ترجمة حفصة جودة
استنكر معتقلو خليج غوانتنامو السابقون ملاءمة الولايات المتحدة كمضيف مشارك لكأس العالم 2026، مستشهدين باعتقالهم غير القانوني بهذا السجن سيئ السمعة وسلسلة الانتهاكات التي ارتكبت بحقهم خلال 21 عامًا من الحرب على الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة.
كانت الولايات المتحدة قد فازت باستضافة البطولة القادمة مع كندا والمكسيك في 2018، لكن القرار واجه انتقادات متجددة بعد كأس العالم الأخيرة في قطر.
قال منصور الضيفي – مواطن يمني قضى 14 عامًا في الأسر الأمريكي ولم يُتهم بجريمة قط – إن القضايا التي تُثار الآن مثل القيود النقابية والتوظيف العادل وحماية العمال والالتزام بأجور مناسبة للعيش، مجرد غيض من فيض.
يُحتجز الآن 39 سجينًا في الخليج المملوك لأمريكا الواقع على جزيرة كاريبية، من بينهم 13 سجينًا سُمح بنقلهم بالفعل، وقد احتُجز معظمهم دون توجيه أي تهم رسمية.
يقول الضيفي – نُقل إلى صربيا عام 2016 ويعيش فيها بمفرده الآن -: “فيما يتعلق بكأس العالم 2026، فلا أعتقد أنه ينبغي إقامته في الولايات المتحدة، فأمريكا ليست جديرة باستضافة مثل هذا الحدث”.
وأضاف “انظروا إلى تاريخ انتهاكات حقوق الإنسان، فخلال الـ20 عامًا الأخيرة، إذا أردتم تعريف أمريكا فماذا تقولون؟ أبو غريب؟ المواقع السوداء؟ غوانتنامو؟”.
قُبض على 86% من المعتقلين في غوانتنامو بعد توزيع الولايات المتحدة منشورات في باكستان وأفغانستان تعرض فيها مكافآت ضخمة لاعتقال “أشخاص مشبوهين”
قضى الضيفي بطولات 2002 و2006 و2010 و2016 لكأس العالم في السجن حيث كان يواجه التعذيب والإذلال والانتهاكات، كان عمره 18 عامًا فقط عندما اعتُقل في أفغانستان، قبل عدة أشهر من بداية دراسته الجامعية.
قُبض على 86% من المعتقلين في غوانتنامو بعد توزيع الولايات المتحدة منشورات في باكستان وأفغانستان تعرض فيها مكافآت ضخمة لاعتقال “أشخاص مشبوهين”، من بين هؤلاء المعتقلين، تقرر أن 55% منهم لم يرتكبوا أي أعمال عدائية ضد الولايات المتحدة أو حلفائها، وأن 8% فقط صُنفوا كمقاتلين في القاعدة.
والآن بعد أن أصبح الضيفي حرًا، فإنه يقول إن اعتقاله أحد أسباب عدم صلاحية الولايات المتحدة لاستضافة البطولة، حيث يضيف “لم نر أي اعتراف أو عدالة أو تحمل مسؤولية ما حدث، فنتيجة الحرب على الإرهاب مات أكثر من مليون شخص، ونزح عشرات الملايين واختُطف عشرات الآلاف وعُذبوا وسُجنوا إلى أجل غير مسمى”.
“لا يجب السماح للولايات المتحدة باستضافة كأس العالم حتى تصلح سجلها في حقوق الإنسان، ينبغي على الدول والشعوب أن تقاطع كأس العالم 2026 إذا عُقد في الولايات المتحدة أو في أي دولة تنتهك حقوق الإنسان”.
درجة من الانفصال
عادة ما يتعرض مستضيفو أي حدث رياضي عالمي مثل كأس العالم للانتقادات مثلما رأينا في قطر، حيث كانت تغطية الكثير من وسائل الإعلام تركز على حقوق مجتمع الميم وظروف عمل العمال المهاجرين وأغلبهم من جنوب شرق آسيا.
يقول شايانا كاديدال – مدير المحامين في مركز الحقوق الدستورية – إن هذه الانتقادات تكون أقل عندما يُقام كأس العالم في دولة غربية مثل فرنسا أو إنجلترا أو الولايات المتحدة.
القيود المشددة على الزيارة وإرسال تقارير إخبارية من تلك القاعدة العسكرية تجعل من الصعب على المراسلين كشف ما يحدث هناك
ويضيف “يجب أن تُثار قضية الغسيل الرياضي – كما يُشاع تسميتها – في كل دولة تفتخر باستضافتها لهذه الأحداث الكبيرة، تستفيد الولايات المتحدة سلبًا من ذلك، فهي قوة إمبريالية تنشر قسوتها في كل مكان خارج حدودها”.
يقول كاديدال إن الثروة التي حققتها الولايات المتحدة لا تُرى كقضية حقوق إنسان، نظرًا لأن العنف الإمبريالي الذي نتج عنه وصول هذه الأموال لأمريكا، مخفي بأحد درجات الانفصال، جزء من هذا الانفصال هو القدرة على إخفاء هذه الانتهاكات عن أعين العامة.
فعلى سبيل المثال، كانت تفاصيل برنامج الطائرات دون طيار المميتة سرية، حتى تدخل كاشف الفساد العسكري دانييل هيل، الذي اعتُقل بعد ذلك وحُكم عليه بالسجن 45 شهرًا العام الماضي لانتهاك قانون التجسس لعام 1917.
رغم قرب مدينة ميامي في فلوريدا من غوانتنامو، فإن القيود المشددة على الزيارة وإرسال تقارير إخبارية من تلك القاعدة العسكرية تجعل من الصعب على المراسلين كشف ما يحدث هناك، يقول كاديدال: “كل شيء مخفي جيدًا في تلك المستعمرة الصغيرة”.
ويضيف “لن يذهب الصحفيون في جولة تستمر 3 أيام وسط المباريات النهاية للتحقيق في أمر تلك المنشأة، لقد نُسى الأمر بشكل فعال للغاية”.
ومع ذلك، فإقامة كأس العالم في الولايات المتحدة فرصة جيدة لإلقاء الضوء على تلك القضايا في الوقت الذي ينظر فيه العالم أجمع للبلاد.
يقول كاديدال: “أعتقد أنها ستكون فرصة مناسبة لإثارة التساؤلات بشأن سجل حقوق الإنسان للولايات المتحدة في كل مكان تنشر فيه قوتها الإمبريالية مثل غوانتنامو وبورتريكو، إنه بالتأكيد استخدام شرعي للاحتجاج على كأس العالم 2026”.
إقامة العدل كل عام
منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، قادت الولايات المتحدة عدة غزوات في العراق وأفغانستان، في العراق كان سجن أبو غريب رمزًا للتعذيب الذي يمارسه الجيش الأمريكي في الخارج.
قادت الولايات المتحدة أيضًا برنامجًا سريًا لطائرات دون طيار قاتلة، تسبب في مقتل 3797 شخصًا، بينهم 324 شخصًا في ظل إدارة أوباما، وذلك وفقًا لمجلس العلاقات الخارجية.
رغم أن كاس العالم فرصة عظيمة لإثارة هذه القضايا، فإن انتهاكات الجيش الأمريكي يجب أن تُناقش باستمرار
وجد تقرير لمشروع “تكلفة الحرب” التابع لجامعة براون، أن الحرب على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة قتلت ما يقرب من مليون شخص عالميًا وكلّفت نحو 8 تريليونات دولار منذ بدايتها قبل عقدين من الزمان.
ووجد تقرير آخر أنه إضافة إلى هذه الوفيات، فإن الصراعات التي شاركت فيها الولايات المتحدة في أعقاب 11 سبتمبر/أيلول أدت إلى نزوح أكثر من 37 مليون شخص.
في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، اعتقلت الولايات المتحدة مئات المسلمين من جميع أنحاء العالم واحتجزتهم إلى أجل غير مسمى في سجن خليج غوانتنامو سيئ السمعة.
يقول شيفان سارين نائب مدير منظمة “Reprieve” في الولايات المتحدة: “سُلط الضوء على سجل حقوق الإنسان في قطر منذ اختيارها لاستضافة كأس العالم 2022، لذا من المفترض أن تقوم المنظمات الإعلامية بالتدقيق بالقدر نفسه مع الولايات المتحدة، نظرًا لأنها ستستضيف البطولة بعد 4 سنوات”.
يضيف سارين “هل يسأل المراسلون أسئلة صعبة عن خليج غوانتنامو، حيث احتُجز نحو 800 رجل دون محاكمة، أو عن الهجمات الجوية للدرونز الأمريكية التي تواصل قتل المدنيين بعيدًا عن أرض المعركة؟”.
يرى سارين أنه دون خضوع الولايات المتحدة لنفس المستوى من الانتقاد الذي تعرضت له قطر، فإن ذلك يخلد طريقة “الكيل بمكيالين”، حيث تتعرض بعض الدول فقط للانتقاد.
قال أحد معتقلي غونتناموا السابقون – الذي طلب إخفاء اسمه خوفًا من الانتقام – إنه رغم أن كاس العالم فرصة عظيمة لإثارة هذه القضايا، فإن انتهاكات الجيش الأمريكي يجب أن تُناقش باستمرار.
وأضاف في بيان له “يجب أن تُثار قضية انتهاك الولايات المتحدة لحقوق الإنسان باستمرار، ليس فقط قبل كأس العالم، بل كل عام، خاصة عندما تعلن الخارجية الأمريكية دون خجل تقريرها السنوي لحقوق الإنسان، متهمة العديد من الدول بانتهاك حقوق الإنسان، بينما تغض الطرف عن غوانتنامو، واعتقال مئات الأشخاص لأجل غير مسمى منذ 2002”.
المصدر: ميدل إيست آي