بعد أن غابت البحرين عن أهم فعالية دولية شهدتها قطر، وهي استضافة فعاليات كأس العالم، رغم المصالحة الخليجية قبل عامَين، أعلنت بشكل مفاجئ الأسبوع الماضي عن اتصال هاتفي أجراه ولي العهد، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، مع أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ما أنعش الآمال في كسر الجمود بين الجارتَين.
وقالت وكالة الأنباء البحرينية الرسمية إن ولي العهد نقل خلال الاتصال تحيّات الملك حمد بن عيسى إلى الشيخ تميم بن حمد، وتمنياته لدولة قطر بالخير والنماء.
أضافت الوكالة أن الأمير سلمان أكّد خلال الاتصال “على ما يجمع البلدَين والشعبَين الشقيقَين من علاقات أخوية”، معربًا عن أهمية حلّ القضايا العالقة والمحافظة على تماسُك مجلس التعاون.
قمة مصغّرة في أبوظبي
اللافت في الأمر أن الاتصال الهاتفي بين أمير قطر وولي عهد البحرين، جاء بعد أيام من قمة عربية مصغّرة في أبوظبي، جمعت قادة الإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان، إلى جانب الأردن ومصر، وبحثت القمة عدة ملفات أبرزها الأمن والاستقرار في المنطقة بحسب بيانات رسمية.
بعد انتهاء القمة المصغّرة، دوّن أمير قطر على حسابه الرسمي في “تويتر”: “سعدت اليوم باللقاء التشاوري مع عدد من إخواني قادة الدول الشقيقة، والذي ناقشنا خلاله سبل تعزيز التعاون المشترك بين دولنا بما يحقق مصالح شعوبنا، ويدعم الأمن والاستقرار في منطقتنا. شكرًا لأخي الشيخ محمد بن زايد ودولة الإمارات على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة”.
وبعد القمة والاتصال الهاتفي، أكّد عاهل البحرين، الملك حمد بن عيسى، في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي خلال اجتماع لمجلس وزراء بلاده على “أهمية العمل على حلّ كافة القضايا والمسائل العالقة بين البحرين وقطر الشقيقة بما يحقق التطلعات المشتركة لمواطني البلدين ويحافظ على تماسك مجلس التعاون لدول الخليج العربية وأمن المنطقة واستقرارها”، وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء البحرينية الرسمية “بنا”.
سعدت اليوم باللقاء التشاوري مع عدد من إخواني قادة الدول الشقيقة، والذي ناقشنا خلاله سبل تعزيز التعاون المشترك بين دولنا بما يحقق مصالح شعوبنا، ويدعم الأمن والاستقرار في منطقتنا.
شكرا لأخي الشيخ محمد بن زايد ودولة الإمارات على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة. pic.twitter.com/uZhqVIn3my
— تميم بن حمد (@TamimBinHamad) January 18, 2023
ما سرّ “القضايا العالقة” التي تتحدث عنها البحرين؟
يُلاحظ أنه رغم أن المنامة هي التي تتودد إلى الدوحة، وتبدو متلهفةً إلى تسريع خطوات استعادة العلاقات، فإن الحديث البحريني عن وجود “قضايا عالقة” بين البلدَين يجب حلّها مستمر ومتواصل.
تكررت هذه العبارة خلال الخبر الذي أوردته وكالة الأنباء البحرينية الرسمية عن الاتصال الهاتفي الذي أجراه ولي عهد البحرين مع أمير قطر، وكذلك وردت في تصريح الملك حمد الذي جاء أثناء ترؤُّسه الاجتماع الاعتيادي الأسبوعي لمجلس الوزراء البحريني في قصر القضيبية.
قطر تعاملت ببرود مع طلبات حكّام البحرين
وفقًا لموقع “مرآة البحرين”، فإن ولي العهد الأمير سلمان بن حمد اتصل هاتفيًّا بأمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وأبلغه استعداد البحرين “للعمل على حلّ كافة القضايا والمسائل العالقة”، إلا أن ردَّ الأخير كان باردًا.
وأضاف تقرير الموقع المحسوب على المعارضة البحرينية: “كما فعل مع أبيه على هامش قمة الأمن والتنمية التي انعقدت في جدة (يوليو/ تموز الماضي)، فعل الشيخ. لم يتفاعل مع محاولاته لفتح باب للمناقشات، وانتهى الاتصال سريعًا”.
يلاحِظ الموقع أنه في حين أذاعت وكالة أنباء البحرين ووسائل الإعلام الحكومية في المنامة خبر اتصال ولي العهد بأمير قطر، تجاهلت وسائل الإعلام الرسمية القطرية الخبر، واهتمّت باستقبال الأمير لملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين، الذي تمَّ ربطه بمبادرات لتقريب وجهات النظر بين الجانبَين.
ويعتقد التقرير أن القضايا العالقة -التي أبدى الملك وولي عهده استعدادًا لمناقشتها وحلها- يأتي على صدارتها ردّ الاعتبار لقطر وللمتهمين البحرينيين في “قضية التخابر”.
إذ أصدرت محكمة الاستئناف العليا في البحرين، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، حُكمًا بالسجن المؤبد بحقّ 3 مدانين في قضية “التخابر مع دولة قطر لارتكاب أعمال إرهابية”، وصدر الحكم بالمؤبد حضوريًّا بحقّ الشيخ علي سلمان، رئيس جمعية الوفاق، فيما أُدين شريكاه حسن جمعة السلطان وعلي الأسود غيابيًّا.
كما حُكم بالسجن لـ 5 سنوات على رئيس جمعية الصيادين، الراحل وحيد الدوسري، في القضية نفسها، وأُخرج من السجن بعد تدهور حالته الصحية إلى أن تُوفي في أبريل/ نيسان 2021.
فهل البحرين مستعدة لإنهاء هذه القضية التي فُبركت للزجّ باسم قطر منذ تاريخ الأزمة 5 يونيو/ حزيران 2017، بعد أن لُفّقت القضية الكيدية لمعارضين وأبرياء تمَّ وضعهم في السجن؟
هل حرّض ملك البحرين على غزو قطر؟
جميع الشواهد تدل على أن تلك الدعوى كانت كيدية، فقد جاءت بعد قرار محاصرة قطر وتهيئة الأجواء لشنّ عدوان عسكري عليها، وفق ما كشف عنه أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد، عندما صرّح في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في البيت الأبيض، أنه تمكّن من “وقف عمل عسكري”.
تردد حينها أن ملك البحرين لعب دورًا رئيسيًّا من خلال تحريض الدول الأخرى واستعداده لإتاحة الأراضي البحرينية للقوات الغازية، وهذا يمكن أن يكون أحد أسباب زهد قطر في استئناف العلاقات مع البحرين.
القضية العالقة الأخرى -كما تراها البحرين- يمكن أن تكون السماح للصيادين البحرينيين بدخول المياه الإقليمية القطرية والاصطياد من هناك، نسبة إلى غنى المياه القطرية بالأسماك والكائنات البحرية الأخرى، في مقابل شحّ الثروة السمكية في الشواطئ البحرينية، بعدما كانت مُصدّرة للسمك، حيث شدد تقرير حقوقي على أن ولي العهد سلمان بن حمد ساهمَ في هذه الأزمة لتحويله عددًا من الجزر البحرينية، كجزيرة أم النعسان والمحمدية، إلى أملاك خاصة ومطارات.
وبالتالي منعت البحرين صياديها من ممارسة الصيد داخل بلادهم، من أجل استثمارات يستفيد منها أصحاب النفوذ في المملكة كالأمير سلمان بن حمد.
إضافة إلى أن نجل الملك سلمان بن حمد ضمّ الجزر الاصطناعية التي شُيّدت عليها الفنادق والمطاعم الفخمة، أهمها وأكبرها جزر أمواج وجزيرة درة البحرين وجزر ديار المحرق وجزر مارينا وست إلى أملاكه الخاصة.
درج نبيل الحمر، مستشار ملك البحرين، على مهاجمة قطر حتى في أيام استضافة كأس العالم، كما تشتكي العائلة المالكة البحرينية ممّا تسميه تحريض قناة “الجزيرة” عليها، وكذلك عدم دفع الدوحة مساعدات اقتصادية للبحرين أسوة بالسعودية والإمارات والكويت.
إذًا، العائلة المالكة البحرينية استولت على جزر وشواطئ عديدة في البلاد، ومنعت الصيادين من ارتيادها لكسب رزقهم، وفي الوقت نفسه تريد من قطر أن تتغاضى عن دخولهم مياهها الإقليمية وممارسة الصيد فيها.
هناك مسألة عالقة أخرى، هي قصة “تقويم الزُبارة والبحرين“، ففي يوليو/ تموز من العام الماضي أصدر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية تقويم الزبارة والبحرين، وهو تقويم تمَّ بموجبه تغيير مواقيت الصلاة في البلاد، فقد اختلف التوقيت المحلي لصلاة العشاء في مارس/ آذار وسبتمبر/ أيلول بنحو 14 دقيقة عن توقيتها السابق، وباختلاف 7 دقائق في أغسطس/ آب.
وجاء إصدار التقويم ضمن الخصومات بين البلدَين، إذ ما زالت عائلة آل خليفة تعتبر أن الزبارة القطرية جزءًا من الأراضي البحرينية، رغم أنها قد خسرتها في تحكيم دولي نهائي وملزم للطرفَين.
القضية الأخيرة، وهي التي تنبني عليها معظم القضايا الأخرى، التصعيد الإعلامي بين البلدَين، فقد درج نبيل الحمر، مستشار ملك البحرين، على مهاجمة قطر حتى في أيام استضافة كأس العالم، كما تشتكي العائلة المالكة البحرينية ممّا تسميه تحريض قناة “الجزيرة” عليها، وكذلك عدم دفع الدوحة مساعدات اقتصادية للبحرين أسوة بالسعودية والإمارات والكويت.
البحرين تُركت وحيدة في كأس العالم
يبدو أن البحرين وجدت نفسها قد تُركت وحيدة، بعد أن سارعت كل من الإمارات والسعودية ومصر إلى استئناف روابط التجارة والسفر مع قطر فور توقيع اتفاق العُلا، بينما اشترطت المنامة على قطر إرسال وفد رسمي لمناقشة “الموضوعات والقضايا العالقة”، وهو الأمر الذي لم تعره الدوحة اهتمامًا باعتراف وزير الخارجية البحريني.
لاحقًا، حصلت كل دول الخليج -عدا البحرين- على فوائد اقتصادية ضخمة من مونديال قطر 2022، وسُمح لهذه الدول -باستثناء البحرين أيضًا- بتسيير رحلات جوية مباشرة لنقل المشجعين والزوار إلى ومن قطر.
وأشار تقرير لوكالة “بلومبيرغ” إلى عدم حضور ملك البحرين، حمد بن خليفة، حفل افتتاح المونديال، وعدم قدرة المشجعين من البحرين على الطيران مباشرة إلى الدوحة منذ عام 2017، عندما فرضت السعودية و3 دول عربية أخرى (البحرين والإمارات ومصر) حصارًا سياسيًّا وتجاريًّا على قطر.
في ظروف مختلفة ربما البحرين ستكون من بين أكبر المستفيدين من السياحة المرتبطة بكأس العالم بسبب قربها من قطر، وامتلاكها بنية تحتية جيدة من فنادق ومنتجعات ودور إيواء، ولأن استهلاك الكحول أمر قانوني هناك، وهي ضربة للمملكة التي تعمل على تعزيز مساهمة القطاع السياحي في اقتصادها، وفقًا للوكالة.
كانت نظرة صانع القرار البحريني ضيقة للغاية، عندما ربطَ استئناف الرحلات والعلاقات الدبلوماسية مع قطر بإرسال وفد من الدوحة لمناقشة الموضوعات والقضايا الخلافية في اجتماعات رسمية وأعمال لجان، إذ لم ينتبه حكّام البحرين إلى ضآلة تأثير بلدهم سياسيًّا واقتصاديًّا وحتى إعلاميًّا، مقارنة بالقوة الناعمة الصاعدة لقطر في هذه المجالات.
لا تمتلك البحرين ما تمتلكه قطر من ثقل اقتصادي يتمثل في احتياطات الغاز الضخمة، ولا إمبراطورية إعلامية مثل قناة “الجزيرة”، ولا القوة السياسية الصاعدة للدوحة التي تُبنى بالدرجة الأولى على دبلوماسية الوساطة والتسويات في النزاعات الإقليمية أو الأزمات الكبرى، كالملف النووي الإيراني والملف الأفغاني.
خبير أمريكي: “التطورات الأخيرة إيجابية”
سايمون هندرسون، خبير أمريكي وزميل بيكر في معهد واشنطن، يرى أن القمة المصغّرة التي عُقدت في أبوظبي تشكّل تغييرًا إيجابيًّا في العلاقات بين دول الخليج.
ويضيف في تحليل له: “ربما يكون أحد العوامل (للقمة) هو عدم الرضا عن واشنطن وعدم التزامها المتصور بأمن الخليج. وربما تكون هذه الدول قد قررت أنه لم يعُد بإمكانها تحمُّل تكلفة النزاعات المحلية”.
وبالنسبة إلى واشنطن، يرى أن هذه التطورات (اللقاءات) تمثل تحديًا للسياسة الأمريكية، لكنها توفر أيضًا فرصًا من حيث واقعيتها الظاهرة، فرغم النطاق الدبلوماسي الواسع الذي ينتج حاليًّا عن التهديدات الإيرانية والتوترات الأخيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما زال المجال متاحًا أمام واضعي السياسات الأمريكيين لتنشيط العلاقات مع دول الخليج، بحسب ما ذكر هندرسون.
لكن رغم التطورات الإيجابية الأخيرة وتلهُّف البحرين على تطبيع العلاقات مع قطر، فإن الأخيرة لا تبدو متحمّسة للأسباب التي أُشير إليها، فضلًا عن أن البحرين قد تسعى أيضًا إلى الحصول على مزايا اقتصادية من جارتها الغنية، مثل السماح للصيادين بدخول المياه الإقليمية القطرية، أو أن تسعى للحصول على مساعدات مالية (ودائع) من الدوحة بعد أن أضاعت فرصة الاستفادة من كأس العالم.
بعد نحو 5 سنوات من الأزمة الخليجية، يظهر لنا كيف أن الوضع قد انقلب، وتحول موقف الذين فرضوا على الدوحة حصارًا تامًّا إلى استجداء وتلهُّف لاستئناف العلاقات معها، دون أن يتحقق أي شرط من الشروط التي وضعوها مقابل إعادة العلاقات، مثل إغلاق ذراعها الإعلامية قناة “الجزيرة”.
عندما فُرض الحصار في 5 يونيو/ حزيران 2017، بدت الدوحة آنذاك في أدنى مستوى من نفوذها الإقليمي الصاعد، لكن سرعان ما تغلّبت على الصعوبات بدعم من حلفائها الإقليميين (تركيا وإيران)، فتبوّأت مكانة جديدة بفضل اقتصادها الضخم وسياستها الخارجية التي تفوق بكثير حجمها الجغرافي.