ترجمة حفصة جودة
في عام 2022، قال الكثير من الناس إن العالم يجب ألا يعود إلى وضعه الطبيعي وإلى نفس الطرق الطبيعية التي كان عليها قبل جائحة الكورونا، حتى إن مؤسسة الأبحاث “Overseas Development Institute” ومقرها المملكة المتحدة قالت إن الطبيعي كان المشكلة.
أتمنى أن يتذكر العالم هذا الكلام جيدًا.
سواء كان الأمر متعلقًا بأزمة صحية أم بأزمة المناخ، فإن فقراء العالم هم الذين يشعرون بالضغط في أثناء الأزمة وفي إعادة البناء بعدها.
قبل أن تعلن أوغندا أول إغلاق لها في مارس/آذار 2020، كان الكثير من الأهالي في منطقة كامولي – شرق البلاد – بحاجة ماسة إلى الطعام، كان من الصعب بالطبع تأمين الحصول على بعض الأشياء مثل أقنعة الوجه والمطهرات، وبعد ذلك كله، كان الكثيرون منهم يعيشون في فقر شديد حتى قبل الجائحة.
لهذا السبب أعتقد إذا كان الدرس الذي تعلمناه من الجائحة أن لا نعود للوضع الطبيعي، فإن الفقر هو ما يجب معالجته، ولا يحتاج العالم بالضرورة لمصادر تمويل جديدة لإنهاء الفقر العالمي، فالمال المطلوب هو نفسه القدر الذي أُنفق من قبل بشكل سيئ.
في العام الماضي بدأت عامي الـ41، ولم أغادر قط إفريقيا جنوب الصحراء، مركز الفقر العالمي المزمن، لقد عرفت معنى الغضب الحقيقي، فقبل عدة سنوات فقط كانت تأتي أيام أظل فيها دون طعام.
تملك أوغندا نصيبها العادل من الفقر، لكن منطقتي “بوسوجا” هي الأعلى فقرًا وفقًا لمكتب الإحصاءات الأوغندي، بمعدل فقر يصل إلى 74.8% مقارنة بالمتوسط الوطني 63%، وكلما تعمقت في الريف أصبحت الحياة أصعب.
تتشابه الحياة هنا مع الكثير من المجتمعات الفقيرة، والمبادرات الحاليّة التي تهدف إلى إنهاء الفقر العالمي، تجعل من المستحيل التخلص منه
وإذا اقتطعنا المناطق الحضرية مثل مدينة جينجا السياحية، فإن معدل الفقر في المناطق الريفية في بوسوجا مثل قريتي ناميسيتا سيتجاوز 90%، هذا الفقر ينعكس في عنوانين الأخبار، وبوسوجا هي المثال الصارخ للناس الذين يعيشون حياة شبه قديمة في فقر مدقع.
من الناحية الوطنية، يجني 60% من العاملين الأوغنديين 200 ألف شلن أوغندي (44.50 جنيه إسترليني) في الشهر أي نحو 1.5 جنيه إسترليني في اليوم، لكن في بوسوجا هناك الكثير من العاطلين، خاصة في أحياء مثل كامولي وبايندي اللذين يسكن بهما أكثر من نصف مليون شخص.
هناك أشخاص يجنون من 50 ألف إلى 100 ألف شلن أوغندي (11 إلى 22 جنيهًا إسترلينيًا) في 4 أشهر كاملة لموسم الزراعة، وهناك أشخاص ينامون على خرق قديمة في منازلهم.
في مارس/آذار الماضي، زارت سيدة مشروعي “Uganda Community Farm” في ناميسيتا تطلب بذورًا استعدادًا لموسم الأمطار في أبريل/نيسان، قصتها نموذجية حيث تقول: “لا أملك صابونًا أو ملحًا، وأود استئجار ثور حراثة لمساعدتي في إعداد الأرض لكنني لا أملك أي مال”.
تتشابه الحياة هنا مع الكثير من المجتمعات الفقيرة، والمبادرات الحاليّة التي تهدف إلى إنهاء الفقر العالمي، تجعل من المستحيل التخلص منه.
في 2015، عندما انطلقت أهداف الأمم المتحدة العالمية، كنت جائعًا وكان هذا حالي منذ الطفولة، قررت حينها أن الوقت حان لكي أتحكم بزمام الأمور وأغيّر هدفي، واليوم أعلم شيئًا أو اثنين عن مكافحة الفقر عالميًا وهي غير ناجحة.
إذا نظرت إلى بايندي وبوسوجا حيث يعيش أكثر من 400 ألف شخص، ستجد من الصعب جدًا العثور على أي وكالة زارت المكان منذ عقود، الوضع نفسه في كثير من المجتمعات في بوسوجا.
وفقًا لتقرير مكتب الإحصاءات “Ubos” في 2021 فإن “تدخلات وبرامج الفقر لم يكن لها أي تأثير على الحد من الفقر، وذلك لأن هذه التدخلات كانت فوقية دائمًا، ما زالت البشرية مقتنعة أن أفضل حل لفقراء العالم هو الجلوس والانتظار حتى يأتي الأشخاص المناسبون من الشمال العالمي لمساعدتهم”.
هناك الملايين من أصحاب النوايا الحسنة الذين يرغبون حقًا في أن يصبح العالم مكانًا أفضل، ويريدون مساعدة الناس على الفرار من الفقر، لكنهم يعتقدون أن أفضل طريقة لذلك هي إبعاد الدعم عن الفقرء أنفسهم
واليوم، فإن 1% فقط من كل الأموال المخصصة لإنهاء الفقر (بما في ذلك المساعدات التنموية الرسمية والمساعدات الإنسانية) تذهب مباشرة لأشد الناس فقرًا.
فقط 1% من جميع المساعدات التنموية الرسمية (من وكالات مثل “USAid” و”UKAid”) وجزء أصغر (0.4% في 2018) من جميع المساعدات الإنسانية الدولية (بما في ذلك المؤسسات الخيرية)، يذهب مباشرة إلى المنظمات الشعبية في الجنوب العالمي.
في 2018، لم يصل إلا 5.2% (من أصل 9 مليارات دولار) من تمويل المؤسسات الأمريكية المخصصة لإفريقيا جنوب الصحراء، إلى المنظمات المحلية، وذلك وفقًا لما قاله صندوق “African Visionary” صاحب الشراكة مع مؤسسة “Segal Family” وغيرها من المانحين الأمريكيين نقلًا عن مجلس المؤسسات الأمريكي.
هذا يعني أن نحو 99% من الأموال المخصصة لمكافحة الفقر تظل في أيدي قطاع التنمية العالمي أي الوكالات الغربية، وبالنسبة لأشخاص مثلنا، فالطريق الوحيد للهروب من الفقر انتظار فرصة لزيارة قطاع التنمية لقريتنا.
ومع ذلك فهذا القطاع عمل تاريخيًا بعيدًا عن الدول الفقيرة ولا يمكن الوصول إليه، ومن شبه المستحيل أن يعمل أحد من قطاع التنمية من خلال حلول يقودها الفقراء.
هناك الملايين من أصحاب النوايا الحسنة الذين يرغبون حقًا في أن يصبح العالم مكانًا أفضل، ويريدون مساعدة الناس على الفرار من الفقر، لكنهم يعتقدون أن أفضل طريقة لذلك هي إبعاد الدعم عن الفقراء أنفسهم والحذر من التعامل المباشر معهم، على افتراض أن الفقراء الأفارقة محتالون.
يجب أن يدير الأمر الأفراد الشرعيون فقط من الشمال العالمي، فعلى سبيل المثال، بعد زلزال هاييتي في 2010، هذا ما قيل في مجلة فوربس “لا ترسلوا النقود إلى الخارج، ورغم أن هاييتي كارثة أجنبية، لا يجب إرسال التبرعات إلى بنوك أجنبية، فالخبراء يقولون إن ذلك غير شرعي”.
لهؤلاء الذين اعتادوا الحذر من فقراء العالم أقول لهم: من فضلكم، غيروا أفكاركم، فالتمسك بوجهة النظر العالمية تلك، يساعد في الحكم على الناس بالفقر الأبدي
وبحسب الصحف الأجنبية فق قالت سي إس مونيتور: “خلال 24 ساعة من الحادث كان المحتالون يعملون للاستفادة من الكارثة”، بينما حذرت إن بي سي نيوز قائلة: “احذروا من المساعدة الإلكترونية الزائفة من أجل هاييتي”، أما إيه بي سي قال: “احذروا هذه التبرعات المندفعة”.
بالنسبة لنا هنا، فإذا تواصلنا مع أي شخص من الشمال العالمي طالبين منه أن يغرد عن أزمتنا، فإنه يرفض دون أن يستمع حتى إلى ما نفعله، إنهم يعتقدون دائمًا أننا محتالون.
يرجع ذلك غالبًا إلى وسائل الإعلام الدولية والقطاع التنموي العالمي نفسه، أي نفس الأشخاص الذين من المفترض أن يكونوا في صف الفقراء.
لهؤلاء الذين اعتادوا الحذر من فقراء العالم أقول لهم: من فضلكم، غيروا أفكاركم، فالتمسك بوجهة النظر العالمية تلك، يساعد في الحكم على الناس بالفقر الأبدي.
لا شيء أسوأ من البشر الذين يعتقدون أنهم أكثر شرعية من غيرهم، كلنا سواسية، والشيء الوحيد الذي يجعلنا مختلفين هو وجود الفرصة أو الحرمان منها، وهؤلاء المحتالون يلجأون إلى احتيالهم بسبب التباين الاقتصادي.
لقد انطلق المنهج الجديد الفوقي انطلاقة جديدة، لكنه لم ينجح، الشيء الوحيد الذي حققه إبقاء الفقراء جانبًا، لقد قضى العالم ما يكفي من الوقت محاولًا إنهاء الفقر العالمي بنفس الطرق ونفس الإخفاقات.
وإذا كانت جائحة كورونا قد علّمت العالم ألا يعود إلى الطبيعي، فقد حان الوقت لأن يتولى الفقراء الإدارة.
المصدر: الغارديان