تتجه الجزائر وإيطاليا إلى تعزيز علاقاتهما إلى مستوى إستراتيجي خلال زيارة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني التي تبدأها اليوم الأحد إلى البلد المغاربي، وينتظر أن تشكل قضايا الطاقة ورفع الاستثمارات الاقتصادية في الجزائر وملف الهجرة غير الشرعية أهم النقاط التي ستبحثها الوافدة الجديدة إلى رئاسة الحكومة مع المسؤولين الجزائريين، وفي مقدمتهم الرئيس عبد المجيد تبون.
وتشهد العلاقات الجزائرية الإيطالية زخمًا في الفترة الأخيرة، ساهم فيه حاجة أوروبا لإمدادات طاقوية بديلة للغاز الروسي، ما جعل روما ترى في الجزائر الحل المثالي لسد احتياجاتها من الطاقة، فيما ترى الجزائر في ذلك فرصة لزيادة حجم صادراتها من الغاز، وتوسيع التعاون بين البلدين إلى قطاعات السيارات والدفاع والفلاحة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
الطاقة أولًا
تلتقي ميلوني خلال هذه الزيارة للمرة الثانية بالرئيس تبون بعد لقائهما المقتضب في شرم الشيخ المصرية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على هامش قمة المناخ، لذلك ستشكل هذه المرة فرصةً حقيقيةً لتباحث مختلف القضايا التي تهم البلدين، وعلى رأسها قطاع الطاقة، إذ تعمل روما على ضمان تواصل تدفق الغاز إلى أراضيها، بهدف رفع هذه الكمية إلى نحو 25 مليار متر مكعب سنويًا هذا العام بعدما وصلت العام الماضي إلى 21 مليار متر مكعب.
ويحقق هذا المطلب طموح الجزائر بتسويق نفسها كمورد موثوق للغاز في البحر المتوسط، حيث تسعى إلى رفع صادراتها إلى 100 مليار متر مكعب من خلال الاكتشافات التي حققتها في 2022، وكذا عبر برنامج الاستثمار الذي أطلقته شركة سوناطراك الحكومية العام الماضي والبالغ 40 مليار دولار، الذي يستمر هذا العام أيضًا، وتشكل “إيني” الإيطالية أحد أهم المساهمين فيه عبر الاستثمارات التي تباشرها بالجنوب الجزائري.
تعد الجزائر أول مصدر للغاز في إفريقيا، وتمد أوروبا بنحو 11% من احتياجاتها
ولرفع صادراتها من الغاز التي بلغت هذا العام 52 مليار متر مكعب، تعول الجزائر على إعادة بعث مشروع خط أنبوب الغاز “غالسي” الذي يربط البلاد بسردينيا الإيطالية.
وقال وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب الشهر الماضي خلال انعقاد النسخة الرابعة ليوم الطاقة الجزائري -الألماني: “يتم النظر في إعادة إطلاق الدراسات بشأن إنشاء خط أنبوب الغاز الجزائر – سردينيا (غالسي)، بمواصفات ومعايير فنية، تتكيف مع تصدير الهيدروجين في المستقبل نحو أوروبا وألمانيا على وجه الخصوص”.
وأوضح الوزير الجزائري أنه “سيتم استخدام هذا الخط مبدئيًا لتصدير الكميات الإضافية من الغاز الطبيعي نحو أوروبا، في انتظار إنشاء سوق حقيقية للهيدروجين”.
وكان الرئيس تبون قد أبدى خلال زيارته إلى روما شهر مايو/أيار الفارط استعداد بلاده تصدير الطاقة الكهربائية إلى إيطاليا لتكون الموزع لهذه الكميات نحو أوروبا.
وتعد الجزائر أول مصدر للغاز في إفريقيا، وتمد أوروبا بنحو 11% من احتياجاتها، وتعمل على التحول لأن تكون أيضًا ممونًا لأوروبا بالكهرباء والهيدروجين ضمن خطط الانتقال الطاقوي التي تعمل على رفع مستوى استخدام الطاقة النظيفة.
وتقترح الجزائر على إيطاليا أن تتحول إلى مركز لتحويل صادراتها من الكهرباء نحو أوروبا، فإنتاجها الحاليّ يتعدى 25 ألف ميغاواط يوميًا، فيما لا يتعدى استهلاكها اليومي 12 ألف ميغاواط، ما يعني حسب وزارة الطاقة الجزائرية إمكانية تصدير 10 آلاف ميغاواط من الكهرباء يوميًا نحو أوروبا.
وسبق للمدير العام لشركة سونلغاز الحكومية مراد عجال أن كشف في وقت سابق أن الجزائر تدرس اتفاق تصدير الكهرباء إلى إيطاليا، وهو الموضوع الذي سيعرف تقدمًا ملموسًا خلال زيارة ميلوني.
وقال المدير العام لسوناطراك توفيق حكار، الأربعاء الماضي، إن الشركة ستوقع اتفاقات جديدة مع شركة الطاقة الإيطالية إيني هذا العام، منها اتفاقات بشأن إمدادات الكهرباء، وذلك خلال زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وأوضح حكار “سنوقع صفقتين ومذكرات تفاهم مع إيني، بما في ذلك ما يتعلق بكابل لنقل الكهرباء إلى إيطاليا”.
توسيع الشراكة
رغم أهمية قطاع الطاقة للجزائر وإيطاليا، فإن البلدين يحاولان أن يخرجا تعاونهما الاقتصادي من دائرة النفط والغاز، حيث أصبحت الصناعة الميكانيكية أحد أهم المجالات، فقد باشرت علامة “فيات” الإيطالية إنجاز مصنع متكامل لصناعة وتركيب السيارات بمدينة وهران غرب الجزائر، وذلك بعد توقيع الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار لاتفاق مع مجمع ستيلانتيس لصناعة السيارات المالك لعلامة فيات الإيطالية لإقامة هذا المصنع.
وتسعى الجزائر إلى إعادة بعث قطاع السيارات بعد الإخفاق الذي مني به في التجربة الأولى التي تمت في عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وذلك لتلبية الطلب المحلي بعد ما أوقفت استيراد المركبات منذ 2017، إضافة إلى أنها تسعى لأن يكون الإنتاج المحلي بحجم كبير لتوجيه جزء منه إلى التصدير، وبالخصوص إلى السوق الإفريقية، وهو طموح يتقاسمه معه المتعامل الإيطالي الذي ينتظر أن تخرج أول سيارة له من مصنع وهران في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
بلغت المبادلات التجارية بين الجزائر وإيطاليا 8.5 مليار دولار سنة 2021، مسجلة ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بسنة 2020 حين بلغت قرابة 6 مليارات دولار
ولا تقتصر الشراكة الجزائرية الإيطالية على مجالي الطاقة والسيارات فقط، فالبلدان يريدان توسيعه إلى مختلف المجالات، وهو ما يتجلى أيضًا اليوم في مجال الأشغال العمومية بين شركة كوسيدار الحكومية وشركاء إيطاليين لتنفيذ عدة مشاريع للبنية التحتية في الجزائر.
والأسبوع الماضي، بحث وزير الصناعة الجزائري أحمد زغدار مع رئيس المدير العام لمجمع “أدلر” الإيطالي باولو سكودييري آفاق التعاون الصناعي وتحديد فرص الاستثمار والشراكة، حسب ما أفاد بيان لوزارة الصناعة.
وأبدى سكودييري رغبة مجمع “أدلر” في “تجسيد مشاريع كبيرة في الجزائر ببعدها الإفريقي”، مشيرًا إلى أن زيارته إلى الجزائر جاءت “لتحديد المشروع أو المشاريع التي يمكن أن تكون محل شراكة مربحة للجانبين الجزائري والإيطالي، كمرحلة أولى في قطاع غيار الميكانيك لمختلف أنواع السيارات، وبمرافقة تكنولوجية إلى جانب صناعة النسيج”.
ويمتلك مجمع “إدلر” 100 شركة عبر 34 دولة في العالم، ويشتغل في قطاعات السيارات والصناعات الكيماوية والطاقة وقطاع الطيران والصناعات الغذائية.
وفي يوليو/تموز الماضي، وقع البلدان 16 اتفاقية ومذكرات تفاهم على هامش زيارة رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي للجزائر، وتمثلت في مذكرة تفاهم بشأن الصناعة الصيدلانية بين الوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية ونظيرتها الإيطالية، ومذكرة تفاهم بين الوكالة الوطنية لدعم وتنمية المقاولاتية وكونفدرالية الصناعات الخاصة الصغيرة والمتوسطة، ومذكرة تفاهم بين الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار والوكالة الوطنية لجذب الاستثمارات وتطوير المؤسسات، ومذكرة تفاهم بشأن الوقاية من الفساد ومكافحته.
كما تضمنت الاتفاقيات أيضًا: مذكرة تفاهم في مجال الأشغال العمومية ومذكرة تفاهم تخص المؤسسات الناشئة ومذكرة تفاهم في مجال التعاون الصناعي وإعلان نوايا في مجال البحث العلمي بشأن التعاون في مجالات الطاقة والطاقات المتجددة، وبروتوكول تعاون بين وزارتي العدل في البلدين، ومذكرة تفاهم في مجالات التنمية الاجتماعي وتكافؤ الفرص والتنمية والعائلة، ومذكرة تفاهم في مجال حماية التراث التاريخي، وإعلان نوايا حول التعاون في المجال الدبلوماسي.
وبلغت المبادلات التجارية بين الجزائر وإيطاليا 8.5 مليار دولار سنة 2021، مسجلة ارتفاعًا كبيرًا مقارنة بسنة 2020 حين بلغت قرابة 6 مليارات دولار، حسب أرقام وزارة التجارة وترقية الصادرات الجزائرية، التي تكون قد ارتفعت حتمًا في 2022 بعد زيادة الجزائر صادراتها الطاقوية نحو روما.
وقدرت قمية الصادرات الجزائرية نحو إيطاليا (التي تتمثل خصوصًا في المحروقات) بما يقارب 6.24 مليار دولار سنة 2021، في حين بلغت واردات الجزائر من هذا البلد (التي تتكون أساسًا من الماكينات والمواد البترولية المكررة والمواد الكيميائية والمواد الحديدية) 2.26 مليار دولار.
وإذا كان البلدان لم يضعا حتى الآن سقفًا لمستوى تبادلاتهما التجارية، فإن المشاريع التي تنفذ حاليًّا تنبئ بأن تبلغ الأرقام مستويات قياسية لم تحقق من قبل، خاصة أن القرب الجغرافي وميل المسؤولين الجزائريين لتطبيق نموذج الاقتصاد الإيطالي المبني على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في بلادهم يزيد من فرص الشراكة بين البلدين.
تنقل الأشخاص
ارتبط اسم جورجيا ميلوني وحزبها اليميني على الدوام بملف الهجرة، لذلك سيكون هذا الملف ضمن أهم محاور المباحثات التي ستجمع رئيسة الوزراء الإيطالية بالمسؤولين الجزائريين.
وتقول ميلوني إنها تعتمد في تعاملها مع ملف الهجرة بالاستمرار في إخلاصها “لفكر البابا (البولندي الراحل) فويتيلا، الذي أكد أنه قبل ضمان الحق في الهجرة، ينبغي ضمان الحق في عدم القيام بها” بالسعي لتوفير ظروف العيش في بلدان المنشأ.
وترى ميلوني أن على إيطاليا التركيز على “البعد المتوسطي، مع دور مركزي وإستراتيجي”، وقالت: “أنا أفكر في قضية الطاقة، ولهذا السبب يصبح تحالفنا مع البلدان المطلة على البحر المتوسط من الجانب الأوروبي أساسيًا”.
الشراكة الجزائرية الإيطالية ليست وليدة اليوم، إلا أن المستوى والطموحات التي يبنيها البلدان بشأنها اليوم تجعلها تأخذ منحى جديدًا، بالنظر إلى هدف روما في أن تكون الجزائر منفذها نحو القارة الإفريقية
وبالنظر إلى الضفة الجنوبية للمتوسط، فإن البلدين الذين يملكان إمكانات طاقوية أكبر هما الجزائر وليبيا، لذلك تعتمد فلسفة ميلوني وحزبها “فراتيلي ديتاليا” (إخوة إيطاليا) على إبرام اتفاقيات مع الدول التي يغادر منها المهاجرون مثل تونس وليبيا وتركيا، وحتى الجزائر وإن كانت بدرجة أقل.
ويلقى خطاب ميلوني تجاه فرنسا بشأن الهجرة قبولًا وتأييدًا من جهات عدة، إذ تتهم رئيس الوزراء الإيطالية الفرنسيين، بـ”استغلال الموارد الطبيعية والمواد الخام في إفريقيا بشكل غير عادل بحق الدول الإفريقية”، ما أسهم، حسبها، في دفع الأفارقة للهجرة باتجاه أوروبا، ولهذا السبب، فالحل لوقف الهجرة الإفريقيّة باتجاه أوروبا “ليس نقل الأفارقة إلى أوروبا، بل تحرير إفريقيا من بعض الأوروبيين”.
لكن ما ترفضه الجزائر في خطاب ميلوني هو أن تكون دركيًا يوقف تدفق أفواج المهاجرين نحو الضفة الشمالية للمتوسط، لذلك تنادي بأن تتحمل الدول الأوروبية بالنظر إلى ماضيها الاستعماري مسؤوليتها في هذا الواقع، وذلك بتنفيذ مشاريع تنموية في القارة الإفريقية تحد من نزعة الهجرة نحو أوروبا.
الثلاثاء الماضي، كشف السفير الجزائري في روما عبد الكريم طواهرية، عقب لقائه وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي، ومحافظ روما برونو فباتاسي عن مسودة اتفاق يرتقب أن يتم التوقيع عليها في زيارة ميلوني، وقال طواهرية إنه تطرق إلى قضية الهجرة غير الشرعية، حيث أكد أن الجزائر تسعى بجميع الإمكانيات لحماية الحدود والساحل ومحاربة المصادر التي تغذي هذه الظاهرة.
وأضاف أن المصالح القنصلية بالسفارة تجري بانتظام جلسات الاستماع اللازمة لتحديد هوية المهاجرين غير الشرعيين الموقوفين في سردينيا وجنوب إيطاليا.
وتطرق المسؤولان إلى الإطار القانوني الثنائي لا سيما لجنة متابعة الاتفاق الجزائري الإيطالي بشأن حركة الأشخاص، فضلاً عن مشروع اتفاق التعاون الأمني قيد الاستكمال، الذي من المرجح أن يتم التوقيع عليه خلال زيارة ميلوني.
وبدوره أبرز بيانتيدوس ارتياحه الكبير للتقدم المحرز بشأن نص الاتفاق، مؤكدًا استعداده لتعميق المناقشات مع نظيره الجزائري خلال هذه الزيارة أو في إطار زيارة عمل رسمية أخرى إلى الجزائر.
من المؤكد أن الشراكة الجزائرية الإيطالية ليست وليدة اليوم، إلا أن المستوى والطموحات التي يبنيها البلدان بشأنها اليوم تجعلها تأخذ منحى جديدًا، بالنظر إلى هدف روما في أن تكون الجزائر منفذها نحو القارة الإفريقية، وبالخصوص بعد تراجع الدور الفرنسي بالمنطقة، فيما تسعى الجزائر للتأكيد أنها الخيار الأمثل للأوروبيين لضمان أمنهم الطاقوي، وأنه لا يمكن تجاهلها في أي خطط ترسم بشأن المغرب العربي وإفريقيا.