أخلت السلطات المصرية، السبت 21 يناير/كانون الثاني 2023، سبيل رجل الأعمال ومؤسس شركة “جُهينة” للصناعات الغذائية، أكبر شركة لمنتجات الألبان والعصائر في مصر، صفوان ثابت (76 عامًا) ونجله سيف (40 عامًا)، بعد أكثر من عامين من الحبس الاحتياطي الانفرادي.
وقد نشرت نجلته مريم على صفحتها على منصات التواصل الاجتماعي منشورًا أشارت فيها إلى أن والدها وشقيقها المحبوسين منذ ديسمبر/كانون الأول 2020 أفرج عنهما، وكتبت تقول: “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ، استجاب الله الدعوات.. أبويا صفوان ثابت وأخويا سيف الدين ثابت، معانا”.
وبحسب وسائل إعلام محلية مصرية فإن قرار الإفراج جاء عقب صدور قرار من النيابة العامة بإخلاء سبيلهما بضمان محل إقامتهما على ذمة اتهامها في القضية التي تحمل الرقم 865 لسنة 2020 حصر أمن دولة عليا، وبموجب هذا القرار فإن رجل الأعمال ونجله لا يزالان متهمين فى القضية، إلى أن يصدر قرار من النيابة العامة بشأن التصرف فى القضية، سواء بحفظها أم إحالتها للمحكمة المختصة، حسبما نُقل عن مصادر قضائية.
وكانت السلطات المصرية قد ألقت القبض على مؤسس شركة جهينة للصناعات الغذائية، نهاية 2020، فيما اعتقلت نجله في فبراير/شباط 2021، على ذمة قائمة مطولة من الاتهامات ضمت “مشاركة جماعة الإخوان الإرهابية والانضمام إليها وإمدادها بالأموال لتحقيق أغراضها بتغيير نظام الحكم بالقوة، والاعتداء على رجال القوات المسلحة والشرطة ومنشآتهما والمنشآت العامة والإضرار بالاقتصاد القومي للبلاد، والانضمام لجماعة إرهابية وتمويل أنشطتها بملايين الجنيهات، عبر ضخ أموال في حسابات قيادات بالجماعة، بالإضافة إلى تقديم مساعدات عينية تقدر قيمتها بملايين الجنيهات”.
وقد تباينت التأويلات بشأن الدوافع الحقيقية وراء الاتهامات التي كيلت لهما في وقت كان النظام المصري يشن حملة شعواء ضد عدد من رجال الأعمال، الأمر الذي كان له صداه لاحقًا ودفعت البلاد ثمنه غاليًا جدًا خلال العامين الماضيين على وجه التحديد، ليبقى السؤال: لماذا اعتقلت الدولة صفوان ونجله؟ ولماذا أفرجت عنهما في هذا التوقيت بالذات؟
لحظات مؤثرة.. #صفوان_ثابت ونجله سيف وسط العائلة بعد عامين خلف القضبان.#مزيد pic.twitter.com/CFvMBOFklr
— مزيد – Mazid (@MazidNews) January 21, 2023
لماذا كان الاعتقال في الأساس؟
ذهب تيار كبير من المحللين عقب اعتقال صفوان ونجله إلى الحديث عن مبررات هذه الخطوة التي كانت صادمة للشارع الاقتصادي وقتها، ومالت الغالبية في تفسيراتها إلى عدم استجابة رجل الأعمال المصري للضغوط التي مورست عليه من جهات سلطوية وأمنية للتنازل عن حصته في الشركة التي تعد إحدى إمبراطوريات قطاع الألبان والعصائر في المنطقة.
موقع “مدى مصر” الإلكتروني كان قد نشر تقريرًا استند فيه إلى مصادره الخاصة توصل إلى أن الجهات الأمنية حاولت مساومة صفوان بالإفراج عنه مقابل تنازله عن حصة من رأس ماله، وليس شرطًا أن تكون الحصة كاملة كما كان يتردد، لكن الرجل رفض تلك الضغوط، ما أدى إلى تراجع حالته الصحية حسب شهادة نجلته.
أدت تلك الممارسات السلطوية إلى تشويه صورة السوق الاستثماري المصري خارجيًا، وحولته من قبلة للاستثمارات طيلة عقود طويلة إلى سوق طارد، ليس للأجانب وفقط لكن لأبناء الوطن كذلك
وفي 22 يوليو/تموز 2022 كشفت ابنته أن والدها أخبرها خلال زيارتها له في محبسه أن السلطات هددته بإلحاق الأذى بأسرته، وقالت: “أبي قال لي إنهم يهددونه بأمي وبالأسرة”، وأضافت “أبويا صفوان ثابت رجل الاقتصاد الوطني في خطر، بأحمّل كل حد مشترك في حبسه غير المبرر المسؤولية كاملة”.
وكانت زوجة رجل الأعمال المعتقل قد توفيت يوم الجمعة 18 مارس/آذار 2022، إثر تعرضها لأزمة صحية شديدة، بعد مثولها للتحقيق، فيما نشرت مقطع فيديو مصور على منصات التواصل الاجتماعي تناشد فيه رئيس الجمهورية بالإفراج عن زوجها وابنها، وكان لذلك أثره الكبير على زوجها وابنها حيث تدهورت صحتهما أكثر داخل محبسهما.
بعد تدهور صحة بهيرة الشاوي..هل يأتي القرار الإنساني باخلاء سبيل زوجها صفوان ثابت ونجلها سيف في حياتها وفي وعيها؟هل ستشعر بوجودهما إلي جوارها؟؟ربما يري البعض ان هذه التساؤلات لا أهمية لها وسط الجنون الذي يجري علي هذا الكوكب وجرائم ترتكب في حق الإنسانية #أوكرانيا
#جهينة ( ١-١) pic.twitter.com/h2txOhWZvm— Gameela Ismail (@GameelaIsmail) March 5, 2022
ضغوط اقتصادية
القراءة الأولى التي تطل برأسها في بورصة التكهنات بشأن الإفراج عن رجل الأعمال ونجله تشير إلى استجابة الحكومة لشروط صندوق النقد الدولي التي وافقت عليها القاهرة للحصول على الدفعات المتبقية من القرض البالغ 3 مليارات دولار، وتعزيز الصندوق لاسم مصر لدى مجتمع المانحين.
وقد طالب الصندوق القاهرة بتحسين بيئة العمل وتوفير المناخ المستقر للمستثمرين وطمأنتهم بشأن حياتهم ورؤوس أموالهم، وهو ما كانت تعاني منه الساحة الاقتصادية المصرية خلال الفترة الأخيرة، ما تسببت في تخارج عشرات الشركات الأجنبية وهروب ما يزيد على 30 مليار دولار سائلة للخارج.
وفي ظل المأزق الاقتصادي الذي تعاني منه الدولة المصرية كان لا بد من إبداء المرونة وإعادة النظر في السياسات المتبعة، أمنيًا وسياسيًا وتشريعيًا، بما يتلاءم ومعطيات المرحلة، من أجل تحسين الوضع الاقتصادي وتشجيع الاستثمارات الأجنبية على ضخ رؤوس أموالها في السوق المصري، وما كان لذلك أن يحدث دون إبداء حسن النوايا عبر الإفراج عن عدد من رجال الأعمال، آخرهم صفوان ثابت ونجله.
وكانت السلطات المصرية خلال العامين الماضيين قد شنت حملة اعتقالات واسعة النطاق ضد رجال الأعمال أبرزهم: مالك سلسلة المجمعات التجارية الشهيرة “التوحيد والنور”، سيد رجب السويركي، ورجل الأعمال المعروف صلاح دياب، في مشهد أثار استهجان الكثير من الخبراء، ما دفع الكثير من المستثمرين للهروب خارج مصر منهم رجل الأعمال ممدوح حمزة.
لجأت الحكومة إلى سياسة “الإرجاء” بشأن إجراءتها القاسية التي أجلتها لما بعد الثورة، ومن بينها تحريك سعر الخبز المدعم ورفع سعر المحروقات وغيرها من القرارات التي يتوقع أن تزيد حالة الغضب الشعبي
وبالتوازي مع موجة الاعتقالات كان التحفظ على أموال المستثمرين ومنع التصرف فيها بدعوى انتمائهم لجماعات إرهابية وتمويلهم لأنشطتها، كما حدث مع رجل الأعمال محمد منصور عبد الرحمن أبو عوف، وشقيقه مصطفى، حيث تم التحفظ على شركتهما “ماي واي إيجيبت” (My way Egypt) لمستحضرات التجميل، إحدى أكبر الشركات العاملة في السوق المصرية في هذا المجال.
وأدت تلك الممارسات السلطوية إلى تشويه صورة السوق الاستثماري المصري خارجيًا، وحولته من قبلة للاستثمارات طيلة عقود طويلة إلى سوق طارد، ليس للأجانب فقط لكن لأبناء الوطن كذلك، وهو ما كبد الاقتصاد الوطني المصري خسائر فادحة، زادت من عمق الأزمة وتأثيرها، ليدفع الشعب المصري وحده الثمن من مستوياته المعيشية التي تتدنى يومًا بعد الآخر.
بسبب قلق المستثمرين… خروج 21 مليار دولار من الاستثمارات غير المباشرة في مصر خلال عام#مزيد pic.twitter.com/7ZI23VQCDF
— مزيد – Mazid (@MazidNews) October 7, 2022
ذكرى يناير.. دلالة التوقيت
قراءة أخرى لما حدث، لكنها هذه المرة قراءة زمنية أكثر منها حدثية، تتعلق بقرب الذكرى الثانية عشرة لثورة يناير/كانون الثاني 2011، فخطوة كهذه ربما تمتص جزئيًا حالة الاحتقان المتصاعدة لدى الشارع الثائر على السياسات المتبعة منذ سنوات وأدت بالبلاد إلى تلك الحالة المذرية.
ويأتي قرار الإفراج عن اسم بحجم صفوان ثابت قبل أيام من ذكرى الثورة التي دومًا ما تقلق النظام حتى وهي في أضعف مراحلها، باعثًا برسالة طمأنة للجهات والكيانات والأصوات الحقوقية التي طالما نادت بإطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية آرائهم السياسية أو توجهاتهم الاقتصادية.
وينتاب النظام المصري – رغم نفيه – حالة من القلق بصفة عامة، كلما اقتربت ذكرى يناير، لكن القلق يتصاعد هذا العام بعد أن خيم السخط على المشهد بسبب انهيار المستوى المعيشي وعدم قدرة الملايين من الشعب على الوفاء بالتزامات بيوتهم اليومية، ما زج بعشرات الملايين إلى آتون الفقر والعوز.
لذا لجأت الحكومة إلى سياسة “الإرجاء” بشأن إجراءتها القاسية التي أجلتها لما بعد الثورة، ومن بينها تحريك سعر الخبز المدعم والانخراط في سوق الخبز السياحي عبر إستراتيجية “كروت الشحن” ومنافسة القطاع الخاص في بيع الخبز، ورفع سعر المحروقات وغيرها من القرارات التي يتوقع أن تزيد حالة الغضب الشعبي.
ولأول مرة منذ 2013 تخرج الأصوات المعترضة على السياسات القائمة، محملة السلطات الحاليّة مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع، وهو ما تكشفه المقاطع الصوتية والتغريدات والمنشورات التي تزخر بها منصات السوشيال ميديا، حتى من بين الفريق الداعم على طول الخط للنظام الحاليّ، ما أقلق الرئيس السيسي الذي عبر عن ذلك خلال خطاباته الأخيرة التي حاول فيها طمأنة المصريين بأن الوضع غير مقلق وأن الدولة لديها من مؤهلات الاستقرار ما يجنب شعبها القلق، لكنها التصريحات التي ما عادت تؤتي ثمارها في ظل ما يعانيه المواطن صباحًا ومساءً دون بارقة أمل.
وبعيدًا عن القراءات المتباينة لقرارات الإفراج عن رجال الأعمال المعتقلين، التي من الممكن أن تجتمع كلها في بوتقة واحدة، إلا أن إطلاق سراح المحبوسين ظلمًا بسبب مواقفهم وآرائهم – البالغ عددهم آلاف بحسب تقديرات حقوقية – خطوة جيدة وإن لم تكن بريئة، فأيًا كانت دوافع الإفراج فنيل الحرية أغلى وأقيم من الجدليات كافة.