في أغسطس/آب 2021، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، قال أردوغان حينها، إن أنقرة عازمة على تسهيل المرحلة الشاقة التي يمر بها السودان عبر الوقوف بجانب شعبه الشقيق وحكومته، مؤكدًا أن تركيا ستزيد وتواصل دعمها لتنمية السودان وتطوير بنيته التحتية.
تصريحات من أعلى هرم الدولة التركية، تؤكد عمق العلاقات بين أنقرة والخرطوم، إذ تشهد العلاقات السودانية التركية تطورات كبيرة في السنوات الأخيرة، رغم التحولات السياسية التي عرفتها الخرطوم بدءًا بسقوط نظام عمر البشير سنة 2019، وسيطرة المكون العسكري على مختلف السلطات في هذا البلد العربي.
تحولات سياسية عميقة، لم تثن مسؤولي البلدين عن تطوير العلاقات بينهما واستغلال الفرص المتاحة من الجانبين، وهو ما تجسّد في الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين وشملت مجالات عدة على رأسها المجال العسكري والأمني والاقتصادي.
كما ظهرت مؤشرات التقارب الكبير بين البلدين، في الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في السنوات الماضية، رغم سعي العديد من القوى الإقليمية إلى الإيقاع بين الدولتين، رغبة منهم في الاستفراد بالسودان وإضعاف تركيا في إفريقيا.
“ذراع أردوغان” في السودان
كمؤشر على أهمية العلاقات بين البلدين وحرص تركيا على تطويرها والدفع بها أكثر، أرسل الرئيس التركي كاتم أسراره وذراعه الأيمن، رئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان، مطلع هذا الأسبوع، للسودان للقاء كبار المسؤولين هناك.
ويوصف هاكان فيدان بـ”الثعلب التركي” و”الجندي المجهول”، وتصبغ عليه وسائل الإعلام التركية ألقابًا عدة من بينها: “حافظ أسرار أردوغان” و”يد أردوغان الضاربة”، كما يلقبه الأتراك أحيانًا بـ”السكين”، ودائمًا ما تسند له الملفات المهمة للقيادة التركية.
في هذه الزيارة، التقى رئيس الاستخبارات التركية، رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) في العاصمة الخرطوم، فضلًا عن مدير المخابرات العامة السوداني الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل.
وكان اللقاء فرصة لتأكيد فيدان دعم بلاده للاتفاق الإطاري الذي وقعه المكون العسكري السوداني مع القوى المدنية في البلاد، والجهود التي تحقق الاستقرار في السودان، معربًا عن استعداد تركيا لتقديم الدعم للسودان، بما يحقق الاستقرار في البلاد.
تشهد العلاقات بين البلدين تقدمًا في العديد من المجالات، لا سيما في الزراعة والتجارة والطاقة والصحة والأمن والتعليم
قبل شهر، تحديدًا يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، وقع المكون العسكري “اتفاقًا إطاريًا” مع القوى المدنية، بقيادة قوى إعلان الحرية والتغيير وقوى سياسية أخرى ومنظمات مجتمع مدني، بالإضافة إلى حركات مسلحة تنضوي تحت لواء “الجبهة الثورية” لبدء مرحلة انتقالية تستمر لمدة عامين.
وتشمل العملية السياسية للتوصل لاتفاق نهائي في 5 قضايا، هي: العدالة والعدالة الانتقالية والإصلاح الأمني والعسكري ومراجعة وتقييم اتفاق السلام وتفكيك نظام 30 يونيو/حزيران 1989، وقضية شرقي السودان، إلا أن بعض القوى ما زالت متحفظة للآن على بعض النقاط وترفض الاتفاق.
.تركيا ترسل أرفع مسئول أمني (رئيس جهاز الاستخبارات التركي هاكان فيدان) إلى السودان تطرح تساؤلات عديدة في هذا الوقت خاصة أنها جاءت بعد أقل من أسبوع من زيارة قام بها رئيس جهاز المخابرات العامة المصري الذي جاء للخرطوم يحمل مبادرة مصرية جديدة لمعالجة الأزمة السودانية pic.twitter.com/ElHLV9LV0q
— Taha ouda (@oudaoglu) January 17, 2023
من جهته، أشاد رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان بالعلاقات “القوية والقديمة” بين تركيا والسودان، مؤكدًا رغبة الخرطوم في تعزيز العلاقات بين البلدين والشعبين الصديقين على الأصعدة كافة.
الأمر نفسه، بالنسبة إلى محمد حمدان دقلو المعروف باسم “حميدتي” الذي يقود قوات الدعم السريع، فقد رحب بزيارة فيدان للسودان، مؤكدًا على عمق العلاقات التاريخية بين أنقرة والخرطوم، وأهمية تعزيزها وتطويرها في المجالات كافة، بما يخدم المصالح المشتركة بين شعبي البلدين.
علاقات قوية رغم التحولات السياسية
تهتم تركيا كثيرًا بالسودان، وهو ما يفسّر تطور العلاقات بين البلدين رغم التغيرات السياسية العميقة التي يعرفها هذا البلد العربي منذ سنة 2019، إذ كانت تركيا من أوائل الدول التي اعترفت بالسودان الذي نال استقلاله في 1 يناير/كانون الثاني 1956.
رغم العلاقات القوية بين أنقرة ونظام عمر البشير، ساندت تركيا مسيرة الانتقال السياسي التي حصلت في السودان مؤخرًا، ووقفت إلى جانب الخرطوم من أجل الاندماج في المجتمع الدولي وتجاوز فترة العزلة الطويلة التي عاشتها.
#تركيا ?? :
رئيس الاستخبارات التركية ذئب الاناضول #هاكان_فيدان في #السودان ?? pic.twitter.com/OX31FHFMfx
— الدول التركية??? (@Turkscountries) January 17, 2023
تشهد العلاقات بين البلدين تقدمًا في العديد من المجالات، لا سيما في الزراعة والتجارة والطاقة والصحة والأمن والتعليم، حيث جرى التوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون خلال الزيارات رفيعة المستوى، التي كانت آخرها زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان والوفد المرافق له إلى العاصمة أنقرة في أغسطس/آب 2021.
وتعود النقطة المفصلية في العلاقات بين البلدين إلى ديسمبر/كانون الأول 2017، حين أدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة وصفت بالتاريخية إلى السودان، وعرفت توقيع 22 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات عديدة.
ولا ينسى السودانيون، وقفة الأتراك الإنسانية معهم في العديد من المحطات، خاصة خلال الحرب الأهلية التي شهدها السودان قبل سنوات، فضلًا عن الوقوف معه في عملية التحول والتغيير التي يمر بها منذ سنة 2019، كما عملت أنقرة على دعم الخرطوم دوليًا.
تأمل أنقرة في توسيع نفوذها في السودان، ومنافسة العديد من القوى النشطة هناك، من بينها روسيا والصين
يذكر أن العديد من الهيئات والجمعيات الخيرية التركية مثل وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” والهلال الأحمر التركي ووقف الديانة، بجانب منظمات المجتمع المدني الأخرى، ينشطون بشكل كبير في السودان، وخصوصًا في الفترة التي شهدت انتشار فيروس كورونا.
كما تركز تركيا على نشاطها الاقتصادي مع السودان، إذ تتركز الاستثمارات والشركات التركية هناك في مجالات عدّة، أبرزها الزراعة والتعدين والتصنيع الزراعي إلى جانب قطاعات الطاقة الكهربائية والاتصالات، بالإضافة إلى التطورات التي شهدها قطاع النقل الجوي والبحري بين البلدين.
سر اهتمام تركيا بالسودان
زيارة هاكان فيدان للسودان، تهدف إلى بقاء أنقرة في دائرة ضوء ما يجري هناك، والتعرف على المجريات عن كثب، في ظل التطورات السياسية التي يشهدها السودان فيما يتعلق بتوقيع الاتفاق الإطاري بين مجلس السيادة والقوى المدنية، ذلك أن أنقرة تسعى على ما يبدو للحفاظ على مصالحها في الوضع الجديد.
لا تريد تركيا أن تبقي أي شيء للصدفة، خاصة في ظلّ التحركات المصرية هناك، فالقاهرة تسعى إلى أن تكون طرفًا أساسيًا في المعادلة التي يتم صياغتها حاليًا لنظام الحكم القادم في السودان، وهو ما تأمله أنقرة أيضًا.
على المسؤولين في السودان أن يعرفو حجم الضيف التركي الموجود في السودان وأهمية تركيا للخروج من الظرف السياسي الذي يمر به.فتركيا وقفت مع الصومال وليبيا وقطر وازربيجان وتمكنت الدول هذه من تحقيق نجاحات سياسية في ازمتها. فنحن في السودان نحتاج لتركيا وبشدة.@aftaburhan @GeneralDagllo pic.twitter.com/yrJr3eKEic
— Mayada KAMAL ELDEEN ميادة كمال الدين ?? (@mayada1978) January 16, 2023
أهمية السودان بالنسبة لتركيا، تكمن في الاستثمارات التركية هناك، فضلًا عن أهمية موقع البلاد، إذ يمكن أن تكون بوابة تركيا نحو شرق إفريقيا والقارة السمراء عمومًا، ذلك أن السلطات التركية تهتم كثيرًا بزيادة نفوذها ومكانتها في القارة الإفريقية.
وتأمل أنقرة في توسيع نفوذها في السودان، ومنافسة العديد من القوى النشطة هناك، من بينها روسيا والصين، فضلًا عن الكيان الصهيوني، حيث يعد السودان ساحة للصراع من أجل تعزيز النفوذ في القارة السمراء.
رغم النكسة الكبيرة التي واجهتها المساعي التركية لتوسيع دائرة نفوذها الإقليمي عقب الإطاحة بحكم عمر البشير، فإنها استطاعت بسرعة تعويض الخسائر ودعم نفوذها في السودان خصوصًا وفي شرق إفريقيا عمومًا، ومع ذلك تعمل على مزيد من التغلغل في المنطقة للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية.