اجتمع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في واشنطن بنظيره الأمريكي أنتوني بلينكن وبحثا ملفات عدة على رأسها الملف السوري، وهو الملف الذي يحمل خلافًا قديمًا بين أنقرة وواشنطن على عدة مستويات، أهمها الموقف الأمريكي من الوحدات الكردية التي تسيطر على شمال شرق سوريا وتعتبرها تركيا عدوها اللدود وتعمل على محاربتها والقضاء عليها.
طفا أيضًا في الشهور الأخيرة إلى السطح ملف التطبيع التركي مع النظام السوري، الأمر الذي لاقى رفضًا أمريكيًا، فما زالت إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن تنظر إلى الأسد كتهديد في المنطقة ولا يمكن التعامل معه أبدًا في أي مجال، لكن الإدارة التركية وجدت مؤخرًا أن الاجتماع مع النظام السوري بات أمرًا ملحًا من أجل “الوصول إلى سلام في المنطقة” وفق ما قاله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
واشنطن قلقة
ناقش جاويش أوغلو وبلينكن خلال اجتماعهما، جميع جوانب الأزمة السورية، وجدد الطرفان التزامهما بعملية سياسية في سوريا، وفقًا لقرار مجلس الأمن الدولي 2254، لكن بيان الخارجية الأمريكية عن المباحثات التي جرت لم يشر لأي نقاش بين الوزيرين بخصوص التطبيع التركي مع النظام السوري.
بدأت تركيا والنظام السوري اجتماعات على المستوى الرسمي العلني لأول مرة في موسكو، حيث التقى وزيرا دفاع النظام وتركيا إلى جانب رؤساء الاستخبارات في كلا البلدين برعاية روسية، ومن المنتظر أن يلتقي مولود جاويش أوغلو بوزير خارجية النظام فيصل المقداد أوائل فبراير/شباط المقبل في حال سارت الأمور على ما يرام بحسب تصريحات سابقة لجاويش أوغلو.
يذكر أن جاويش أوغلو أعلن منذ أسابيع أن لقاءً مع المقداد قد يحصل منتصف هذا الشهر، وهو ما أكدته المصادر التركية في أكثر من وسيلة إعلام، لكن الأمر لم يتم بسبب تعنت نظام الأسد، إضافة إلى أن الوزير التركي حرص على إجراء اللقاء مع النظام بعد زيارته التشاورية لواشنطن التي يبدو أن لها تحفظات كبيرة على التقارب مع الأسد، وهو حال كل الدول الإقليمية التي استبعدت من مباحثات موسكو كإيران وبعض الدول العربية.
أوضحت واشنطن انزعاجها من التقارب الجاري بين أنقرة وحكومة دمشق على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس قائلًا: “نحن لا ندعم الدول التي تعزز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد، الديكتاتور الوحشي”، وأضاف “نحض الدول على أن تدرس بعناية سجل حقوق الإنسان المروّع لنظام الأسد على مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، في الوقت الذي يواصل فيه ارتكاب فظائع ضد الشعب السوري، ويمنع وصول مساعدات إنسانية منقذة للحياة إلى محتاجيها في المناطق الخارجة عن سيطرة قواته”.
نيد برايس قال أيضًا في مؤتمر صحفي بالتوازي مع لقاء جاويش أوغلو وبلينكن: “عندما يتعلق الأمر بسوريا، فقد أوضحنا علنًا وبشكل خاص أيضًا، أننا لا نريد أن نرى أي إجراءات أحادية الجانب لديها القدرة على إعاقة التقدم الهائل الذي حققه المجتمع الدولي في جهود مكافحة داعش، لقد تم تدمير ذلك المشروع بسبب التنسيق والتعاون القوي من جانب عشرات الدول التي هي جزء من التحالف العالمي لمواجهة التنظيم”.
وأشار إلى التحركات التركية الحاليّة بقوله: “نحن قلقون من أن أي تحركات أحادية الجانب لديها القدرة على إعاقة ذلك الأمر، قد تؤدي إلى انتكاسة آفاق الحل السياسي للصراع طويل الأمد في سوريا بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254”.
واشنطن تدفع بالمزيد من التعزيزات
تجعل نقاط الاختلاف بين البلدين في سوريا من الصعوبة أن يتجاوز كل طرف الآخر في الملفات التي تهمه، لأن كلًا من تركيا وأمريكا تملكان قواعد عسكرية ممتلئة بالعتاد والجنود في سوريا ولا يمكن التحرك إلا وفقًا لترتيبات بين الدول الكبرى من أجل أن تكون المعركة مع العناصر الداخلية ومنع انتقالها إلى عناصر وجنود الدول الفاعلة.
خلال سنوات مضت لم تستطع كل من أنقرة وواشنطن حل موضوع الوحدات الكردية في شمال شرق سوريا، حيث تقدم واشنطن دعمها لهذه الميليشيات، بينما تريد تركيا ضمان أمنها القومي وحماية حدودها من هذه الوحدات المقاتلة التي تسيطر على أجزاء واسعة من سوريا.
يذكر أن الجيش التركي أطلق عدة عمليات برية ضد المقاتلين الأكراد خلال السنوات الماضية، تكللت بعضها بالنجاح العسكري مثل “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، فيما استطاعت أمريكا الضغط على تركيا لإيقاف عمليات أخرى مثل عملية “نبع السلام” التي توقفت باتفاق بين الطرفين لم يتم تنفيذه.
شهدت الشهور الأخيرة تصاعدًا في الخطاب التركي ضد المقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا، وعزمت تركيا على إطلاق عملية عسكرية برية لإبعاد قوات “قسد” و”بي كي كي” عن حدودها، لكن ذلك لم يتم نتيجة للضغوط الدولية من روسيا وأمريكا وإيران، لكن أنقرة ما زالت مصرة على موقفها، فقد صرح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أن ملف العملية العسكرية ما زال مطروحًا لدى قوات بلاده.
ترى أنقرة أنها من خلال التقارب مع النظام السوري، يمكن أن تحقق أمنًا على حدودها من خلال سيطرة النظام على المناطق التي توجد فيها الوحدات الكردية، وهو أحد الشروط التركية الرئيسية من هذه المفاوضات، إذ تريد أنقرة من النظام “القضاء على التنظيمات الإرهابية التي تهدد الأمن القومي التركي على طول الحدود”، لكن ذلك حتمًا يصطدم بالإرادة الأمريكية.
ومنذ أن أعلنت تركيا في نوفمبر/تشرين الأول 2022 بدء علميتها الجوية “المخلب السيف” ضد مقرات الوحدات الكردية، دفعت واشنطن بالمزيد من الدعم إلى قوات “قسد”، وأكدت واشنطن رفضها لأي تحرك عسكري في المنطقة، كما حذرت من شن أي هجوم على المنطقة، وقد عززت القوات الأمريكية قواعدها بالجنود والعتاد، فوصل إلى القواعد الأمريكية العسكرية المنتشرة في محافظة الحسكة إمدادات عسكرية جديدة تضم أكثر من 100 مركبة، وبحسب وكالة “الأناضول” فإن المركبات تضم إمدادات عسكرية.
تحاول واشنطن أيضًا تخفيف التوتر التركي من خلال إطلاق “مشروع جديد، تهدف من خلاله إلى دعم فصائل معارضة في مناطق شمال شرق سوريا، وإشراك المكون العربي بشكل أوسع في مؤسسات الإدارة الذاتية”، إذ قال موقع “باس نيوز” إن أمريكا لديها مشروع يهدف إلى “تطعيم” المؤسسات التي تديرها الإدارة الذاتية بالمكون العربي بالدرجة الأولى وبقية المكونات الأخرى في شمال شرقي سوريا.
إضافة إلى محاولات واشنطن تقريب وجهات النظر بين المكونات الكردية ومكونات عربية في المنطقة ومحاولة بناء الثقة بين مسؤولي الأكراد وشخصيات في المعارضة السورية، بدأت “قسد” مؤخرًا “مغازلة” السوريين، خاصة بعد بدء التطبيع التركي مع الأسد، وتستشعر “قسد” بالخطر، ففي حال تم التطبيع ستكون أول المستهدفين، لأنه كما ذكرنا فإن شرط أنقرة هو مشاركة النظام بالقضاء على “التنظيمات التي تهدد الحدود التركية”.
في ورقة نشرها مركز الحوار السوري، ذكر أنه “مع ما تُبديه تركيا من مسارعة في التقارب مع نظام الأسد ولقاء وزير الدفاع التركي بنظيره من قوات نظام الأسد مؤخرًا في موسكو، يبدو أن “قسد” بدأت بالابتعاد بشكل أكبر عن نظام الأسد، ووصفته بالمستبد وأصدرت بيانًا تُغازل فيه المعارضة السورية، متحدثةً عن ثورة الحرية والكرامة وعن المعتقلين”.
يعتبر المركز أن ذلك “هو موقف يمكن اعتباره مبنيًا على مؤشرات زيادة اهتمام التحالف الدولي والولايات المتحدة بالمنطقة، مما يعني زيادة اعتماد التحالف الدولي على “قسد” ودعمها، في الوقت الذي تواجه فيه “قسد” الضغوط الروسية التي تحاول إخضاعها وتجريدها من كل المكاسب وإلحاقها بنظام الأسد، ومما يزيد تخوف القوات الكردية منه حصول التوافقات بين تركيا وروسيا ونظام الأسد، مما قد تكون له تداعيات على مناطق السيطرة المشتركة بين قوات سوريا الديمقراطية ونظام الأسد في وقتٍ لاحق، لا سيما إذا قدم نظام الأسد التزامات لتركيا بإبعاد الوحدات الكردية أو محاربتها”.
وعن إمكانية أن تتوصل تركيا وأمريكا إلى صيغة توافقية فيما يتعلق بما يحدث الآن في سوريا، خاصة أن الشرط الأساسي لتركيا لنظام الأسد هو محاربة التنظيمات الإرهابية “قسد” وحزب العمال الكردستاني، وهو ما يتناقض مع أن واشنطن تدعمهما، قالت أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية التركية، حواء أرسلان، إن “الاستقلال النسبي الأخير لسياسات تركيا الأمنية، وظهور الخصومات الإقليمية، وزيادة الردع العسكري التركي بالتوازي مع التطورات في صناعة الدفاع التركية، تشكّل مقاومة لموقف الولايات المتحدة المهيب في العلاقات التركية الأمريكية المستمرة. لا تتوافق مخاوف تركيا الأمنية بشأن المنطقة وهدف منع الخسائر الاقتصادية مع الهيمنة التي تحاول الولايات المتحدة فرضها على المنطقة”.
توضّح أرسلان لـ”نون بوست” أيضًا: “هذا لأن الولايات المتحدة تعمل وتحرز تقدمًا لتوحيد جميع الأحزاب الكردية المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية تحت سقف واحد. حيث كيف يمكن لضمّ حزب الاتحاد الديمقراطي في الأحزاب الكردية، التي ستكون جزءًا من المعارضة الشرعية التي يمكن لتركيا قبولها عندما يكون من الضروري الجلوس على طاولة في المستقبل القريب، أن يخلق أرضية للتسوية في العلاقات الأمريكية التركية؟ في هذه المرحلة، تبدو إمكانية التوصل إلى صيغة حل مشترَك بين الولايات المتحدة وتركيا بعيدة للغاية”.
علاوة على ذلك، تحاول الولايات المتحدة ترك إرث سياسي دائم في المنطقة يمكن أن تمارس نفوذها عليه، وإدراكًا منها أنها لا تستطيع فعل ذلك مع الأكراد فقط، تحاول الولايات المتحدة دمج العرب الذين يسيطرون على المناطق التي تقع فيها حقول النفط (الرقة ودير الزور (المنطقة العربية السنّية)) في الاتحاد الذي أسّسته، وهكذا يتم هيكلة العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية.
كما تتزايد المخاوف الأمنية لتركيا يومًا بعد يوم في مواجهة الأنشطة العدوانية والإرهابية لقوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني، المدعومة عسكريًّا وسياسيًّا من قبل الولايات المتحدة. وتختم أرسلان كلامها بـ”أن الموقف المنافق للولايات المتحدة في المنطقة يزيد من تعميق هذا التناقض بين الدولتَين الحليفتَين”.
كيف يمكن عرقلة التطبيع؟
بالتوازي مع التحركات التركية للتقارب مع النظام، بدأت أمريكا تحركاتها أيضًا وهو الأمر الذي يجعل طريق أنقرة صعبًا، وعما إذا كانت تستطيع أنقرة تجاوز واشنطن في فرض رؤيتها في سوريا يقول، باسل حفار، مدير مركز إدراك للدراسات والاستشارات لـ”نون بوست”: “أنقرة لا تستطيع تجاوز واشنطن بالمرة، لكن قد تستطيع تطويع بعض شروط واشنطن أو الوصول إلى حل وسط والتفاوض معها حول بعض النقاط”، لكن تجاوزها كاملًا “غير وارد لا من طرف تركيا ولا من غيرها، خصوصًا أن أمريكا تمتلك قوة عسكرية فعلية على الأرض”.
أما عن الرفض الأمريكي للتطبيع يجيب حفار بأن “عدم الرضى الأمريكي عن التطبيع مع الأسد لا يعني رفضًا كاملًا، بإمكاننا القول إن واشنطن لديها رؤية أو تصور ومجموعة من الشروط والحدود والأطر بشأن طريقة التعامل مع النظام، وهذه الأطر تصب في رؤية أو أجندة امريكية عما يجب أن تؤول إليه الأمور في سوريا”، ويرى حفار أنهم يحاولون “استعمال موانع التطبيع والتضييق مع النظام في سبيل جره للتعامل مع الأجندة الأمريكية دون غيرها”.
تقول حواء أرسلان في هذا الخصوص إن واشنطن ستسعى لإيقاف التطبيع بين تركيا والنظام السوري: “يتقارب سعي تركيا للأمن في المنطقة على نقطة عدم إقامة إدارة كردية مدعومة من الولايات المتحدة في المنطقة، وهي مصلحة مشتركة لنظام الأسد وتركيا”، مضيفة: “إن التقارب المحتمَل بين تركيا ونظام الأسد من شأنه أن يهدد الوجود العسكري والقوة السياسية للولايات المتحدة في المنطقة، لأن التقارب التركي مع نظام الأسد من شأنه أن يقوّي يد الأسد السياسية والعسكرية ويتعارض مع رغبة الولايات المتحدة و”إسرائيل””.
تبيّن أرسلان أيضًا بأن “إقامة دولة كردية كبيرة على أساس عائدات النفط، والتي يتمثل هدفها الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة في إقامة إدارة كردية، وحكم ذاتي لها، وتوحيدها أخيرًا مع الإدارة الكردية في العراق لإبقائها تحت السيطرة واستخدامها كإدارة للقاعدة في حال احتاجت إلى التدخل عسكريًّا ضد دول المنطقة في المستقبل، يتعارض مع سعي كل من تركيا ونظام الأسد لتحقيق المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية في المنطقة. في هذه المرحلة، من شأن التقارب المحتمَل بين تركيا ونظام الأسد أن يساعد في استقرار المنطقة التي تمرّ بحالة من المستنقع السياسي”.
أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية حواء كوك سعيد “havva kök arsalan”
وتضيف بأنه “في حال وجود اتفاق بين نظام الأسد وتركيا، فإن الوضع المستقر سيسمح بلا شكّ للمهاجرين في تركيا بالعودة إلى بلداتهم. مع عودة التركيبة الديمغرافية للمنطقة إلى حالتها الأصلية، سيصبح السكان الأكراد مرة أخرى أقلية في المنطقة، الأمر الذي يتعارض مع الخطط الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة. في هذه المرحلة، تعتبَر عودة المهاجرين السوريين في تركيا إلى بلادهم ذات أهمية قصوى لتحقيق الاستقرار السياسي في المنطقة، وهذا افتراض تركي”.
ما هي أدوات العرقلة الأمريكية؟
في حال أرادت أمريكا عرقلة التطبيع التركي مع نظام الأسد، فإنها ستعمد إلى عدة مناورات على عدة أصعدة إقليمية وسياسية واقتصادية، وتذكر الدكتورة أرسلان أن واشنطن يمكن أن تحرك عددًا من القضايا للضغط على أنقرة، وهي “قضية تقاسم حقول النفط في شرق البحر الأبيض المتوسط، ومسألة الإدارة القبرصية اليونانية لجنوب قبرص، ووضع جزر بحر إيجة، والدعم الأمريكي لليونان في هذه القضايا، تعزيز القوة الجوية اليونانية من قبل الولايات المتحدة”.
هذا بالإضافة إلى “التهديدات الأمريكية بفرض حظر اقتصادي وعسكري على تركيا، ودعم الولايات المتحدة لمصر و”إسرائيل” واليونان والتقارب بين مصر و”إسرائيل” وجنوب قبرص في شرق البحر الأبيض المتوسط، كذلك يمكن استخدام المنظمات التي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية لكن تدعمها الولايات المتحدة باعتبارها تهديدًا لتركيا وإنشاء قواعد عسكرية”.
من جانبه، يقول الباحث باسل حفار: عن النقاط التي يمكن لواشنطن أن تعرقل فيها تحركات تركيا بالتطبيع مع النظام: أولًا، فرض عقوبات على الجهات التي تتعامل مع النظام على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي أو الإداري وهذه النقطة تواجه تركيا كما غيرها، وفي هذا الإطار يوضح حفار أن الأتراك يمكنهم الالتفاف على هذه العقوبات ببعض القرارات التي تستثنيها تحت بند إدخال المساعدات وبالتالي سيتم ربط مسألة الانفتاح التركي على النظام بمسألة استمرار عبور المساعدات من طرف تركيا.
ثانيًا، الملف الأمني أو العسكري وإصرار الولايات المتحدة على دعم “قسد” بشكل واسع، وهو ما يجعل الاتفاق بين تركيا والنظام مفرغًا من محتواه، لأن إذا لم يمر الاتفاق بينهما لتحقيق تقدم على الأرض في سبيل تحييد “قسد” و”حزب العمال الكردستاني” وما يرتبط بها اتجاه تركيا، فسيكون هذا الاتفاق قد فرغ من محتواه بشكل كبير وحقق أقل بكثير مما ينبغي أن يحققه.
بالمحصلة، يمكن لأمريكا أن تصل إلى اتفاق مع تركيا بخصوص مستقبل التعامل مع النظام، وهذا يرتبط إلى حد كبير بالمصالح والتوجهات التركية الأمريكية والحاجة لوجود الولايات المتحدة في هذه المنطقة، وهو أمر يثار بشكل واسع اليوم ضمن دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة بشأن الفائدة من الوجود بهذا الشكل كقوات رسمية موجودة على الأرض وهل تحتاج الولايات المتحدة أن تتواجد بهذا الشكل على الأرض في منطقة يحدث بها احتكاك مع تركيا وروسيا وإيران.
لذلك يرى الباحث حفار أن مسألة الانسحاب الأمريكي واردة ومطروحة، وليس خفيًا أنها تطرح وتناقش في دوائر صنع القرار في أمريكا، لكن بالمقابل تركيا بحاجة إلى أن تفكر مليًا في مسألة لعب دور رأس الحربة في مواجهة داعش على الأرض وتلعب أيضًا الدور الأساسي في إدارة مصادر الطاقة الموجودة في سوريا ليس لأنها مهمة بقيمتها للولايات المتحدة، لكن لأن الولايات مهتمة جدًا بتوجيه هذه المصادر ومنع وصولها إلى جهات لا ترغب أن تستفيد من عوائدها.