دعا البرلمان الأوروبي الخميس الماضي إلى إدراج الحرس الثوري الإيراني على القائمة السوداء في دول الاتحاد الأوروبي، وهي خطوة يخشى بعض السياسيين الغربيين من أنها قد تدفع إيران إلى الانسحاب من محادثات إحياء الاتفاق النووي بشكل نهائي، خصوصًا أن الخطوة الأوروبية الأخيرة حولت دول الاتحاد الأوروبي من طرف وسيط في هذه المحادثات إلى طرف في الخلاف السياسي بين طهران وواشنطن، ما سيعقد بدوره من فرص إيجاد وسيط ضامن لاستئناف هذه المحادثات مرة أخرى.
وعلى الرغم من الدور الاستشاري للبرلمان الأوروبي، فمن المقرر أن يجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الإثنين الموافق 23 يناير/كانون الثاني الحاليّ، لمناقشة المزيد من العقوبات، وجعل حظر الحرس الثوري مطلبه الرئيسي.
في ردها الأولي على القرار الأوروبي، قالت إيران إنها ستعلن جيوش الاتحاد الأوروبي منظمات إرهابية، إذا تم حظر الحرس الثوري، وأكد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في اتصال هاتفي مع رئيس الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إن الحرس الثوري مؤسسة تخلق الأمن.
وفي هذا السياق سعت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، إلى حشد الإجماع الأوروبي من خلال دعم الدعوات إلى تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، وقال بعض السياسيين الإيرانيين إن مثل هذه الخطوة – التي نفذها بالفعل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الولايات المتحدة – قد تؤدي إلى انهيار المحادثات النووية بشكل كامل.
ماذا يعني تجريم الحرس الثوري؟
يمكن القول إن تجريم الحرس الثوري، بدلًا من فرض المزيد من العقوبات عليه، سيجعل من الصعب على مؤيدي النظام الإيراني جمع الأموال أو القيام بأنشطة دعائية، إذ يلعب الجدل الأوروبي بشأن هذا الموضوع دورًا في خلق نقاش موازٍ بالمملكة المتحدة، حيث يدعم أعضاء البرلمان البريطاني بشدة الحظر كإجراء إضافي، إلى جانب تمرير العقوبات على الحرس الثوري برمته، وعدم الاكتفاء بتجريمه فقط.
هذا القرار سينتج أزمة كبيرة داخل الجاليات الإيرانية في المجتمعات الأوروبية، فقد لجاء العديد من الإيرانيين ممن أدووا الخدمة العسكرية ضمن صفوف الحرس الثوري خلال الحرب العراقية الإيرانية، إلى أوروبا وأقاموا فيها
يشرف الحرس الثوري على العديد من القوات العسكرية البرية والبحرية والجوية، إلى جانب إشرافه على ملف الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، بالإضافة إلى قوة الباسيج شبه العسكرية التي أدت دورًا محوريًا في مواجهة الاحتجاجات الحاليّة في طهران وغيرها من المدن الإيرانية، التي اندلعت بسبب مقتل المواطنة الكردية الإيرانية مهسة أميني، بعد اعتقالها بزعم انتهاكها قواعد اللباس الإيرانية الخاصة بالنساء، وتتحدث وسائل الإعلام الأوروبية عن أن مئات الأشخاص قتلوا كما اعتقل الآلاف خلال أكثر من أربعة أشهر من الاحتجاجات المستمرة.
وإلى جانب دعم العديد من أعضاء البرلمان الأوروبي حظر الحرس الثوري، فهم يدعمون أيضًا إنهاء محادثات الاتفاق النووي، إذ قالت هانا نيومان، عضوة البرلمان الألماني: “كيف يمكننا التحدث عن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، إذا كان الشيء الوحيد الذي يظهر هو الاعتراف الدولي الذي يحتاجه النظام بشكل عاجل؟ لقد انتهى وقت السياسة الغامضة، طالما استمرت الاحتجاجات الوحشية، لا ينبغي أن نتفاوض، طالما أن الحرس الثوري يرهب شعبه والمنطقة، يجب أن نعاملهم كإرهابيين”.
مما لا شك فيه أن هناك العديد من التداعيات التي سيفرزها هذا القرار على الحرس الثوري، فإلى جانب تجريمه سياسيًا وعسكريًا، فإن تداعيات هذا القرار ستكون أكثر تأثيرًا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فعلى المستوى الاقتصادي ستتعرض الأصوال المالية التي تتبع للحرس الثوري للملاحقة القضائية والجنائية في العديد من الدول الأوروبية، التي تديرها شركة خاتم الأنبياء التابعة للحرس عبر حسابات شخصية تمول من خلالها أنشطة الحرس، كما أن التعاملات المالية والمصرفية التي تقوم بها العديد من البنوك الأوروبية مع مصارف إيرانية، أو بشكل أدق، الحسابات المصرفية التي تتبع للحرس أو أشخاص منتمين إليه، ستكون عرضة للتضييق، وقد تصل إلى حد التجميد المالي.
أما على الصعيد الاجتماعي، فإن هذا القرار سينتج أزمة كبيرة داخل الجاليات الإيرانية في المجتمعات الأوروبية، حيث لجأ العديد من الإيرانيين ممن أدووا الخدمة العسكرية ضمن صفوف الحرس الثوري خلال الحرب العراقية الإيرانية، إلى أوروبا وأقاموا فيها، كما أن لبعضهم مواليد ممن يحملون الجنسية الأوروبية، فضلًا عن قيام العديد من أبناء الضباط في الحرس الثوري بالدراسة في الجامعات الأوروبية، هذا إلى جانب النشاط الذي تقوم به بعض المنظمات المدنية الإيرانية المدعومة من الحرس، وبالتالي فإن هذا القرار سينعكس سلبًا على وجود ونشاط هؤلاء، ما يفرض على العديد من الدول الأوروبية إعادة تعريف الوضع القانوني لهؤلاء الأشخاص والمنظمات.
خيارات الرد الإيراني
وصف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هذه الخطوة، بأنها انتهاك كبير للقوانين وميثاق الأمم المتحدة، وأكد أنها نابعة عن يأس وفشل الأعداء في الشارع الإيراني، وأعلنت هيئة أركان القوات المسلحة الإيرانية في بيان أن القرار الأوروبي القاضي بتصنيف حرس الثورة تنظيمًا إرهابيًا، سيؤثر سلبًا على السلم الدولي، وكذلك تحدثت المصادر الإيرانية عن عقد اجتماع في البرلمان الإيراني، اليوم الأحد، بحضور القائد العام لقوات الحرس الثوري اللواء حسين سلامي، وعدد آخر من المسؤولين المعنيين لاتخاذ قرارات حاسمة للرد على الاتحاد الأوروبي.
وتشير غالبية الردود الواسعة من الشخصيات أو المؤسسات الإيرانية إلى الخطوة الأوروبية الأخيرة، إلى أنها ستؤدي إلى خلق أزمات لا تقف آثارها عند حدود العلاقات الثنائية بين طهران وأوروبا، بل ستشمل الكثير من المواقع والجبهات.
واقع الأمن الإقليمي والدولي سيكون أمام اختبار حقيقي في مرحلة ما بعد تطبيق القرار الأوروبي على الحرس الثوري
من جانبها وصفت صحيفة جوان التابعة للحرس الثوري القرار الأوروبي بالخطوة الانتقامية، مؤكدة أن أوروبا بدأت تخسر رؤيتها الإستراتيجية تجاه طهران، بحيث أنها سمحت لعدد من المجموعات الإرهابية المفلسة بإعداد سياساتها في الملف الإيراني.
ووعدت الصحيفة أن الغرب سيواجه نتائج هذه الإجراءات في الكثير من الساحات بدءًا من حدود الكيان الإسرائيلي وصولًا الى منطقة الخليج ومضييق هرمز، في حين رأى الدبلوماسي الإيراني السابق جلال ساداتيان في حوار مع صحيفة “اعتماد” أن القرار يمثل انطلاق مرحلة جديدة في العلاقات بين إيران وأوروبا يمكن وصفها بـ”تكسير العظام”.
وعلى الرغم من أنه من المبكر استعراض خيارات الرد الإيراني على الخطوة الأوروبية الأخيرة، خصوصًا أنها ما زالت في إطار مشروع قانون لم يترجم على أرض الواقع، فمن جهة أخرى تمتلك إيران العديد من الخيارات للرد على هذه الخطوة، التي يأتي في مقدمتها اعتماد خيار “التصعيد النووي” عبر استئناف النشاط في المفاعلات النووية، أو تهديد الملاحة في الخليج العربي، عبر استهداف البواخر والناقلات النفطية الأوروبية، أو حتى في تصعيد الإجراءات الأمنية ضد المواطنين الإيرانيين من ذوي الجنسية الأوروبية، وأخيرًا زيادة نشاطها في الحرب الأوكرانية، عبر تسخير مزيد من الدعم العسكري لروسيا.
تدرك القوى الأوروبية أن لهذا القرار تداعيات خطيرة، خصوصًا عندما تتعامل مع دول مثل إيران، لديها حضور في جميع المسارح التي توجد فيها المصالح الأوروبية، كما أن لمثل هذا القرار تداعيات لن تقتصر على خريطة الشرق الأوسط، بل قد تشكل خرائط أخرى ستحاول إيران اختبار الأوروبيين فيها، كخطوة أولية للرد، وهو ما يشير إلى أن واقع الأمن الإقليمي والدولي سيكون أمام اختبار حقيقي في مرحلة ما بعد تطبيق القرار الأوروبي على الحرس الثوري.