يحدثنا التاريخ أن القدماء المصريين ومعهم اليونانيين والسومريين أجادوا استخدام سياسة “فَرِّق تَسُدْ” لتفتيت جميع القوى التي قد تهدد نفوذهم، واتخذوا من تلك السياسة ركيزة أساسية لاستمرار حكمهم لمئات السنين، بعدما فشل المعارضون في توحيد كلمتهم أمام نفوذهم المتنامي على أشلاء وحدة الصف.
ويشير علماء الاجتماع السياسي إلى أن هذا المصطح “فرق تسد” اللاتيني الأصل “divide et impera” هو مفهوم سياسي اقتصادي عسكري، يعني باختصار تفريق وتفتيت قوة الخصم إلى قوة صغيرة وضعيفة، ما يسهل التعامل معها بشكل يحسم المعركة لصالح القوة المهيمنة، وهي الإستراتيجية التي اعتمد عليها اتفاق سايكس-بيكو في تفتيت المنطقة العربية إلى دويلات للحيلولة دون قيام اتحاد عربي واحد.
ومنذ تولي الرئيس المصري الحاليّ عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في 2014 وبالكاد لا يجيد إلا توظيف هذه الاستراتيجية بكل حذافيرها، حتى نجح لبعض الوقت في تحويل الشارع المصري إلى دويلات سياسية واقتصادية واجتماعية متناحرة، جراء بذور الشقاق التي تم زرعها على مدار سنوات عدة، فشرذمت الأخلاء وشتتت الحلفاء وأعادت تقسيم المشهد، وكان ذلك الجسر الذي عبر من خلاله إلى بقائه في منصبه طيلة السنوات الثمانية الماضية رغم الفشل في كل المسارات الأخرى التي هي في الأساس معايير التقييم لبقاء أي رئيس في منصبه من عدمه كالاقتصاد والملف الحقوقي والديمقراطية وخلافه.
ومع الذكرى الـ12 لثورة يناير/كانون الثاني 2011 وبعد مرور 9 سنوات على حكم السيسي، يبدو أن تلك السياسة فقدت بريقها وما عادت تؤتي ثمارها بعدما سقطت الأقنعة المزيفة عن الأدوات التي استعان بها النظام في تقسيم الشارع إلى ممرات ضيقة، لينقلب السحر على الساحر، ويتحرر المصريون من ربقة هذا التقسيم الجائر الذي حولهم إلى أعداء وخصوم، ويُعاد مرة أخرى لم شتات ثوار يناير الذين كانوا على قلب رجل واحد طيلة أيام الثورة الـ18 في ميدان التحرير بوسط القاهرة وعشرات الميادين في مصر.
كانت وستظل ثورة ٢٥ يناير
أعظم وأشرف وانبل ثوره في التاريخ. في ذكرى ثوره 25ينايريظل المشهد الاعظم والاقرب الى قلبي?♥️ pic.twitter.com/DTi8ZA0IpU
— ηοοr Elbaroudy ? (@Noor51088769) January 24, 2023
المرأة.. انهيار سقف الطموحات
كانت قضية المرأة إحدى الركائز الأساسية التي استند إليها نظام السيسي في حكمه، إذ نجح في العزف على هذا الوتر بشكل كان مثار إعجاب وسخرية الشارع بآن، وبالفعل حقق الهدف المنشود من ذلك عبر الدعم والتأييد الذي تلقاه من الشارع النسوي المصري، ولعل مشاهد الرقص وطوابير النساء الممتدة أمام اللجان في الماراثونات الانتخابية خير شاهد على ذلك.
وفاقت وعود السيسي بشأن الارتقاء بأحوال المراة التوقعات كافة، فلا تخلو مناسبة أو كلمة أو خطاب إلا وتحدث عن أحقية المصريات ودورهن وضرورة دفعهن نحو منصات القيادة، حيث ارتفع منسوب الأمل في طفرة كبيرة بوضعية المرأة المصرية التي تعاني من تهميش نسبي على أكثر من مسار، لكن منذ 2014 وحتى اليوم لم تتلمس المرأة أيًا من تلك الوعود البراقة رغم ما قدمته للنظام من دعم وتأييد على طول الخط، حتى الدماء والأرواح لم تخرج عن دائرة هذا الدعم، وهو ما أحدث انقلابًا واضحًا في المواقف والاتجاهات.
تقول أمل (40 عامًا) إنها كانت أول الداعمين للسيسي وشاركت في كل التظاهرات الداعمة والمؤيدة له في انتخابات 2014 و2018، بل إنها رقصت له أمام اللجنة الانتخابية التي صوتت بها في مدينة نصر بالقاهرة رغم وظيفتها الحساسة كمدير لفرع أحد البنوك الخاصة، لكن اليوم الوضع بات مختلفًا، فرغم أنها ميسورة الحال، فإن شبح الأسعار التهم معظم مدخراتها على حد قولها.
تقول المرأة الأربعينية المصرية في حديثها لـ”نون بوست”: “واقع المرأة لم يتغير منذ قدوم السيسي، كنا نحلم بواقع أفضل مما كان عليه أيام الإخوان والإسلاميين، لكن استيقظنا على كوابيس مظلمة، وبدلًا من التغيير المنشود تراجع دور وحظوظ المرأة بصورة كبيرة وهو ما تترجمه الأرقام والإحصائيات”، مضيفة “لأول مرة نسمع صوت نساء يشتكين ويعترضن على السيسي ويراجعن أنفسهن في مواقفهن القديمة.. فعلًا كنا غلطانين لما مضينا شيك على بياض ولم نر منه إلا كل فشل”، هكذا اختتمت حديثها.
كانت المرأة على رأس ضحايا الإصلاح الاقتصادي الذي قادته السلطات الحاكمة في 2016 حين عوّم الجنيه، إذ فقدت المرأة جزءًا كبيرًا من حصتها الوظيفية
وفي دراسة لها تستعرض الأكاديمية حنان نظير، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، بعض واقع المرأة الوظيفي قديمًا واليوم، في ضوء الأرقام والإحصائيات، لافتة إلى أن الشريحة الكبرى من النساء العاملات في مصر يعملن في وظائف تنعدم فيها الحماية الاجتماعية وتصنف من الوظائف الهشة الضعيفة “في سنة 2018 بلغت نسبة الإناث في العمل الضعيف 34.5% مقارنة بـ17.9% للعمال الذكور”.
وتعمل الإناث المصريات بشكل أساسي في قطاع الخدمات “مثلن 56.5% في 2018 مقارنة بـ36.7% في 1991، وشهد قطاع الزراعة تراجعًا واضحًا في عمل المرأة من 52.9% من إجمالي عمالة الإناث في 1991 إلى 36.7% في 2018، كما انخفض في المجال الصناعي من 10.3% في 1991 إلى 6.8% في 2018”.
الوضع ذاته في المناصب الإدارية العليا، حيث بلغ تمثيل المرأة في تلك الوظائف 7.11% “فيما لا تتعدى نسبة الشركات التي تشارك الإناث في ملكيتها 17.8%، كما اقتصرت نسبة إجمالي الإناث صاحبات الأعمال على 2.1% فقط مقارنة بـ12.6% من الذكور في 2018”.
وتحت عنوان “تمكين المرأة بمجال العمل فى ظل أهداف التنمية المستدامة”، أعد الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، دراسة شاملة عن وضع المرأة المصرية فى العمل خلال الفترة من 2005 – 2017، وكان من أبرز نتائجها: انخفاض نسبة قوة العمل للإناث بشكل ملحوظ وارتفاع معدلات البطالة بجانب انخفاض متوسط الأجر النقدي الأسبوعي للإناث وفقًا للمهن مقارنة بالذكور “على سبيل المثال انخفض الأجر النقدي الأسبوعي للعاملات في مجال التشريع وكبار المسؤولين والمديرين من الإناث، مقابل العاملين من الرجال، حيث بلغ للإناث 1883 جنيهًا، مقابل 1937جنيهًا للذكور، وذلك خلال عام 2016”.
كانت المرأة على رأس ضحايا الإصلاح الاقتصادي الذي قادته السلطات الحاكمة في 2016 حين عومت العملة المحلية (الجنيه)، حيث فقدت المرأة جزءًا كبيرًا من حصتها الوظيفية بسبب الضغوط التي واجهتها المؤسسات وشركات القطاع الخاص التي اضطرت للتخلص من نسبة كبيرة من العمالة لديها، وكانت المرأة في مقدمتها، فيما غاب تدخل الدولة لحمايتها من هذا التغول.
أما عن الوضع الحقوقي للمرأة المصرية في سنوات السيسي الثمانية، ففي تحليل أصدرته منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” (DAWN)، في أغسطس/آب 2021، كشف عن توثيق نحو 5.6 مليون امرأة يعانين كل عام من العنف من أزواجهن أو من يرتبطن بهم في علاقة خطوبة، بحسب المسح الذي أجراه المجلس القومي للمرأة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2020.
ووفق المسح ذاته “تعاني نحو 2.4 مليون امرأة من إصابات خطيرة بسبب هذا العنف، وتغادر مليون امرأة منزل الزوجية بسبب العنف الأسري، بينما تعاني ما يقارب 200.000 امرأة من مضاعفات الحمل بسبب العنف الأسري، وتُبلغ 75.000 امرأة على الأقل عن حوادث عنف للشرطة، تكلف المساكن أو الملاجئ البديلة للناجيات من العنف المنزلي الدولة 585 مليون جنيه مصري (نحو 37 مليون دولار) سنويًا”.
كما وثقت المنظمة استهداف ناشطات نسويات بسبب آرائهم السياسية، إذ تعرضن إما للاعتقال والحبس كما هو حال خلود سعيد عامر وسلافة مجدي سلام وهدى عبد المنعم، وإما للابتزاز والانتهاكات النفسية والجسدية كغيرهن، فيما لا تتوافر أرقام رسمية عن عدد المعتقلات في السجون المصرية إلا أن بعض المنظمات أشارت إلى أن هناك ما لا يقل عن 70 سيدة محتجزة حتى عام 2017.
الأقباط.. شهر العسل قارب على نهايته
الضلع الثاني في حكم السيسي كان الأقباط، الداعم الأكبر له طيلة السنوات الماضية، منذ أن أعرب بابا الأقباط تواضروس الثاني الذي تسلّم منصبه في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، عن دعمه الكامل لوزير الدفاع خلال بيان 3 يوليو/تموز 2013، داعيًا أتباعه إلى دعم النظام، ولعل مقولة الأب مكاري يونان بأن “السيسي مرسل من السماء” كانت النموذج الأبرز على تطرف هذا الدعم اللامحدود.
ويجيد السيسي استخدام هذا الملف بشكل سياسي، وهو ما توثقه لغة الجسد والتصريحات الوردية الصادرة عنه في كل احتفالية للأقباط يحرص على حضورها والمشاركة فيها، لكن هذا لم يكن المأمول من الرئيس بالنسبة للأقباط الذين أملوا أنفسهم باتخاذ خطوات إيجابية في بعض الملفات الجامدة مثل بناء الكنائس وقوانين الأحوال الشخصية وخلافه، وهو ما لم يتم رغم الوعود البراقة، ما انعكس بطبيعة الحال على موقفهم من السلطة الحاليّة.
ويشير تقرير لـ”المونيتور” إلى أنه ليس كل الأقباط يدعمون توجهات البابا في دعم نظام السيسي، بل إن بعضهم يتخوف من ذلك، لافتًا إلى أن “دعم البابا للنظام وعدم تبنّيه موقفًا محايدًا ربما يحدّان من قدرة الكنيسة على حماية حقوق الأقباط”، فيما يعاني الشباب القبطي من انقسام واضح بشأن انحياز الكنيسة للسيسي بشكل مطلق في الوقت الذي لم يف فيه الرئيس بوعوده تجاههم، سياسية كانت أو اقتصادية أو تشريعية.
يقارن الباحث في العلوم الاجتماعية في جامعة أبردين في بريطانيا مينا ثابت بين موقف الأقباط من السيسي في 2014 وموقفهم في نهايات 2018، قائلًا: “بالمقارنة مع عام 2014، فقد السيسي جزءًا كبيرًا من دعم الأقباط، لا سيّما الشباب، في إحباط من الأداء الاقتصادي وتردي الوضع الأمني على مدى الأربعة أعوام الرئاسية الماضية”.
التخوفات ذاتها عبر عنها الباحث يوهانس مقار في مقاله المنشور في مؤسسة “كارنيغي للسلام الدولي” حين أشار إلى أن ثمة خطر يحدق بالمشهد القبطي جراء دعم البابا للسيسي، محذرًا من أن هذا الدعم سيأتي على حساب قدرة الأقباط على الدفاع عن حقوقهم في المدى الطويل.
وتجاوزت تلك التخوفات حاجز الهمهمة والأحاديث الجانبية إلى التعبير عنها بشكل علني وانتقاد إجراءات النظام السلطوية بصورة مباشرة وهو ما وضع الكنيسة في موقف حرج، ومنهم الأب فيلوباتير جميل عزيز الذي انتقد الجيش مرارًا وتكرارًا على خلفية قتل المتظاهرين في ماسبيرو، ما كان سببًا في إصدار حكم عسكري ضده يقضي بمنعه من السفر لفترة وجيزة بتهمة التحريض على العنف ضد الجيش.
التيار المدني.. جزاء سنمار
كان التيار المدني بشقيه، اليساري والليبرالي، أحد استهدافات نظام ما بعد 3 يوليو/تموز 2013، حيث لعب على وتر “المدنية” كشعار عام أسال لعاب هذا التيار بشكل دفعه للتوقيع على شيك على بياض للنظام الذي يخلصهم من الإسلاميين أيًا كانت الطريقة.
ونجح النظام بالفعل في استئناس هذا التوجه وأنصاره طيلة السنوات الماضية، حيث تلاقت المصالح بينهما، الأول يريد ترسيخ أركانه بأرضية شعبية يستطيع من خلالها مقاومة التيار الإسلامي، والثاني وجد الفرصة سانحة في القفز على السلطة والبحث عن موطئ قدم فيها بعدما سحب الإسلاميون البساط من تحت أقدامهم في انتخابات 2012.
غير أن الأمور لم تسر على النحو المطلوب، فبينما حقق النظام أهدافه كاملة ورسخ أركان حكمه لم يحقق المدنيون أيًا من أحلامهم وطموحاتهم، السياسية أو الأيديولوجية، فلا تقلدوا المناصب التي كانوا يستهدفونها ولا تحول نظام الحكم إلى حكم مدني، إذ قبعت الدولة برمتها في قبضة الجنرالات.
“التجربة الحزبية في مصر والدول العربية تجربة فاشلة، ولدت في بيئة غير ديمقراطية، وفي مناخ سياسي فاسد، وفي دول تديرها أنظمة حكم تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للاستعمار الغربي، ولا تتورع عن استخدام كل أساليب وأدوات القمع والقهر بلا خوف من أي محاسبة من شعوبها”.. الكاتب اليساري حسن حسين
وعلى النقيض من ذلك، زُج بالعشرات من أبناء هذا التيار في السجون والمعتقلات بسبب آرائهم السياسية، ولعل من أبرز رموز هذا التيار المعتقلين علاء عبد الفتاح وأحمد دومة وغيرهما، ما أحدث انقسامًا داخل التيار بشأن الموقف العام من السلطة الحاليّة.
في 2019 صرح رئيس الحزب “العربي الديمقراطي الناصري”، سيد عبد الغني بأن هناك تطابقًا بين رؤية الحزب وسياسات السيسي، وذلك خلال حوار له مع إحدى الصحف المحلية المصرية، وهي التصريحات التي أثارت غضب الكثير من شيوخ اليسار في مصر، وعلى رأسهم الكاتب الصحفي حسن حسين، الذي طالب بعدم مرور تلك التصريحات مرور الكرام وضرورة اتخاذ موقف حازم إزاء رئيس الحزب الناصري الذي يحاول تملق النظام على حسب القاعدة اليسارية المصرية، متهمًا قيادات الحزب بالانطباح أمام النظام الحاليّ.
وفي قراءته للتجربة الحزبية الليبرالية في مصر خاصة والدول العربية عمومًا أوضح الصحفي اليساري أنها تجربة فاشلة بامتياز، مرجعًا ذلك بحسب تصريحاته لموقع “عربي 21” بأنها “تجربة ولدت في بيئة غير ديمقراطية، وفي مناخ سياسي فاسد، وفي دول تديرها أنظمة حكم تابعة بشكل مباشر أو غير مباشر للاستعمار الغربي، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تتورع عن استخدام كل أساليب وأدوات القمع والقهر بلا خوف من أي محاسبة من شعوبها”.
وأضاف حسين “تم الاستسلام لكل الشروط القانونية الشكلية المجحفة، ورضيت تلك الأحزاب لنفسها أن تكون جزءًا من النظام القائم، على أن تحاكي أدوار أحزاب المعارضة السياسية في الحواف وليس في الجوهر، وبالتالي حجزت لنفسها مكانًا هامشيًا في الحياة السياسية”.
أما بخصوص أحلام الدولة المدنية التي كان يُمني بها الليبراليون واليساريون أنفسهم فتبخرت سريعًا وبشكل غير مسبوق في ظل دستور 2014 الذي منح القوات المسلحة السيطرة الكاملة على ميزانيتها دون أي رقابة، وتجنيب قاداتها وممارساتها أي ملاحقات قضائية، وهو ما جعلها تحكم الهيمنة الكاملة على المشهد.
وبينما يقول السيسي إن القوات المسلحة تمتلك 2% فقط من الاقتصاد المصري هناك الكثير من التقديرات تؤكد أن النسبة الفعلية تتجاوز 20% إن لم يكن أكثر من ذلك، فقد هيمنت أركان المؤسسة العسكرية على معظم المجالات والأنشطة الاقتصادية، وأدت إلى الخروج التدريجي للقطاع الخاص من الساحة بشكل أحدث أضرارًا بالغة بالاقتصاد الوطني وحول الدولة إلى “عزبة” في أيدي الجنرالات، وهو ما دفع صندوق النقد الدولي للتأكيد على ضرورة فك الجيش قبضته عن الاقتصاد والسماح للقطاع الخاص بالتشاركية، إذا أرادت الدولة الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها الاقتصادية في الداخل والخارج خاصة بعدما وصل سقف الدين إلى مستويات تاريخية مقتربًا من حاجز الـ160 مليار دولار.
الإسلاميون.. استعداء ممنهج
في بيان 3 يوليو/تموز 2013 كان لا بد لأضلاع المشهد أن تكتمل بوجود الإسلاميين، بعد الإطاحة بالإخوان، وهنا استعان السيسي بالحزب المنافس للإخوان وهو حزب النور السلفي، بجانب ممثلين عن مؤسسة الأزهر الشريف التي تحتل مكانة كبيرة لدى المصريين.
وبعيدًا عما أثير بشأن تحفظ شيخ الأزهر عن الحضور والضغوط التي مورست عليه ثم الصدامات المتتالية مع السيسي تحديدًا في أكثر من معركة، عبر عنها الرئيس صراحة بجملته الشهيرة “أنت تعبتني يا فضيلة الإمام” حتى إن جاءت في صورة ساخرة، يبقى موقف حزب النور هو الأكثر حضورًا.
السلفيون كانوا يمنون أنفسهم أن يحلوا بمكان الإخوان، وأن ينالوا من حظوظ السياسة ما لم يحققوها في عام حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي شهد صدامات بين الحين والآخر بين التيارين، الإخواني والسلفي، شأنهم في ذلك شأن اليساريين والليبراليين والأقباط، غير أن النتيجة جاءت صادمة، استبعاد شبه كامل من المشهد بعد تشويهم بشكل أو بآخر وعبر إستراتيجيات متعددة حتى فقدوا ما تبقى لهم من رصيد لدى الشارع.
أيقن السلفيون وأنصار حزب النور ومعهم التيارات الإسلامية الأخرى أنهم كانوا مجرد “جسر ديني” لعبور نظام ما بعد الثالث من يوليو/تموز الحكم، وحين نجح الأخير في ذلك، كان جزاء سنمار هو المقابل ورد الجميل، ليجدوا أنفسهم خارج الساحة السياسية تمامًا، إلا من بعض الأعضاء داخل مجلسي النواب والشورى يعدون على أصابع اليد لتجميل الصورة الديمقراطية التي يراد تسويقها وأن البرلمان ممثلًا من كل طوائف الشعب.
وبعد 9 سنوات على حكم السيسي، ها هي جماهير الشارع المصري تستعيد بريقها مرة أخرى بعد انهيار مخطط “فرق تسد” الذي حقق أهدافه خلال السنوات الماضية، وها هم شتات يناير يلتقون جميعًا على مائدة واحدة في الذكرى الـ12 لثورتهم، مائدة الفقر والعوز، يتجرعون معًا كؤوس التضخم والأسعار الملتهبة والتدني في المستوى المعيشي والانتهاكات الحقوقية المستمرة، يحملون فوق كواهلهم أثقال ديون هم على يقين أنهم وأبناءهم من يسددون ثمنها، ويقفون كلهم في خندق مظلم واحد لا يرون فيه أي بارقة أمل على المستوى القريب، متناسين خلافاتهم الأيديولوجية التي عُزف عليها بجدارة لتشتيتهم وتفتيتهم طيلة العقد الأخير.