ترجمة وتحرير: نون بوست
يجد القائد العسكري الإسرائيلي الجديد، هرتسي هاليفي، نفسه في وضع استثنائي. فلا يجب أن ينصاع اللواء لأوامر وزير واحد أو حتى وزيرين، بل لا بد له أن ينصاع لأوامر وزيرين ونصف وزراء الدفاع.
يشغل يوآف غالانت من حزب الليكود منصب وزير الدفاع الإسرائيلي، ويشغل بتسلئيل سموتريتش، رئيس حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف، منصب وزير في وزارة الدفاع. بينما يتمتع إيتمار بن غفير، من حزب “القوة اليهودية”، بنفوذ في وزارة الدفاع فضلاً عن كونه وزير الأمن القومي.
وقد طالب السياسيان اليمينيان المتطرفان، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، بمنصب في الوزارة مع خطط لإعادة هيكلة السلطة في الضفة الغربية المحتلة، التي تديرها “إسرائيل” – باستثناء القدس الشرقية – من خلال الإدارة المدنية الإسرائيلية، وهي فرع من وزارة الدفاع، منذ سنة 1967.
وكجزء من الاتفاق الذي شهد انضمامه إلى حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الجديدة، طالب سموتريتش بسلطة على الإدارة المدنية ونال ذلك، والتي كانت حتى هذه اللحظة خاضعة لسيطرة وزير الدفاع وحده.
من جانبه؛ تفاوض بن غفير، المسؤول عن قوات الشرطة، على تولي سلطة شرطة الحدود العاملة في الضفة الغربية. وحتى الآن، تخضع هذه القوة لسيطرة القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي. ولكن في الوقت الراهن، وفقًا لاتفاق الائتلاف، ستُنقل السلطة إلى بن غفير في غضون 90 يومًا من تشكيل الحكومة الجديدة.
هذا ليس شيئًا يفخر به رئيس الوزراء لكونه “سيد الأمن”؛ بل إنه شيء يفعله رجل متهم بثلاث جرائم لتجنب الذهاب إلى السجن.
وبالنظر إلى جميع الانقسامات الوزارية التي حدثت لتسهيل عرض الوظائف واسترضاء الشركاء في ائتلافه اليميني المتطرف، فإن تقسيم نتنياهو لوزارة الدفاع هو الأقل فهمًا.
وعلى الرغم من تحذيرات ضباط رفيعي المستوى، بما في ذلك التحذيرات التي أطلقت في أعقاب اجتماع عاجل عُقد مع قائد الجيش المنتهية ولايته، أفيف كوخافي، تابع نتنياهو مساره غير المسبوق – والمحفوف بالمخاطر بشكل استثنائي.
هذا ليس شيئًا يفخر به رئيس الوزراء لكونه “سيد الأمن”؛ بل إنه شيء يفعله رجل متهم بثلاث جرائم لتجنب الذهاب إلى السجن.
من جانبه؛ قال ياجيل ليفي، أستاذ علم الاجتماع السياسي والسياسة العامة في الجامعة المفتوحة في إسرائيل، لموقع “ميدل إيست آي” إن هذه التغييرات غير المسبوقة في هيكل الجيش وتقسيم المهام قد تثير شعورًا بفقدان هيبة الجيش، لا سيما بين كبار الضباط.
وحذر أمير آشيل، المدير العام السابق لوزارة الدفاع والقائد السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، من أن تقسيم الوزارة بين ثلاثة كيانات قد يشكل خطرًا حقيقيًّا على الأمن.
وفي مراسم تنصيب هاليفي يوم الإثنين الماضي، تناول وزير الدفاع غالانت القضية، قائلا إنه سيعمل على كبح جماح “الضغط الخارجي” على القوات المسلحة، وشدد غالانت على وحدة القيادة؛ حيث أوضح أن “لكل جندي قائد واحد. وكلهم خاضعون لسلطة رئيس الأركان التابع لوزير الدفاع”.
هذا وزير دفاع واحد وليس وزيرا دفاع ونصف. ويلقب غالانت، الذي من المفترض أن يقود الوزارة، بـ “وزير الدفاع من الدرجة الثانية”، أو “المقاول التنفيذي لتفكيك الجيش”. ولكن هذا ليس ذنبه على كل الأحوال.
طالب بن غفير بالإخلاء الفوري للخان الأحمر، وهي قرية بدوية في الضفة الغربية، مطالبًا بازدواجية المعايير لليهود والعرب، ولم تكن هذه ليست سوى البداية
وجرى اختبار بنية الحكومة الجديد في وقت أبكر مما كان متوقعًا عندما ظهرت أزمة سلطة داخل الائتلاف يوم الجمعة بعد إخلاء موقع يهودي غير قانوني في الضفة الغربية بعد وقت قصير من إنشائه خلال الليل. وقد أمر غالانت بالإخلاء متحديًا كل من سموتريش وبن غفير.
في المقابل، رفض سموتريتش الانضمام إلى المؤتمر الهاتفي الذي جمع نتنياهو وغالانت. في غضون ذلك؛ طالب بن غفير بالإخلاء الفوري للخان الأحمر، وهي قرية بدوية في الضفة الغربية، مطالبًا بازدواجية المعايير لليهود والعرب، ولم تكن هذه ليست سوى البداية.
إن سلطة سموتريتش على الإدارة المدنية الإسرائيلية ومكتب تنسيق الحكومة في المناطق محددة بالفعل في اتفاقية الائتلاف.
ماذا يعني ذلك حقًا، بخلاف كونها حالة شاذة في إطار مجموعة من التجاوزات؟ والإجابة واضحة: إنها تعني ضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع.
الإدارة المدنية والعسكرية
من أجل فهم ذلك، من الضروري تقدير دور الإدارة المدنية في آلية الاحتلال.
تأسست الإدارة سنة 1981، وتم تحديد طبيعة هذه الهيئة بأمر عسكري من قبل الحكومة العسكرية للضفة الغربية المحتلة.
وجاء في الأمر “ننشئ بموجب هذا الأمر إدارة مدنية، تدير جميع المسائل المدنية الإقليمية المتوافقة مع هذا المرسوم العسكري، من أجل رفاهية السكان المحليين ومن أجلهم”.
في الممارسة العملية؛ تعتبر الإدارة المدنية تعبيرًا مجازيًّا للإدارة العسكرية. ومنذ 1994؛ تم نقل بعض مهامها إلى السلطة الفلسطينية للشؤون المدنية في المناطق أ (18 بالمئة من الضفة الغربية) وب (22 بالمئة).
سيجد قرابة ثلاثة ملايين فلسطيني أنفسهم تحت سيطرة راعٍ جديد يبشر بالتفوق اليهودي وهو موجود هناك لإرضاء ناخبيه من اليمين المتطرف
واليوم؛ فإن الإدارة المدنية مسؤولة عن إصدار تراخيص السفر من الضفة الغربية المحتلة وغزة إلى إسرائيل. وداخل الضفة الغربية؛ تصدر تصاريح عمل للفلسطينيين الذين يدخلون “إسرائيل” للعمل، وتشرف على جميع تصاريح البناء في المستوطنات الإسرائيلية والأراضي الفلسطينية في المنطقة ج (60 بالمئة من الضفة الغربية)، الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية المدنية والعسكرية الكاملة.
وقال رئيس القيادة المركزية السابق في مقابلة إذاعية إن “سيطرة الجيش الإسرائيلي على الأرض والسكان، ولا سيما الفلسطينيين، لا تتطلب أسلحة فحسب، بل تتطلب مزيجًا من الأدوات المدنية والعسكرية والقانونية – ولهذا السبب يجب أن تظل تحت سيطرة تسلسل القيادة العسكري”.
إن تبعية الإدارة المدنية للسلطة العسكرية لا تلعب فقط دور جهاز احتلال فعال ولكن أيضًا دور أداة قانونية. لم تقم “إسرائيل” أبدًا بضم الضفة الغربية بشكل رسمي، وحتى لو فعلت ذلك، فإن وضعها مع ذلك سيظل معرّفًا بموجب القانون الدولي على أنه “احتلال عسكري مؤقت”.
مع نفاد صبر العالم من الاحتلال المؤقت لمدة 56 سنة، تثير عمليّة نقل السلطة العسكرية الخاصة بالمنطقة إلى وزارة مدنية سؤالا قانونيًا. ظاهريًا، قد يعني ذلك ضمًا فعليًا مع كل التداعيات القانونية لتغيير الوضع، لكن في الوقت الحالي، يعني ذلك تعميق الفصل العنصري.
سيجد قرابة ثلاثة ملايين فلسطيني – بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المناطق أ و ب التي لا تزال تعتمد على “إسرائيل” – ونصف مليون مستوطن يهودي أنفسهم تحت سيطرة راعٍ جديد يبشر بالتفوق اليهودي وهو موجود هناك لإرضاء ناخبيه من اليمين المتطرف، وبالتالي فإن الآثار المترتبة على ذلك ستكون بديهية.
الجنرالات المتقاعدون يعارضون التغيير
كان أفرايم سنيه، وهو لواء متقاعد وسياسي سابق كان آخر دور له في القوات المسلحة رئيسًا للإدارة المدنية التي أشرف عليها لاحقًا كنائب لوزير الدفاع، منزعجًا للغاية من الانتقال الوشيك للسلطة من القيادة العسكرية إلى سموتريش. وفي حديثه مع “ميدل إيست آي”؛ سلّط سنيه الضوء على التوازن الذي تحاول الإدارة المدنية والجيش تحقيقه من خلال السيطرة على الضفة الغربية وسكانها.
إلى جانب ذلك، قال سنيه: “يحتاج قائد القيادة المركزية ورئيس الإدارة المدنية إلى إيجاد توازن بين الاحتياجات العسكرية والأمنية والاحتياجات المدنية، التي تخلق صدامًا في كثير من الأحيان. ويبدو أن رئيس الإدارة المدنية بطبيعته وبعد حفاظه على الروتين اليومي، هادئ قدر الإمكان، بينما كانت الهيئة المسؤولة عن الأمن موجودة هناك لتوفير الأمن في كثير من الأحيان على حساب تعطيل الحياة اليومية للفلسطينيين”.
وأفاد سنيه بأن المسؤولين عن الأمن سوف “يؤيدون إقامة المزيد من الحواجز، والمزيد من القيود لتوفير الأمن – في حين أن السكان يريدون ببساطة المزيد من الراحة وإمكانية التنقل”. وأضاف القائد المتقاعد: “في النهاية، وزير الدفاع هو من يحق له أن يقرر. ووضع هذه السلطة في يد وزير مصلحته الأساسية طرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، تعد خطوة محفوفة بالمخاطر للغاية. والأسوأ من ذلك، أنه سياسي مصلحته الفضلى هي خلق الاشتباكات العنيفة بين اليهود والعرب في كل مكان، وتهيئة أسباب الترحيل في المستقبل أو على الأقل لإرضاء ناخبيه”.
إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من جنود الاحتياط بسبب نقل سلطة شرطة الحدود إلى بن غفير، فقد تثور بعض الوحدات ضدّ هذا التجنيد المفرط
عندما طُلب منه تقديم مثال ملموس عن المواجهة المحتملة بين السلطة العسكرية للقيادة المركزية المسؤولة عن الضفة الغربية والإدارة المدنية، تحدّث سنيه عن قصّة واقعية قائلا: “دعونا نفكر في موقف يتم فيه إلقاء القبض على رجل من قرية فلسطينية مشتبه به في ارتكاب عمل إرهابي، ستكون غريزة الجيش الفورية هي فرض حصار على القرية بأكملها وإلغاء جميع تصاريح العمل، في شكل عقاب جماعي كامل”.
وأضاف سنية أن: “الإدارة المدنية بطبيعتها ليست مهتمة بالعقاب الجماعي، يليه الاحتجاج الجماعي ثم العنف الجماعي. لنفترض أن الإدارة المدنية تفضل فرض عقوبة على الأسرة فقط، في هذه الحالة وزير الدفاع هو الذي يقرر، والآن، أصبح لدينا وزيران مسؤولان عن هذا القرار”.
أشار سنيه إلى أن كوجات، وهي وحدة في وزارة الدفاع تابعة للإدارة المدنية، سيترأسها مُعين من اليمين المتطرف تابع لسموتريش، “الذي تتمثّل مهمته في جعل حياة الفلسطينيين بائسة قدر الإمكان” .
تحذير كوخافي المنتهية ولايته
في سلسلة من مقابلات الوداع على وسائل الإعلام الإسرائيلية، ناقش قائد الجيش المنتهية ولايته كوخافي الخضوع المرتقب لشرطة حدود الضفة الغربية لبن غفير المثير للجدل، وعبر عن قلقه من هذه الخطوة في لقاء بادر بتنظيمه مع نتنياهو. وردًّا على السؤال حول إمكانية نقل السلطة إلى بن غفير، لم يتراجع كوخافي عن أقواله.
وقال كوخافي للقناة 13: “لا يمكن أن يكون لدينا جيشان قائمان على أنظمة مختلفة ومفاهيم مختلفة. وفي حال نقل السيطرة من قيادة الجيش الإسرائيلي في يهودا والسامرة، فسننشر جنودًا وجنود احتياط ليحلوا محل شرطة الحدود، وهذه القوات التي تعمل معا لن يكون لها قائدان”.
وناقش كوخافي هذه القضية مع نتنياهو، وغادر وهو يعتقد أنه “سيتم اتخاذ القرارات الصائبة”، لكن سموتريش وبن غفير كانا متفائلين أيضًا عندما وقعا اتفاقيات الائتلاف بينهما، بعد أن وُعدا بكل ذلك وأكثر.
كان الأكاديمي ليفي قلقًا بشأن التداعيات المحتملة؛ حيث صرّح لموقع “ميدل إيست آي”، قائلًا: “إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من جنود الاحتياط بسبب نقل سلطة شرطة الحدود إلى بن غفير، فقد تثور بعض الوحدات ضدّ هذا التجنيد المفرط”.
لا يزال العالم غير مبالٍ بتقسيم وزارة التعليم ونقل بعض صلاحياتها إلى شخص لا يشعر بالندم لكونه كارها لمجتمع الميم ومعاديًا للمرأة، ويمكن قول الشيء نفسه عن الاضطرابات في وزارة الخارجية. في المقابل؛ ليس هذا هو الحال عندما تشير التغييرات في الجيش إلى وجود تغيير واضح وصارخ في سياسة استخدام القوة والفصل العنصري والضم المتسارع للأراضي المحتلة.
“فوضى” هي الكلمة التي تستخدمها معظم المكاتب العليا لوصف المسار الذي يتخذه هذا الوضع؛ إذ إنها تحذر من مواجهة كبيرة مع المجتمع الدولي والإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والدول العربية.
المصدر: ميدل إيست آي