ظلت الولايات المتحدة “أرض الأحلام” بالنسبة لكثير من المهاجرين واللاجئين منذ سنوات طويلة وحتى الآن، ولم ينافس أمريكا في كونها حلم المهاجرين والباحثين عن فرص للعمل والعيش الكريم إلا الاتحاد الأوروبي، لكن الولايات المتحدة كشعب قائمة على المهاجرين، بينما تتيح دول الاتحاد الأوروبي المجال لاستيعاب مهاجرين بنسب أقل.
هناك العديد من الطرق التي تستقبل بها الولايات المتحدة المهاجرين الجدد أشهرها برنامج الهجرة العشوائية “الغرين كارد” – التي يسميها البعض بالقرعة أو اللوتري -، أسهل طريق يتم عبره قبول نحو 55 ألف شخص سنويًا كمهاجرين جدد من كل أنحاء العالم.
برنامج جديد لتوطين اللاجئين
مؤخرًا وقبل أيامٍ قليلةٍ، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية وبالتعاون مع وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، عن إطلاق برنامج جديد لاستقبال وإعادة توطين المهاجرين خاصة فئة اللاجئين وإدماجهم في المجتمع الأمريكي.
البرنامج الذي يحمل اسم Welcome Corps وترجمتها “فيلق الترحيب”، يُمكّن المواطنين الأمريكيين من تقديم الرعاية للاجئين الذين يصلون من خلال برنامج قبول اللاجئين الأمريكي USRAP، والمساعدة في إعادة توطينهم بشكل مباشر، وتحسين شروط وصولهم وإقامتهم من خلال الترحيب بهم وإدماجهم في مجتمعاتهم الجديدة.
.@PRMAsstSec: “We’re launching the Welcome Corps, a private sponsorship initiative that will create new opportunities for private Americans to directly sponsor refugees from around the world who are here fleeing conflict, fleeing persecution.” More: https://t.co/nXur79gnYp pic.twitter.com/8iEcNUm878
— Department of State (@StateDept) January 19, 2023
وبموجب البرنامج سيتولى المواطنون الأمريكيون وحاملو الإقامة الدائمة “غرين كارد” لعب دور مهم في إعادة توطين آلاف اللاجئين القادمين للولايات المتحدة، حيث سيقدمون الدعم اللوجستي والمالي لمساعدة اللاجئين على بدء حياتهم في أمريكا.
يأتي هذا الإعلان بعد أسبوعين من وضع الرئيس جو بايدن سياسة جديدة للهجرة تعزز إعادة توطين نحو 20 ألف مهاجر هذا العام والعام المقبل.
وبموجب الخطة التي أعلنها الرئيس الأمريكي قبيل زيارة مرتقبة أجراها إلى الحدود المكسيكية، سيُسمح لما يصل إلى 30 ألف مهاجر يستوفون الشروط المطلوبة دخول الولايات المتحدة كل شهر من كوبا وهاييتي ونيكاراغوا وفنزويلا إذا وصلوا على متن طائرات، مع تشديد القيود على أولئك الساعين للدخول بشكل غير قانوني.
يمكن للولايات المتحدة استقبال 125 ألف لاجئ سنويًا
قرر الرئيس بايدن في الخطة أعلاه، أن بإمكان بلاده استقبال في كل سنة مالية تبدأ من أكتوبر/تشرين الأول عدد 125 ألف لاجئ، وهو عدد أكبر بكثير ممّا سمح به الرئيس السابق دونالد ترامب.
أما بخصوص برنامج “فيلق الترحيب”، فقد قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيانٍ لها: “البرنامج سينبني على كرم الأمريكيين من خلال إنشاء برنامج دائم للأمريكيين في المجتمعات في جميع أنحاء البلاد، لرعاية اللاجئين من جميع أنحاء العالم”، واصفةً البرنامج بأنه “أجرأ خطة تم وضعها لإعادة توطين اللاجئين في غضون الأربعة عقود الماضية”.
وأوضح وزير الخارجية بلينكن أن البرنامج يهدف في العام الأول إلى إشراك عشرة آلاف مواطن أمريكي لاستضافة نحو 5 آلاف لاجئ، ويتعيّن على كل مجموعة مكونة من خمسة أفراد يرغبون في رعاية لاجئ، الخضوع لتحريات أمنية مكثفة وتقديم دليل على قدرتهم المادية على تحمل ذلك.
The United States is launching the Welcome Corps, the boldest innovation in refugee resettlement in four decades. This initiative enables Americans to directly support refugees and show the best of American hospitality and generosity. #JoinTheWelcomeCorps pic.twitter.com/MFp3lO1fQN
— Secretary Antony Blinken (@SecBlinken) January 19, 2023
وتابع أنّ لا حوافز مالية متوقعة لهؤلاء المشاركين الذين سوف يتعين عليهم الإثبات أن في تصرفهم 2.275 دولار لكل لاجئ لمدة ثلاثة أشهر، بهدف شراء الملابس والضروريات الأساسية الأخرى لهم.
مبادرة يتم تطبيقها في كندا وعدة دول
صحيفة “نيويورك تايمز” وصفت الخطوة بأنها تمثل “جهدًا كبيرًا” لفتح الباب أمام المزيد من عمليات إعادة توطين اللاجئين في الولايات المتحدة، وأنها تمثل “أبرز تغيير” يشهده نظام قبول اللاجئين منذ إطلاقه قبل أكثر من أربعة عقود.
ووفقًا للصحيفة، “سيساعد الأمريكيون العاديون في توطين اللاجئين عبر المبادرة التي تشبه نموذجًا مستخدمًا في نحو 15 دولة حول العالم بما في ذلك كندا، وتم تطبيقه لسنوات عديدة واعتبره خبراء ناجحًا على نطاق واسع”.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا البرنامج يمكن أن يؤدي إلى زيادة كبيرة في عدد النازحين الذين سيعاد توطينهم من إفريقيا والشرق الأوسط ومناطق مضطربة أخرى، إضافة إلى تخفيف التكلفة على الحكومة.
كيف يعمل البرنامج؟
صحيح أن إدارة بايدن أطلقت برنامج “فيلق الترحيب” في الـ19 من يناير/كانون الثاني الحاليّ، لكن في الأشهر الأولى ستقوم الإدارة الأمريكية باختيار 5000 شخص من اللاجئين المسجلين في الأمم المتحدة، وإحضارهم إلى الولايات المتحدة لتوطينهم و إدماجهم.
أما المرحلة الثانية فتبدأ خلال يونيو/حزيران 2023، ويتعين حينها على المواطن أو المقيم في الولايات المتحدة تشكيل مجموعة من 5 أشخاص على الأقل، والاستعداد لجمع مبلغ 2275 دولارًا أمريكيًا، ثم التسجيل في هذا الموقع https://welcomecorps.org/ وتقديم طلب الكفالة إلى الشخص المعني.
لن يكون الأمر سهلًا، لأن الكفلاء الخمس – كما ذكر وزير الخارجية – يجب أن يخضعوا لتدقيق أمني ومالي على أن يتم هذا التدقيق من شركة Sterling.
كذلك يجب أن يلتزم أحد الرعاة الـ5 على الأقل، بحضور جلسات التدريب والتثقيف التي تقيمها إدارة البرنامج “أونلاين لإرشاد الكفلاء ومتابعتهم عبر تطبيق زوم”، أسبوعيًا يوم الأربعاء الساعة 7:00 مساءً بالتوقيت الشرقي للولايات المتحدة، ويتعين كذلك على جميع أعضاء فيلق الترحيب الخماسي التوقيع على نموذج الالتزام برعاية اللاجئ لـ90 يومًا، وينبغي عليهم أيضًا مراجعة مدونة قواعد السلوك والتوقيع عليها.
بعد استيفائهم للشروط، سيكون الكفلاء الأمريكيون مسؤولين عن تقديم المساعدة الأساسية للاجئ خلال الأيام التسعين الأولى فقط من حياته في الولايات المتحدة، تشمل هذه المساعدة تسهيل العثور على سكن وعمل وتسجيل الأطفال في المدارس وربط اللاجئين بالخدمات الأساسية في المجتمع.
بعد انتهاء الـ90 يومًا الأولى يفترض أن يحصل اللاجئ على الإقامة الأمريكية “الغرين كارد”، ومن ثم يعتمد على نفسه في البحث عن فرص العمل وترتيب أوضاعه من ناحية السكن ومصروفات العيش في الولايات المتحدة من أكل وشرب وغيرها.
شروط خاصة باللاجئين
فيما يتعلق باللاجئ، ينبغي أن يكون مستوفيًا لشروط الالتحاق للبرنامج، ولا يشترط أن يكون من جنسية محددة، فبإمكان جميع الأشخاص الذين يعانون من خطر يتهدد حياتهم أو أن تكون هناك انتهاكات بحقهم مثل الملاحقات القضائية الجائرة بسبب نشاطهم السياسي أو دفاعهم عن حقوق الإنسان أو كانوا يواجهون اضطهادًا بسبب الانتماء العرقي أو الديني أو الجنسي، الاستفادة من برنامج “فيلق الترحيب” بعد إثبات استحقاقهم له.
أي بمعنى أن البرنامج لا يستهدف فقط مواطني البلاد التي تشهد حروبًا وصراعات، لكن بشكل عام يُفضل أن يكون الشخص المستفيد نازحًا أو يقيم خارج وطنه الأم، كما يمكن في الوقت نفسه للمقيمين في بلدانهم الأصلية الاستفادة من البرنامج بشرط إثبات وجود خطر يهدد حياتهم أو تعرضهم للاضطهاد.
إشراك المواطنين الأمريكيين في رعاية اللاجئين
برنامج welcome corps يهدف بصورة عامة إلى إشراك المواطنين الأمريكيين وحاملي الإقامة الأمريكية أو حتى حاملي بطاقة الحماية المؤقتة TPS للمشاركة في استضافة اللاجئين، كما يعمل البرنامج على تثقيف الجمهور الأمريكي عن فوائد الهجرة وتبديد الصورة النمطية السلبية المرتبطة بالمهاجرين، والتأكيد على حاجة البلاد إليهم وإثبات أن توطينهم وإدماجهم في الولايات المتحدة هو أمر إيجابي.
تم تصميم برنامج “فيلق الترحيب” لتعزيز الانتماء للولايات المتحدة من المهاجرين الجدد، فإدارة بايدن تهدف من خلاله إلى صناعة بيئة تُمكن المهاجر الجديد من الإحساس بالأمان والانتماء إلى الولايات المتحدة ومنحه الفرصة لأن يكون عضوًا فاعلًا في المجتمع الأمريكي، إلى جانب تثقيف المواطنين الأمريكيين بأهمية المهاجرين وحاجة البلاد إلى مساهماتهم في الاقتصاد الأمريكي وتنوع السكان.
بقي التذكير بأن البرنامج سيكون متاحًا في الستة أشهر الأولى من يناير/كانون الثاني الحاليّ إلى يونيو/حزيران 2023 بشكل حصري للاجئين المسجلين في الأمم المتحدة الذين حصلوا على موافقة من إدارة الهجرة الأمريكية لتوطينهم في البلاد.
على أن يُتاح اعتبارًا من يونيو/حزيران القادم – للمواطنين الأمريكيين والحاصلين على الإقامة والحماية المؤقتة – إمكانية تسجيل أنفسهم كرعاة لأجل استجلاب أقاربهم أو معارفهم بعد استيفاء الطرفين للشروط التي تم الإشارة لها.
كما يفضل المسارعة في اغتنام الفرصة للراغبين في الاستفادة من البرنامج، إذ لا توجد ضمانات على استمراريته، فقد يتوقف مباشرة إذا حدث تغيير في قيادة الولايات المتحدة نتيجة لانتخابات عام 2024، فالإدارات الديمقراطية أكثر تعاطفًا وتساهلًا مع المهاجرين واللاجئين، على عكس الجمهوريين، نتذكر هنا أن الرئيس السابق دونالد ترامب حظر مواطني 7 دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة، وتم إلغاء القرار فور هزيمته في الانتخابات الأخيرة، كما حاول ترامب إيقاف برنامج الهجرة العشوائية الشهير بـ”اللوتري” لكن الوقت لم يسعفه.