أُسدل الستار على القمة الخليجية العربية العاجلة التي استضافتها أبو ظبي صباح اليوم الأربعاء 18/1/2023 وشارك فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والشيخ محمد بن زايد رئيس الإمارات، والسلطان هيثم بن طارق سلطان عمان، والملك حمد بن عيسى ملك البحرين، والشيخ تميم بن حمد أمير قطر، والملك عبدالله الثاني ملك الأردن، فيما جاء الأمن والاستقرار الإقليمي على رأس أولوياتها.
وبحث المشاركون في اللقاء الذي لم يستمر سوى بضعة ساعات وغاب عنه العاهل السعودي وولي عهده، ووصفته الإمارات بـ “الأخوي التشاوري”، العلاقات بين دولهم وسبل تعزيز مسارات التعاون والتنسيق المشترك في جميع المجالات التي تخدم تطلعات شعوبهم إلى مستقبل تنعم فيه بمزيد من التنمية والتقدم والرخاء في ضوء التحديات الراهنة.
الدعوة لعقد هذا اللقاء تأتي بعد أقل من 24 ساعة على القمة الثلاثية التي استضافتها القاهرة، أمس الثلاثاء، وجمعت الرئيس المصري بنظيره الفلسطيني محمود عباس أبو مازن والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، حيث تباحثوا تطورات القضية الفلسطينية في ضوء ما تتعرض له من مستجدات وانتهاكات إسرائيلية من حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة.
وكان الرئيس المصري قد استضاف في القاهرة أمس الثلاثاء قمة ثلاثية جمعته بالملك عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وذلك لبحث تطورات القضية الفلسطينية في ضوء المستجدات الراهنة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والأوضاع الإقليمية والدولية المرتبطة بها.
الصور الأولى للقاء الأخوة والأواصر المشتركة والمصير الواحد..لقاء الازدهار والاستقرار في المنطقة ” حفظكم الله وسدد خطاكم “#محمد_بن_زايد pic.twitter.com/5rb5zoLgLT
— جمال الحربي (@JALHARBISKY) January 18, 2023
سيولة سياسية.. السياق العام
تأتي القمة العاجلة وسط سيولة سياسية تشهدها الخريطة الدولية على أكثر من مسار، أبرزها انطلاق فعاليات أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس 2023″، التي تتواصل أنشطتها خلال الفترة من 16 – 20 يناير/كانون الثاني الحاليّ، بمشاركة أكثر من 2500 شخصية اقتصادية وسياسية، من بينها 52 رئيس دولة وحكومة، في ظل العديد من التحديات والمخاطر التي تلقي بظلالها على المشهد.
هذا المنتدى الذي شهد تصريحات تصعيدية وجهها قادة أوروبا والولايات المتحدة للجانب الروسي والإصرار على مواصلة العقوبات المفروضة وتعزيزها، بالتوازي مع الاتفاق على دعم أوكرانيا بالأسلحة العسكرية المتطورة التي نجحت في تكبيد القوات الروسية خسائر فادحة خلال الأشهر الماضية.
وإقليميًا.. يقوم حاليًّا رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، بزيارة إلى كل من ليبيا حيث التقى أمس رئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي في العاصمة الليبية طرابلس، ومنها إلى العاصمة السودانية الخرطوم حيث التقى رئيس جهاز السيادة الوطني عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ومن الخرطوم إلى المشهد الأوكراني، حيث التصعيد العسكري الأخير ومساعي موسكو البحث عن أي انتصارات تحسن الحالة المعنوية المتدهورة لدى قواتها جراء الخسائر المتتالية، والسجال السياسي والإعلامي بين السلطات الروسية ونظيرتها في المعسكر الغربي، والتدريبات العسكرية المشتركة مع بيلاروسيا والحديث عن احتمالات تورط مينسك في وحل الحرب.
يتزامن ذلك مع حراك شعبي في الشارع الإسرائيلي بسبب سياسات الحكومة الجديدة بزعامة بنيامين نتنياهو، وصدامها المبكر مع السلطة القضائية في دولة الاحتلال، هذا بخلاف التصعيد الاستيطاني ومخاوف الانزلاق نحو منعطف جديد من المواجهات الساخنة.
القضية الفلسطينية
رغم غياب تفاصيل الاجتماع والملفات التي تم مناقشتها، بعيدًا عن التصريحات الإعلامية التي أعلنت عقب انتهاء القمة، فإنه من المرجح أن تكون القضية الفلسطينية الملف الأبرز على جدول أعمال تلك القمة المصغرة، لا سيما بعد التوترات التي شهدتها منذ اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى في الرابع من الشهر الحاليّ، وما تلا ذلك من احتجاجات شعبية عارمة وتحركات على المستوى الدولي أثارت استفزاز الحكومة الإسرائيلية التي أقرت 5 عقوبات ضد الفلسطينيين من بينها اقتطاع ملايين الدولارات من أموال الضرائب، وتجميد مخططات بناء في الضفة الغربية، فضلًا عن سحبها بعض الامتيازات التي كانت ممنوحة لمسؤولين في الحكومة الفلسطينية.
ومنذ بداية العام الحاليّ وجراء المواجهات اليومية بين قوات الاحتلال والفلسطينيين في الضفة وجنين ونابلس وغزة، ارتقى نحو 15 شهيدًا، منهم 7 من مدينة جنين شمال الضفة، بينهم 4 أطفال، نظير عشرات المصابين، بعضهم بجروح خطيرة، بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، فضلًا عن موجة اعتقال طالت 235 فلسطينيًا حتى اليوم.
ويضع التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد الفلسطينيين حلفاء تل أبيب في المنطقة بمأزق وحرج كبير، خاصة الإمارات التي تتمتع بعلاقات قوية وحميمية مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة وزعيمها بنيامين نتنياهو الذي كان مدعوًا برفقة عضو الكنيست المتطرف، وزير الأمن القومي (حاليًا) إيتمار بن غفير، لحفل السفارة الإماراتية لدى تل أبيب ديسمبر/كانون الأول الماضي بمناسبة اليوم الوطني للإمارات، الحرج نفسه مسحوبًا على الجانب المصري ونظام السيسي الذي يتمتع بعلاقات دافئة مع الحكومات الإسرائيلية المختلفة منذ 2014 وحتى اليوم.
تجلس الإمارات في القمة الخليجية العربية اليوم ليست بوصفها دولة عربية قدر ما هي وسيط يحاول فض الاشتباك الحاليّ بين الفريق العربي الداعم للقضية الفلسطينية والجانب الإسرائيلي
وتحاول أبو ظبي إحياء نفوذها الإقليمي مرة أخرى بعد أكثر من عام على التراجع منذ الإطاحة بحليف ابن زايد، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وشريكه الإسرائيلي نتنياهو الذي بعودته من المرجح أن تعود مياه العلاقات إلى مجاريها، وهو ما بدأ يلوح في الأفق، إذ ستكون أبو ظبي المحطة الخارجية الأولى لنتنياهو في ولايته الجديدة، بناءً على دعوة رسمية من رئيس الدولة الخليجية، بحسب ما نشرته وسائل إعلام عبرية.
قد تجلس الإمارات في القمة الخليجية العربية اليوم ليست بوصفها دولة عربية قدر ما هي وسيط يحاول فض الاشتباك الحاليّ بين الفريق العربي الداعم للقضية الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، في محاولة لتعزيز دورها وثقلها عربيًا وشرق أوسطيًا الذي تراجع لحساب قوى عربية أخرى كالسعودية وقطر، لا سيما أن مخرجات هذا اللقاء ستكون حتمًا على جدول أعمال اللقاء المرتقب، المتوقع أن يجمع نتنياهو وابن زايد في غضون أيام، في محاولة لتجنيب حلفاء “إسرائيل” المزيد من الحرج أمام الشارع العربي من خلال معادلة تصعيد الانتهاكات في مقابل الصمت المخزي.
شدد قادة مصر والأردن وفلسطين على ضرورة وقف جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية اللاشرعية، باعتبارها «تقوض حل الدولتين وفرص تحقيق السلام العادل والشامل»https://t.co/HIndg26owg
— صحيفة الشرق الأوسط (@aawsat_News) January 17, 2023
الملف الإيراني
تشير التسريبات والتقارير الإعلامية إلى حدوث انفراجة جديدة في مسار المباحثات مع إيران على أكثر من مسار، لعل أكثرها جدية هو المسار اليمني، حيث كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الأمريكية عن إحياء الرياض والحوثيين المحادثات بينهما مرة أخرى في إطار الجهود الدولية والإقليمية المبذولة للعودة إلى تمديد اتفاق الهدنة التي انتهت في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبحسب الوكالة الأمريكية التي نقلت عن مسؤولين يمنيين وسعوديين وأممين، فإن الأيام القادمة قد تشهد تطورات إيجابية في ملف التهدئة، وهو التوجه الذي تميل له الرياض وطهران في ظل التحديات الراهنة، وكان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ قد التقى عددًا من قادة الحوثيين في صنعاء الثلاثاء 16 يناير/كانون الثاني الحاليّ لبحث سبل التهدئة، وسط تفاؤل جماعة الحوثيين بتحقيق تقدم في ملفات التفاوض الإنسانية، وذلك بعد يوم واحد فقط من زيارة وفد عماني للهدف ذاته.
وكانت الرئاسة الإيرانية قد أعلنت قبل أيام عن لقاء جمع بين وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ومساعد الرئيس الإيراني للشؤون البرلمانية سيد محمد حسيني، في البرازيل بداية الشهر الحاليّ، لافتة إلى أن الوزير السعودي قد أعرب عن استعداد بلاده استئناف المفاوضات مع طهران بعد انقطاع دام قرابة 10 أشهر، منذ أبريل/نيسان 2022.
الرياض وطهران أجرتا 5 جولات مفاوضات خلال الآونة الأخيرة، كان آخرها الجولة الخامسة في أبريل/نيسان الماضي، أثمرت عن بعض النتائج الإيجابية في مسار التقريب بين البلدين
هذا التحول في موقف البلدين يأتي بالتزامن مع حزمة من التطورات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة التي ربما تكون أسرعت من وتيرة هذا التحول نحو الجلوس مجددًا على مائدة المباحثات، كالحرب الأوكرانية وتصعيد التوتر مع المعسكر الغربي، والاحتجاجات التي شهدتها الشوارع الإيرانية، والفتور النسبي الذي شاب العلاقات بين الرياض وواشنطن.
يذكر أن الرياض وطهران أجرتا 5 جولات مفاوضات خلال الآونة الأخيرة، كان آخرها الجولة الخامسة في أبريل/نيسان الماضي، أثمرت عن بعض النتائج الإيجابية في مسار التقريب بين البلدين، منها عودة إيران إلى منظمة التعاون الإسلامي بعد استبعاد منذ 2016، وزيادة حصة الحجاج الإيرانيين والتنسيق بين وزارتي الحج في البلدين، بجانب توقف الهجمات الحوثية على الرياض، ودخول السعودية في مفاوضات مع الحوثيين بوساطة عمانية.
بجانب ما سبق، هناك العديد من التحديات التي تواجه دول المنطقة بأكملها، فبعيدًا عن الملفات التقليدية المستمرة، هناك مخاطر ومخاوف أخرى معظمها اقتصادية في ظل الأزمات المعيشية والاقتصادية الطاحنة التي تعصف ببعض دول المنطقة وعلى الأخص مصر والأردن، وما لذلك من تداعيات على زيادة معدل الاحتقان الشعبي ورفع وتيرة سخط الشارع، الأمر الذي ربما يهدد استمرار الأنظمة الحاكمة في تلك البلدان ويقوض الاستقرار لدى أنظمة البلدان المجاورة، وعليه يتطلب من حلفاء تلك البلدان من الخليجيين – أصحاب التدخلات السابقة في مواجهة الثورات العربية – التدخل لإنقاذ الموقف قبل تفاقمه، حيث يعول النظامان، المصري والأردني، على دول مجلس التعاون تحديدًا للخروج من مأزقهما الراهن.