ترجمة وتحرير: نون بوست
“المزاح” و”المداعبة” هي الصفات التي خلصت إليها لجنة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم “إف. ايه” على أنها أفضل تفسير لسلوك جون يمز؛ إذ أدين مدير فريق مدينة كراولي السابق بارتكاب عشرات الحالات التي قام فيها باستخدام اللغة العنصرية والتمييزية تجاه اللاعبين، وبالرغم من ذلك قالت اللجنة إن يمز لم يكن “عنصريًا واعيًا”.
وقال الاتحاد الإنجليزي، في بيان صدر بعد قرار اللجنة، إنه “يدرس بنشاط خياراته القانونية”، حيث يحق لاتحاد كرة القدم استئناف العقوبة التي سلمتها اللجنة إلى يمز.
وتظهر قائمة تعليقات يمز كيف استهدف المدير السابق اللاعبين السود والمسلمين بالقوالب النمطية واللغة الهجومية، فبينما ينظر إلى التحيز أحيانًا تجاه اللاعبين السود في كرة القدم على أنه من بقايا الماضي، إلا أن يستمر حتى يومنا هذا، وهو ما يتضح من رد الفعل العنيف ضد ثلاثة لاعبين سود شباب ضيعوا ركلات الترجيح في نهائي يورو 2020؛ أو من خلال العقوبات الضئيلة الممنوحة للأندية والمشجعين الذين أساءوا معاملة اللاعبين بلغة أو إيماءات عنصرية.
وهناك دليل آخر يفسر سبب اعتبار يمز “عنصريًا فاقدًا للوعي” وهو اللغة التي استخدمها ضد اللاعبين المسلمين، وشبههم بالمفجرين والإرهابيين، وهي اللغة التي عادة ما ينظر إليها على أنها رهاب من الإسلام، والتي حددتها المجموعة البرلمانية لعموم الأحزاب المعنية بالمسلمين البريطانيين على أنها “نوع من العنصرية التي تستهدف تعبيرات عن الإسلام أو صورة الإسلام العملي”؛ حيث يعد اقتراح أن لاعبًا عراقيًّا شابًّا قد يفجر الملعب، كما فعل يمز، مناسبًا لمشروع القانون.
لكن التعريف الذي وضعته المجموعة، والذي أقرته سلسلة من المنظمات الإسلامية، لم يتم تبنيه من قبل حكومة المحافظين في بريطانيا؛ حيث كان دأب حزب المحافظين بانتظام، بدلًا من ذلك، على تسويق الرهاب من الإسلام – كما يفعل القوادون – كإستراتيجية لكسب الأصوات والتأييد، بينما سمح رفضهم النظر إلى العنصرية ضد المسلمين على أنها مشكلة على قدم المساواة مع الأحكام المسبقة الأخرى بالاعتقاد السائد على نطاق واسع بأن المسلمين هم هدف مشروع للنقد والاتهام.
يجب أن يعرف اللاعبون الشباب مثل أولئك الذين أدربهم في وقت مبكر أنه إذا تعرضوا لسوء المعاملة، فإن العدالة ستكون في صالحهم
وعندما تحدثت البارونة سعيدة وارسي قبل عقد من الزمان عن أن الإسلاموفوبيا اجتازت اختبار مائدة العشاء (وهو تعبير يعني أن الإسلاموفوبيا أصبحت مقبولة أكثر)، ربما اعتقد القليل أن كرة القدم مصابة بهذه الفوبيا، ولكن في حين أن الإسلاموفوبيا – أو قبولها – قد تكون مدفوعة من القمة، فإنها لا تأتي دائمًا من الجهات المتوقعة.
الفساد من الألف إلى الياء
كتب أحد المتخصصين عن كيفية إفساد الإسلاموفوبيا والعنصرية لكرة القدم من القواعد الشعبية إلى الأعلى؛ حيث يمكن للمديرين والمدربين الشباب في جميع أنحاء البلاد نقل أمثلة عن كيفية بذلوا وقتهم الثمين وطاقاتهم لتحدي العنصرية الموجهة إليهم من فرقهم.
وأفاد ساكي إقبال، أحد كبار المحترفين في الخدمة الصحية الوطنية ومدرب كرة القدم المتطوع، لـ”ميدل إيست آي” كيف أن حادثة عنصرية تركته يكافح اتهامات بسوء السلوك، فعلى الرغم من قيام لاعب منافس له بنعته بكلمة “باكي” [وهو مصطلح للتحقير من المهاجرين من باكستان] عدة مرات، مما أدى إلى اكتشاف مباشر لممارسة العنصرية من قبل لجنة اتحاد مقاطعة لانكشاير لكرة القدم، إلا أن الاستئناف اللاحق صور القضية الرئيسية على أنها قرار إقبال بتخليه عن المباراة.

وقد أدى هذا الوضع إلى اضطرار إقبال إلى إعادة التجربة مرارًا وتكرارًا، وعلى الرغم من أنه فاز في نهاية المطاف بالقضية، إلا أنه يؤكد أن الحادث فتح عينيه على كيفية تغيير قوائم المرمى عندما يتم استهداف العنصرية تجاه السود أو المسلمين.
وقال إقبال: “من المتوقع أن نقبل ذلك فقط، وللأسف هناك توجه ليبرالي في التفكير يبرر العنصرية من خلال العبارات التافهة؛ ولذلك يجب ألا تدع العنصريين يفوزون.. إلخ”، وتابع قائلًا: “ماذا عن تحديهم؛ حيث يجب أن يعرف اللاعبون الشباب مثل أولئك الذين أدربهم في وقت مبكر أنه إذا تعرضوا لسوء المعاملة، فإن العدالة ستكون في صالحهم”.
وأشار إقبال، أحد كبار مشجعي كرة القدم، إلى التغطية الأخيرة لكأس العالم في قطر، والتي يعتقد أنها أظهرت ازدراءً واسع النطاق للثقافات غير الغربية، وخاصة الإسلام، وهو ليس الوحيد الذي اعتقد ذلك؛ حيث لم يتوقف الاشمئزاز الذي أعربت عنه وسائل الإعلام الغربية تجاه البطولة في قطر عند اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان، بل امتدت إلى شقاق حضاري هائل بين الغرب و”البقية”.
التحيز ضد قطر
وتضمنت الحملة التي لا هوادة فيها ضد قطر – والتي كانت بشكل أساسي في وسائل الإعلام – قصص رعب بالكاد يمكن تصديقها حول ما يمكن أن يتوقعه المشجعون الغربيون في الأمة العربية، ولكن ما اتضح، خلال البطولة، أن الإناث يشعرن في الواقع بأمان في ملاعب الدوحة أكثر مما شعرن به في لندن، وذلك بعد تحديد الكحول على أنه ربما يكون محركًا رئيسيًا لأعمال الشغب في جميع أنحاء أوروبا، بينما كانت التغطية – مع بعض الاستثناءات الملحوظة – تأتي دائما متضمنة التحذير من ذلك.
حتى أولئك الذين يعتبرون عادة حلفاء في مكافحة الإسلاموفوبيا هم مشاركون راغبون في الترويج لعقيدتهم الليبرالية
وكشفت الأبحاث التي أجراها مركز رصد وسائل الإعلام عن العديد من الأمثلة على ذلك؛ حيث اعتبرت إجراءات مثل الترحيب بالضيوف متناقضة مع القيم الإسلامية التقليدية، أو وصفت قطر بأنها غير آمنة – على الرغم من تصنيفها على أنها الدولة الأكثر أمانا في العالم – فقد تم اللعب على نظرية المؤامرة الشائنة “للمناطق المحظورة” المسلمة (رمز الأماكن التي لا يحب الصحفيون والمعلقون زيارتها لكونها ذات كثافة سكانية من المسلمين).
ولم تكن هذه تحيزات قلة فقط؛ حيث أكد لاعب سابق اشتهر بالغوص طوال مسيرته بثقة أن الإيرانيين لديهم ميل ثقافي للغش في مباريات كرة القدم، بينما انضمت المنشورات المسؤولة عادة إلى هذه الهستيريا؛ حيث سخرت من النقاد القطريين الذين سخروا من إشارة “حقوق الإنسان” اليدوية التي قام بها الفريق الألماني، بينما تجاهلوا المشجعين الألمان الذين أشاروا إلى المشجعين القطريين الذين حملوا ملصقات اللاعب الألماني المسلم مسعود أوزيل باسم “طالبان”.
وأشار ديفيد والش، الصحفي الرياضي الشهير إلى أن الأجندة كانت واضحة جدًا؛ مبينًا أن رسالة من أحد مكاتب لندن قالت إن القصص “الجيدة” عن كأس العالم ليست مطلوبة، كما ألمح أيضا إلى مشكلة أخرى، وهي: أنه حتى أولئك الذين يعتبرون عادة حلفاء في مكافحة الإسلاموفوبيا هم مشاركون راغبون في الترويج لعقيدتهم الليبرالية.
المصدر: ميدل إيست آي