توترت علاقاته مع النقابة الوطنية للتعليم العالي بخصوص النظام الأساس للأساتذة الباحثين، هذا علاوة على الانتقادات التي رافقت ملفات التعيينات في عدد من الجامعات.
مصادر سياسية اعتبرت خبر التعديل الحكومي مجرد إشاعة أو تكتيك لإلهاء الناس عن مطالبهم المشروعة، وقد يكون رئيس الحكومة عزيز أخنوش، هو نفسه من سرب الخبر إلى المجلة، من أجل تخفيف الضغط عليه وعلى حكومته، حيث اعتبر رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية المعارض عبد الله بوانو، أن أخنوش فعل ذلك من أجل ضرب وزير العدل وتحريف النقاش بشأن حملة “أرحل أخنوش”، وما زال موقع فيسبوك شاهدًا على مشاركات تحمل نفس الهاشتاغ، وهذا يعني أن الحملة حقيقية، وأن هناك فئات عريضة من المغاربة تطالب فعلًا برحيل رئيس الحكومة.
مؤخرًا انطلقت حملة تطالب برحيل وزير العدل، بسبب الشكوك التي حامت حول نزاهة امتحان مهنة المحاماة، وظهور أسماء ناجحين قيل إنهم نجحوا بالمحاباة، وآخرين لم يجتازوا الامتحان أصلًا ثم وجدت أسماؤهم ضمن الناجحين، وعندما طُلب من وزير العدل أن يحقق في الأمر، قابل ذلك بالرفض ودافع عن نزاهة الامتحان، ليعود أخيرًا ويعتذر ويعد بإعادة تصحيح أوراق إجابات الراسبين، وذلك بعدما انهالت عليه الانتقادات.
المحامون أنفسهم يطالبون بإقالة زميلهم في المهنة، فبعدما حاز حقيبة العدل أصدر مجموعة من القرارات التي لم تكن محط ترحيب على الإطلاق، آخرها ما تضمنه قانون المالية لعام 2023، حين فرض على المحامين تقديم ضرائب سابقة عند تسجيل دعوى قضائية، وتضاف هذه الضرائب إلى الضرائب السنوية التي يؤديها جميع المشتغلين في المهن الحرة، ونتيجة لذلك دخل أصحاب البذلة السوداء في إضراب طويل، ما يعني أن جلسات المحاكمة أصبحت مؤجلة.
ائتلاف حكومي متصدع
من جهة أخرى، يبدو أن الأغلبية الحكومية على وشك التصدع، فالبيان الذي أصدره رؤساء فرق الأغلبية في البرلمان، الذي دعا الأحزاب الثلاث المشكلة للحكومة إلى “احترام الميثاق الأخلاقي والسياسي الذي توافقت عليه عند تأسيسها قبل سنتين”، ينفي فعليًا الانسجام الذي تروج له حكومة أخنوش دائمًا، حيث بدا الخلاف واضحًا بين أحزابها في أعقاب امتحان المحاماة.
الجميع ينتظر التعديل الحكومي، والأوساط السياسية تترقب أن يحمل العام الجديد مفاجأة مدوية، من شأنها أن تمس العديد من القطاعات، خصوصًا الوزراء الذين لم يقدموا قيمة مضافة تقترب من سقف الوعود التي قدموها، وحصلوا على ما يكفي من الوقت، لذلك ليس من المستبعد أن يرفع أخنوش إلى الملك مقترحات لإلغاء وتجديد مناصب المسؤولية.
تبدو السمة الطاغية على حكومة أخنوش هي كثرة الوعود وقلة الممارسة السياسية، حيث ترى المعارضة أن الحكومة تبدو غير مبالية وعاجزة عن تدبير الأزمة بتعقيداتها المختلفة، وتفتقد إلى الحِس السياسي اللازم من أجل التجاوز السليم لأعطاب المرحلة، بينما لا يتردد بعض المراقبين للمشهد السياسي في البلاد في التأكيد على حاجة حكومة أخنوش إلى فرصة سياسية جديدة لإصلاح انتكاسة البداية المتعثرة لعملها بإجراء تعديل حكومي على تشكيلتها.
عودة إلى الفوضى واللايقين
أما على المستوى التواصلي، فبعدما اشتد الخناق حول الطبقتين الفقيرة والمتوسطة بسبب موجة الغلاء، في أعقاب جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية الأوكرانية، اكتفت الحكومة بتبرير ذلك بالسياق العالمي، بينما انتظر المغاربة إجراءات فعلية من أجل تخفيف وجعهم اليومي الذي اشتد كذلك بسبب الجفاف وشح المياه.
كان هناك أمل في تنفيذ مخطط النموذج التنموي الجديد، لكن سادت خيبة أمل شعبية، وعاد الناس إلى مرحلة الفوضى وعدم اليقين، فالبداية الحكومية المتعثرة أخرجت الناس للشارع بسبب قرارات وصفت بأنها استفزازية، مثل قرار وزارة التربية الوطنية الذي أقصى خريجي الجامعات فوق 30 عامًا من اجتياز امتحان المدرسين.
هناك رغبة في تخفيف توتر المجتمع، خصوصًا أن الوضع المالي للمغاربة آخذ في التدهور، فالأرقام الحكومية تقول إن 83% من المغاربة تدهور وضعهم المعيشي على مدى 12 شهرًا، ونفس النسبة تقريبًا تتوقع ارتفاع حجم البطالة خلال العام الحاليّ، وأدى هذا فعلًا إلى تدني مؤشر ثقة الأسر المغربية إلى أدنى مستوياتها، وهي تبدو متشائمة بخصوص قدرتها على الادخار خلال الأشهر المقبلة.
عادة ما يتم إجراء تعديل حكومي في منتصف الولاية، لكن الوقت ليس الفيصل دائمًا، فقد سبق أن تم الإعفاء من المناصب الوزارية في بداية ولايات حكومية سابقة، إما بسبب انعدام الكفاءة وإما لتوجيه رسائل سياسية معينة.