ترجمة وتحرير: نون بوست
تعتمد السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط على أسطورة امتدت على مدى عقود من الزمان؛ حيث وضع صانعو السياسة الأمريكيون ثقتهم في أن الحكومات الاستبدادية هي الداعم الوحيد القابل للاستمرار للاستقرار والنظام في الشرق الأوسط، لكن هذا الاعتبار يعيد الأمور إلى الخلف؛ حيث تنتج السياسات الخاصة بهذه الأنظمة وتعزز العديد من المشكلات والتوترات والمظالم الأكثر أهمية في المنطقة، وقد دفع الاعتماد على أسطورة الاستقرار الاستبدادي هذه الولايات المتحدة إلى إغراق جهات فاعلة منتقاة في المنطقة بكميات هائلة من المساعدات العسكرية والأسلحة المتطورة والغطاء الدبلوماسي والمساعدة الاستخباراتية وغير ذلك، إذ يتلقى الشرق الأوسط في الواقع – وتحديداً شركاء الولايات المتحدة – مساعدات عسكرية ومبيعات أسلحة أكثر من أي منطقة أخرى على وجه الأرض.
وتضمنت المبررات الإستراتيجية التقليدية لهذه الشراكات – وللمبالغ الهائلة من الدعم النقدي والعسكري والدبلوماسي الذي تنفقه الولايات المتحدة – أهمية إمدادات النفط في المنطقة وطرقها البحرية، ومكافحة الإرهاب العابر للحدود الوطنية، ومنع ظهور تكتل إقليمي مهيمن معادٍ لأمريكا، لكن هذا المنطق التقليدي تم الطعن فيه من خلال عدد من التحليلات الأخيرة التي تشكك في البصمة الإقليمية المتوسعة لأمريكا وإذا ما كانت ضرورية لتعزيز هذه الأهداف، لكن المبرر الذي شهدته النقاشات السياسية الأخيرة للبقاء في قلب سياسات الشرق الأوسط وأمنه، بما في ذلك تلك التي جرت داخل إدارة بايدن، كان عودة المنافسة بين القوى العظمى؛ حيث يجادل مؤيدو هذا الرأي بأن الولايات المتحدة يجب أن تحافظ على علاقات وثيقة مع الأنظمة الاستبدادية الإقليمية من أجل درء عدم الاستقرار ومنع دول الشرق الأوسط من اللجوء إلى موسكو أو بكين.
يتحدى هذه المقال أسطورة الاستقرار الاستبدادي والفكرة القائلة بأن هذه الشراكات مفيدة للولايات المتحدة، ويتناول القسم الأول تطور الدعم الأمريكي للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط منذ القرن العشرين وحتى إدارة بايدن، فيما يُظهر القسم الثاني المنطق الذي يقوم عليه تحالف الولايات المتحدة مع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. بينما يبين القسم الثالث عيوب هذه الإستراتيجية، بما في ذلك التنافس مع روسيا أو الصين، أو كلاهما، أما القسم الأخير، فيقترح التغييرات التي يمكن أن يقوم بها صانعو السياسات للابتعاد عن تمكين الأنظمة الاستبدادية في المنطقة.
منطق دعم الأنظمة الاستبدادية
اتخذت الحجج المؤيدة لدعم الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط أشكالًا عديدة، لكن المنطق الأساسي فيها ظل ثابتًا نسبيًا، وهو أن المستبدين هم الفاعلون الوحيدون القادرون على فرض النظام، والعمل مع واشنطن، ودعم التفوق الأمريكي في منطقة غير مستقرة بطبيعتها، وخلال الحرب الباردة، كان التعاون مع هؤلاء المستبدين ضروريًا لمنع الزحف السوفييتي والحفاظ على التدفق الحر للنفط خارج المنطقة.
وبعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وانهيار العراق بسبب الغزو الأمريكي في سنة 2003، كان يُنظر إلى دعم هؤلاء المستبدين باعتباره ضرورة لمكافحة الإرهاب العالمي، أما بعد الانتفاضات العربية سنة 2011، فقد تم تصوير الحكام المستبدين على أنهم القوة الوحيدة القادرة على إعادة إرساء النظام في أعقاب صعود تنظيم الدولة وتفكك الأنظمة في كل من سوريا واليمن وليبيا.
أما الآن؛ فإن الدعم المستمر لهذه الأنظمة الاستبدادية يُقدّم على أنه وسيلة للحفاظ على الهيمنة الجيوسياسية في منطقة تتعرض للاختبار من قبل روسيا التي تنهض من سباتها والصين الصاعدة، وعلى الرغم من أنهم قد لا يشاركوننا قيمنا، كما هو معتاد، إلا أن الحكام المستبدين في الشرق الأوسط هم اللاعبون الأكثر قدرة على تعزيز المصالح الاستراتيجية لواشنطن في منطقة “معقدة” كهذه.
أدى انهيار الدولة بعد الحرب في أماكن مثل سوريا واليمن وليبيا – إلى جانب ظهور تنظيم الدولة – إلى زيادة توطيد نهج أمريكا المتمحور حول الاستبداد في الشرق الأوسط
تعود جذور النهج الاستبدادي في الشرق الأوسط أيضًا إلى الافتراضات الجوهرية المتعلقة بالتوافق بين العرب والإسلام والديمقراطية؛ فقد تكررت التأكيدات بأن العرب في الشرق الأوسط “ليسوا مستعدين للديمقراطية” في جميع الأوساط الأكاديمية والسياسية الغربية منذ عقود.؛ فعلى سبيل المثال، صرح الباحث المؤثر الراحل برنارد لويس في أعقاب اندلاع الانتفاضات العربية عام 2011؛ أن الديمقراطية هي “مفهوم سياسي ليس له تاريخ ولا سجل على الإطلاق في العالم العربي والإسلامي… لذلك فهم ببساطة ليسوا جاهزين لانتخابات حرة ونزيهة”، وليس من المستغرب أن تقدم الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط روايات مماثلة للغرب من أجل تقديم نفسها على أنها الوحيدة القادرة على الحكم ولتبرير سيطرتها المطلقة.
ويلعب سوء الفهم الغربي للإسلام والحركة الإسلامية دورًا حاسمًا هنا؛ فالمبرر الشائع للاستبداد في الشرق الأوسط هو أنه إذا امتلك المواطنين الحق في التصويت، فسوف ينتخبون على الفور الإسلاميين المناهضين للغرب في السلطة، الذين بمجرد وصولهم إلى السلطة سيقضون على العمليات الديمقراطية من خلال المصطلح الشهير الذي تستخدمه حكومة الولايات المتحدة “شخص واحد، صوت واحد، مرة واحدة”، لذلك فإنه وفقًا لهذا المنظور، يجب أن تظل واشنطن ملتزمة بالحكام المستبدين المزعومين الموالين للغرب الذين سيمنعون صعود مثل هذه القوى إلى السلطة، من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية على أفضل وجه.
ووفقًا لهذا المنطق، فإنه على الرغم من أن هؤلاء المستبدين قد لا يكونون شركاءً مثاليين، إلا أنهم يمثلون الجهات الفاعلة الوحيدة القادرة على الحفاظ على النظام في الشرق الأوسط ودفع السياسات المتوافقة مع مصالح الولايات المتحدة؛ حيث أعيد إنتاج هذه الافتراضات على مدى عقود من خلال التفسيرات والضغوطات المصممة للحفاظ على سياسات الوضع الراهن.
دعم الولايات المتحدة لأنظمة الشرق الأوسط الاستبدادية: من الحرب الباردة إلى اليوم
الدعم الغربي للاستبداد في الشرق الأوسط ليس أمرًا جديدًا، فقد قامت القوى الإمبراطورية والاستعمارية برسم خريطة الشرق الأوسط الحديث، مما أدى إلى تجزئة المنطقة وإبقاء حكوماتها معتمدة على الدعم الخارجي؛ حيث فرض المستعمرون الأوروبيون – خاصة بعد الحرب العالمية الأولى وتفكك الإمبراطورية العثمانية – حدودًا إقليمية مصطنعة إلى حد كبير، كما قاموا أيضًا في نفس الوقت بإنشاء ودعم أنظمة ومؤسسات استبدادية “استمرت في فترة ما بعد التبعية واستخدمت للحفاظ على السيطرة على السكان، مثل النظام العسكري والبيروقراطي”.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ أفسحت الهيمنة الأوروبية في الشرق الأوسط الطريق أمام النخب من أمريكا الصاعدة الذين – على حد تعبير أحد العلماء البارزين – “اعتبروا أنفسهم خلفاء لسلام بريطانيا”، وبدأوا في “إعادة ترتيب بقايا الإمبراطوريات الأوروبية القديمة إلى نظام عالمي على الطراز الأمريكي “.
مع تسارع الحرب الباردة؛ تنافست واشنطن وموسكو على النفوذ الإقليمي والدول العميلة، مما أدى إلى تفاقم النزاعات الإقليمية وتقويض محاولات الديمقراطية، وخلال هذه الفترة انصب تركيز الولايات المتحدة على معارضة الشيوعية، وتأمين إمدادات النفط وطرق التجارة في المنطقة، وحماية إسرائيل، وسعيًا لتحقيق هذه الأهداف، أقامت واشنطن علاقات قوية مع العديد من الجهات الفاعلة الاستبدادية في الشرق الأوسط؛ حيث كان يُنظر إليهم بشكل متزايد باعتبارهم الضامنين الأفضل لمصالح الولايات المتحدة، وعلى الرغم من اختفاء هدف محاربة الشيوعية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي، إلا أن الولايات المتحدة استمرت في تعزيز الانقسامات في المنطقة، وظل الهدفان الآخران – النفط وإسرائيل – على حالهما بشكل أساسي.
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، شرعت واشنطن في إستراتيجية كبرى راسخة في شعورها بالتفوق، وأصبح الشرق الأوسط نقطة انطلاق مشروع الهيمنة الليبرالية الأوسع، وفي محاولة للحفاظ على الوضع الراهن؛ اختارت الولايات المتحدة دولًا استبدادية إقليمية من خلال سلسلة من شبكات عملائها.
لم تتحدى موسكو وبكين بشكل صريح النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة، لأنهما تستفيدان منه؛ فقد وفرت المظلة الأمنية لهما ليصبحا أكثر انخراطًا في المنطقة دون الاضطرار إلى تحمل تكاليف الحماية المادية لمصالحهما
وزادت الولايات المتحدة بشكل كبير من تدخلها العسكري في المنطقة عندما شنت حربين على العراق (في سنتي 1991 و2003) والحرب العالمية على الإرهاب في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 الإرهابية، وإلى جانب الهيمنة العسكرية الأمريكية التي لا مثيل لها في الشرق الأوسط، قدم المخططون الأمريكيون كميات كبيرة من الأسلحة المتقدمة والدعم الاستخباراتي والغطاء الدبلوماسي للحكومات الشريكة في المنطقة.
ونظرًا لأن تهديد الإرهاب العابر للحدود طغى على أهداف أخرى، فقد انتهزت هذه الحكومات الفرصة لتقديم نفسها على أنها القوة الوحيدة القادرة على مواجهة هذه التهديدات في المنطقة، مستغلة المفاهيم الأمريكية الخاطئة عن الإسلام، ومهملة للكيفية التي أدت بها السياسات التي تنتهجها هذه الحكومات إلى إنتاج العديد من مظالم المنطقة.
وعندما اندلعت الانتفاضات العربية في سنة 2011 وهددت بإزاحة الحكام المستبدين الذين رسخت الولايات المتحدة سياستها الإقليمية على أساسهم، نظرت واشنطن إلى احتمال التغيير السياسي – على وجه التحديد في السياقات التي يتعرض فيها شركاؤها للتهديد – باعتباره تهديدًا للمصالح الأمريكية، وسعت حكومة الولايات المتحدة إلى عودة الوضع الراهن منذ ذلك الحين، باستخدام وسائل مباشرة وغير مباشرة للثورة المضادة.
وأدى انهيار الدولة بعد الحرب في أماكن مثل سوريا واليمن وليبيا – إلى جانب ظهور تنظيم الدولة – إلى زيادة توطيد نهج أمريكا المتمحور حول الاستبداد في الشرق الأوسط، وعندما تولى الرئيس السابق دونالد ترامب منصبه في سنة 2017؛ ضاعف من الركيزتين الأساسيتين لسياسة الشرق الأوسط، وسعى إلى دمجهما رسميًا بشكل أكبر من خلال ما يسمى “اتفاقيات إبراهيم”، وبالمثل، كان نهج إدارة بايدن في المنطقة نهجًا استمراريًا وليس تغييرًا.
الأساس المنطقي الجديد لبايدن: منافسة القوى العظمى
وبينما استقرت واشنطن على المنافسة مع روسيا والصين كمبدأ تنظيمي جديد لسياستها الخارجية، فإن هذا المنطق هو الآن أحد الأسباب الأكثر شيوعًا لاستمرار المشاركة الأمريكية العميقة في الشرق الأوسط؛ حيث أثارت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) مخاوف بشأن الوجود الإقليمي المتزايد لكلا البلدين، كما ضغطت واشنطن بشكل متزايد على شركائها الإقليميين بشأن ارتباطاتهم مع موسكو وبكين، وإن كان ذلك دون جدوى.
وشدد مسؤولون كبار، مثل الجنرال كينيث ماكنزي جونيور، الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية، على أن مبيعات الأسلحة المستمرة والمتزايدة للشركاء الإقليميين ضرورية لمنع هذه الحكومات من التحول إلى قوى عظمى أخرى، بينما قال بريت ماكغورك، المنسق الحالي للبيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إن الشراكات مع الأنظمة الاستبدادية العربية تمنح الولايات المتحدة “ميزة نسبية فريدة” على المنافسين الأمريكيين في المنطقة، وتثير رسائل هؤلاء المسؤولين موضوعًا مشتركًا، وهو: كلما انسحبت الولايات المتحدة من الشرق الأوسط وشركائها الإقليميين، كلما سعت روسيا والصين لملء الفراغ، ولقد عبر شركاء أميركا الإقليميون عن منطق محتجزي الرهائن، مؤكدين أنه بدون الدعم القوي المستمر من الولايات المتحدة، قد يحتاجون إلى التحول إلى مكان آخر.
ومن دون شك؛ وسعت كل من روسيا والصين بشكل كبير من وجودهما في الشرق الأوسط خلال العقد الماضي، إلا أن روسيا أو الصين لم تكونا قادرتان على ملء “الفراغ” الأمريكي في الشرق الأوسط، كما أنهما لا يرغبان في ذلك. وكما ذكرتُ في مكان آخر: “لم تتحدى موسكو وبكين بشكل صريح النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في المنطقة، لأنهما تستفيدان منه؛ فقد وفرت المظلة الأمنية لهما ليصبحا أكثر انخراطًا في المنطقة دون الاضطرار إلى تحمل تكاليف الحماية المادية لمصالحهما”.
النظام السائد في الشرق الأوسط هو نظام مصطنع، ولا يتم دعمه إلا من خلال الاستبعاد والقمع الشديد والضمانات الأمنية من الولايات المتحدة، إذ أدى دعم واشنطن المستمر لمثل هذا النظام إلى حلقة مفرغة
وتعد روسيا والصين انتهازيتان في الشرق الأوسط، كما لا يقدر أحد منهما أو يرغب في بناء نظام سياسي وأمني جديد في المنطقة؛ حيث تتطلب الهيمنة الخارجية، التي تحاول الحفاظ على نظام إقليمي، قدرًا هائلًا من الموارد السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما أنها تبقى عرضة لخطر الفشل، وهو ما أظهرته التجربة الأمريكية في الشرق الأوسط؛ لذلك تواجه كل من روسيا والصين مشاكل اقتصادية كبيرة في الداخل، وخاصة موسكو بعد غزوها الكارثي لأوكرانيا المجاورة، هذا إلى جانب الطبيعة الاستبدادية لحكومتي موسكو وبكين والتي تقوضهما؛ حيث تحتاجان إلى تخصيص كميات هائلة من الموارد لمراقبة الدولة داخليًا للحفاظ على سلطتهم الخاصة.
علاوة على ذلك؛ فإن العديد من التطورات التي حققتها روسيا والصين في الشرق الأوسط ترجع إلى سياساتهما الخارجية المحدودة والمجزأة في المنطقة؛ حيث استفادت هذه الدول من قدرتها على الامتناع عن الانحياز إلى أي جانب في العديد من المنافسات الجيوسياسية في المنطقة، وهو الامتياز الذي يرجح أن ينتهي إذا تنازلت الولايات المتحدة، الضامن الأمني للمنطقة، وهو ما يعني باختصار، أنه ربما تكون روسيا والصين مقيدتان للغاية وحكيمتان للغاية في محاولة استبدال الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وبالنظر إلى أن روسيا أو الصين ليس لديهما القدرة أو الإرادة لدعم نظام سياسي أو أمني معين في الشرق الأوسط؛ فلن يكون أمام موسكو وبكين خيار سوى مواصلة نهجهما السلبي نسبيًا تجاه المنطقة في غياب الوجود الأمريكي المباشر، ونظرًا لأنهما على الأرجح غير قادرتين وغير راغبتين في تخصيص موارد كبيرة للشرق الأوسط، فإن روسيا والصين ستظلان حذرتين من الانجرار إلى مشاكل المنطقة المختلفة، على النحو الذي اتبعته الولايات المتحدة لأكثر من عقدين، والذي ثبت أنه مكلف للغاية ويؤدي إلى نتائج عكسية؛ حيث إن موسكو وبكين أكثر اهتمامًا بالقضايا الداخلية والتطورات السياسية في مناطقهما، وسيتعين عليهما التخلي عن المشاريع الإقليمية التي تتطلب إما تكريس موارد كبيرة أو المخاطرة بالوقوع في شرك في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط.
تدرك الدول في المنطقة جيدًا القيود التي تواجه روسيا والصين ولا تعتبرها بدائل قابلة للتطبيق لواشنطن؛ لذلك سعوا – بدلًا من ذلك – إلى التلاعب بمفهوم منافسة القوى العظمى من أجل تحقيق أهدافهم الإستراتيجية الخاصة؛ حيث زاد شركاء أمريكا الاستبداديون في المنطقة من قلق واشنطن بشأن فقدان موقعها بالنسبة لروسيا أو الصين، مما أدى إلى نوع من “النفوذ العكسي”، فعلى الرغم من أن هذا النهج ليس جديدًا، إلا أن سلوك العديد من شركاء الولايات المتحدة بعد غزو روسيا لأوكرانيا كان واضحًا.
استندت الشيكات الفارغة التي قدمتها الولايات المتحدة لهؤلاء المستبدين في الشرق الأوسط إلى فكرة خاطئة مفادها أن هذه الشراكات ضرورية بطبيعتها للنهوض بالمصالح الأمريكية.
الأول كان قرار الإمارات العربية المتحدة بالامتناع – إلى جانب الصين والهند – عن مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي لإدانة غزو موسكو لأوكرانيا؛ حيث أوضح أنور قرقاش، وزير الدولة السابق للشؤون الخارجية والمستشار الحالي للقيادة الإماراتية، أن الإمارات لن تنحاز إلى أي طرف في الصراع، مشيرا إلى أن ذلك “لن يؤدي إلا إلى مزيد من العنف”، في حين صرح عبد الخالق عبد الله، الأكاديمي الإماراتي، أن هذا دليل على أنه لا ينبغي اعتبار الإمارات العربية المتحدة “دمية للولايات المتحدة بعد الآن”. وفي المقابل، انضمت روسيا إلى الإمارات العربية المتحدة في تصويت مجلس الأمن الدولي لتصنيف حركة الحوثي اليمنية كمنظمة إرهابية، ثم امتنعت أبو ظبي، بعد فترة وجيزة، عن التصويت؛ حيث سلطت وزارة الخارجية الروسية الضوء على علاقتها القوية مع الإمارات العربية المتحدة.
وقامت الإمارات العربية المتحدة، بعد وقت قصير، بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي، لكن كان ذلك على الأرجح بسبب تدفق الدعم العالمي لأوكرانيا وإدراك أن هذا لن يكون انتصارًا عسكريًا سريعًا لموسكو، بينما أعرب وزير الخارجية الإماراتي، في آذار/مارس الماضي، عن رغبته في مواصلة التعاون مع روسيا في المسائل المتعلقة بالطاقة، والتي استمرت بلا هوادة.
ورفض أيضًا شركاء أمريكا في الشرق الأوسط طلبات واشنطن لهم بزيادة إنتاج النفط مع ارتفاع الأسعار عالميًا؛ حيث رفض القادة السعوديون والإماراتيون المكالمات مع الرئيس بايدن، مما يشير إلى أنهم لن يساعدوا في ارتفاع أسعار النفط ما لم تمنحهم واشنطن تنازلات، مثل المزيد من الدعم لحملتهم العسكرية في اليمن؛ حيث ضاعفت المملكة العربية السعودية في الواقع وارداتها من النفط الروسي المخفض والمفروض عليه العقوبات بأكثر من الضعف في الربع الثاني من هذا العام حتى تتمكن من استخدام هذا الوقود محليًا مع بيع نفطها الخاص بأسعار أعلى دوليًا، كما قامت مجموعة أوبك+ النفطية مؤخرًا بزيادة إنتاج النفط بمقدار ضئيل بعد أن أعلنت شركة أرامكو السعودية المنتجة في الظهران عن تحقيق أرباح ضخمة بلغت 90 في المائة، لكن هذه الزيادة في الإنتاج لا تمثل سوى 0.1 في المائة من الطلب العالمي، وبالرغم مع ذلك، أعلنت أوبك+ الآن أنها تعتزم خفض إنتاج النفط بشكل كبير بمقدار 2 مليون برميل يوميا، مما أدى إلى احتجاج الكونغرس ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومنظمة أوبك+ واعتبارهم “كارتل” النفط، ويوضح هذا التحدي للطلبات الأمريكية الفوائد المحدودة التي تعود على واشنطن مقابل دفاعها عن الأنظمة الاستبدادية العربية؛ لذلك ينبغي لها أن تعيد التفكير في نهجها.
وفي ظل هذه التوترات مع الولايات المتحدة؛ دعت المملكة العربية السعودية الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة الرياض، وذلك بعد فترة وجيزة من شائعات بأن المملكة كانت تجري محادثات مع بكين لقبول اليوان الصيني بدلًا من الدولار الأمريكي لمبيعات النفط، بغض النظر عن الاحتمال العملي لمثل هذه الخطوة. ومن المتوقع أن يزور الرئيس شي المملكة العربية السعودية قريبًا [زارها بالفعل تزامنا نشر التقرير باللغة الإنجليزية]، وهو ما تم الإعلان عنه بعد وقت قصير من توقيع أرامكو السعودية اتفاقية مع شركة النفط الصينية العملاقة سينوبك، والتي رسمت خططًا لمزيد من التعاون وبناء مركز تصنيع جديد في شرق المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى ذلك، حاولت القلة الحاكمة في روسيا بشكل متزايد تحويل أموالهم وأصولهم إلى الإمارات العربية المتحدة من أجل تجنب العقوبات المفروضة عليهم من الغرب؛ حيث رفضت أبو ظبي حتى الآن فرض العقوبات.
لقد استندت الشيكات الفارغة التي قدمتها الولايات المتحدة لهؤلاء المستبدين في الشرق الأوسط إلى فكرة خاطئة مفادها أن هذه الشراكات ضرورية بطبيعتها للنهوض بالمصالح الأمريكية. ومع ذلك؛ فبالنسبة لجميع الموارد التي ضختها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على افتراض أن شركائها يقدمون شيئًا ذا قيمة في المقابل، تشير الأحداث الأخيرة إلى أن صانعي السياسات كانوا يزيدون من تفاقم مصادر عدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة بدلا من ذلك، بينما يقوضون مصالحنا الإستراتيجية.
أسطورة الاستقرار الاستبدادي
لقد وجه السعي لتحقيق الاستقرار الاستبدادي السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط منذ الأيام الأولى للحرب الباردة، لكن هذا المنطق خاطئ؛ حيث يعد نهجًا فاشلًا لم يساعد على جعل المنطقة أكثر أمنًا. ففي الواقع العكس هو الصحيح؛ حيث أصبحت الأنظمة الاستبدادية غير مستقرة بسبب الطبيعة غير الشرعية لحكمها، وذلك لأن المستبدون مخلصون لأنفسهم فقط ولا يخضعون للمساءلة أمام أي شخص، وفي حين أنها قد تبدو مستقرة من الخارج بسبب التكتيكات القمعية الشرسة وإستراتيجيات التعاون المصممة لقمع المعارضة؛ فإن مثل هذا الوهم يخفي التوترات والمظالم المجتمعية المنتشرة حتى تنفجر في المقدمة.
الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط المعنية فقط بالحفاظ على النظام واستعراض القوة، لهي مسؤولة عن التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة
ويقدم المستبدون في الشرق الأوسط واقعًا مشوهًا لواشنطن – والغرب بشكل عام – حيث يصورون أنفسهم على أنهم الداعمون الوحيدون القادرون على تحقيق “الاستقرار” و”النظام” في الشرق الأوسط على الرغم من سياساتهم الخاصة التي تنتج وتعزز العديد من المشاكل الأساسية في المنطقة؛ حيث لا يتفق هذا الانقسام الزائف – إما المستبدين أو الفوضى – مع الدعم الواسع للديمقراطية والحريات والتغيير الإيجابي في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ومن المعروف جيدًا أن الدول الاستبدادية تبني تحالفات أقل موثوقية واستدامة، وتميل إلى امتلاك جيوش أقل احترافية وكفاءة؛ نظرًا لأن هذه الجيوش غالبًا ما يتم تركيز مهمتها على حفظ الأمن داخليًا وتقويضها من قبل الحكام المستبدين أنفسهم من خلال مختلف إستراتيجيات “منع الانقلاب”. وغالبًا ما يقوّض شركاء واشنطن الاستبداديون بشكل مباشر المصالح الإقليمية الأمريكية من خلال اتباع سياسات تتعارض بشكل مباشر مع سياسات الولايات المتحدة، مثل دعم المنظمات الجهادية السلفية، وتخريب الجهود الدبلوماسية لواشنطن في المنطقة، والانخراط في التدخلات العسكرية والصراعات بالوكالة عبر الشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، سعى هؤلاء المستبدون بشكل متزايد إلى تعزيز أهدافهم داخل أمريكا بوسائل غير قانونية، بما في ذلك الجهود التي بذلتها الإمارات للضغط بشكل غير قانوني على إدارة ترامب، والسعودية التي تُشرف على جواسيس يعملون لصالح شركة تويتر داخل الولايات المتحدة. وقد تم توجيه تهمة إلى الجنرال المتقاعد ورئيس معهد بروكينغز السابق جون ألين بالضغط بشكل غير قانوني نيابة عن قطر وكذلك إلى الإمارات التي وظّفت عملاء استخبارات أميركيين سابقين لاختراق شبكات كمبيوتر مختلفة داخل الولايات المتحدة.
إن النظام الإقليمي الذي يتم بناؤه حول هؤلاء الفاعلين الاستبداديين – والذي يستوجب بقاؤه استخدام القمع العنيف المستمر – لن يحظى باستقرار على المدى الطويل. وإن الحكومات الاستبدادية في الشرق الأوسط المعنية فقط بالحفاظ على النظام واستعراض القوة (والذي غالبًا ما تُستخدم كأداة لدعم النظام)، لهي مسؤولة عن التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المنطقة. هذا لأنهم قاموا ببناء هياكل سياسية واقتصادية مصممة فقط لتعزيز مصالح النخبة المقربة، إلى جانب التكتيكات المصممة لمنع التعبئة والحد من حرية التعبير بين الأوساط المعارضة وما إلى ذلك. ولم تُوجّه تلك الحكومات سياساتها نحو تحقيق رفاهية المواطن، بل صممتها لدعم سلطة النظام وسطوته مع منع ظهور مراكز قوة بديلة.
وبدعم من الولايات المتحدة ـ القوة المهيمنة في العالم – لا يواجه هؤلاء المستبدون أي دعوات للتفاوض أو تقليل التوترات مع المعارضة المحلية أو الخصوم الأجانب. وعلى الرغم من أن هؤلاء المستبدين يقدمون أنفسهم كحلول لمشاكل المنطقة المختلفة، إلا أنهم هم السبب الرئيسي لهذه المشاكل.
بدلاً من تحقيق الاستقرار في المنطقة بطريقة تخدم المصالح الأمريكية، فإن وجود أمريكا وسياساتها التي تخدم هؤلاء المستبدين قد فعل العكس.
إن النظام السائد في الشرق الأوسط هو نظام مصطنع، ولا يتم دعمه إلا من خلال الاستبعاد والقمع الشديد والضمانات الأمنية من الولايات المتحدة، إذ أدى دعم واشنطن المستمر لمثل هذا النظام – وللمستبدين الذين يسيطرون عليه – إلى حلقة مفرغة؛ فمن خلال زعزعتها للاستقرار الإقليمي، تجد الولايات المتحدة نفسها مرارًا وتكرارًا مضطرة لمواجهة التحديات التي هي إلى حد كبير نتاج وجودها وسياساتها في المنطقة. وإن السياسة الخارجية في الشرق الأوسط التي تنأى بنفسها عن دعم هؤلاء الفاعلين المستبدين ستكون قادرة على الانغماس في المنطقة فقط بما يخدم المصالح الأمريكية.
إن شركاء أمريكا الاستبداديين في الشرق الأوسط ليسوا فقط من بين أسوأ منتهكي حقوق الإنسان، ولكن العديد منهم أيضًا يتبعون سياسة العداء خارج حدود دولتهم. ويسمح الدعم القوي من الولايات المتحدة لهذه الحكومات بالتصرف في الداخل والخارج على حد سواء مع ضمان الإفلات من العقاب، الأمر الذي يغذي العداء نحو أمريكا بين شعوب المنطقة الذين يرون أن احتضان واشنطن لهؤلاء المستبدين بمثابة دعم لقمعهم.
داخليًا، كان هؤلاء المستبدون قادرين على الاعتماد على تكتيكات قاسية، ولديهم “حافز ضئيل لمشاركة السلطة والموارد مع الأعداء المحليين من أجل السلام عندما تكون أقوى دولة مهيمنة في تاريخ العالم، الولايات المتحدة، تضمن وجودهم من خلال توفير المساعدة الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية”. أما خارجيًا، فقد تشجّع هؤلاء المستبدون في حروبهم، واثقين من أنهم سيبقون تحت مظلة الولايات المتحدة التي بدورها ستحميهم من عواقب هذا السلوك المتهور.
وبدلاً من تحقيق الاستقرار في المنطقة بطريقة تخدم المصالح الأمريكية، فإن وجود أمريكا وسياساتها التي تخدم هؤلاء المستبدين قد فعل العكس.
وإذا استمرت الولايات المتحدة في التورط مع هؤلاء الفاعلين، فإنها ستزيد من تفاقم الانقسام الأكبر في المنطقة: ذلك الانقسام بين هذه الأنظمة الاستبدادية طويلة الأمد والشعوب التي تحكمها، والذي هز المنطقة والعالم في سنة 2011، حيث ازدادت حدته فقط في العقد الماضي عندما سعى المستبدون في الشرق الأوسط إلى تعميق قبضتهم على السلطة من خلال مضاعفة التكتيكات القمعية والإقصائية مع تأجيج المظالم التي أدت إلى اندلاع التعبئة الجماهيرية. وإن أسطورة الاستقرار الاستبدادي التي يقدمونها هي واجهة، تزرع بذور الاضطرابات الإقليمية التي لا تزال لها تداعيات إقليمية – وحتى عالمية – واسعة النطاق.
المضي قُدُمًا
تعهّد جو بايدن أثناء حملته الانتخابية للرئاسة في سنة 2020 بقيادة دبلوماسية في المنطقة بدلاً من القيادة العسكرية. وانتقد المملكة العربية السعودية لسجلها السيئ في حقوق الإنسان، وذكر أنه يعتقد أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمر بقتل الصحفي جمال خاشقجي، وتّعهد بأنه، في حال انتخابه، سيُنهي الدعم الأمريكي للحملة السعودية الإماراتية في اليمن، مع التأكد من أن “أمريكا لا تتحقق من قيمها عند بيع الأسلحة أو شراء النفط”. ووصف بايدن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه “مستبد” وانتقد سياساته تجاه الأكراد. كما ذكر أنه لن يكون هناك المزيد من “الشيكات على بياض” للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
بعد توليه منصبه، أعلنت إدارة بايدن أن واشنطن ستضع حقوق الإنسان والدفاع عن الديمقراطية في صُلب الدبلوماسية الأمريكية، وستتحدى الصعود العالمي للاستبداد، وستلتزم بالسياسة الخارجية التي كما ذكرت “توحد قيمنا الديمقراطية مع قيادتنا الدبلوماسية”. لكن سياسات بايدن في الشرق الأوسط تعارض بشكل مباشر خطابه: فهو يواصل الإستراتيجيات المعيبة لأسلافه من خلال احتضانه المستبدين الإقليميين، لاسيما أن إدارته رفضت تحميل محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل خاشقجي على الرغم من أن تقرير وكالة المخابرات المركزية الذي صدر عن وكالة المخابرات المركزية يُثبت تورط محمد بن سلمان بشكل مباشر في مقتله. وواصل بايدن دعمه للسعودية والإمارات في خضم حملتهما العسكرية الوحشية في اليمن التي أغرقت البلاد في أزمة إنسانية، ورفض تحميلها إلى جانب دول أخرى مثل مصر دول المسؤولية (إما من خلال الوسائل الدبلوماسية أو العقوبات) عن استخدامها الغزير لتقنيات المراقبة والقرصنة على شعوبها وكذلك على المنشقين والصحفيين.
سياسات بايدن في الشرق الأوسط تعارض بشكل مباشر خطابه: فهو يواصل الإستراتيجيات المعيبة لأسلافه من خلال احتضانه المستبدين الإقليميين
واستمرت إدارته أيضًا في تقديم مساعدات عسكرية وأسلحة متطورة إلى المنطقة، معلنة أنها تعتزم المضي قدمًا في بيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار (بما في ذلك طائرة مقاتلة من طراز F-35) إلى الإمارات، والتي تمت الموافقة عليها في البداية تحت إدارة ترامب مقابل تطبيع أبو ظبي العلاقات مع إسرائيل، مع الموافقة على صفقة أسلحة بقيمة 650 مليون دولار للسعودية ونقل عدد كبير من أنظمة باتريوت المضادة للصواريخ إليها، وكذلك السماح ببيع أسلحة إضافية بقيمة 2.5 مليار دولار إلى مصر، والموافقة على حزمة أسلحة بقيمة تقارب 5 مليارات دولار للأردن والسعودية والإمارات. بالإضافة إلى نشر طائرات مقاتلة من طراز “إف-22” في الإمارات عقب هجوم صاروخي شنته جماعة الحوثي في اليمن.
وبلغت هذه الصفقات ذروتها خلال زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط في تموز/يوليو، والذي رضخ لهؤلاء المستبدين دون أن يضطروا إلى تغيير أي من سياساتهم التي عارضتها الولايات المتحدة. وبعد عودة بايدن إلى واشنطن، عادت إدارته لتعديل الأساسيات، في خطاب ماكغورك، بالموافقة على حزمة أسلحة بقيمة 5.3 مليارات دولار إلى الرياض وأبو ظبي . وفي الأسابيع التي أعقبت عودة بايدن والموافقة على صفقات الأسلحة هذه، أصدرت المملكة العربية السعودية أحكامًا بالسجن لفترات طويلة على عدد من النشطاء والمنتقدين للنظام، واحتجزت الإمارات المحامي الأمريكي عاصم غفور تعسفيًا بعد إدانته غيابيًا بغسل الأموال والتهرب الضريبي، وأطلق سراحه بعد شهر بعد دفع غرامة كبيرة. إن ما توضحه تلك الممارسات هو أن هذه الأنظمة لن ترغب في تغيير سلوكها طالما استمرت الولايات المتحدة في دعمها.
خلاصة
لقد استند المستوى الهائل من الدعم الممنوح للأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط إلى فكرة خاطئة مفادها أن هذه الشراكات تخدم المصالح الأمريكية في المنطقة. فإذا كان يُنظر إلى المصالح الأمريكية على نطاق واسع على أنها أمان وازدهار للشعب الأمريكي، فكيف يمكن لهؤلاء الشركاء – المدعومين بالمساعدات والأسلحة الأمريكية – النهوض بأي منهما؟ إن دعم الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط يسيء إلى المصالح الأمريكية، بالإضافة إلى القيم الأمريكية. ففي الشرق الأوسط، لا تتعارض المصالح والقيم الأمريكية، لكن تحقيق الانسجام بينهما يتطلب تغييرًا جذريًا.
إن هؤلاء المستبدين غير موثوقٍ بهم ويشكلون عبئًا استراتيجيًّا، لذا يجب على واشنطن إنهاء تواطؤها في الجرائم والفظائع التي ارتكبتها حكوماتهم، والاعتراف بالدمار الذي خلفته هذه الشراكات من خلال إنهاء مبيعات الأسلحة لأنظمتها وإزالة البصمة العسكرية الأمريكية الواسعة في المنطقة. إن أسطورة الاستقرار الاستبدادي معيبة بطبيعتها، ويجب على واشنطن أن تمزّق الشيكات الفارغة التي كتبتها إلى هؤلاء المستبدين، وتنهي دعم أنظمتهم.
المصدر: موقع معهد كاتو للأبحاث