ترجمة حفصة جودة
تعد القهوة جزءًا أساسيًا من الثقافة وأسلوب الحياة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان الناس يسافرون من القرن الإفريقي لليمن قبل 500 عام، وهكذا حافظت البلاد على مكانتها كواحدة من أشهر منتجي القهوة في العالم.
وبينما كانت القهوة منتشرة أساسًا بين الصوفيين كطريقة لإبقائهم يقظين من أجل قيام الليل، أصبحت اليوم تُقدم في جميع المناسبات كمشروب ترفيهي.
في اليمن، ما زال المزارعون يستخدمون الطرق التقليدية لزراعة وتحميص حبوب القهوة، حيث يستخدمون طرقًا لم تتغير بشكل كبير منذ 5 قرون، فلا تُستخدم أي آلات أو مواد كيميائية أو أي من الطرق الحديثة في تلك العملية، لضمان الجودة العالية والطعم المميز للقهوة.
في اليمن، يبدأ موسم الحصاد في نوفمبر/تشرين الثاني ويستمر حتى آخر يناير/كانون الأول، ومن أهم المواقع مديرية المناخ التي تقع على بُعد 100 كيلومتر غرب العاصمة صنعاء، تتميز المنطقة بجبالها الخضراء الخصبة ومدرجاتها الزراعية، يشارك في حصاد القهوة جميع أفراد العائلة من الذكور حتى الأطفال، وعادة ما يفرز الأفراد الأصغر سنًا حبوب القهوة وينقلونها إلى الشمس لتجفيفها.
تنمو غالبية القهوة المختصة في اليمن في الأراضي المرتفعة على ارتفاع 1800 متر، وعادةً ما يتجه المزارعون للجبال في الصباح الباكر لجمع كرز القهوة حتى منتصف اليوم، تتبعها مناوبة أخرى تبدأ في الثالثة عصرًا حتى غروب الشمس.
تتميز شجرة القهوة اليمنية بلونها الأخضر ويتراوح طولها بين 5 إلى 6 أمتار، ويتميز كرز القهوة بلونه الأخضر حيث يحتاج إلى شهرين ونصف لينضج ويتحول إلى اللون الأحمر، ويستغرق الحصاد من شهر إلى ثلاثة حسب المساحة المزروعة.
بمجرد قطف الكرز، فإنه يُترك ليجف في الشمس فوق أسطح المنازل ما بين 10 إلى 15 يومًا، عندما يجف الكرز يكون أكثر تركيزًا ليصبح المنتج النهائي غنيًا بالنكهة والرائحة، بعد جفاف الكرز، يفتحه المزارعون لجمع الحبوب وتنظيفها وتجهيزها.
بعد ذلك، تُحمص حبوب القهوة في مقلاة ثم تُفرش معًا على الأرض قبل تعبئتها وبيعها، وكلما كانت حبة القهوة أغمق كان المنتج أقوى في الرائحة والنكهة.
وفقًا للمزارعين المحليين في اليمن، فإن منتجي القهوة خارج اليمن يفصلون الكرز عن الثمرة قبل جفافها لينتج طعم ثابت لكل الحبوب، ومع ذك فإن القهوة اليمنية مميزة لعدم ثبات مذاقها وعدم انتظام شكل حبوبها.
يؤكد المزارعون أيضًا أن جميع أجزاء نبات القهوة تُستغل جيدًا، فبدلًا من التخلص من قشور القهوة، تُستخدم لصنع “القشر” وهو مشروب يمني شهير تُنقع فيه القشور مع الزنجبيل والهيل، أما أوراق نبات القهوة فتُستخدم لصنع شاي الأعشاب.
ورغم شهرة القهوة اليمنية عالميًا، فإن المزارعين في السنوات الأخيرة واجهوا تحديات هائلة لحصادها، فقد أثرت الحرب المستمرة منذ 2014 على صناعة القهوة بشكل كبير، وأدى نقص الإنتاج إلى عدم قدرة المزارعين على تأمين معيشتهم من الحصاد فقط.
كما أن تأثير الوضع الاقتصادي إضافة إلى القيود التي فرضها التحالف السعودي على التجارة الخارجية وإغلاق المعابر الحدودية، تسبب في معاناة المزارعين لتصدير القهوة، يقول كمال النهمي أحد المزارعين: “يشكل نقص مياه الري وضعف هطول الأمطار تحديًا آخر”.
في السنوات الأخيرة، تراجعت أسعار القهوة، ما ترك المزارعين دون ربح مناسب لإنتاج المزيد وبالتالي فقدان القدرة على إعالة أسرهم، قرر بعضهم التخلي عن تلك الصناعة تمامًا والاتجاه لزرع محاصيل بديلة تكون أكثر ربحًا.
رغم التحديات التي يواجهها المزارعون، فإن القهوة تحظى بتقدير كبير في البلاد حيث يقيمون الاحتفالات والأحداث خصيصًا لهذا المشروب ، في يوم 3 مارس/آذار يحتفل اليمنيون بمهرجان المخا الذي يمثل اليوم الوطني للقهوة، ويحتفل الحدث بزراعة القهوة في البلاد وهو طريقة مهمة للحفاظ على تراث زراعة القهوة في البلاد.
ولمزج الحياة الجديدة بالصناعة، يجرب بعض المزارعين نكهات جديدة وذلك بوضع بعض الأعشاب مثل القرفة في قهوتهم بعد زراعتها.
قبل طحن القهوة فإنها تُفرز أولًا، وبعد انتهاء العملية تُشحن القهوة إلى المقاهي والأسواق والمتاجر المختلفة، يقع أحد المقاهي الشهيرة واسمه “حراز” في قلب العاصمة صنعاء، ويقدم مجموعة متنوعة من القهوة، يجذب المكان العائلات والأصدقاء والأزواج، حيث يجرب بعضهم مشروبات القهوة المثلجة، بينما يتجه الآخرون إلى القهوة العربية التقليدية.
يختار البعض القهوة التقليدية القوية بينما يفضل الآخرون القهوة المضاف إليها نكهات أخرى مثل الهيل والزنجبيل والشيكولاتة، يتميز المقهى بتنوع الخيارات التي يمكن خلطها خصيصًا لمحبي المشروبات.
من أشهر المشروبات في المقهى وأكثرها مبيعًا “كورتادو” و”فلات وايت” والقهوة التركية و”لاتيه كراميل” و”لاتيه” إسباني، يمكن للزبائن أيضًا أن يشتروا حبوب القهوة الطازجة ليأخذوها معهم إلى المنزل.
صُمم المقهى بشكل حديث، لكنه يضم جداريات تصور حصاد القهوة والمزارعين، تعد صناعة القهوة جزءًا رئيسيًا من الثقافة والتراث اليمني ومصدر فخر لشعبه، يقول مدير المقهى غالب جرمان، إنه يعتبر المقهى إنجازًا مهمًا، فقد أسس هذا المقهى لإعادة انتشار زراعة القهوة في البلاد والحد من زراعة نبات القات المخدر.
يعد القات نباتًا منشطًا يُستخدم عن طريق المضغ، وينتشر في أجزاء من إفريقيا واليمن، ومع ذلك ففي السنوات الأخيرة بدأ الناس يشعرون بالقلق بشأن تأثيره السلبي على الصحة، يعتقد جرمان أن تأسيس صناعة القهوة في اليمن سيقلل من اعتماد الناس على زراعة القات لكسب المعيشة، ويقول: “لقد أصبحت ثقافة القهوة الآن جزءًا من كل بيت يمني”.
يقدم المقهى أيضًا مشروبات أخرى وحلوى سواء تقليدية أم عالمية، أصبح المكان مركزًا للتجمعات الاجتماعية حيث يشيد زوار المكان بالطعم المميز للمشروبات، لا يتميز المكان فقط بقهوته المتخصصة، بل إنه يوزع نباتات القهوة أيضًا لبعض المناطق في اليمن لتشجيع الناس على زراعة القهوة بدلًا من القات.
المصدر: ميدل إيست آي