ترجمة حفصة جودة
في 2018، عندما كنت معلمة متدربة في مدرسة بنيودلهي، قاطعت مديرة المدرسة صفي الذي يضم أكثر من 40 طفلًا، لتسألني إذا كنت أعتقد أن هذا (مشيرة إلى رأسي) مسموحًا به في المدرسة، مكررة هذه الجملة المبتذلة “يجب أن لا يدخل الدين في العمل”، ثم طلبوا مني التوقف عن ارتداء حجابي في المدرسة.
في ذلك الوقت، كان المسلمون بالفعل يُدفعون نحو التهميش في الهند، لذا هذه الحاثة لم تكن مفاجأة، لكن مع دخولنا عام 2023، أصبحت المضايقات بسبب ارتداء الحجاب واقعًا يوميًا للكثير من المسلمات تحت الحكومة الهندوسية القومية بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي.
وفقًا لتقرير صدر مؤخرًا من الاتحاد الشعبي للحريات المدنية، فإن أكثر من ألف فتاة مسلمة في كارناتاكا تركن الكلية وسط حملة ممنهجة لعزل المحجبات عن الهيئات التعليمية، قادت المنظمات الهندوسية هذه الحملة الشرسة ضد الطالبات المحجبات، بدعم من تقاعس الحكومة والشرطة عن اتخاذ أي ردة فعل.
أيدت المحكمة العليا في كارناتاكا حظر الحجاب في المؤسسات التعليمية العام الماضي، ما يحرم هؤلاء الفتيات من حقهن في التعليم.
هذا الجدل بخصوص الحجاب جزء من مخطط أكبر للحزب الحاكم لمزيد من تهميش المجتمع المسلم وتأسيس سيادة هندوسية يرى فيها المسلمون مكانتهم، إنها هجمة ممنهجة على حق المسلمات في التعليم، تؤدي إلى تفاقم التآمر والحد من فرصنا في الصعود.
إنهم يذكروننا باستمرار بالتحديات التي نواجهها كوننا محجبات في عهد مودي، حيث نعيش في بيئة صعبة من التعصب والتمييز وتصاعد التوترات الدينية في مجتمع يحتفي بالتنوع كسمة أساسية في تراثه.
أصبحت المحجبات يواجهن بشكل متزايد عبء تمثيل عقيدتهن والدفاع عن حقهن في ارتداء الحجاب في وجه الرأي العام المعادي والسياسات الحكومية التي تقوض الحريات الدينية
يجب على المحجبات – بمن فيهم أنا – التفاوض بشأن ثقافة ترانا باستمرار مواطنين من الدرجة الثانية، وأقل استحقاقًا للاحترام والكرامة، وسط نمو القومية الهندوسية والأجواء السياسية الحاليّة.
ومن الحرمان من فرص العمل إلى مواجهة الاعتداءات اللفظية والجسدية في الشوارع، أصبح واقع المحجبات في الهند اليوم أبعد ما يكون عن المجتمع المتسامح الذي وعدت به الحكومة، ومع صعود القومية الهندوسية، أصبحت المحجبات يواجهن بشكل متزايد عبء تمثيل عقيدتهن والدفاع عن حقهن في ارتداء الحجاب في وجه الرأي العام المعادي والسياسات الحكومية التي تقوض الحريات الدينية.
التمييز في مكان العمل
أحد أكثر أشكال التمييز شيوعًا ضد المحجبات تحدث في مكان العمل، فقد سلطت دراسة حديثة لمؤسسة “Led By Foundation” الضوء على التمييز الحقيقي ضد المحجبات فيما يتعلق بفرص العمل، مشيرة إلى أنه مقابل كل اثنين متقدمين للعمل من الهندوس يحصلون على فرصة ثانية للمقابلة، تحصل مسلمة واحدة على نفس الفرصة رغم تساوي سيرتهم الذاتية.
إضافة إلى ذلك، تُحرم العديد من المحجبات من فرص العمل أو تتعرضن لمعاملة غير عادلة في مكان العمل بسبب حجابهن، ومن الأمثلة الحديثة لذلك قضية غزالة أحمد الصحفية المحجبة التي حُرمت من وظيفتها في قناة إعلامية رغم خبرتها وجدارتها، فقد أخبرها أصحاب العمل أنها لن تحصل على الوظيفة إذا لم تنزع غطاء رأسها.
تتعرض المحجبات في الهند أيضًا إلى المضايقات اللفظية والعنف الجسدي في الأماكن العامة، فقد شاركت الكثيرات قصصهن من التعرض إلى إهانات وسخرية ومضايقات نفسية فقط لارتدائهن الحجاب.
اضطرت محاضرة في كلية توماكورو للاستقالة من وظيفتها العام الماضي بعد أن طلبت منها إدارة الكلية نزع حجابها، أدى هذا التوجه إلى ارتفاع معدلات البطالة بين المحجبات، ما ينتج عنه المزيد من التهميش.
محجبتان تسيران بجوار الشرطة التي تحرس مدرسة في بنغالور بالهند، بعد فرض حظر الحجاب في المدارس
في بيئة يسود بها التعصب الديني والعنف، أصبح الحجاب هدفًا لقوات الكراهية الهندوسية، فمن السهل استهداف المحجبات، ومع ذلك لا يمكن فصل هذا التمييز عن القضية الأكبر لجرائم الكراهية ضد جميع المسلمين في الهند، أما الحجاب فهو العلامة المرئية للمخاطر التي يواجهها المسلمون يوميًا.
ساهمت هذه البيئة في خلق مشاكل بالصحة النفسية لبعض المحجبات، وسط مخاوف من احتمالية فرض الحظر على الحجاب بشكل كامل في جميع أنحاء البلاد، تشعر الكثيرات بالعزلة والقلق، ويزيد من سوء الموقف الافتقار لحماية الحكومة.
رغم أن الهند دولة علمانية، فقد فشلت الحكومة في اتخاذ موقف صارم ضد التمييز الذي تواجهه المحجبات، وفي بعض الحالات كانت الشرطة متورطة في هذا الانتهاك والتمييز، إما بغض الطرف عما يحدث وإما بالمشاركة فعليًا في ذلك، هذا الأمر جعل الكثيرات من المحجبات يشعرن بالضعف والخوف من الحديث عن ذلك.
عدائية متزايدة
في الهند تحت قيادة مودي، أصبح ارتداء الحجاب أمرًا صعبًا، فنحن نريد أن نتمسك بعقيدتنا، وأن نحصل في الوقت نفسه على الاحترام الذي يحصل عليه بقية المواطنين، لكننا لن نحصل على كليهما معًا.
ورغم هذه التحديات، ما زالت الكثيرات من المحجبات متمسكات بحقهن في الحرية الدينية ويرتدين الحجاب بكل فخر.
حقيقة أنك محجبة تحت حكم مودي أحد أسباب الخوف المستمر، لكنها أيضًا تكشف عن إيمان وعزيمة وصمود راسخين
هذه المضايقات والتمييز الذي نواجهه يعزز الفهم بأن مودي ليس مناصرًا للحرية الدينية والتنوع، لكنه شخصية سياسية يستخدم “حماية النساء” ستارًا لتبرير أعماله القمعية، إن خطاب مودي عن حقوق المسلمات يهدف إلى إبعاد الأنظار عن سياسات حكومته التي تضر بحقوق جميع المسلمين في الهند.
ظهر الحجاب كعلامة مميزة في تلك اللحظة الثقافية، فهو رمز مرئي للاختلاف في هذا البلد الذي يزداد فيه العداء ضد الأشخاص غير المتوافقين مع قيم الأغلبية الهندوسية، فحقيقة أنك محجبة تحت حكم مودي أحد أسباب الخوف المستمر، لكنها أيضًا تكشف عن إيمان وعزيمة وصمود راسخين.
إنها حقيقة مؤسفة أن تضطر الشابات مثل موسكان خان إلى مواجهة المضايقات على أيدي المتطرفين الهندوس، من العار أن تضطر هؤلاء الفتيات للدفاع عن حقهن في الحصول على التعليم ببساطة لاختيارهن ارتداء الحجاب رمز عقيدتهن وهويتهن الثقافية، هذه المعاملة الظالمة دليل على تجاهل الدولة الهندية لحقوق وحريات المسلمات.
كثيرًا ما يُطلب منا الظهور في مناظرات على التليفزيون الوطني ليسألوننا نفس الأسئلة البغيضة المكررة التي يجب أن نجيب عنها بتفسيرات مقنعة وتفصيلية لتبرير قرارنا بارتداء الحجاب، عادةً ما تُسأل المحجبات عن سبب ارتدائهن الحجاب ويجب أن تتوافق إجابتهن مع قائمة محددة مسبقًا.
ترتدي المسلمات في جميع أنحاء العالم الحجاب لأسباب مختلفة، فبعضهن يتمسكن بارتداء الحجاب لأنه مرتبط بعقيدتهن التي فرضها الله، لكن النخبة المثقفة تنفر من فكرة الإلة، ويصبح الأمر على الفور رجعيًا بالنسبة إليهم.
لماذا يجب أن تحاسبنا فئة معينة من المجتمع على ملابسنا وتطلب منا إجابة ترضيهم ولا ترضينا؟ لماذا لا تستطيع المحجبات فقط العيش بأمان وفق شروطهن في “أكبر ديمقراطية بالعالم”؟
المصدر: ميدل إيست آي