ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، باتت عضوية الناتو ضروريةً وملحة بالنسبة للسويد وفنلندا المجاورتين لروسيا لدرجة أن حركة دبلوماسية مكثفة انطلقت فور اندلاع الحرب. بعد شهرين فقط، وتحديدًا في 18 أيار/ مايو 2022، قدّمت السويد وفنلندا بشكل متزامن طلبًا رسميًا إلى الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ للانضمام إلى حلف الناتو. ومع اقتراب الحرب الروسية الأوكرانية من نهاية سنتها الأولى “من المهم أن تصبح السويد وفنلندا أعضاء في الناتو في عالم أكثر خطورة” – على حد تعبير ستولتنبرغ.
سلطت مساعي الانضمام للناتو، وهي عملية تتطلب موافقة جميع الدول الأعضاء، الضوء على سياسة السويد وفنلندا طويلة الأمد لتجاهل المخاوف الأمنية لتركيا. لكل من السويد وفنلندا علاقات وثيقة مع منظمات إرهابية على غرار حزب العمال الكردستاني وجبهة – حزب التحرر الشعبي الثوري التي تشكل تهديدًا كبيرًا للأمن القومي لتركيا. وقد باتت سياسات وممارسات هذين البلدين تشكل حاليًا تحديات وجب إعادة مراجعتها بالنسبة لتركيا حتى توافق على طلب انضمامهما إلى الناتو.
في 28 حزيران/ يونيو 2022، وقّعت السويد وفنلندا اتفاقية ثلاثية مع تركيا في إطار قمة قادة الناتو المنعقدة في مدريد، التي تعهّدت الدولتان الاسكندنافيتان بموجبها بعدم دعم حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب ومنظمة غولن باعتبارها منظمات إرهابية محظورة. وعلى وجه الخصوص، يجب على فنلندا والسويد منع أنشطة حزب العمال الكردستاني وجميع المنظمات الإرهابية الأخرى وأذرعها وأنشطة الأشخاص المنخرطين فيها أو المنتسبين إليها.
موقف السويد منذ توقيع الاتفاقية
على خلفية الاتفاق، اتخذت الأحداث مسارا إيجابيا. اعتبرت تركيا التغيير الكبير في التصورات والخطابات تجاه حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي، ولاسيما في السويد، تطورًا حاسمًا.
وقد بذلت السويد جهودًا لاتخاذ خطوات ملموسة نحو تسليم الإرهابيين المطلوبين من قبل تركيا في حربها ضد المنظمات الإرهابية وخاصة حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني. وكان تسليم محمود تات، الذي أدين بالانتماء إلى حزب العمال الكردستاني، خطوةً أخرى من جانب السويد نالت استحسان تركيا، إلى جانب التعديلات الدستورية التي دخلت حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني/ يناير 2023 في السويد التي تسمح باعتماد قوانين أكثر صرامة في مكافحة الإرهاب.
لكن بعض السياسات والممارسات ألقت بظلالها على هذه التطورات الإيجابية في الآونة الأخيرة. في 13 كانون الثاني/ يناير 2023، استهدف أنصار حزب العمال الكردستاني الرئيس رجب طيب أردوغان بشكل مباشر في مظاهرة، حيث شُنق تمثال يجسد أردوغان أمام مبنى البلدية في العاصمة ستوكهولم. بعد ذلك، أعلن المدعي العام لوكاس إريكسون أنه لا حاجة لفتح تحقيق في الأفعال المعنية، وبنى موقفه على “حرية التعبير” والقانون السويدي الذي لا يمكن بموجبه معاقبة مرتكبي هذه الأفعال.
كانت القشة التي قصمت ظهر البعير الإذن بحرق نسخة من القرآن في 21 كانون الثاني/ يناير 2023 أمام مقرّ السفارة التركية في ستوكهولم. والفاعل حسب الشرطة مواطن سويدي يدعى راسموس بالودان، هو الزعيم العنصري لحركة سترام كورس التي تتخذ من الدنمارك مقرا لها. وكان رد فعل الحكومة السويدية فاترًا مرة أخرى، إذ اكتفى رئيس الوزراء أولف كريسترسون باعتبار الحادثة “مخلّة بالاحترام”.
في اليوم ذاته، بعد مرور ساعتين من حادثة حرق القرآن، نُظمت مظاهرة رُفعت فيها لافتات كتب عليها “كلنا حزب العمال الكردستاني”. في نظر تركيا، كانت مظاهرةً واستعراضَا آخر مؤيّدٍ للإرهاب سمحت به السلطات السويدية. تعليقًا على ما حدث، كرّر وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم على حسابه على تويتر أن “السويد تعيش فترةً تتسم بازدهار حرية التعبير على نطاق واسع”.
هل أن السويد مستثناة من مفهوم حرية التعبير الذي تطور في أوروبا مع أحكام الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والفقه القانوني للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي يعود تاريخها إلى أكثر من نصف قرن؟ هل يجب أن تُفهم حرية التعبير في السويد بشكل مختلف عن بقية الدول الأعضاء في مجلس أوروبا؟
من أجل تقديم إجابة متسقة من الناحية القانونية على هذه الأسئلة، من الضروري العودة إلى مفهوم الحق في حرية التعبير في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وتفسيره من قبل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
حدود حرية التعبير
إن مفهوم “حرية التعبير اللامحدودة”، الوارد في البيانات الرسمية للسويد على مستوى الحكومة، يتعارض بشكل أساسي مع الوضع القانوني الفعلي. عندما يُنظر في البيانات التي تم الإدلاء بها بشكل قانوني، فإنها تظهر النية لإنشاء نهج سياسي فوق مفهوم “التعاطف” مثل حرية التعبير، بدلاً من الاعتماد على أساس قانوني.
تحدد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تضم 46 دولة أوروبية من بينها السويد وتركيا، الحق المعني تحت عنوان “حرية التعبير” في الفقرة 1 من المادة 10. فهل يمكن للناس أن يقولوا أو يعبروا عما يريدون حتى إذا تسببوا في أذى الملايين من الناس أو حتى لواحد فقط؟
ترد الإجابة على هذا السؤال بشكل أساسي في الفقرة 2 من المادة 10، التي تنص بوضوح على أن حرية التعبير محدودة: “يجوز أن تخضع ممارسة هذه الحريات، بما أنها تنطوي على واجبات ومسؤوليات، لإجراءات أو شروط أو قيود أو عقوبات على النحو المنصوص عليه في القانون؛ وهي ضرورية في مجتمع ديمقراطي ولصالح الأمن القومي وسلامة الأراضي أو السلامة العامة أو لمنع الفوضى أو الجريمة أو لحماية الصحة أو الآداب العامة أو لحماية سمعة أو حقوق الآخرين أو لمنع إفشاء المعلومات التي يتم الحصول عليها في كنف سرية أو للحفاظ على سلطة وحياد القضاء”.
تؤكّد المحكمة أن حرية التعبير لا يمكن اعتبارها حق إهانة الآخرين على أساس العرق أو اللغة أو الدين أو الجنس. وفي هذا السياق، تطبّق المحكمة مبدأي “النسبة والتناسب” أو “الموازنة بين الحقوق” لتضع بذلك حدودًا لحريّة التعبير.
بما أنه كان لدى الشخص الذي أقدم على حرق نسخة من القرآن في السويد طرق عديدة للتعبير عن آرائه حول القرآن دون إهانة المسلمين، يجب اعتبار ما فعله غير متناسب بكل وضوح مع حرية التعبير لأنه مارسها بطريقة تضرّ بحقوق الآخرين وكرامتهم. وفي حقيقة الأمر، صرحت المحكمة بأنها ترى أنه من الضروري تحديد ما إذا كانت التعليقات المتعلقة بالدين مهينة وموجهة للمعتنقيه، أو أنها هجوم مسيء على الرموز المقدسة.
إذا قُبِل فعل حرق القرآن على أنه شكل من أشكال التعبير المشروع عن الرأي، فإن ذلك يعني أن مهاجمة المساجد وحتى حرقها يمكن أن يُعتبر شكلا من أشكال التعبير المسموح أيضًا. وهذا عمل لا يمكن اعتباره مشروعًا من أي وجهة نظر.
المادة 9 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان
إن تجاهل الهيئات السياسية والقضائية السويدية لهذا التفاوت ينتهك بشكل أساسي المادة 9 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تنظم حرية الدين والمعتقد، والمادة 14 التي تنظم حظر التمييز. أضرّت حادثة حرق نسخة من القرآن بالحقوق الأساسية للمسلمين على وجه الخصوص. لذلك، فإن تصريحات وزير الخارجية السويدي أو أي مسؤولين آخرين مثل: “هناك مساحة واسعة من حرية التعبير” في السويد – التي تبدو أمرا جيدا للوهلة الأولى – هي في الأساس محاولة للتغطية على الهجمات على الحقوق الأساسية الأخرى من خلال حرية التعبير.
أما فيما يتعلق بالأعمال المتعلقة بالإرهاب، ذكرت المحكمة في إحدى القضايا أنه عندما ينطوي نشر بيانات من منظمات إرهابية محظورة على خطر التحريض العلني على ارتكاب جريمة إرهابية أو الدفاع عن الإرهاب، فإن ذلك لا يدخل في نطاق حدود حرية التعبير.
إن السماح لأنصار منظمة حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب الإرهابية بالترويج للإرهاب في السويد ينطوي بوضوح على “خطر التحريض العلني على ارتكاب جريمة إرهابية أو تبييض صورة الإرهاب”. وهذه الأعمال، التي تركز على شعارات منظمة إرهابية وخطابات مثل “كلنا حزب العمال الكردستاني”، يجب بلا شك أن يُنظر إليها وفهمها على أنها أعمال دفاع عن الإرهاب وعنف غير قانوني.
من الواضح أن الأحكام القانونية للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تثبت أن ما يحدث أو يُسمح بحدوثه في السويد هو خارج حدود حرية التعبير وينتهك سلسلة من حقوق الإنسان الأساسية الأخرى. ومن غير القانوني للسويد أن تغض الطرف عن هذه الأفعال تحت غطاء حرية التعبير. بدلاً من ذلك، عليها حظر ما يسمى بـ “الاحتجاجات”، وتسليم أو مقاضاة الإرهابيين المشتبه بهم والمجرمين.
المصدر: بوليتيكس توداي