أصدرت المحكمة الاتحادية في بغداد، الأربعاء الماضي، حكمًا يقضي بإلغاء كل القرارات الخاصة بتحويل الأموال من قبل الحكومة المركزية إلى إقليم كردستان، بحجّة أن النقض الدستوري الذي صدر في فبراير/ شباط العام الماضي ببطلان قانون النفط والغاز الخاص بالإقليم، يسري على الأموال المرسلة إلى الإقليم أيضًا.
على إثر هذا القرار، هاجم زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، قرار المحكمة ووصفه بـ”العدوان”، كما شبّهها بـ”محكمة الثورة” التي كانت في عهد نظام الرئيس السابق صدام حسين، إذ علّلت المحكمة قرارها بأن الإجراء يأتي خلافًا للقانون، وذلك بناء على دعوى أقامها مصطفى جبار سند أحد نوّاب الإطار التنسيقي.
ممّا لا شكّ فيه أن القرار الأخير أعاد بدوره الحديث مرة أخرى عن جدوى التفاهمات التي أجرتها قوى الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة، خصوصًا في ظل حالة الانقلابات المستمرة على هذه التفاهمات، ففي الشهر الماضي برزت خلافات على السطح بين السنّة والإطار التنسيقي حول ما تمَّ التفاهم عليه قبل عملية تشكيل الحكومة، وتحديدًا في ملفات تخصّ النازحين وإعادة الإعمار والمساءلة والعدالة.
ومع قرار المحكمة الأخير الخاص بالإقليم، يمكن القول إن مستقبل تحالف إدارة الدولة المكوّن من السنّة والكرد والإطار التنسيقي دخل منعطفًا خطيرًا حول مدى استمرار تماسُكه، أو حتى تمكُّنه من تجاوز هذه الأزمات المستمرة بين مكوّناته، إذ كان واضحًا منذ بدء التفاهمات الكردية السنّية الشيعية لتشكيل الحكومة الجديدة بعد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، أن ما يفرّقهم أكثر ممّا يجمعهم، إذ أشار إسراع قوى الإطار التنسيقي للاستحواذ على الاستحقاق الدستوري للتيار الصدري، إلى أنه يسعى للانفراد بالسلطة أكثر من كونه مستعدًّا للتفاهم مع الكرد والسنّة على المسائل المختلف عليها.
وفيما يتعلق بالكرد تحديدًا، فإن الخلاف على قانون النفط والغاز وكذلك المناطق المتنازع عليها سيثير الكثير من المشاكل، كون الإطار التنسيقي لا يملك الاستعداد الكافي لحلّها، لتداخُل هذه الملفات بالدور الإيراني في العراق.
ردّ فعل الإقليم
رغم الخطابات المتشنّجة التي صدرت عن قيادات بارزة في الحزب الديمقراطي الكردستاني، فإن ردّ الفعل الأكثر بروزًا تمثّل في زيارة رئيس إقليم كردستان، نيجيرفان بارزاني، إلى تركيا ليلة الخميس، ولقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ أصدرت رئاسة الإقليم بيانًا أوضحت فيه أن الهدف من الزيارة التفاهم مع الجانب التركي حول العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، وممّا لا شكّ فيه تدرك كل من أربيل وأنقرة أهمية التعاون المستمر في العديد من الملفات، وأهمها ملف الغاز.
يمكن القول إن زيارة رئيس الإقليم إلى أنقرة بعد ساعات من صدور قرار المحكمة الاتحادية، تمثّل رسالة واضحة للحكومة المركزية في بغداد بأن للإقليم خياراته السياسية للردّ على هذا القرار، كما أنها تمثّل رسالة واضحة لإيران بأن محاولة عزل الإقليم اقتصاديًّا، من أجل تخليه عن بعض الملفات ومنها ملف سنجار وتواجد المعارضة الكردية الإيرانية، يمكن أن يتمَّ تدارُكه عبر مزيد من التقارب مع تركيا، إذ مثّل نجاح إقليم كردستان في خلق هامش مناورة سياسية بينه وبين الحكومة المركزية لإفراغ أغلب المحاولات الحكومية من تأثيرها السياسي، وهو ما قد يتحقق بالخلاف الأخير أيضًا.
مخاطر يدركها الإطار
تدرك قوى الإطار التنسيقي مخاطر انسحاب الحزب الديمقراطي الكردستاني من تحالف إدارة الدولة، كما ألمح إلى ذلك مسعود بارزاني في خطابه الأخير، إذ سيمثّل انسحاب الكرد ضربةً قوية للتحالف، بل قد يفتح الباب أيضًا أمام انسحاب سنّي، كما ألمح إلى ذلك رئيس مجلس النواب، محمد الحلبوسي، في وقت سابق.
ومن ثم إن قوى الإطار قد تجدُ نفسها مجبرة على التحايُل على قرار المحكمة الاتحادية لإقناع الكرد بالاستمرار في العملية السياسية، خصوصًا أن القرار الأخير جاء بعد دعوى تمَّ رفعها في زمن حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، كمحاولة من قبل قوى الإطار التنسيقي لضرب التحالف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والتيار الصدري، فيما كان يعرَف آنذاك بـ”التحالف الثلاثي”.
تدرك قوى الإطار التنسيقي أن تصاعُد الخلاف مع باقي أطراف تحالف إدارة الدولة، قد يؤدّي في نهاية المطاف إلى سقوط حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، خصوصًا أن تصاعُد هذا الخلاف يأتي في ظل أزمة اقتصادية كبيرة تضرب البلاد، بعد فشل الحكومة حتى الآن في السيطرة على أسعار صرف الدولار.
كما أن التيار الصدري بدأ يتحرّك مؤخرًا بشكل أكثر نشاطًا، في مؤشر على قرب عودته إلى الساحة السياسية، ما قد يؤدّي في النهاية إلى محاولة تجاوز هذه العقبات من أجل ضمان استمرار الحكومة، حيث إن قوى الإطار التنسيقي تعي جيدًا أن سقوط هذه الحكومة معناه الذهاب نحو الانتخابات المبكّرة، والدخول في حسابات سياسية معقّدة.
وفي السياق ذاته، تترسّخ القناعة السياسية يومًا بعد آخر بأن هناك فجوة كبيرة بين قوى الإطار التنسيقي والسوداني حول العديد من الملفات الداخلية والخارجية، فإصرار بعض قيادات الإطار التنسيقي، وتحديدًا نوري المالكي وقيس الخزعلي، على فرض ما يشبه الوصاية السياسية على الحكومة، يقابله سعي واضح من قبل السوداني على إظهار نوع من الاستقلالية السياسية عن الإطار.
ولعلّ هذا ما دفع العديد من قيادات الإطار التنسيقي إلى انتقاد تحركات الحكومة العراقية حيال عدة مواضيع، منها ملف بقاء القوات الأمريكية في البلاد، أو ملف العلاقة بين الإقليم والمركز.
رغم أن القرار الأخير أشار إلى حجم الصراع السياسي بين مكونات تحالف إدارة الدولة، بين طرف يريد الاستحواذ وطرف يريد مزيدًا من الاستقلالية في إدارة شؤونه، إلّا أن هذا الواقع أشار بصورة دقيقة إلى حجم المعضلة السياسية التي يعاني منها النظام السياسي في العراق، خصوصًا أن أغلب الملفات المثارة حاليًّا هي ذاتها المختلف عليها منذ عام 2003، وفشل هذا النظام في معالجتها حتى الآن، ما يطرح بدوره العديد من التساؤلات حول جدوى العملية الانتخابية في ظلّ إصرار سياسي واضح على ربطها بصفقات سياسية، تمثّل عقبة رئيسية في طريق نجاح الحكومة في القيام بالمهام التي اُنتخبت من أجلها.