يواجه الشعب الفلسطيني احتلالًا غاشمًا على أرضه، جيشًا بأجهزة متطورة وأساليب تكنولوجية حديثة، وداخل الأجهزة ثمة أجهزة ووحدات سرّية أو علنية تهدف جميعها إلى الإحكام على الإنسان والأرض بالقوة، لا يسع الفلسطيني إلا التسلح بالمقاومة والإيمان.
نستمر معكم في سلسلة “أجهزة القمع الإسرائيلية”، ونتعرّف في هذا المقال إلى وحدة شالداغ المعروفة بالرقم 5101، كما تعرَف أيضًا بـ”وحدة الكوماندوز التابعة لسلاح الجو”، إذ تتخذ هذه الوحدة مكانها في قوات الجو الخاصة، فهي تقوم بتنفيذ عمليات كوماندوز بواسطة استعمال وسائل حربية تكنولوجية متقدّمة، وتنفيذ عمليات إنزال وخطف.
التأسيس
تأسّست هذه الوحدة عام 1974 بقيادة موكي بيتسر، في أعقاب هزيمة جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب أكتوبر عام 1973 وفشل “وحدة الاستطلاع في هيئة الأركان العامة” في أداء مهماتها الحربية، والتي لم تستطع مجاراة ميادين القتال.
وكانت الوحدة عند تأسيسها مكوّنة من جنود احتياط من جنود وحدة “هيئة الأركان”، إلا أنه وبعد وقت قصير سرعان ما انفصلت عنها، وأصبحت وحدة -نخبة- تابعة لسلاح الجو في جيش الاحتلال الإسرائيلي.
يعني اسمها بالعربية “القاوند”، وهو نوع من الطيور التي تعيش بالقرب من الأنهار وتعتاش على الأسماك التي يصطادها بمنقارها، وتعرف بالإنجليزية بـ Kingfisher، ويرجّح أن اسم الوحدة مشتق من اقتباس ديفيد ستيرلنغ، مؤسّس SAS البريطاني (الخدمة الجوية الخاصة)، الذي قال إن وحدته ستنزل على عدوّ مثل القاوند الذي يسقط على فريسته.
أنشطتها
كما أشرنا، الوحدة متخصّصة في تنفيذ مهام الكوماندوز والاغتيالات، الاستخبارات في العمق، وأيضًا مهام تحديد الأهداف المدنية للطائرات العكسرية، لذلك تعدّ وحدة نخبوية وسرّية وغير معروفة للجمهور العام، وبالتالي لا يوجد معلومات بكثرة عنها، إذ يتم حظر المعلومات بشأنها، خاصة حول تفاصيل أهدافها ومهامها.
ويمكن الإشارة إلى 3 أنشطة أساسية كان لوحدة شالداغ دور أساسي وحاسم فيها:
– شاركت الوحدة في “عملية موشي الثانية، أو موسى الثانية” في عامَي 1984 و1985 لتهجير يهود الفلاشة من إثيوبيا (الحبشة) إلى “إسرائيل”. ساهمت هذه العملية في كشف النقاب عن وحدة شالداغ في وسائل الإعلام، وأحدثت ضجة على المستوى الإقليمي، ما أدّى إلى إلغاء الاتفاق السرّي الذي وقّعته الحكومة الإسرائيلية مع الحكومة السودانية، حتى تقدم الأخيرة تسهيلات في عمليات نقل يهود الفلاشة إلى “إسرائيل” عبر الطيران الإسرائيلي مرورًا فوق السودان.
ولمّا اشتدت الاضطرابات الداخلية في إثيوبيا أثناء حكم منجستو هيلا مريام، اشتد التوتر بين أوساط السياسيين الإسرائيليين، حيث اعتراهم الخوف ممّا قد يصيب الجالية اليهودية (الفلاشة) من كارثة محققة، مع العلم أن هناك جدلًا تاريخيًّا ودينيًّا حول أصل يهود الفلاشة، فلا حقيقة تثبت أن أصولهم يهودية.
أما الأسباب الخفية لترحيلهم من إثيوبيا هو استغلالهم كأيادٍ عاملة، ويتمّ اعتبارهم مواطنين من الدرجة الرابعة في الأوساط اليهودية، ومنذ لحظة ترحيلهم إلى “إسرائيل” اعتنقوا الديانة اليهودية.
لذلك بادرت حكومة إسحق شامير إلى التفاوض مع مريام على القيام بعملية واسعة النطاق وسريعة، لنقل الفلاشة من أديس أبابا إلى “إسرائيل” خلال ليلة واحدة، وبالفعل قامت وحدة شالداغ بنقل قرابة 14 ألفًا و500 من الفلاشة إلى “إسرائيل” بتاريخ 24-25 مايو/ أيار 1991، وعُرفت هذه العملية باسم “عملية شلومو (سليمان)”.
– شاركت الوحدة في عدد كبير من العمليات والحملات العسكرية التي نفّذتها “إسرائيل” ومنها الانتفاضة الثانية، وهي معروفة بمسؤوليتها عن اغتيال القائد في حركة فتح يوسف أبو صوي من بيت لحم، والذي استشهد بتاريخ 12 ديسمبر/ كانون الأول 2000.
– خلال حرب غزة 2014، تمكّن أعضاء وحدة شالداغ من الكشف عن أنفاق حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، وقاموا بعمل رئيسي في دعم وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي التي أغارت على قطاع غزة، فالتحركات والاستطلاعات الجوية العسكرية كانت حاسمة في حرب عام 2014، ومن الجدير بالذكر أن فريق القناصة من الوحدة كان يدعم وبشكل مستمر قوات مشاة لواء ناحال في شمال قطاع غزة.
استقطاب الأعضاء
لا يعدّ الانضمام إليها سهلًا، فعلى المرشحين اجتياز اختبار وحدات الكوماندوز الأولية، ويخضع المتدرّبون لأطول مرحلة تدريب من أي وحدة في جيش الاحتلال تستمر لمدة 22 شهرًا، والتدريب يركز بشدة على الملاحة الجوية.
في المراحل المتقدمة تزداد صعوبة التدريب، فهو مصمَّم لتوفير تجربة واسعة، مع رفع التوتر البدني الشديد من المسيرات القسرية الطويلة ذات الأوزان الثقيلة.
أما المراحل التدريبية المرافقة للتدريب الأساسي، فهي 6 أشهر من تدريب المشاة الأساسي والمتقدم، ودورة القفز بالمظلات، وتمارين الملاحة في جميع الأحوال الجوية والتضاريس، التعاون جو-أرض والعمليات الجوية، جمع المعلومات الاستخباراتية والتدرُّب على الاتصال والاستطلاع، تدريب متخصّص للأدوار المحددة مثل الأطباء والمسعفين والقنّاصة، كما يحصلون على تدريب لمدة أسبوعَين في تحمُّل أسر العدو، يتعرضون خلالها لأسر وهمي مفاجئ، يتخلّله كافة أشكال التهديد والاستجواب والعنف الجسدي والإذلال.
ومن أبرز قيادات هذه الوحدة إليك رون (1984-1987)، بيني غانتس (1989-1992) وإيال روزنبرغ (1996-1999).
أبرز إخفاقاتها
خلال حرب تموز عام 2006، نفّذت الوحدة حوالي 30 عملية من أجل اختطاف أسرى تابعين لحزب الله في جنوب لبنان، من أجل مقايضتهم على أسرى الاحتلال الإسرائيلي، وفي إحدى العمليات التي نُفّذت على مستشفى الحكمة، قامت الوحدة باختطاف 3 مدنيين ظنًّا منها أن أحدهم هو أمين عام حزب الله، حسن نصر الله.
بعد انتهاء الحرب وهزيمة الاحتلال الإسرائيلي، أخفقت الوحدة خلال عملية إنزال بقرية بوداي غرب بعلبك في البقاع شرقي لبنان، والتي تواجد فيها أيضًا عناصر من الوحدة الخاصة “سيريت متكال”، حيث تعرضت لكمين مضادّ من قبل إحدى مجموعات الحزب، وسقط على إثرها قائد القوة عمانوئيل مورانو قتيلًا.
كغيرها من وحدات القمع والإجرام في دولة الاحتلال، ورغم تبوّئها مكانة متقدمة في سلاح الجو الإسرائيلي، تفشل وحدة شالداغ في كثير من أهدافها كما قد تنجح، ويبقى مردّ الأمر إلى صلابة المقاومة وحسن تدبيرها وتطوير خبراتها في الردع.