ترجمة حفصة جودة
يمكنك أن تقول ما تريده بشأن المتطرفين الذين يحكمون “إسرائيل”، لكن يجب أن تستمع جيدًا لما يقولونه، فعلى عكس شريكهم في التحالف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فهم صريحون بشأن عنصريتهم وتعصبهم.
هؤلاء الصريحون في وقاحتهم يقولون ما يفكرون به ويفعلون ما يقولونه، قد تكون رؤيتهم فظة وكارثية، لكن صراحتهم تكشف أسطورة “إسرائيل” العلمانية الليبرالية المستنيرة.
أحد هؤلاء المتطرفين بتسلئيل سموريتش وهو رئيس الحزب الصهيوني الديني ووزير مالية “إسرائيل” الجديد، بعد انتشار تسجيل له على الملأ يعترف فيه بفاشيته، رد بسخرية قائلًا: “ربما أكون يميني متطرف وعنصري وفاشي ولدي رهاب للمثلية، لكنني أفي بوعدي”.
هذا صحيح وأكثر، فهو ورفاقه المتعصبون يؤمنون بعدة أشياء.. أولًا: لا يمكن أن تكون “إسرائيل” يهودية وديمقراطية في الوقت نفسه، ثانيًا: لـ”إسرائيل” حقوق حصرية على ما يسمونه “أرض إسرائيل” (فلسطين التاريخية)، وثالثًا: يجب أن تحترس “إسرائيل” من طرق الليبرالية الغربية وترفض الأوامر والاقتراحات الأمريكية.
لنتحدث عن تلك المعتقدات واحدة تلو الأخرى.
يندب المتعصبون اليوم فشل الصهاينة الأوائل في التخلص من جميع السكان الفلسطينيين في الدولة اليهودية، فهم يعتقدون أن أجدادهم كانوا محقين بطرد مئات آلاف الفلسطينيين من عام 1947 وحتى 1949، لكنهم أخطأوا بالسماح لأقلية منهم بالبقاء، والسماح لهذه الأقلية بزيادة أعدادها ونفوذها، لذا ماذا يفعلون بشأن ذلك؟
يعتقد المتعصبون الإسرائيليون أن الغاية تبرر الوسيلة عند القتال من أجل الإله، يتضمن ذلك التهويد القسري للقدس ومواقعها المقدسة بما في ذلك المسجد الأقصى
قال الحاخام مائير كاهانا، المعلم الراحل للعديد من متعصبي اليوم في كتابه الذي صدر عام 1980 بعنوان “يجب أن يرحلوا”، إن الفلسطينيين سرطان في جسد الدولة اليهودية ولا بد من استئصاله بكل الوسائل.
يعتقد أتباعه اليوم مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أيضًا أن “إسرائيل” أفضل من دون المواطنين الفلسطينيين، لكنهم يرون أنه إذا أصبح وجود الفلسطينيين أمرًا واقعًا، فيجب أن يكونوا فقط مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة ويتعهدون بولائهم التام لأسيادهم اليهود.
وعلى عكس شريكهم السياسي والإيدولوجي نتنياهو الذي مرر القانون العنصري الذي يقول إن “إسرائيل دولة قومية لليهود” في 2018 لكنه ما زال يروج للشعار السخيف “دولة يهودية وديمقراطية”، فإن أتباع كاهانا يتباهون بالسيادة اليهودية في “الدولة اليهودية”.
في الحقيقة، وكما قال كاهانا “هؤلاء الذين يرفضون إعطاء العرب هذا الحق لكنهم يقولون إنهم عادلون يعتقدون أنه أحمق، لكنه ليس كذلك”، بالفعل هو ليس أحمق، فعلى عكس المتعصبين اليهود الذين يعتقدون أن “إسرائيل” يجب أن تكون دولة دينية أو الليبراليين الواهمين المقتنعين بأن “إسرائيل” يمكنها أن تكون دولة يهودية وديمقراطية، يعلم الفلسطينيون العرب أنه على “إسرائيل” أن تكون ديمقراطية حقًا لتكون في سلام مع نفسها وجيرانها.
يأخذنا ذلك إلى النقطة الثانية، فمثل جميع المتعصبين الدينيين، يعتقد المتعصبون الإسرائيليون أن الغاية تبرر الوسيلة عند القتال من أجل الإله، يتضمن ذلك التهويد القسري للقدس ومواقعها المقدسة بما في ذلك المسجد الأقصى – ثالث الحرمين الشريفين – وبغض النظر عن العواقب الكارثية لذلك، فإن السلام والتعايش سيكونان بعيدا المنال.
على عكس الجموع الإسرائيلية العلمانية السائدة المتيمة بأسلوب الحياة الأمريكي، يرفض المعسكر الديني تأثير الليبرالية الأمريكية على “إسرائيل” وطريقة حياتها
جدير بالذكر أنه “لا جديد بشأن استيلاء المنتصرين اليهود على المواقع المقدسة للمسلمين” على حد تعبير نائب عمدة القدس الغربية السابق ميرون بنفينستي، هذا وإن دل على شيء فإنه يدل على أن المتعصبين الجدد يبدأون ببساطة من حيث انتهى أجدادهم الصهاينة، لكن بحماس ديني أكبر.
بالجمع بين اليهودية المسيحية والعجرفة الإسرائيلية، تشتد عزيمة هؤلاء المتطرفين ويصبحون خطرًا، فهم صريحون بشأن تعمق الاحتلال وزيادة أعداد المستوطنات اليهودية غير الشرعية وضمهم جميعًا في النهاية بغض النظر عن عواقب ذلك.
وعلى عكس نتنياهو المتلاعب، فإنهم لا يشعرون بحاجة إلى الكذب أو تبرير عدم اهتمامهم بالدبلوماسية والسلام مع الفلسطينيين، فبعضهم يرغب في نهاية هذا العصر لتمهيد الطريق لظهور “مملكة السماء”.
ليس مفاجئًا إذًا رفضهم للقانون الدولي وعملية السلام بأكملها بشأن حل الدولتين، التي يواصل مؤيدو “إسرائيل” الغربيون الترويج لها، إما عن حماقة وإما عن خداع.
هنا تأتي النقطة الأخيرة، على عكس الجموع الإسرائيلية العلمانية السائدة المتيمة بأسلوب الحياة الأمريكي، يرفض المعسكر الديني تأثير الليبرالية الأمريكية على “إسرائيل” وطريقة حياتها.
هذا التطرف الإسرائيلي حصاد عقود من الحرب والاحتلال والاستعمار
هؤلاء المتعصبون يريدون مملكة وليس جمهورية، يريدون أن تعيش “إسرائيل” وفقًا للقانون والعرف اليهودي وليس الليبرالية الغربية أو القيم العالمية في الأمور المتعلقة بالجنسانية والنوع والعائلة.
ورغم أنهم يحصلون على مساعدات مالية هائلة من الولايات المتحدة، فإنهم يعتقدون أن الخلاص اليهودي في أرض “إسرائيل” يجب أن يكون توراتيًا وليس أمريكيا أو ليبراليًا، ويصرون على إخضاع المحكمة العليا الليبرالية في البلاد إلى هوى الأغلبية البرلمانية التي ينتمون إليها.
يقول الصحفي الإسرائيلي آري شافيت في كتابه “أرضي الموعودة”: “لا عجب إذًا في معارضة الليبراليين الإسرائيليين لوجود المتعصبين في السلطة، فهم يعتقدون أنهم يحولون “إسرائيل” إلى “أسبرطة” المنعزلة المتعصبة المريبة”، لكن معظمهم يركزون فقط على الأجندة الداخلية للحكومة ويتجاهلون عنف الاحتلال، إنها أنانية وقصر نظر وحماقة أيضًا.
هذا التطرف الإسرائيلي حصاد عقود من الحرب والاحتلال والاستعمار، يستمد المتعصبون والفاشيون اليهود قوتهم وحماستهم من مهمتهم المسيحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث وسعوا من قاعدة قوتهم على حساب الفلسطينيين.
لكي نوقف هؤلاء المتعصبين، يجب على الإسرائيليين والأمريكيين المهتمين وغيرهم القيام بكل ما يلزم لإنهاء استعمار فلسطين أولًا وقبل كل شيء، إنه الاحتلال أيها الأغبياء.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية