منذ صعود حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 الماضي، تعمل أحزاب الصهيونية الدينية على إقرار قوانين ذات طابع عنصري، تستهدف من خلالها الوجود الفلسطيني في المجتمع العربي المحتل عام 1948.
ويروّج وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، في الفترة الأخيرة لقانون إعدام الأسرى الفلسطينيين منفّذي العمليات عبر الكرسي الكهربائي، بالإضافة إلى قانون سحب الجنسية وترحيل الأسرى الفلسطينيين الذين يحملون الهوية “الزرقاء” من فلسطينيي عام 1948 أو سكان القدس المحتلة.
ويأتي سنّ القانون الذي تمَّ التصويت عليه بالقراءة الأولى من قبل الكنيست الإسرائيلي، كجزء من محاولات دولة الاحتلال الإسرائيلي محاربة الأسرى من الداخل الفلسطيني والقدس، وإيجاد “مسوّغ قانوني” لترحيلهم إلى أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، أو إلى قطاع غزة، كما كان حال مجموعة كبيرة من الأسرى الذين أُفرج عنهم في صفقة جلعاد شاليط، ونفاهم الاحتلال بعد تحريرهم إلى قطاع غزة.
وبرزت حاجة دولة الاحتلال إلى هذا القانون العنصري الجديد المناهض للقانون الدولي، بعد فشل ترحيل الأسيرَين المحرّرَين من سجون الاحتلال، كريم وماهر يونس، من الداخل المحتل، بعد أن قضوا أكثر من 40 عامًا في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.
ويسعى الائتلاف العنصري في دولة الاحتلال والمعارضة، باستثناء النواب العرب، إلى إقرار القانون الجديد بالقراءات الثلاث أيضًا، لإبعاد أي أسير فلسطيني وتبرير أي عملية تحرير مستقبلي بحقّ الأسرى بعد إنهاء مدة اعتقالهم.
وينصّ مقترح القانون أنه في حال ثبت أن أسيرًا فلسطينيًّا، سواء كان من الداخل الفلسطيني أو من القدس المحتلة، قد حصل خلال الأسر على مخصصات وأموال من السلطة الفلسطينية أو جهة أخرى، سيكون ذلك بمثابة تنازل منه عن الجنسية أو مكانته كمقيم دائم.
أما فلسطينيًّا، قُرئ القانون على أنه “بند جديد من أجندة عمليات “الترانسفير” الشاملة، التي تهدف إلى تهجير ومحاربة الوجود الفلسطيني الذي لم يتوقف يومًا ما، إلا أن مساراته اليوم تتسع عبر ابتكار قوانين ومشاريع قوانين عنصرية، شكّلت في السنوات القليلة الماضية أبرز أدوات الاحتلال في محاولته لاقتلاع الفلسطيني من أرضه”.
ورغم محاولة اليسار والوسط الإسرائيليَّين الترويج لفكرة أنهما أقل تطرفًا من الأحزاب اليمينية والدينية في تعاملهما مع الملف الفلسطيني، إلا أن الجلسة الأولى لإقرار القانون شهدت موافقة 89 عضوًا في الكنيست من الائتلاف وأحزاب المعارضة من أصل 120 صوّتوا لصالح القانون.
وكانت أحزاب الليكود والصهيونية الدينية و”عوتسما يهوديت (قوة يهودية)” و”يهدوت هتوراة” من الائتلاف الحاكم، إضافة إلى حزبَين معارضين هما “يش عتيد (يوجد مستقبل)” برئاسة يائير لبيد رئيس الوزراء السابق، و”المعسكر الوطني” برئاسة بيني غانتس، قد دعمت مشروع قانون 89-8 منذ طرحه في منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي.
نتائج وتداعيات.. العنصرية تتمدد
لطالما شكّل الوجود العربي في الداخل المحتل مصدر قلق لقادة دولة الاحتلال، في ظل وصول أعداده إلى نحو مليون و700 ألف فلسطيني، الأمر الذي دفع الاحتلال للسعي نحو تشكيل بنية تحتية قانونية من أجل شرعنة ملاحقة العرب وقمعهم وكبت حرياتهم.
أما القانون الحالي فيأتي ضمن مساعي سلطات الاحتلال تطبيق مفهوم يهودية الدولة، وكل ما يتعارض مع هذا المفهوم تريد وضعه بالخانة الأمنية ليسهل قمعه وملاحقته، لذا فإن القرار يُسهّل قمع الفلسطينيين والتضييق عليهم وعلى حرياتهم ويقوم بسلب حقوقهم الأساسية، وهذا جزء من تطبيق نظام الفصل العنصري، فأصبح لهذا النظام بنية قانونية.
الاتجاه نحو إقرار هذا القانون بقراءاته الثلاثة سيعزز من حالة العنصرية في الاحتلال، وسيسهم في خلق بيئة مضادة يتعزز معها العمل الكفاحي والنضالي
ولا يستبعَد أن يستخدَم هذا القانون لزيادة معدلات الطرد والتهجير، باعتبار أن التعداد السكاني العربي يرعب دولة الاحتلال التي ذهبت نحو بناء منظومة قانونية تستهدف الوجود العربي وتؤدي إلى ترحيلهم، حيث يبدأ باستهداف شريحة من الأسرى ثم تتوسع السياسة لتشمل المجموعات.
ولا يمكن اعتبار هذا القانون إلا امتدادًا للإجراءات التعسُّفية التي يقوم بها الاحتلال بحقّ الفلسطينيين عمومًا، وفلسطينيي الداخل المحتل خصوصًا، وهو ما يتعارض مع الفكرة التي تسعى “إسرائيل” لترويجها عن نفسها بأنها دولة ديمقراطية.
ويمكن القول إن الاتجاه نحو إقرار هذا القانون بقراءاته الثلاثة سيعزز من حالة العنصرية في الاحتلال، وسيسهم في خلق بيئة مضادة يتعزز معها العمل الكفاحي والنضالي ضد الإجراءات والعقوبات التي لم تتوقف الحكومات الإسرائيلية عن اتخاذها.
الأهداف.. ماذا يريد الاحتلال؟
يمكن قراءة القانون الحالي الذي طرحته أحزاب الائتلاف الحكومي العنصري، على أنه يندرج في إطار الحرب ضد الفلسطينيين والسعي لتنفيذ ما ورد في برامجها الانتخابية، خلال الفترة التي سبقت انتخابات الكنيست أواخر العام الماضي.
ويعكس القانون أن المؤسسة الإسرائيلية تتجنّد بالكامل لخدمة سياسة الاحتلال وأهدافه، حتى لو كان ذلك على حساب الحريات والحقوق التي كفلها القانون الدولي، لا سيما أنه يأتي في ظل العجز الواضح في مواجهة المقاومة الفلسطينية.
لا يسمح القانون الدولي بسحب مواطنة من شخص ليظلَّ من دون مواطنة وبلا أي مكانة قانونية، ما يعرّضه للطرد والإخلاء من محله
ويستهدف هذا القانون الذي لو دخل مرحلة التطبيق الحالة الاجتماعية الفلسطينية، ما سينعكس بالسلب على المنفَّذة بحقهم هذه القرارات عبر ترحيلهم وسحب جميع حقوقهم المدنية، رغم أن الاحتلال لطالما سعى للترويج على أن عرب الداخل “الفلسطيني” جزء من دولته المزعومة.
اللافت أن ما يعرَف بـ”سحب المواطنة” التي يسعى وزراء الاحتلال لإقراره موجود منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وكان النصّ تحديدًا ينصّ بسحب المواطنة جرّاء القيام بـ”عمل يخلّ بالولاء لأمن الدولة”، ولم يحدد ماهية الأعمال لسحب الجنسية أو الهوية.
في الوقت ذاته، لا يسمح القانون الدولي بسحب مواطنة من شخص ليظلَّ من دون مواطنة وبلا أي مكانة قانونية، ما يعرّضه للطرد والإخلاء من محله، ورغم ذلك شرعن الاحتلال في أكثر من مرحلة هذا القانون بقرارات قضائية أو تشريعية.
رؤية قانونية.. ماذا يعني القانون؟
خطوة إقرار القانون تأتي في سبيل إعطاء صبغة قانونية لمشروع سحب جنسيات فلسطينيي الداخل، بعد تحرير الأسير كريم يونس الذي حاولت السلطات الإسرائيلية فحص قضية سحب مواطنته، لكنهم وجدوا أنه لا يمكن تفعيل القانون الحالي عليه، ووجب تعديله ليتسنّى تفعيله على الأسرى.
إذ إن الموجود حاليًّا هو قانون ساري المفعول ينصّ على أنه يجوز لوزير الداخلية الإسرائيلي تقديم طلب لسحب جنسية من أُدين بارتكاب مخالفات إرهاب وعدائية ضد الدولة، إلا أن هذا القانون الذي عُدّل عام 2008 لا يمكن تنفيذ سريانه بأثر رجعي على الأسرى الذين اُعتقلوا قبل عام 2008.
أما فيما يخصّ مخصصات أسرى الداخل المالية من السلطة الفلسطينية، فإن ادّعاء تلقي الأموال جاء عمليًّا ليمكن سحب جنسية الفلسطينيين فقط، لأن الأمني اليهودي لن يحصل على أموال من السلطة الفلسطينية، حيث مصدر الأموال ليس هو الموضوع الأساسي.
القانون يعني تطهيرًا عرقيًّا بوتيرة متدرّجة تبدأ بأفراد ثم يتسع نطاقها، وقد يكون تنفيذه جسّ نبض للحالة الفلسطينية
وكانت أموال السلطة ترصَد في حسابات الأسرى داخل السجن لتوفير حد أدنى من الظروف المعيشية كما يحدث اليوم، فهذا مباح قانونيًّا وللسلطة الفلسطينية تعاقد مع شركة تعمل مع مصلحة السجون، إذ يجري إيداع مبلغ 400 شيكل عن كل أسير فلسطيني (أمني ومدني) موجود بالسجن، إلا أنه لا يودع أي شيء في حساب الأسرى من سكّان الداخل الفلسطيني، وهذا ما اشترطه السجن حينما جرى إبرام الاتفاقية لتحويل المبالغ الجماعية كل شهر للسجون.
ومن الناحية القانونية هناك إشكالات عديدة، لأنه حتى وإن مرَّ القانون فلا يمكن أن يسري بأثر رجعي ولا يصحّ ذلك، لأن الحديث عن سلب الجنسية التي هي حق دستوري لا يتمّ المساس به إلا في حالات معيّنة، كما أن القانون يسري فقط على الفلسطينيين، وهذا ما يؤكد أنه تمييزي ولا يهدف إلى منع المساس بأمن الدولة إنما يهدف إلى المساس المباشر بالفلسطينيين.
أما عن الأبعاد السياسية للقانون، فإن هذا القانون يعني تطهيرًا عرقيًّا بوتيرة متدرّجة تبدأ بأفراد ثم يتسع نطاقها، وقد يكون تنفيذه جسّ نبض للحالة الفلسطينية، إذ إن ربط المواطنة والجنسية بعدم تلقّي المخصصات من السلطة الفلسطينية يحظى بتأييد أوسع في نطاق الائتلاف الحاكم.
بالعموم، إن الحالة الفلسطينية خلال الفترة المقبلة ستكون أمام صدام قانوني داخلي ودولي مع الحكومة الإسرائيلية الحالية، في ظل القوانين التي تجيز الإعدام والتطهير العرقي وسحب الجنسيات، وهو ما سيعزز من حالة الصدام.