ترجمة وتحرير: نون بوست
قبل سنتين؛ أجرت الإدارة الأمريكية المنتهية ولايتها بقيادة دونالد ترامب بعض التعديلات البيروقراطية على البلدان التي تندرج ضمن مجموعات القيادة العسكرية. وارتقت “إسرائيل”، التي كانت جزءًا من القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا إلى القيادة المركزية للولايات المتحدة، والتي تشمل الشرق الأوسط وبعض دول جنوب آسيا.
لقد كان هذا الخبر نوعًا ما مملًا ولم يتصدر عناوين الأخبار، كما تجاهله الكثير من الناس. ولكن عندما تم الإعلان عنه في 15 كانون الثاني/ يناير 2021، احتفلت به الجماعات الأمريكية المؤيدة لـ “إسرائيل” والمسؤولون الإسرائيليون.
في ذلك الوقت؛ أشرتُ إلى أن هذا كان جزءًا من الاستفادة من اتفاقيات إبراهيم والمضي قدمًا في فكرة تشكيل “حلف ناتو شرق أوسطي”. ونشرتُ تغريدة على تويتر قلت فيها إن “هذا الأمر يتطلب اهتمامًا ومتابعة وثيقة. ومن غير المحتمل أن تنأى إدارة جو بايدن عن التحالف العسكري المزدهر بين “إسرائيل” والدول العربية، الذي رعته إدارة ترامب لمواجهة عسكرية مع إيران. والسؤال المطروح هو كيف سيدير بايدن هذا التحالف وفيما سيستغله”، ويبدو أن ملامح سياسة بايدن بدأت تتضح.
لقد ضغطت إدارة بايدن على الجوانب العسكرية للمضي قدمًا في اتفاقيات إبراهيم، معلنة في نهاية سنة 2022 أن “إسرائيل”، كجزء من منصبها الجديد في القيادة المركزية الأمريكية، قد تم ترقيتها إلى “شريك عسكري كامل” من حيث وضع الإستراتيجيات والتخطيط مع الولايات المتحدة.
في بعض النواحي؛ يعتبر هذا مجرّد تغيير خطابي، فبعد كل شيء؛ لا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تنسقان شؤون الإستراتيجية الإقليمية علىذ٢ نحو وثيق، ولديهما خطوط اتصال وثيقة بين المخططين السياسيين والعسكريين من أعلى التسلسل القيادي إلى الأسفل، ويعملان بشكل مشترك في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
ولكن وفقا للمحلل بول بيلار، فإن هذا التعزيز العلني للعلاقة العسكرية الأمريكية الإسرائيلية يُقرّب الولايات المتحدة من التحالف العسكري مع “إسرائيل”، وهي علاقة – إذا أسفرت عن تحالف رسمي – تنطوي على خطر التزام أمريكي بالدفاع عن “إسرائيل” والذي يمكن أن يجر الولايات المتحدة بسهولة إلى الانخراط في المزيد من الصراعات في الشرق الأوسط، حتى لو لم تكن واشنطن تنوي ذلك، وهذا يعني أن الالتزام يحدث دون أي نوع من النقاش العام.
ويشير بيلار إلى أن مخاطر توثيق العلاقات العسكرية مع “إسرائيل” تتركز على ميل “إسرائيل” للتورط في عمليات مميتة، وتعتبر “إسرائيل” الدولة الشرق أوسطية التي ألقت بثقلها العسكري حولها؛ حيث نفذت هجمات متعددة على أراضي دول أخرى، أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة. لقد شنت “إسرائيل” حروبًا عديدة، بما في ذلك الحروب الكبرى سنة 1967، والتي بدأت بهجوم إسرائيلي على مصر، تلتها الغزوات الإسرائيلية المتكررة للبنان، وهجمات عسكرية مدمرة متعددة على قطاع غزة الذي يسكنه الفلسطينيون، وهجوم على مفاعل نووي عراقي (هجوم أدى إلى إحياء وتسريع برنامج أسلحة نووية عراقي سري)، وهجوم مماثل لاحقًا في سوريا.
من الإنصاف القول بأن التحالف العسكري الفعلي مع “إسرائيل” الذي يخشاه بيلار موجود بالفعل، فإذا خاضت “إسرائيل” الحرب، حتى لو كانت حربًا من صنعها، فمن المحتمل أن يكون هناك ضغط هائل في واشنطن لدعم “إسرائيل”. ولا تزال حقيقة ما إذا كان هذا الضغط سينجح؛ موضع نقاش لا يمكن أن يحدث إذا اعترفنا رسميًا بـ “إسرائيل” كحليف.
يعتبر الدعم المقدم لأوكرانيا مسألة نقاش عام مستمر، على الرغم من حقيقة أن كل حزمة مساعدات يتم تقديمها إلى هناك تتصدر عناوين الصحف ولا تزال تحظى بشعبية كبيرة لدى معظم الأمريكيين
وعلينا الأخذ بعين الاعتبار المثال الذي قدّمه بيلار حول حروب سنة 1967، وهي حروب بدأتها “إسرائيل”، والتي وصفتها هي وأنصارها في كثير من الأحيان بأنها “حرب دفاعية”، وهو ادعاء لا يصمد لكثير من الوقت. (ملاحظة: لا تزال “إسرائيل” تستخدم هذه النقطة المهمة. ولدحضها ولرؤية تاريخ أكثر دقة، اطلع على كتاب تشارلز سميث بعنوان “فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي”، إلى جانب العديد من المصادر الأخرى. كما يدحض وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، شلومو بن عامي، فكرة الضربة الوقائية).
وتوضح حقيقة وجود عدد قليل نسبيًا من الأشخاص الذين يفهمون أن “إسرائيل” لم تكن تواجه هجومًا وشيكًا، وأن كلًّا من الولايات المتحدة و”إسرائيل” نفسها تعرفان ذلك؛ الخطر الذي تتعرض له الولايات المتحدة من تعزيز الدعم العسكري لإسرائيل. إن التمويل الهائل والتغطية الدبلوماسية التي تمنحها الولايات المتحدة لـ “إسرائيل” سيئة بما فيه الكفاية، ولكن – كما يوضح بيلار – فإن تهديد “إسرائيل” بجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، أمر حقيقي بالفعل ومتزايد.
وكتب بيلار أنه “مع عودة نتنياهو إلى السلطة حاليًا على رأس تحالفه الراديكالي، ومع قيام إيران بتوسيع برنامجها النووي ردًا على تخلي دونالد ترامب عن الاتفاقية مما فرض قيودا صارمة على هذا البرنامج؛ فإن خطر قيام إسرائيل بالتحريض على حرب مع إيران أكبر من أي وقت مضى”.
وبالنسبة لنتنياهو، فإن السيناريو المفضل هو أن تتحمل الولايات المتحدة الأعباء والتكاليف الرئيسية لمثل هذه الحرب عوضًا عن “إسرائيل”. خاصة وأنه عند النظر إلى السجل الطويل لـ “إسرائيل” في العمليات السرية ضد إيران، فإن قدرة حكومة نتنياهو على التلاعب بالأحداث وتحقيق مثل هذا السيناريو أمر جوهري.
ويحذر بيلار، وهو محلل استخباراتي أمريكي منذ فترة طويلة، من أن أي علاقة عسكرية أمريكية، مع “إسرائيل” أو أي دولة أخرى، تنطوي على مخاطر جسيمة ويجب موازنتها بعناية مقابل الفوائد التي تعود على المصالح الأمريكية بالإضافة إلى مناقشتها على نطاق واسع ودراستها بعناية.
ويعتبر الدعم المقدم لأوكرانيا مسألة نقاش عام مستمر، على الرغم من حقيقة أن كل حزمة مساعدات يتم تقديمها إلى هناك تتصدر عناوين الصحف ولا تزال تحظى بشعبية كبيرة لدى معظم الأمريكيين. وذلك في الوقت الذي تعزز فيه “إسرائيل” شراكتها العسكريًة مع الولايات المتحدة، مع المخاطر التي تنطوي على ذلك؛ حيث لا يحظى هذا الموضوع سوى بالقليل من الزخم.
كيف سيبدو هذا النقاش؟ كما هو الحال مع أي مسألة سياسية أخرى تنطوي على مخاطر؛ فإن ذلك سيعتمد على ما يفيد المصالح الأمريكية. ويعتقد الكثير منا أن وجود عالم أكثر عدالة ومساواة يحترم حقوق الإنسان ويشترك في الموارد بشكل منصف ويغذي الروح الإنسانية يصب في مصلحة الولايات المتحدة، ولكن من الواضح أن هذا الواقع بعيد عن العالم الذي نعيش فيه.
من مصلحة الولايات المتحدة أن تجد تسهيلات متبادلة المنفعة مع الصين، لأنها ستتعلم من الدروس التي أثارت استياءها؛ حيث سوف يسعى حلفائها الإقليميين في الخليج وفي بلاد الشام وراء مصالحهم الخاصة ويحاولون الاستفادة بشكل أقصى من العلاقات مع الصين والولايات المتحدة والصين، وكذلك روسيا
ومع ذلك؛ وبينما نعمل على حث المزيد من الجهات المسؤولة على دعم هذه المبادئ بطريقة ملموسة، يمكننا النظر إلى ما يمكن أن تتضمنه النظرة الأكثر تقليدية لمصالح الولايات المتحدة. بالتأكيد، تفرض هذه المصالح فرض الاستقرار الإقليمي في الشرق الأوسط، لكن ماذا يعني هذا؟
أود أن أجادل أن المصالح الأمريكية لا تخدمها سياسة جو بايدن الخارجية بشكل عام. فحتى قبل انتخابه – وبالتأكيد منذ انتخابه – انتهج بايدن سياسة عدائية تجاه الصين، ولقد استخف لفترة طويلة بأهمية استعادة الاتفاق النووي الإيراني إلى أن جاءت إدارة إيرانية أكثر تشددًا وعدوانية، مما أضر بالجهود الدولية لإعادة الصفقة إلى مسارها. لقد وصفتُ في مقال آخر بإسهاب معارضتي لتقاربها مع روسيا، وكيف أن السياسة الأمريكية كانت مضللة لعقود من الزمان، على الرغم من أن غزو أوكرانيا كان جريمة مروعة تتحمل روسيا المسؤولية الكاملة عنها.
لا أعتقد أن حماس بايدن لتنشيط مبادرة حلف الناتو (الذي أفترض أن فلاديمير بوتين، عن غير قصد، قد كان سببا في إطلاقها)، ورفضه المطلق للتعامل مع أزمة اللاجئين المستمرة التي هي إلى حد كبير نتيجة للسياسات الأمريكية على مدى عقود في أمريكا اللاتينية وكذلك هاييتي؛ تخدم مصالح الولايات المتحدة بشكل جيد.
في الشرق الأوسط ، يُقصد برفع “إسرائيل” إلى مستوى الشراكة على المدى القصير تعزيز فكرة تحالف إقليمي مشابه لحلف شمال الأطلسي. ومن المفارقات – والغباء إلى حد ما – أنها محاولة من قبل بايدن لتعزيز قدرة المنطقة على الدفاع عن نفسها. وكما يوضح بيلار؛ فهي في الواقع تمكن هؤلاء الشركاء الإقليميين، “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة (التي تحظى بنفوذ هائل في واشنطن) من جذب الولايات المتحدة إلى دوامة صراعاتهم.
وحتى بصرف النظر عن المفاهيم الأكثر مثالية للعدالة والحرية وحقوق الإنسان؛ فمن مصلحة الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن جرائم “إسرائيل” المستمرة ضد الشعب الفلسطيني وعدوانها الإقليمي، والتي غالبًا ما تتخذ شكل هجمات سرية في إيران وهجمات علنية في سوريا ولبنان. ومن مصلحة الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عن الدمار الذي لا تزال تسببه المملكة العربية السعودية في اليمن، فضلًا عن تمويلها المستمر لمختلف الميليشيات في جميع أنحاء المنطقة؛ ومن الإمارات، التي تتصرف بطريقة مماثلة في المنطقة مثل السعودية، التي تعد من إحدى أكثر الأنظمة الاستبدادية وحشية في العالم.
من مصلحة الولايات المتحدة أن تجد تسهيلات متبادلة المنفعة مع الصين، لأنها ستتعلم من الدروس التي أثارت استياءها؛ حيث سوف يسعى حلفائها الإقليميين في الخليج وفي بلاد الشام وراء مصالحهم الخاصة و يحاولون الاستفادة بشكل أقصى من العلاقات مع الصين والولايات المتحدة والصين، وكذلك روسيا. بدلًا من ذلك؛ يحلم بايدن بتأسيس “الناتو في الشرق الأوسط” الذي لن يكون حصنًا منيعًا مضادًّا لإيران فحسب، بل ضد الصين وروسيا أيضًا.
أفضل ما يخدم المصالح الأمريكية هو عدم تسهيل الصفقات التجارية والعسكرية بين الأنظمة الاستبدادية الوحشية والدول القائمة على الفصل العنصري
وحتى إذا كان هذا يبدو غير واقعيٍّ؛ فمن المحتمل أن يكون هذا الحلف مفيدًا، ذلك أنه يخدم الاستقرار الإقليمي والمصالح الأمريكية من خلال تعزيز الحرية والديمقراطية الفلسطينية في جميع أنحاء المنطقة، وهذا يعني دعم الحركات من أجل الحرية والديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة. لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة، بمواقفها المتضاربة في جميع أنحاء العالم، تقود بعض الحملات الصليبية للمحافظين الجدد لتحقيق الديمقراطية تحت تهديد السلاح أو بفرض عقوبات قاتلة. بينما يسمح العمل مع ومن خلال الأمم المتحدة والمؤسسات العالمية الأخرى لدعم وتمكين مجموعات المجتمع المدني في هذه البلدان؛ لهم ببذل جهود لتعزيز العدالة على الصعيد المحلي.
حتى هذا بعيد المنال؛ فإن المساواة ليست غريبة على الولايات المتحدة فحسب، بل على الدول بشكل عام، لكن من غير المتوقع أن تتوقف الولايات المتحدة على الأقل عن العمل ضد مصالحها. لا تكسب الولايات المتحدة شيئًا وتخسر الكثير من خلال التستر على نظام الفصل العنصري الإسرائيلي والانتهاكات المستمرة والحرمان الصريح من الحقوق الفلسطينية. وتكسب أقل مما تخسره بالتذلل أمام محمد بن سلمان في الرياض وتعميق شراكتها مع نظام الإمارات الديكتاتوري.
من مصلحة الولايات المتحدة خفض التوترات مع إيران وتشجيع إعادة اندماجها؛ فمن شأن تضخيم العداء، لا سيما بناءً على طلب السعوديين والإسرائيليين الذين يريدون إجبار الحكام الإيرانيين الحاليين على التنحي من السلطة ( التي تعد من الإستراتيجيات التي من شأنها جعل حياة الإيرانيين أكثر صعوبة الذين بدورهم يكافحون من أجل حريتهم وإرساء تغييرات جذرية في إيران) أن تكون إستراتيجية تحمل بذور هزيمة أصحابها.
منذ توليه منصبه؛ سعى بايدن لتحقيق هذا الحلم الوهمي الذي يقوم على “تأسيس حلف شمال الأطلسي في الشرق الأوسط”، فمؤخرًا – هذا الأسبوع – عُقد اجتماع ما يسمى “منتدى النقب”، والذي يجمع الدول العربية التي لها علاقات مع “إسرائيل” للتخطيط من أجل الصفقات التجارية الكبرى وبناء التحالف العسكري، مع مجموعات عمل صغيرة تركز على الجهود التي لها في الغالب أهداف دعائية تشمل التبادلات الثقافية والعلمية.
كانت وتيرة التطبيع أبطأ مما كانت تأمله واشنطن على الأرجح، ولا توجد احتمالات فورية لمواكبة المزيد من الدول العربية الركب بعد الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب في “صفقة فاوست” مع “إسرائيل”. وبالفعل، سلط منتدى النقب نفسه الضوء على الصعوبات التي تواجهها الدول العربية التي تحاول العمل مع “إسرائيل”؛ حيث قاطع الأردن المؤتمر تضامنا مع السلطة الفلسطينية، التي رفضت الانضمام إلى المنتدى، والتي أدركت أن المنتدى يهدف إلى إحباط طموحات الفلسطينيين في التحرر من الهيمنة الإسرائيلية.
وأفضل ما يخدم المصالح الأمريكية هو عدم تسهيل الصفقات التجارية والعسكرية بين الأنظمة الاستبدادية الوحشية والدول القائمة على الفصل العنصري، ولا يخدم مصالحهم التقدم ببطء نحو إبرام اتفاق أمني مع “إسرائيل” بل استخدام النفوذ الكبير الذي تتمتع به الولايات المتحدة مع حلفاء مثل “إسرائيل” ومصر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية – من بين آخرين – للاعتراف بالحقوق الأساسية للشعوب المجردة والمحرومة منها. ولن يؤدي الاستمرار في زيادة إثراء النخب الفاسدة وتجاهل أو حتى حماية منتهكي حقوق الإنسان من العقاب من أجل تعزيز موقف عدواني ضد الدول الأخرى إلا إلى تفشي الدمار وخسارة الآلاف من الأرواح وهدر الكثير من الأموال وهي من المعالم التي اتسمت بها سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط طوال هذا القرن ومعظم القرن الماضي.
الموقع: موندويس