منذ تصريح وزير الخارجية الأمريكي “جون كيري” الذي قال فيه إن هناك دول عربية في الشرق الأوسط (لم يسمها) مستعدة لدخول تحالف إقليمي لمكافحة الجماعات “المتشددة ” حسب وصفه، كما وضح أن من بين تلك الجماعات التي وصفها بالمتشددة الحركات التي تقف في وجه عرقلة المشروع المطروح للسلام مع الكيان الصهيوني، هذا التصريح كان تلميحًا.
وفي تصريح آخر فقد أكد أن أهم المساهمات التي يمكن أن تقدمها الدول العربية في هذا الصدد هي الضغط على حماس لوقف إطلاق الصواريخ والموافقة على حكومة فلسطينية موحدة تكون مقبولة كشريك في عملية السلام مع إسرائيل.
الأمر يثير في الأذهان أن هناك إيعاز أمريكي لدول بعينها في منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر تماسًا مع القضية الفلسطينية لتشكيل تحالف ضاغط على حركة حماس كحركة مقاومة، إن لم يتم تقليم أظافرها المتمثلة في جناحها العسكري فعلى الأقل تقبل بعملية سلام غير مشروطة من جانبها يتم إدماجها فيها كفصيل سياسي لا فصيل مقاوم، هذا ما تعنيه الولايات المتحدة لحفظ أمن إسرائيل الذي تتعهده أمريكا بالرعاية الدائمة.
وحينما تريد أن تتوقع محورًا من الدول العربية لحلف كهذا يُعلن ضد المقاومة فلن تستطيع الخروج ولا التنبؤ إلا بتلك الدول كأحد الملاصقين للقضية منذ نشأتها (مصر، الإمارات، السعودية، الأردن، قطر)، ويجب عليك أن تستبعد الدولة القطرية التي تشبه “جزرة” أمريكا في الشرق الأوسط والتي تجلعها دائمًا آخر خيارات الاستيعاب في حال فشلت الحلول التي تنتهج الإخضاع بالقوة والتي دائمًا ما كانت تفشل مع حماس في آخر ثلاث حروب على الأقل في قطاع غزة المحاصر بقوة الإخضاع أيضًا، فالعلاقات القطرية الحمساوية تستبعد أي ضغط يمارس من قبل قطر على حماس، بل إن الموقف يقول إن قطر ستكون ظهيرًا لحماس في حال قررت الدول العربية دخول هذا المنحنى في علاقاتها مع الحركة الفلسطينية.
الأمر نفسه على النقيض تمامًا من مصر التي لا تخفي عداءً لحماس (الامتداد الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين في مصر والتي تشن السلطات المصرية حملة عليها منذ انقلاب الثالث من يوليو عام 2013)؛ فنالت حماس نصيبًا وافرًا من هذه الحملة الإعلامية والأمنية بعد الزج باسم الحركة في المشهد السياسي كفصيل عدو يُتهم بالتخابر معه، كما تتهمه الدولة المصرية بانتهاك السيادة المصرية في أكثر من قضية منظورة أمام القضاء، يأتي هذا بالتزامن مع التنسيق العلني من قبل السلطات المصرية مع إسرائيل في ظل توافق للمصالح الإسرائيلية المصرية بشكل غريب حتى إن القاهرة لا تخفيه ولا العبرية أيضًا.
فالحصار الذي يطال قطاع غزة من الجانب المصري يعتبر عقابًا جماعيًا بسبب خلافات أيديلوجية تفرضها أجندة مصر في هذه الفترة، كذلك الحاجة إلى استدعاء فزاعة الإرهاب كل حين للأهداف السياسية التي ترهب المواطنين لإلهائهم عن حاجاتهم الأساسية المهدرة باسم الحرب على الإرهاب، بينما قامت مصر على الصعيد الأمني بسد متنفسات الأنفاق عن القطاع بطلب إسرائيلي لوقف تسليح حماس ولم تسمح حتى بما سمح به المخلوع مبارك من ترك لأنفاق الأطعمة والمستلزمات المعيشية في وضع هو أعلى درجات التنسيق الأمني والسياسي مع إسرائيل طوال تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
ظهر تباين الموقف المصري بوضوح في حالات الحرب التي قامت في عهد الرئيس السابق “محمد مرسي” والرئيس العسكري الحالي “عبد الفتاح السيسي” الذي وضع مصر في تحالف يريده لتعضيد حكمه داخليًا فلا يستبعد بأي حال من الأحوال الدخول في حلف إقليمي ضد حركة مقاومة تكملة للاستغلال السياسي للظروف.
وبالانتقال مرة أخرى لرصد المشهد الخليجي تجاه حركة حماس، فقد نجد مشهد مغاير من دولة كالإمارات التي أخذت على عاتقها دخول حربًا مفتوحة غير معلنة الأسباب ضد حركات الإسلام السياسي في المنطقة بأسرها وقد تكون حربًا بالوكالة.
العلاقات الإسرائيلية الإماراتية إبان حرب غزة لم تخل من الشكوك، حيث ذهب البعض إلى أن إسرائيل دخلت حربًا بالوكالة عن دول عربية لا تريد حماس في سلطة القطاع، كما أن الإمارات وتاريخها مع حماس ليس على ما يرام لاسيما في قضية اغتيال القيادي الحمساوي “محمود المبحوح”، كما أن الإمارات مازالت تؤوي “محمد دحلان” القيادي المفصول من حركة فتح وأحد المطلوبين أمنيًا لدى كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، إذ إنه أحد الشخصيات المحرضة على القطاع وعلى الحركة ومن المعتقد أنه ينسق مع الأجهزة الاستخباراتية المصرية في شأن قطاع غزة، وقد يمثل أحد أذرع الإمارات في محاولة الانقضاض على حماس في القضية الفلسطينية.
وإذا أتينا إلى الموقع السعودي من حماس فإنه باهت للغاية حيث إن وساطات السعودية اختفت في قصة المصالحة وبات طرف السلطة الفلسطينية أقرب إليها من حركة حماس التي لا تحتفظ بأي علاقات سياسية مع المملكة بعد أن أعلن “محمود عباس” المعروف بقربه من العاهل السعودي، قطاع غزة إقيلمًا متمردًا على السلطة، فقد اكتفت السعودية إبان الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة بالشجب والإدانة وتحميل حماس مسؤولية الحرب بطريقة خفية في خطابها الضبابي تجاه قضية غزة؛ فالأمر غير مستبعد إطلاقًا من زعيمة الدول الخليجية التي سرعان ما دخلت في تحالف ضد تنظيم الدولة “داعش” وهي مستمرة بحظر أنشطة الإخوان المسلمين على أراضيها في ظل الهجمة الخليجية على الجماعة؛ فعلاقة حماس بالسعودية قد يمكن تفسيرها من خلال تلك المحددات.
أما الأردن فقد مرت علاقتها بحماس بعدة منحيات كانت أقرب لتقاطع المواقف أحيانًا والقطيعة أحيانًا أخرى؛ فنظرًا لشعبية التيار الإسلامي في الأردن بالإضافة لقرب الأدرن من قضية الضفة الغربية، وبعض المحددات التي جعلت الأردن تستقبل حماس كفصيل مقاوم، وتدخلات الملك حسين للإفراج عن الشيخ أحمد ياسين بأكثر من مرة؛ كان خيار الأردن في هذا كله هو جعل حماس حركة نفوذ لدى الأردن لاستخدامها في الشأن الفلسطيني، لكن سرعان ما انتهى هذا التوجه الأردني تجاه الحركة بسبب الضغوطات الإسرائيلية والأمريكية والانتقال لمربع العلاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية – أي تبني وجهة نظر الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية -، واتهمت حينها الأردن حركة حماس باستغلال أراضيها لتنفيذ عمليات مسلحة تجاه إسرائيل.
ومما زاد أمر القطيعة بين حماس والأردن معاهدة السلام التي وقعتها الأردن مع إسرائيل في عام 2004 والتي ساهمت في توسيع الهوة بين الأطراف؛ ما جعل جميع محاولات استعادة العلاقات بين الأردن وحماس صعبة حتى هذه اللحظة بالرغم من التحسن الطفيف الشكلي في العلاقة بين الطرفين في الآونة الأخيرة عقب ثورات الربيع العربي، لكن الأمر بات أصعب بعد انضمام الأردن لتحالف الولايات المتحدة كلاعب رئيسي ضد تنظيم الدولة، ويبدو أن الولايات المتحدة تريد توسيع إطار الحرب في الشرق الأوسط ليس على داعش فقط وإنما ذكرت فصائل مسلحة بالثورة السورية ولمحت إلى حركة حماس وإلى إمكانية قيام تحالف ضدها هي الأخرى، بالإضافة إلى جماعات أخرى في بقاع مختلفة وصفتها بالمتشددة.
ما يوحي أن الولايات المتحدة تريد فرض رؤيتها لعملية السلام المزعومة مع إسرائيل بالقوة العربية حيث إن إسرائيل فشلت في هذه المهمة، فلربما أردت الولايات المتحدة توكيلها لدول تخوض الحروب ضد جماعات الإسلام السياسي تحت اسم الإرهاب لحماية أنظمتهم من التغيير وذلك بعض فشل استبعاد حماس من المعادلة الفلسطينية مطلقًا، فقد تكون هذه الدول هي الأقرب للدخول في مثل هذا التحالف الصهيوأمريكي الذي يستهدف حركة حماس للقضاء عليها أو على الأقل الوصول لصيغة تفاهم معاها تحت وطأة حصار عربي.