تناقلت بعض وسائل الإعلام خبرًا عن إقالة الدكتور “محمود حسين” الأمين العام الحالي لجماعة الإخوان المسلمين وعضو مكتب الإرشاد كممثل عن قطاع الصعيد في المكتب.
الأكاديمي الذي عُين أمينًا عامًا للجماعة مطلع 2010 خلفًا للدكتور “محمود عزت” أحد نواب المرشد العام للجماعة أخذت أنباء إقالته من منصبه كأمين عام للجماعة حيزًا واسعًا من الجدل وسط أبناء الجماعة وخارجها لتأتي الأنباء من قيادات داخل الجماعة نافيةً هذا الخبر ومعلنة عن بقائه في منصبه.
الشاهد في هذا الخبر أن بريقه أخذ في اللمعان وسط مجموعات شبابية داخل الجماعة لها بعض النشاط الإعلامي خارج عن سياق الجماعة في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أنه خطوة إصلاحية على الطريق في ظل تخبط للقيادة أثناء إداراتها لمرحلة ما بعد عزل الرئيس المنتمي للجماعة وذلك بقوة انقلاب عسكري قاده وزير دفاعه “عبد الفتاح السيسي”، وفي ظل حالة عدم الرضا التي تنتاب بعض القطاعات الشبابية داخل الجماعة عن أداء قيادات الإخوان في تلك المرحلة وما قبلها.
يبقى التساؤل هنا كيف يتم الإصلاح داخل جماعة بحجم الإخوان المسلمين، ذلك الجبل الجليدي الضخم الذي يظهر من رأسه أقل بكثير مما يظهر من جسده الضارب بجذوره في الأرض؟! وهل إشاعة إقالة الأمين العام هي خطوة الإصلاح المنتظرة والمنشودة التي ستعدل من المسار وتستحق تلك النشوة؟!
الحقيقة أن المشكلة الكبرى الصادمة لبعض الحالمين برياح التغيير ليست في شخص “محمود حسين” الأمين العام للجماعة، ولم تكن يومًا المشكلة في شخص بعينه داخلها بقدر ما ترسخ في العقل الجمعي للقيادة والجسد من أداءات وممارسات هي أشبه ببيروقراطية الدولة التي تحكم من يجلس على كرسي المسؤولية لا التي يحكم من خلالها الفرد موقعه كقيادي؛ لذلك تجد التطابق الشديد في الأداء بمختلف الملفات داخل الجماعة بل أحيانًا استنساخ التجارب مع اختلاف الأشخاص؛ فلذلك لا تمثل إقالة “محمود حسين” من عدمها شيئًا في الواقع الحقيقي للجماعة لأن عقلية المنظومة واحدة لم تختلف منذ زمن بعيد في قضية تصعيد القيادات؛ لذلك الإنتاج القيادي للجماعة متشابه أو إن شئت قل متطابق فلن تحل المشكلة بإقالة محمود حسين ولن ينكسر الانقلاب بإقالة محمود حسين.
ولا نغفل ذكر وجود مراكز قوى داخل الجماعة تحكمت كثيرًا في توجيه الدفة وفي الدفع بالجماعة في اتجاهات بعينها، ولكن لعل هذا الأمر أثبت أنه ليس العامل الأكبر في ما آلت إليه الجماعة لأن وجود أغلب قيادات الجماعة في السجون لم يغير من وضعها وأدائها الإداري بتاتًا بل ظل الأمر على ما هو عليه؛ ما يعزز فرضية “بيروقراطية الجماعة” التي تتحكم بها، فلعلك تجد القيادات الوسيطة التنفيذية الآن من الشباب الجدد كما يتغنى البعض، لكنك ستجد الأداء كما هو لا يتغير بسبب أن العقلية الديناميكية للجماعة خريجة من نفس المدرسة ناهيك أن التغيير القيادي لم يطل أيًا من الملفات الحساسة الإستراتيجية داخل الجماعة بل ظلت قابعة تحت إمرة أشخاص بعينهم.
تلك البيروقراطية في الأداء والنمطية الشديدة في التعامل مع الملفات الطارئة داخل الجماعة كأمر الانقلاب على سبيل المثال لها قاعدة شعبية بالداخل على عكس ما يتوهم البعض أن هناك سخط داخلي على القيادة، فالظاهرة الإعلامية لبعض الشباب لا تمثل القاع مطلقًا، دعني أؤكد لك أن هناك من بين عرابي القيادة الحالية والمهللين لها الكثيرون من أعلى الهرم التنظيمي حتى أسفله وأن من بينهم من هم على يقين أن الجماعة لا تحتاج لتغيير وأن الوضع على ما يرام، فلا يغرنك المظاهر الإعلامية المطالبة بالتغيير فالقرى والنجوع والكفور وحتى المدن الكبرى تعج بمن يؤيدون القيادة الحالية تأييدًا مطلقًا بل وربما تطالب باتخاذ إجراءات إدارية تجاه المنادين بالإصلاح الداخلي هذا على تنوع الفئات من هذا القطاع الموجود بالفعل الشبابي منه والغير شبابي حتى لا يعتقد البعض أن شباب الجماعة على قلب رجل واحد في رؤيتهم الداخلية للجماعة.
ولا تكاد تغفل نوع من الأعضاء بالجماعة ينادون بهذا الإصلاح، ولكن النداء لا يكاد يعبر الأفواه حتى يسقط صيانة للتنظيم الذي سيطر على عقلياتهم فلا يكاد يرى غيره فتجد إجابتهم على أي محاولات إصلاحية بالدفاع عن التنظيم وقياداته، مؤكدين أن للتغيير قنواته داخل الجماعة التي لا يعلمون أنها قد سدت من زمن بعيد.
فآليات اتخاذ القرار واحدة لم تتغير واعتماد آلية النصح بدلاً من التقييم والمحاسبة كما هي، واللوائح الداخلية البالية على حالها، كل ذلك لا يفرز إلا مئات من “محمود حسين” إذا كانت المشكلة بشخص الرجل كما روج البعض، كما لا يمكن إنكار تواجد حراك داخلي أفرزته الظروف الراهنة من ردة داخل الجماعة إلى أوقات المحن والإرباك الشديد الذي يظهر على أداء الجماعة بعد الحرب الإقليمية التي شنت عليها وغيرها من الظروف الصعبة التي تتطلب وقفة جدية مع القيادة الحالية، لكن يجب أن يعرف أصحاب هذا الحراك أن أمر الإصلاح في الجماعة غير مرتبط بأمر الانقلاب أو الأزمة الحالية لأن كل الأزمات داخل الجماعة أو التغيرات المحيطة بالجماعة أفرزت تحركات إصلاحية مثل هذه لكن سرعان ما ابتلعتها بيروقراطية الجماعة أو لفظت المنادين بها خارج الجماعة وما 25 يناير ببعيد حين ظهرت الكثير من تلك الدعوات المنادية بالتغيير والإصلاح الداخلي وتمثيل الشباب إلى أن انتهى الأمر إلى اللاشيء، فعلى الجميع أن يعلم أن الأمر ليس بجديد وأن المحاولات مستمرة منذ عدة أعوام لتعديل المسار لكن الفشل كان مصيرها.
لا نبتغي بهذا القول أن يكف الشباب عن المطالبة بالإصلاح وبالطبع هي ليست دعوة لليأس، وإنما دعوة لتبين الأمر ورفع واقعه الصحيح دون عاطفيات زائدة أو حماسة طائشة لتغيير شخص بعينه، فيتم اختصار الحراك بمطلب ساذج كهذا، فالأمر يحتاج للحديث عن أفق جديدة مقصودة للتغيير تعني إستراتيجيات جديدة لا استبدال أقوام بأقوام وفقط، فلو أن مكتب الإرشاد بأكمله استبعد ومجلس شورى الجماعة كاملاً تم تغييره لما أحدث ذلك الإصلاح الذي يتمنى البعض أن يراه، لأن الآليات واحدة والعقلية الحاكمة التي هي فوق الأشخاص واحدة، فإذا تم تغييرهم وكسرت بعض المسلمات التنظيمية وتم التحديث الإداري المطلوب، كذلك الوضع اللائحي للجماعة الذي يحتاج إلى إعادة هيكله تسمح بأمر المحاسبة والعزل والتغيير السريع الذي يواكب الحدث وتعطي لأفراد التنظيم سلطة أكبر في الرقابة مع فتح آليات حقيقة لتوجيه الانتقادات والبدائل ليكون مستقرها التنفيذ لا الأدراج التي تعج بآلالاف الأوراق تحت بند “النصيحة” مع إحداث تغييرات جذرية في الملفات الأكثر حساسية في الجماعة التي تشكل أمر اتخاذ القرار لا تلك الملفات التنفيذية التي هي مجرد انعكاس للقرارات الإستراتيجية التي هي بعيدة كل البعد عن التغيير بحيث لا يصبح أمر تغيير القيادات الوسيطة على الأرض مسكنًا للسكوت عن أمر المطالبة بتغييرالرؤية العامة مع إسناد الأمر للكفاءات لا الثقات بحيث تكسر المسلمة التنظيمية التي تقدم أهل الثقة على أهل الكفاءة؛ بهذا يكون لهذا الحراك جدوى وتغيير وأثر دون الحصول على النشوة الوهمية المؤقتة بتغيير هذا القيادي أو ذاك.
فأمر الإصلاح داخل تنظيم الإخوان ليس بالسطحية ولا السذاجة التي يتخيلها البعض نظرًا لعدم التشخيص الجيد للأمر، فالتشخيص هو أول خطوات العلاج فلا يمكن لدعاوى البتر من أول وهلة التي تبناها البعض أن تلقى صدى لدى جسد المريض، ولا تنتظر من المريض أن يهلل ويصفق لها، بل اعلم أن مصدر المرض ليس عضوًا بعينه أو طرفًا معينًا لكن المرض مستشر ويحتاج لعلاج المصدر الحقيقي لا الظاهر منه فقط.
كما أن أمر الانقلاب هو عارض على الجماعة التي تتماسك بالأساس في الأوقات العصيبة، فعليك أن تعلم أنه من الصعب تفكيك مثل هذا التنظيم في ظل القمع كما يريد النظام وأن الأمر لا يورد هكذا، لأن المشكلة ليست حديثة بالانقلاب أو مواجهته لكنها أعمق وأقدم من هذه الأزمة بكثير وتحتاج لمعرفة جيدة بالداء قبل إعطاء أي جرعات من الدواء.
إن مهمة التغيير بالجماعات الأيدولوجية المركبة ليست بالمهمة السهلة ولا الهينة اليسيرة ولكنها مهمة معقدة كالتي أوكلت للثورة المصرية إذا جاز التعبير
وإذا أردنا التعامل مع الجماعة كدولة، فعلينا ألا نتنهج سبلاً قديمة سار فيها من قبلنا، وعلينا أن نعمل على الوصول إلى تغيير العقل الجمعي داخل الجماعة وإقناعه بإقرار آليات للحساب الإداري لكل قيادة تتولى مسؤولية وتفتح إمكانية تغييرها بأكفأ منها في أي وقت حال ثبوت فشلها.
كما أن على أفراد الحركة أن يفصلوا جيدًا بين القيادات الدعوية والسياسية وأن يستمعوا جميعا للصوت المعارض المغرد خارج السرب كأي تجمع بشري؛ وفي كل الأحوال .. علينا أن نتيقن أن التغيير قد طرق أبواب الجماعة وأن ما دون ذلك ليس إلا كلمات منثورة للتنفيس حتى لا يحدث انفجار.