منذ اليوم الأول على تأسيسها على يد العميد المتقاعد عدنان تانريفردي و22 آخرين من الضباط المتقاعدين في 28 فبراير/ شباط 2012، بهدف تقديم استشارات وتدريب عسكري في مجال الدفاع، شغلت “سادات” (SADAT) الشارعَ التركي لكثرة الادّعاءات المختلفة التي حامت حولها، وكان أبرزها تزويدها التنظيمات الإرهابية في سوريا بالأسلحة.
تصدرت الشركة المشهد في تركيا مجددًا قبل أيام معدودة، بعد نشرها إعلان مدته 8 ثوانٍ أثناء لقاء تلفزيوني كانت تجريه قناة “TV 100” مع زعيم حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، ظهر فيه أشخاص مقنّعون يحملون أسلحة، ولم يغطِّ الإعلان على المقابلة التي استمرت لأكثر من ساعتَين وحسب، بل رأت فيه المعارضة التركية تهديدًا صريحًا لكليجدار أوغلو الذي سبق وداهم مع أعضاء حزبه مقرّ الشركة بإسطنبول في مايو/ أيار الماضي.
يرى كليجدار أوغلو وقادة أحزاب آخرون منهم ميرال أكشينار، أن “سادات” عبارة عن “منظمة شبه عسكرية” تعمل على تسليح وتدريب مدنيين في معسكرات داخل تركيا، استعدادًا لإشعال حرب أهلية وإثارة الفوضى في حال خسر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الانتخابات المقبلة.. فماذا تمثل “سادات”؟ ومن هو زعيمها عدنان تانريفردي؟ وما أبرز الاتهامات الموجهة إليها؟
من هي شركة “سادات”؟
“سادات” هي عبارة عن شركة تركية عسكرية خاصة هادفة للربح، تأسّست في مدينة إسطنبول برأس مال قدره 643 ألف ليرة تركية، استقال مؤسسها عدنان تانريفردي من رئاسة مجلس إدارتها في 26 أغسطس/آب 2016، وحلّ محله نجله علي كامل مليح تانريفردي..
تأسست الشركة لتقديم خدمات مثل التدريب العسكري والداخلي والاستشارات الدفاعية وشراء الذخيرة على الساحة الدولية، وفقًا لموقعها الرسمي، الذي يقول أيضًا إنها لا تملك قوة عسكرية عملياتية، ولا تنخرط في أنشطة غير مشروعة. وفي وقت سابق، أوضح مؤسسها عدنان تانريفردي أن الغرض من تأسيس الشركة هو تقديم خدمة للدول الإسلامية التي لا تستطيع القوات المسلحة التركية الوصول إليها، وتؤكد الشركة أن الربح ليس الغرض الوحيد، بل تعلن أنها تريد خدمة المثل الأعلى المتمثل في تغيير ميزان القوى لصالح الإسلام.
يذكر أن خدمات “سادات” مقصورة على القوات المسلحة وقوات الشرطة للدول الصديقة والحليفة تماشيًا مع مصالح تركيا، بل تشمل أيضًا حزم التدريب المنتظم، والتدريب على الحرب غير النظامية، وتدريب العمليات الخاصة للشرطة، بالإضافة إلى تدريب القناصة وتقنيات الاغتيال. كما يذكر أعضاؤها المؤسّسون أنهم اختاروا هذا الاسم لأن كلمة “سادات” التي تستخدَم اختصارًا لمصطلح “استشارات الدفاع” تعني “السادة” في اللغة العربية.
من هو عدنان تانريفردي؟
خدمَ العميد المتقاعد عدنان تانريفردي لما يقرب من 30 عامًا في إدارة الحرب الخاصة بالأركان العامة التركية، ورئاسة منظمة الدفاع المدني في جمهورية شمال قبرص التركية، وكان وزير الدفاع خلوصي أكار أحد طلاب تانريفردي الذي عمل كمدرّس في الكلية الحربية للجيش.
تانريفردي، الذي تمّت ترقيته إلى رتبة عميد، تقاعد رسميًّا خلال حقبة 28 فبراير/ شباط، التي عُرفت باسم “انقلاب المذكرة” على حكومة أربكان عام 1997، بحجّة “نقص الموظفين”، ومع ذلك تمّ إنهاء مسيرته العسكرية لأنه صُنّف على أنه “إسلامي” مثل العديد من العسكريين في ذلك الوقت.
لاحقًا، انضمّ تانريفردي إلى جمعية المدافعين عن العدالة (ASDER)، التي تأسّست من قبل جنود متقاعدين مثله، وشغل منصب الرئيس العام للمؤسسة لمدة 5 سنوات، ثم بدأت أفكاره لإعادة هيكلة الجيش التركي في الظهور من خلال جمعية مركز البحوث الاستراتيجية (ASSAM)، وقبل تأسيس “سادات” أجرى تانريفردي دراسات حول تشغيل الشركات الأمريكية الخاصة التي قدمت الاستشارات في مجال الاستراتيجية العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية.
في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف عام 2016، تمَّ تعيين تانريفردي، وهو اسم يثق به أردوغان، مباشرةً في منصب كبير مستشاري الرئيس في مجال الدفاع في أغسطس/ آب 2016، لكن ردود الفعل الشديدة عقب خطاب تانريفردي في مؤتمر عُقد في إسطنبول نهاية عام 2019، الذي تحدث فيه عن الحاجة “للاستعداد لمجيء المهدي”، أدّت إلى إقالته من منصبه كمستشار رئيسي وعضو في لجنة الأمن والسياسة الخارجية في يناير/ كانون الثاني 2020.
حلم الكونفدرالية الإسلامية
ليس سرًّا أن “سادات” تعطي الأولوية للدول الإسلامية، إذ يبين موقعها على الإنترنت أن هدفها الرئيسي “خلق بيئة من التعاون في صناعة الدفاع بين الشركات الإسلامية من خلال التعاون بين الدول الإسلامية، وبالتالي خلق قوة عسكرية مكتفية ذاتيًّا للعالم الإسلامي بين دول العالم العظمى لمساعدته في الحصول على المكان الذي يستحقه”.
قدّم تانريفردي نموذج “دستور اتحاد الدول الإسلامية”، خلال “مؤتمر الاتحاد الإسلامي” الثالث الذي عقده مركز البحوث الاستراتيجية (ASSAM) بمدينة إسطنبول في ديسمبر/ كانون الأول 2019، مشيرًا إلى اسم الدولة هو “آسريكا” (في إشارة إلى قارتَي آسيا وأفريقيا، حيث تقع البلدان الإسلامية في الغالب)، وشكلها هو جمهورية كونفدرالية.
وفق النموذج الدستوري الذي شرحه تانريفردي، يخضع اتحاد الدول الإسلامية “آسريكا” لنظام الفصل بين السلطات والنظام رئاسي، عاصمتها إسطنبول ولغتها الرسمية هي العربية، وأضاف تانريفردي، الذي يقول إن “تكوين الوحدة الإسلامية ضرورة العصر”، إن “الدول الإسلامية تحتاج إلى التجمُّع تحت وصية، ولهذا يجب إنشاء وزارة “الوحدة الإسلامية” في حكومات الدول الإسلامية”، كما شدد على أهمية توفير اتحاد نقدي خلال المؤتمرات، وإنشاء عملة إلكترونية إسلامية باسم “آسريكا دينار”.
أبرز الاتهامات الموجّهة إلى “سادات”؟
من أهم المزاعم الموجّهة ضد “سادات” قيامها ليلة الانقلاب الفاشلة 15 يوليو/ تموز 2016 بتوزيع عدد كبير من الأسلحة الثقيلة على المدنيين، دون أن يُعرَف من حمل هذه الأسلحة ولا في يد من في الوقت الحالي. ردًا على هذه الاتهامات التي نفاها تانريفردي، قال: “هل تعتقد أن شركة فيها أقل من 10 مستشارين ربما لعبت دورًا في قمع محاولة الانقلاب؟”، مضيفًا أن “سادات” لم يكن لديها مثل هذه المهمة.
تدير “سادات” حاليًّا أنشطة استشارية عسكرية في 22 دولة إسلامية على الأقل، وفقًا لمركز أبحاث يسمّى “مركز أبحاث الاستخبارات الفرنسية”، وثمة مزاعم أنها تدعم القوات التي تقاتل حفتر في ليبيا، فيما زعمت وكالة الأنباء الفيدرالية، المعروفة بقربها من إدارة بوتين، أن مقاتلي الجيش السوري الحر نُقلوا إلى ليبيا من قبل فرق “سادات”، حسبما أورد موقع “يورونيوز” باللغة التركية.
نفت “سادات” مجددًا المزاعم المتعلقة بأنشطة الشركة في سوريا ومشاركتها في أي أنشطة تدريبية أو تنظيمية هناك، كما اتخذت الموقف ذاته تجاه المزاعم التي كالها زعيم المافيا التركي سادات بكر في الفيديو الذي نشره يوم 30 مايو/ أيار 2021، عندما اعترف بأن “سادات” أرسلت أسلحة من خلاله إلى سوريا، وأن الأسلحة التي قيل له إنها مرسلة لمساعدة التركمان تمَّ إرسالها بالحقيقة إلى جبهة النصرة، الفرع السوري للقاعدة.
رغم كل الاتهامات والشبهات السابقة، فضلًا عن اتهام زعيمة حزب الجيد المعارض، ميرال أكشينار، عام 2018 لـ”سادات” بأنها أنشأت معسكرات تدريب مسلحة في توكات وقونية لتهديد أمن الانتخابات، لم يتم فتح تحقيق قانوني حول هذه الادّعاءات، كما لم تردّ الحكومة على أسئلة البرلمان بشأن الشركة طوال السنوات الإحدى عشر الماضية.