تعيش تونس، اليوم السبت، على وقع الصمت الانتخابي الذي يسبق موعد الدور الثاني للانتخابات التشريعية المبكرة المقرر غدًا الأحد، لكن الملاحظ أن هذا الصمت لم يكن حكرًا على هذا اليوم فقط، بل امتد كامل أيام الحملة الانتخابية، فلا توجد أي مؤشرات في تونس على أن البلد يتهيأ لانتخابات.
دور ثانٍ للتشريعية المبكرة
في هذا الدور الثاني للانتخابات التشريعية، سيتنافس 262 مترشحًا (34 امرأةً و228 رجلًا) في 131 دائرة انتخابية داخل البلاد، لتحصيل 131 مقعدًا في البرلمان الجديد، وفق رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر.
ويبلغ عدد المسجلين للاقتراع في هذا الدور 7 ملايين و853 ألفًا و447 ناخبًا، بواقع 51% للإناث و49% للذكور، ويُنتظر أن يتوجهوا غدًا الأحد إلى مكاتب الاقتراع بين الثامنة صباحًا بالتوقيت المحلي (07.00 توقيت غرينتش) والسادسة مساءً (17.00 توقيت غرينتش).
هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لم تترك الوقت للتونسيين للاهتمام بالدور الثاني من الانتخابات التشريعية
من المنتظر أن يؤدي الناخبون حقهم في التصويت في 4 آلاف و222 مركز اقتراع، في إجمالي عدد مكاتب حدد بـ10 آلاف و12 مكتبًا، وخصصت هيئة الانتخابات 40 ألفًا و594 عونًا لتأمين المراكز، بينهم 632 لرقابة الحملة، و524 ميدانيًا، و108 إداريين، فضلًا عن تركيز 6 خلايا لرصد التنبيهات والخروقات يؤمن مهمتها 71 عونًا.
يذكر أن الدور الأول للانتخابات الذي أجري في 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أفرز تحصيل 23 مقعدًا بالبرلمان المقبل (بواقع 3 نساء و20 رجلًا)، من 154 مقعدًا، مقابل غياب مترشحين في 7 دوائر انتخابية بالخارج يُتوقع إجراء انتخابات جزئية فيها في وقتٍ لاحق لاستكمالها بعد تشكيل البرلمان.
غياب الاهتمام الشعبي بالانتخابات
المتابع للشأن التونسي له أن يعاين بسهولة غياب أي اهتمام شعبي بهذه الانتخابات، فالحملة الانتخابية باهتة وتكاد تكون منعدمة في أغلب مناطق البلاد، وإن حصل ونظم أحد المترشحين فعالية انتخابية فلن يهتم به أي أحد.
غابت الحملة الانتخابية ميدانيًا، وغابت أيضًا عن مواقع التواصل الاجتماعي، فعادة ما تكون مواقع التواصل مكانًا مهمًا يطرح فيه المترشحون برامجهم الانتخابية أمام الناخبين لإقناعهم بالتصويت لهم، لكن هذه المرة لم نرصد أي استغلال لهذه المواقع.
يعود هذا الأمر، إلى اهتمام الشارع التونسي بما هو أهم بالنسبة له، فالتونسي اليوم يهتم أكثر بأسعار المواد وأماكن وجودها، إذ تعرف تونس أزمة حادة في هذا المستوى، ذلك أن العديد من البضائع عرفت ارتفاعًا كبيرًا في أسعارها بلغ مستويات قياسية.
فضلًا عن زيادة الأسعار، سجلت الأسواق نقصًا حادًا في العديد من المواد، خاصة الأساسية، مثل الحليب والسكر والأرز والزيت والدقيق، وأصبح الحصول على هذه المواد الغذائية بمثابة الأمر المستحيل الذي يصعب تحققه، في ظل عدم تحرك حكومة نجلاء بودن لإيجاد حل لهذه المشكلة.
ويتهم الرئيس التونسي قيس سعيد، ما يصفهم بالمتآمرين والخونة، باحتكار المواد الأساسية للضغط على الدولة التونسية والتسبب في انهيارها، بغية إسقاط النظام، لكن المتابع لما يجري في تونس، يرى أن كلام الرئيس سعيد مجانب للصواب.
تؤكد العديد من المؤشرات أن الدولة عاجزة عن توفير الحد الأدنى من المواد الأساسية للمواطن التونسي، نتيجة وضع المالية العمومية الحرج، فالدولة ومؤسساتها عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها مع المؤسسات التجارية المحلية والأجنبية.
نسب المشاركة في انتخابات #تونس بعد الثورة بحسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في البلاد pic.twitter.com/aXQaSbzaCu
— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 19, 2022
مؤخرًا، انتشرت صور وفيديوهات توثق التوتر الكبير في الأسواق والمساحات التجارية الكبرى، إذ رصدنا طوابير طويلة وتشابك بالأيدي بين المواطنين للحصول على علبة حليب أو كيلوغرام من السكر أو الأرز.
وما زاد من حجم الضغوط على جيوب التونسيين المفلسة، رفع أسعار المحروقات 5 مرات خلال سنة واحدة وكذلك المواصلات والمياه المعدنية والمشروبات الغازية والحلويات والغلال والخضراوات، فضلًا عن الدواجن واللحوم.
ليس هذا فقط، فالأزمة تمس قطاع الأدوية أيضًا، إذ تشهد تونس نقصًا كبيرًا في العديد من الأدوية، وتواجه الصيدليات اضطرابًا على مستوى التزود بالأدوية، لا سيما في ظل الديون المتراكمة التي لم تسددها الصيدلية المركزية.
#انتخابات_تونس على الطريقه السيساويه !!!
الاستبداد في الحكم بانتخابات صورية تنتج برلمان بلا سلطه !!! pic.twitter.com/gC4bJy5Qf2— موسى ابو سمره (@musaabosamra) December 17, 2022
هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، لم تترك الوقت للتونسيين للاهتمام بالدور الثاني من الانتخابات التشريعية، فالحصول على لتر حليب أو كيلوغرام من السكر أهم من الذهاب لمركز الاقتراع والمشاركة في انتخابات يعرفون نتائجها مسبقًا.
تأثير إقصاء الأحزاب
يعود غياب الاهتمام الشعبي بالانتخابات أيضًا إلى تعمد الرئيس سعيد إقصاء الأحزاب من العملية الانتخابية ومن الحياة السياسية ككل، إذ سجلت هذه الانتخابات غيابًا شبه كلي للأحزاب إلا من بعض “الدكاكين الحزبية”.
وينتمي 23 مترشحًا ومترشحة فقط إلى أحزاب: 12 من حركة الشعب و8 لصوت الجمهورية و3 لحركة شباب تونس الوطني ومترشح واحد ينتمي لحزب حركة تونس إلى الأمام، مقابل 239 مترشحة ومترشحًا تقدموا كمستقلين.
البرلمان الجديد منزوع الصلاحيات ولا أهمية له، ووجوده شكلي وفق الدستور الذي صاغه سعيد وأقره في 25 يوليو/تموز 2022
يُفهم سعي سعيد إلى إقصاء الأحزاب، من خلال إقراره قانونًا انتخابيًا جديدًا ينص على التصويت للأفراد عوض التصويت للقوائم الحزبية أو المستقلة، فلا أهمية للأحزاب في انتخابات اليوم، ولا جدوى من وجودها وفق تصور قيس سعيد، فالأفراد فقط من لهم حق الترشح.
ويرجع ذلك إلى رفض سعيد للأحزاب السياسية، فهو يرى أن زمن الأحزاب قد ولى ولا حاجة للرئيس للأجسام الوسيطة – بما فيها منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام – حتى يتواصل مع الشعب، أي أنه يؤمن بالتواصل مباشرة مع الأهالي.
وعادة، ما كانت الأحزاب السياسية تنزل بكل ثقلها للانتخابات، حتى تظفر بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، لكن هذه المرة قررت أغلبها مقاطعة هذا الاستحقاق الانتخابي لتعمد الرئيس إقصائها أولًا وثانيًا لأنها ترفض كل هذا المسار من بدايته وتعتبره مسارًا باطلًا.
أسباب أخرى
تعود أسباب عدم الاهتمام الشعبي بهذا الاستحقاق الانتخابي أيضًا إلى أسباب عديدة أخرى، من بينها تأكد غالبية التونسيين من عدم جدوى ذهابهم للتصويت، لأن النتائج معروفة مسبقًا وأيضًا لعدم اقتناعهم بجدوى هذه الانتخابات أصلًا.
ذلك أن البرلمان الجديد منزوع الصلاحيات ولا أهمية له، ووجوده شكلي وفق الدستور الذي صاغه سعيد وأقره في 25 يوليو/تموز 2022، فلن يكون قادرًا على مساءلة الحكومة أو توجيه اللوم إليها، بعد أن وضع سعيد شروطًا تعجيزية لذلك، ما يجعل هذه المهمة حكرًا عليه، تماشيًا مع تصوره لنظام الحكم الرئاسوي.
#قاطع_الانتخابات #يسقط_الانقلاب https://t.co/DbNollrvBY
— عبد المنعم حفيظي (@Hafidhi711) January 20, 2023
يمكن للبرلمان الجديد اقتراح مشاريع قوانين، لكن يجب أن تُقدم من جانب عشرة نواب على الأقل، مع إعطاء الأولوية للنصوص التي يقدمها الرئيس، وهو ما يعد ضربًا لمهمة البرلمان التشريعية، إذ يصعب أن يتفق 10 نواب على مشروع قانون محدد فلا رابط بين جميع المترشحين.
هذا الأمر، يعني أن المبادرة التشريعية ستكون حكرًا على رئيس الجمهورية فقط، وهو من سيحظى بأولوية التشريع والنظر، بينما البرلمان الجديد أصبحت مهمته التزكية والمصادقة الشكلية فقط، كما كان الوضع زمن حكم بن علي.
كل هذه الأسباب عجلت بفشل الدور الثاني من الانتخابات التشريعية في تونس، إذ يتوقع أن تكون نسبة التصويت أقل من الدور الأول الذي لم تتعد فيه النسبة 11% من جملة المسجلين، مع ذلك سيتم اعتماد هذه النتيجة كما حدث تمامًا مع المصادقة على الدستور والاستشارة الإلكترونية التي نظمت في مارس/آذار 2022.