أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا يحمل رقم 17 لسنة 2023 بتخصيص الأراضي الصحراوية بعمق كيلومترين على جانبي 31 طريقًا جديدًا لصالح القوات المسلحة، وينص على ألا يمس ذلك التخصيص بالتصرفات التي قامت بها أجهزة الدولة قبل تاريخ العمل بهذا القرار على المساحات الواقعة في هذه الأراضي.
القرار المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 23 يناير/كانون الثاني 2023 أناط “بالهيئة العامة للتخطيط العمراني بالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة الانتهاء من المخططات الإستراتيجية اللازمة لتنمية تلك المساحات خلال سنة من تاريخ العمل بهذا القرار” فيما عدا الأراضي التابعة لولاية أو إشراف أو إدارة جهات الدولة المعنية.
ليست هذه المرة الأولى التي يُصدر فيها قرارات بتخصيص أراضي الدولة للمؤسسة العسكرية، وهو التوجه الذي حرص عليه النظام الحاليّ منذ توليه السلطة في 2014، فقد أصدر السيسي العديد من القرارات السابقة في هذا الشأن، واضعًا معظم طرق وممرات الدولة في قبضة الجيش، وهو ما أثار غضب وحفيظة المحللين والخبراء من تبعات هذا التغول على حق الشعب وتحويل البلاد إلى ملكية خاصة للمؤسسة العسكرية أيًا كانت المبررات.
وتأتي تلك الخطوة بعد أيام قليلة من الشروط التي نشرها صندوق النقد الدولي للموافقة على منح مصر القرض الأخير بقيمة 3 مليارات دولار، التي قال إن القاهرة وافقت عليها بأكملها، وكان من بينها تخارج الجيش عن الاقتصاد تدريجيًا ومنح القطاع الخاص فرصة للتشاركية الفعالة، لتطل عدة علامات استفهام برأسها باحثة عن إجابة بشأن دلالات هذا القرار في هذا التوقيت.
15 ألف كيلومتر مربع في قبضة الجيش
وفق قرار التخصيص سيتم نقل ملكية طرق بأطوال 3696 كيلومترًا، بمساحة 14 ألفًا و784 كيلومترًا مربعًا، إلى الجيش، وتضم قائمة تلك الطرق العديد من المسارات المحورية الرئيسية منها مثلًا: الطريق الدائري الأوسطي من تقاطع العين السخنة إلى طريق الأوتوستراد في القاهرة بطول 23 كيلومترًا، وطريق أسيوط الغربي من الجيزة إلى أسيوط بطول 374 كيلومترًا، وامتداد محور 30 يونيو الجنوبي من طريق الصالحية حتى طريق الزعفرانة بطول 229 كيلومترًا، وطريق جنيفة من مدينة الشروق إلى طريق نفق أحمد حمدي بطول 81 كيلومترًا، ووصلة نفق الشهيد أحمد حمدي بطول 4 كيلومترات.
كذلك يشمل القرار ضم وصلة المنيا – رأس غارب بطول 55 كيلومترًا، وطريق سفاجا – مرسى علم بطول 221 كيلومترًا، وامتداد محور الضبعة حتى طريق مطروح – سيوة بطول 132 كيلومترًا، وطريق سيوة – عين دالة بمطروح بطول 113 كيلومترًا، وطريق عين دالة – البويطي الرابط بين الجيزة ومطروح بطول 281 كيلومترًا، وامتداد محور جنوب الفيوم (من وصلة العلمين إلى طريق البترول) بطول 225 كيلومترًا.
بجانب الطريق الرابط بين محافظات الإسماعيلية والسويس وشمال سيناء وجنوب سيناء بطول 165 كيلومترًا، وطريق بئر العبد – نخل بشمال سيناء بطول 146 كيلومترًا، وطريق الحسنة – نخل بشمال سيناء بطول 62 كيلومترًا، وطريق رأس سدر – الإسماعيلية بطول 171 كيلومترًا، وطريق بغداد – العريش بشمال سيناء بطول 56 كيلومترًا، وطريق القصيمة – رأس النقب الرابط بين شمال وجنوب سيناء بطول 161 كيلومترًا.
ومن الشرق إلى الجنوب حيث محور سمالوط في المنيا بطول 51 كيلومترًا، ومحور عدلي منصور ببني سويف بطول 4 كيلومترات، ومحور كلابشة في أسوان بطول 50 كيلومترًا، ومحور شمال الأقصر بطول 18 كيلومترًا، ومحور منفلوط في أسيوط بطول 40 كيلومترًا، ومحور ملوي في المنيا بطول 72 كيلومترًا، ومحور جرجا في سوهاج بطول 6 كيلومترات.
وكان لسيناء نصيب من تخصيص طرقها الرئيسية كذلك حيث شمل القرار طريق العوجة – الشيخ زويد بشمال سيناء بطول 47 كيلومترًا، وطريق رفح – طابا الرابط بين شمال وجنوب سيناء بطول 223 كيلومترًا، وطريق شرم الشيخ – طابا بجنوب سيناء بطول 203 كيلومترات، وطريق جنوب نويبع – سانت كاترين بجنوب سيناء بطول 164 كيلومترًا، وطريق رأس النقب – السويس بطول 230 كيلومترًا، وطريق العوجة – الحسنة بشمال سيناء بطول 82 كيلومترًا، ومحور بني مزار بالمنيا بطول 7 كيلومترات.
تخصيص أملاك الدولة للجيش.. عرض مستمر
قرار تخصيص الطرق هذا ليس الأول من نوعه، فالأعوام الست الماضية شهدت عدة قرارات من هذا النوع، لعل أبرزها القرار رقم 380 لسنة 2019 الذي نشرته الجريدة الرسمية في 4 أغسطس/آب 2019 بشأن إعادة تخصيص 47 جزيرة ناحية محافظة البحر الأحمر لصالح القوات المسلحة، باعتبارها أراضٍ إستراتيجية ذات أهمية عسكرية.
ورغم أن القرار في نصه يشير إلى أن دوافع التخصيص ترجع للأهمية العسكرية والأمنية لتلك الجزر، فإنه أشار في الوقت ذاته إلى نصوص أتاحت استغلال كثير من تلك الجزر للأغراض الاستثمارية والسياحية، وهو ما يخرج القرار من مضمونه الحقيقي الذي على أساسه اتُخذ، هذا بخلاف أن معظم تلك الجزر محميات طبيعية بموجب قرارات حكومية سابقة، وبالتالي فهي خاضعة لقانون المحميات الطبيعية ولا يجب أن تعامل كملكية خاصة كما نص القرار بمنحها للجيش.
وفي 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 أصدر السيسي قراره الذي حمل رقم 506 لسنة 2018 بالموافقة على إعادة تخصيص 891.21 فدان من الأراضي المملوكة للدولة بمحافظة القاهرة لصالح القوات المسلحة، مع إيداع حوافظ بالأبعاد والمساحات التفصيلية للأراضي محل القرار بمأمورية الشهر العقاري المختص، وهو القرار الذي يهدف بحسب نصه إقامة منطقة استثمارية لشركة ميناء القاهرة الجوي داخل حدود مطار القاهرة الدولي، تلك المنطقة الإستراتيجية المحورية في خريطة الاستثمارات المصرية.
وفي 2017 أصدر السيسي حزمة قرارات تخصيص أملاك الدولة لصالح الجيش، منها نقل 142 ألف فدان في منطقة شرق العوينات، الواقعة بالواحات الداخلة في محافظة الوادي الجديد، فضلًا عن مساحة تناهز 16 ألف فدان في محافظة مطروح غرب محور الضبعة، وفدانين اثنين بالوادي الجديد لإنشاء محطة وقود، و361 فدانًا بمطروح، ومساحات ببني سويف، وخمسة أفدنة لإنشاء منتجع الجلالة العسكري بهضبة الجلالة، وثمانية آلاف فدان بجرزا بأكتوبر.
كما نقل الرئيس المصري كيلومترين كاملين في عمق الصحراء على جانبي 21 طريقًا جديدًا، لصالح وزارة الدفاع عام 2016، وقبل ذلك تخصيص 133 فدانًا في منطقة إدكو شمال محافظة البحيرة، وإعادة تخصيص حديقة الأسرة بالقاهرة الجديدة بالكامل للجيش بالمنشآت التي عليها، ثم في عام 2015 أي بعد عام واحد فقط على ولايته الأولى أصدر قرارًا بتخصيص مساحاتٍ مملوكة للدولة شرق قناة السويس في محاذاة الإسماعيلية، للجيش.
تخصيص الأراضي الصحراوية للجيش جاء كنتيجة مباشرة لحالة التململ بالجيش من ضغوط صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى، إلى جانب دولة الإمارات، لإتاحة بعض شركات الجيش للقطاع الخاص أو الطرح في البورصة، وهذا ما يرفضه قطاع مؤثر في المؤسسة العسكرية المصرية حسب المصادر المحيطة بهذا. pic.twitter.com/fPcCxSYdbO
— Dr.Sam Youssef Ph.D.,M.Sc.,DPT. (@drhossamsamy65) January 31, 2023
ما علاقة صندوق النقد الدولي؟
لا يمكن قراءة القرار بمعزل عن الشروط التي نشرها صندوق النقد الدولي في العاشر من الشهر الجاري وأقرتها القاهرة فيما يتعلق بسياسة تخارج الجيش من الاقتصاد الوطني عبر تقليص سيطرة الشركات التابعة للدولة، خاصة تلك المملوكة للمؤسسة العسكرية على الساحة الاقتصادية، وكان هذا الشرط بمثابة أول اعتراف رسمي من المؤسسة الدولية بتعاظم نفوذ الجيش المصري اقتصاديًا وما لذلك من مخاطر كبيرة على الاقتصاد المصري بالكلية بما يعجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها فيما يتعلق بسداد القروض وديونها الخارجية.
وبلغت حصة الجيش في الاقتصاد المصري ما بين 25-40% تقريبًا وفق بعض التقديرات في الوقت الذي يقول فيه السيسي ونظامه أن النسبة لا تتجاوز 2-3% من حجم الاقتصاد المصري، فيما نقل “نون بوست” في تقرير سابق له عن أستاذة التاريخ في أوبرلين كولدج والجامعة الأمريكية في القاهرة، زينب أبو المجد، قولها إن الجيش المصري يمتلك أكثر من 35 مصنعًا ضخمًا يعملون في الأنشطة المدنية وليست الدفاعية، بما يتنافى مع سياسة التحرير الاقتصادي التي تعهدت القاهرة بالالتزام بها، ما يضع مصر في منطقة غامضة، وسط بين الاقتصاد النيوليبرالي والاشتراكي، ويحولها إلى “سوق ملتبسة” بحسب وصفها.
التقرير استعرض 4 هيئات رئيسية تابعة للمؤسسة العسكرية تهيمن بشكل كبير على مخارج ومداخل الاقتصاد الوطني المصري وهي: جهاز مشروعات الخدمة الوطنية والهيئة العربية للتصنيع والهيئة القومية للإنتاج الحربي، وأخيرًا الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، حيث تهيمن تلك الجهات على معظم الصناعات الغذائية والتعدينية والزراعية والتجارية ومجالات الطاقة والوقود وصناعة السيارات والمعادن وغيرها.
تخصيص الاراضي للجيش قد تكون لتعويضهم عن شركات الجيش التي سيضطر السيسي لبيعها.ولذلك سننتهي لوضع كارثي.اجانب يملكون كل شركات مصر وعسكر يملكون كل الارض ولا عزاء للشعب
— Adam (@Adam34789950) January 29, 2023
هناك قراءتان لقرار التخصيص الأخير، القراءة الأولى تذهب إلى محاولة الالتفاف على شروط الصندوق بما لا يؤثر على نفوذ الجيش في الاقتصاد، فمع التزام المؤسسة العسكرية بتخارج الشركات التابعة لها من الأنشطة الاقتصادية المدنية، تنفيذًا لتعهدات الصندوق، يكون بالتوازي توسيع الهيمنة على الأراضي وأملاك الدولة وتوظيفها مستقبلًا في مشروعات جديدة تُبقي على السيطرة العسكرية على المشهد.
أما القراءة الثانية فهي التعبير عن حالة التململ من تدخل الصندوق في نشاط المؤسسة العسكرية المصرية، واشتراط تخارجها عن الاقتصاد وتقليص نفوذها، لذا جاء القرار سريعًا ردًا على هذا التدخل بما يعطي رسالة ضمنية للموقف الرافض لهذا التوجه الذي تتبناه المؤسسة الدولية.
تخصيص أملاك الدولة للجيش مسلسل دائم العرض، قبيل الصندوق وفي أثنائه، ومن المتوقع أن يكون بعده كذلك، إذ من الواضح أن هناك إصرارًا من السلطات الحاكمة في مصر على التعامل مع موارد البلاد وأملاك الشعب كأنها ملكية خاصة، تُمنح للقوات المسلحة دون غيرها، بما يعزز نفوذها المتصاعد على حساب القطاع الخاص الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة في ظل غياب التنافسية أمام الغول العسكري الذي يهيمن على الساحة برمتها من خلال الامتيازات الممنوحة له، وهي المسألة التي يتوقع كثيرون أن تحمل شهادة الوفاة الرسمية للدولة المصرية، اقتصاديًا وسياسيًا.