منذ تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وهي تضع على سُلَّم أولوياتها تشديد الخناق وتمرير القوانين العنصرية ضد الأسرى في المعتقلات الإسرائيلية.
وقبل الفوز في الانتخابات الإسرائيلية، عمل المرشحون على الترويج لأنفسهم من خلال استعراض أبشع القوانين التي ستضيّق على الأسرى، والتعهُّد بتطبيق توصيات لجنة جلعاد أردان كما فعل وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، الذي يسعى إلى تمرير جملة من المشاريع، ليشعل منذ أسابيع قليلة شرارة المواجهة من داخل السجون.
لم يتوقّف الأمر عند مطالبة الأحزاب الدينية في الكنيست الإسرائيلي التصديق على قوانين عنصرية ضد الأسرى، بل هناك أوامر تنفّذ بشكل مستمر لتشديد الخناق عليهم داخل الزنازين في ظل البرد القارس، باعتبار حياتهم “ترفًا ورفاهية”.
ورغم أن معاناة الأسرى والأسيرات ليست بجديدة، إلا أن هناك نية تضمرها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تجاههم، للضغط على المقاومة لإعطاء معلومات حول الجنود الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة.
كما حذّرت الفصائل الفلسطينية من تفاقم الاعتداءات الإسرائيلية بحقّ الأسرى، وأن الاحتلال سيدفع ثمن عقوباته بحقّ الأسيرات خاصة، فيما أبلغت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الوسيط المصري بخطورة ما يحدث في السجون.
ماذا يجري في سجون الاحتلال؟
قبل أيام قليلة، أحرقت الأسيرات غرفهنّ في سجن الدامون احتجاجًا على حملة قمع تشنّها إدارة السجون ضدّهن، شملت اقتحام غرفهن، المنع من الاستحمام، مصادرة المقتنيات ونقل الأسيرة ياسمين شعبان إلى مكان مجهول، وردًّا على ذلك أعلنت الحركة الأسيرة الاستنفار.
في العودة إلى الأسبوع الأخير، يبدو أن التوتر بدأ في سجون متفرّقة في 27 يناير/ كانون الثاني، إثر احتفال الأسرى والأسيرات بعملية مستوطنة “النبي يعقوب” التي نفّذها الشهيد المقدسي خيري علقم، حيث شنّت إدارة السجون بعد ذلك حملة قمع واعتداء على الأسرى، شملت قطع الكهرباء والماء عن عدد من الأقسام، وعزل مجموعات من الأسرى وسحب مقتنياتهم.
تأتي هذه المواجهة في سياق توتُّر عام تشهده معظم السجون، خاصة بعد العقوبات التي فُرضت إثر عملية “نفق الحرية” في سبتمبر/ أيلول 2021، ومع إعلان الحركة الأسيرة الاستنفار قد تتجه الأمور نحو المزيد من التوتر، بالأخصّ مع توعُّد حكومة الاحتلال الجديدة بفرض مستوى جديد ومكثّف من القمع.
كما يواصل وزير الأمن القومي، بن غفير، إصدار قراراته للتضييق وتشديد الخناق على الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والتي كان آخرها إغلاق مخابز “البيتا” في سجنَي ريمون والنقب.
ونقلت صحيفة “يسرائيل هيوم” عنه: “لقد أصابني الجنون عندما علمت بوجود المخابز داخل السجن، لا يمكن للأسرى أن يحصلوا على مثل هذا الامتياز، كيف يمكن لهؤلاء الحصول على خبز طازج كل يوم”.
يذكر أن تلك المخابز تتوفر في كل من سجن النقب وريمون وإيشل ونفحة، حيث يقوم الأسرى بصناعة الخبز الفلسطيني (البيتا)، ويصل هذا النوع الذي يفضّله الأسرى إلى كل السجون.
ووفق ما يقول إسلام عبدو، مدير الإعلام في وزارة الأسرى، إن قادة الاحتلال يرون في توفير الخبز الفلسطيني ترفًا ورفاهية للمعتقلين، لذا يسعون دومًا إلى التضييق عليهم.
وذكر عبدو لـ”نون بوست” أنه تمَّ سحب أجهزة التلفاز من سجن عوفر، ومصادرة الأغطية والملابس من سجن النقب ووضعها في الساحة، مع تهديد كل من يقترب منها رغم البرد الشديد الذي يعانيه الأسرى، لا سيما في سجن النقب الصحراوي.
أما عن الاتصالات مع الأسرى، يؤكد أنها صعبة للغاية، فقد منعتهم مصلحة السجون من استخدام الهاتف العمومي، وأوقفت الزيارات لبعضهم، وعزلت الأسيرات وعذبتهنّ كما جرى مع الأسيرة ياسمين شعبان، موضّحًا أن هناك اتصالًا محددًا يأتي بطريقة سرّية لإطلاع الجهات المختصة على أوضاع الأسرى داخل السجون.
ولفت عبدو إلى أن الأسرى، من خلال الاتصالات، يؤكدون أن انفجارًا قادمًا سيصل مداه خارج السجون.
ماذا تخفي حكومة المتطرّفين للأسرى الفلسطينيين؟
في تغريدة على تويتر، تعهّد بن غفير بمنع التسهيلات، وعدم التسامح مع الأسرى الفلسطينيين، وحرمانهم حقوقهم الممنوحة لهم في السجون، عدا عن وجود بنود أخرى لقمعهم لا تزال تحفظها أجندة الحكومة المتطرفة.
كما تحاول الحكومة الإسرائيلية الجديدة تطبيق توصيات لجنة جلعاد أردان، وزير الأمن الداخلي السابق عام 2019، حين شكّل لجنة قدمت توصيات تتضمّن وقف توزيع الأسرى الفلسطينيين في أقسام السجون حسب انتمائهم التنظيمي، لمنعهم من اتخاذ خطوات جماعية في مواجهة إجراءات مصلحة السجون.
وتشمل التوصيات إلغاء ما يُسمّى بـ”الناطق باسم الأسرى” القائم حاليًّا، واستبداله بممثل يتمّ تغييره بشكل دائم، ويتولى متابعة أمور الأسرى مع إدارة السجن في الشؤون العامة فقط، دون أن تكون له أية علاقة بالشؤون الخاصة بكل أسير، واشترطت اللجنة ألا يكون هذا الممثل مدانًا بقتل أو جرح إسرائيليين.
وتتضمّن التوصيات أيضًا تخفيض المخصصات المالية التي يحوّلها ذوو الأسرى لأبنائهم في السجون، والتي تمكّنهم من شراء احتياجاتهم من “الكانتينا” (مقصف السجن)، وكذلك وقف التحويلات المالية من السلطة الفلسطينية للأسرى سواء الجماعية أو الفردية.
وتقضي التوصيات أيضًا بمنع الأسرى من إعداد طعامهم بأنفسهم في أقسام السجن، والاكتفاء بما تقدمه مصلحة السجون لهم، علمًا أن الأسرى تمكّنوا بعد احتجاجات جماعية من استعادة حقهم في إعداد طعامهم في السجن منذ عام 2004.
عدد الأسرى في سجون الاحتلال نحو 4700 بينهم 29 امرأة و150 طفلًا وقاصرًا، وحوالي 850 معتقلًا إداريًّا يخوضون معركة ضد إدارة السجون.
كذلك أوصت اللجنة بإخراج غرف الاستحمام من داخل الأقسام، والتحكم بكمّيات المياه التي يتمّ استخدامها وتقليصها بشكل كبير، عبر تركيب أنظمة خاصة بذلك.
لم ينجح أردان في تطبيق توصياته، لكن بن غفير منذ توليه يطبّق ما أمكن منها بدعم من أعضاء كنيست متطرّفين يرون أن السجون التي تخالف بالأصل القانون الدولي الإنساني تحوّلت إلى مخيمات صيفية تتنافى مع هدف إنشائها، وهو ردع المقاومة ومنفّذي العمليات الفدائية.
ومن شأن عمليات القمع التي يمارسها الاحتلال ضد الأسرى أن تصبح الأوضاع السياسية أشد تعقيدًا، عبر تنفيذ العشرات من العمليات الفردية ضد “إسرائيل” داخل المستوطنات، كما جرت العادة في الآونة الأخيرة.
ووفق إحصائية أخيرة، فإن عدد الأسرى في سجون الاحتلال نحو 4700 بينهم 29 امرأة و150 طفلًا وقاصرًا، وحوالي 850 معتقلًا إداريًّا يخوضون معركة ضد إدارة السجون، للمطالبة بحقوقهم وللاحتجاج على الإجراءات التنكيلية المتَّخذة بحقهم.
ويبدو واضحًا أن هذه الهجمة التي تقودها الحكومة ضد الأسرى، تعبّر عن عقلية عنصرية إجرامية ستجرّ المنطقة إلى حرب دينية، بفعل تلك القوانين والقرارات المتطرفة.