ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد تحديد موعد الانتخابات الرئاسية في 14 أيار/ مايو، طُرحت مرة أخرى مسألة تأجيل تسمية مرشح عن تحالف ”الطاولة السداسية” الذي لم يتوصل بعد إلى اتفاق بشأن كيفية اختيار مرشحه الرئاسي. في المقابل، تم في 30 كانون الثاني/ يناير الإعلان عن “مذكرة تفاهم السياسات المشتركة” التي كانت تنتظرها شرائح المعارضة بفارغ الصبر بمشاركة رؤساء الأحزاب الستة.
تضمنت هذه المذكرة المؤلفة من 240 صفحة أكثر من 2300 اقتراح تحت 9 عناوين فرعية تعنى بعدة مجالات من العدالة والإدارة العامة والاقتصاد والتحول الرقمي إلى السياسة الخارجية والتعليم. وفي الحقيقة، لا يمكن لهذه الوثيقة أن تتجاوز كونها “بيانا جماعيا” لوعود الأحزاب الستة.
مذكرة من دون هوية
إن هذه المذكرة، التي تجمع الوعود التي يمكن للأحزاب ذات الأيديولوجيات المختلفة ومجموعات الناخبين أن تتقبلها ويعطيها كل حزب الأولوية، ليس لها هوية سوى كونها رد فعل على نظام الحكومة الرئاسية. فمثلا ذُكرت ثلاثة مصادر مرجعية تتعلق بكلمة “قيمة” في نفس الوقت: القيم الاجتماعية والقيم العالمية وقيم حضارتنا. وهي مجموعة مفاهيم جوفاء ومبهمة وغير مترابطة، وجوهر هذا النص يعكس رفض ممارسات النظام الرئاسي. وهذا يتماشى مع رغبة المعارضة في الانتقال إلى “نظام برلماني معزز”. ولكن بما أن تنفيذ هذه السياسات المشتركة يتطلب أغلبية دستورية في المجلس، فإن بعض الوعود لا يمكن أن تتجاوز مجرد الإعلان عن نوايا.
وما عرضته هذه الوثيقة من وعود تشمل مجالات الدفاع والنقل والطاقة والصحة والصناعة والمعلوماتية والتكنولوجيا، التي حققت فيها حكومة حزب العدالة والتنمية نجاحات بالفعل، تدعي أن مداها أبعد من الحكومة الحالية. تم التطرق إلى هدف خفض التضخم دون تحديد طرق ملموسة لفعل ذلك، وإلى الحاجة إلى الإسكان التي تبرز في المدن الكبرى اليوم بعبارات مثل “ترك مرض التكتل العمودي” و”التحضر الأفقي”.
وتذكّر الوعود المعلنة في مجالات مثل المدخرات والجدارة وتحويل الموارد بالخطاب الشعبوي الذي أصبح طي النسيان في الإدارات المحلية بعد فوز مرشحي تحالف الأمة. وإلى جانب أولويات الأحزاب الستة، فإن موقف حزب الشعوب الديمقراطي غير المطروح على الطاولة أخِذ بعين الاعتبار جزئيًا في المذكرة. تم أيضا تضمين مسألة إقالة الأمناء وجعل حلّ الأحزاب وتعزيز الإدارات المحلية أكثر صعوبة، ولكن كما في التعديل الدستوري السابق، لم يتم تضمين مطالب حزب الشعوب الديمقراطي الراديكالية بشأن اللغة الأم والاستقلالية.
سياسة خارجية غير طموحة
في رأيي، أكثر جزء غير طموح من مذكرة التفاهم التي أعلن عنها تحالف ”الطاولة السداسية” هو مجالات السياسة الخارجية والأمن. فهي تنتقد حكومة حزب العدالة والتنمية لاتباعها سياسة خارجية بدافع “عقلاني وليس أيديولوجي”، مع الإشارة إلى أنه سيتم اتباع موقف أكثر سلبية في أزمات السياسة الخارجية عملا بمبدأ “عدم الانحياز”. ولا يوجد سوى تعبيرات عامة في العديد من المناطق، من قبرص وبحر إيجة وشرق البحر الأبيض المتوسط إلى أذربيجان والعلاقات مع المنظمات الدولية.
بينما يمرّ النظام الدولي بتحول سريع وتواجه تركيا تحديات خطيرة، لم تقدم المذكرة رؤية لهذا التحول أو كيف ينبغي وضع السياسة الخارجية والأمنية التركية في هذه الظروف. فعلى سبيل المثال، إن قضايا مثل التعبير عن أطروحات قديمة وغير واقعية حول قبرص، وعدم ذكر الحرب في أوكرانيا بأي شكل من الأشكال، وعدم الانخراط في التطورات في ليبيا وكاراباخ، يعطي انطباعًا بتجنب الخوض في المسائل الشائكة.
وتعد مسألة “العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي” و”رؤية آسيا” و”قمم تركيا وأفريقيا” مطروحة بالفعل على أجندة عمل الحكومة. أمّا “قيام العلاقات مع الولايات المتحدة على أساس مؤسسي مع تفاهم نِدي” تمثل سبب التوتر في العلاقات التركية الأمريكية خلال عهد حزب العدالة والتنمية. وهناك جمل أخرى تشير إلى الحاضر من قبيل: “سنواصل تعزيز العلاقات مع الاتحاد الروسي من خلال التفاهم بين المتكافئين ومع حوار متوازن وبناء على المستوى المؤسسي”. كما أن هناك وعدا بإنشاء الأكاديمية الدبلوماسية، التي هي موجودة بالفعل وتخضع لوزارة الخارجية. وبدلاً من الحديث عن إرهاب حزب العمال الكردستاني في الحرب ضد الإرهاب، تم استخدام مصطلح “الإرهاب” بشكل عام.
ادعاء إمكانية نجاح هذا التحالف
إن مذكرة السياسات المشتركة وثيقة تحاول فيها المعارضة إقناع الناخبين بأن هذا التحالف يمكن أن ينجح. لكن أعتقد أن المعارضة تشتت انتباه الناخبين بكثرة الوثائق، التي يُضاف إليها بيان المرشح الرئاسي المشترك. وبغض النظر عن مدى توافق تحالف ”الطاولة السداسية” وعن عدد الوثائق المشتركة التي أعدها، فإنه لا يستطيع إنكار حقيقة كونه تحالفًا يجمع بين معارضين لا قواسم مشتركة بينهم.
تمثل الوثائق المشتركة مراجع بالطبع. لكن دعونا لا ننسى أن الحكومات الائتلافية في السبعينيات والتسعينيات كان لديها أيضًا برامج مشتركة. وعندما يتعلق الأمر بالتنفيذ، تظهر جميع أنواع الانقسامات والصراعات. حتى النجاحات النادرة مثل انتصار جمهورية شمال قبرص التركية فشلت في ضمان استمرار الائتلافات. وهذا يعني أن إعلان مذكرة التحالف قبل الانتخابات ليس ضمانا على تنفيذها في حال فوزه. وبغض النظر عن مدى وفرة الوثائق، فإنه لا يمكنها منع صراع على السلطة في المستقبل.
معنى الاجتماع الأخير لتحالف ”الطاولة السداسية” للانتخابات
عرّف تحالف ”الطاولة السداسية” نفسه بـ”تحالف الأمة” في بيان أصدره عقب اجتماعه الأخير. واتضح في البيان المشترك أن هذا التحالف سيستخدم شعار “كفى! في انتخابات 14 أيار/ مايو. كما أعلن الرؤساء أنهم سيتشبثون بالحجة القائلة إن الرئيس أردوغان لا يمكن أن يكون مرشحًا ما لم يقرر البرلمان التركي تجديد عهدته.
أظهر ‘الائتلاف” أن اختيار المرشح المشترك سيكون على أساس التشاور. ولكن كيف سيتم إدارة عملية الانتقال من النظام الرئاسي إلى البرلماني، الذي تم تأجيله أيضًا إلى وقت إعلان المرشح المشترك. تشير لهجة البيان إلى أن الانتخابات ستجرى بخطاب تنافسي شرس ومناظرات بين تحالف الشعب وتحالف الأمة. وفي البيان أربع مسائل تقودني إلى الرأي القائل إن المعارضة ستتجه إلى الخطاب القاسي المفرط.
في البيان الأول ورد أن “نظام الحكم الرئاسي أصبح مشكلة بقاء لدولتنا”، ما يجعله قضية أمنية على أعلى مستوى. ويصف الثاني انتخابات 14 أيار/ مايو بأنها “اختيار مصير”. أما البيان الثالث، خلافا لتصريحات سابقة، يرفض ترشيح الرئيس أردوغان. وعندما نفكر في هذا النهج مع تصريح كليجدار أوغلو بقوله “أنا لا أثق بالمجلس الأعلى للانتخابات”، فإن المسألة ليست مناقشة سياسية فنية لقضية دستورية. ومن خلال إلقاء اللوم على جميع المؤسسات في تركيا، بما في ذلك المجلس الأعلى للانتخابات، تنشر المعارضة الانطباع بأن الانتخابات تجري في حالة ارتياب كبيرة.
وأخيراً، يشرّع الإعلان عدم دعم التعديل الدستوري الخاص بالحجاب باعتباره “هدف تحالف الشعب لاستغلال حقوق الحجاب بشكل مخادع من أجل الفوز”. لكن مثل أي شخص آخر، تعرف ”الطاولة السداسية” أن كمال كليجدار أوغلو، الشريك الأكبر للتحالف، هو الذي بدأ هذا النقاش. وحقيقة أن الأحزاب اليمينية على الطاولة متحدة في هذا الخطاب تجعلها تشعر وكأنها ستبدأ نقاشًا حادًا حول “من يضر بالدين” في سياق مكاسب المحافظين.
مما لا شك فيه أن الانتقادات من مختلف مشارب المعارضة لعبت دورًا في دعم التحالف للحجة القائلة إنه لا يمكن إعادة انتخاب الرئيس أردوغان. يعتقد البعض أنه من الممكن التشكيك في عدم دستورية ترشحه دون حدوث مشاكل. لكن لا تستطيع المعارضة إقناع الشعب بفتح هذا النقاش قبل فترة وجيزة من الانتخابات، كي لا يتلقوا انتقادات مضادة مثل “أنتم خائفون، وتختلقون الأعذار لهزيمتكم”.
واللجوء إلى هذه الحجة مع اقتراب موعد الانتخابات يوسع من خطاب الرئيس أردوغان ويسمح بتوظيف رمزية 14 أيار/ مايو بشكل أكثر فعالية. فهل خطاب البقاء لصالح الحكومة أم المعارضة؟ في الوقت الذي تستهدف فيه وسائل الإعلام الغربية إنجازات تركيا، هل سيكون خطاب المعارضة بشأن بقاء الدولة، أم ثقة الحكومة في رؤية “قرن تركيا” من خلال التخفيف من مخاوف الفوضى العالمية والوطنية، فعالاً في نظر الناخبين؟ أعتقد أن الثانية…
التحديات التي تنتظر المرشح المشترك لـ ”الطاولة السداسية”
تأمل دوائر المعارضة أن يؤدي الإعلان عن المرشح المشترك إلى إثارة الحماس والتآزر. سيكون من الصعب أكثر مما كان متوقعا بالنسبة لـ ”الطاولة السداسية” مسح صورة الفوضى من أذهان الناخبين. وحتى لو تمكنوا من تقديم مرشح مشترك، فإن فقدان الحماس بعد هذه العملية الطويلة لاختيار مرشح ربما تكون أكبر مشكلة بالنسبة للمعارضة. وهذا بدوره قد يعزز المناخ السياسي لصالح أردوغان ويزيد فرص فوزه من الجولة الأولى. كما أن المشاكل السياسية التي ظهرت خلال منافسة المرشحين لن تتلاشى عند تحديد المرشح المشترك. سيكون هناك الكثير من الأسئلة عن السياسة المشتركة لـ ”الطاولة السداسية” والمرشح الذي وقع عليه الاختيار.
إن المناقشات حول كيفية مشاركة هذا التحالف في السلطة في حالة فوزه في الانتخابات تجذب الكثير من الاهتمام. يلفت تحالف الشعب الانتباه إلى حقيقة أن ”الطاولة” توحي بعدم اليقين والفوضى، بينما يحاول جانب المعارضة إزالة الغموض في تصريحاته. لكن الغموض لا يقل بل يزداد، والسبب الرئيسي هو أن ”الطاولة السداسية” في مهمة صعبة للغاية ومتناقضة.
أوضح باباجان أن الغرض من كل عمل التحالف السداسي الإجابة على سؤال “كيف نحافظ على روح النظام البرلماني مع الدستور الحالي؟”. هنا، يقومون بأنشطة هندسية باستخدام صيغ متشابكة لتحقيق هذا الغرض. بعبارة أخرى، هم يعملون على هيكل بنظام حكم رئاسي من الخارج ونظام برلماني من الداخل. لكن بالنظر إلى البيانات والإعلانات السابقة والسياسات المشتركة ونص مذكرة التفاهم، من الصعب جدًا أن يكون لهذه الجهود تأثير في الناخبين.
من المتوقع الإعلان عن المرشح المشترك للتحالف في شباط/ فبراير. اسم رئيس حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو في المقدمة، لكن رئيسة حزب الخير ميرال أكشينار تعقد هذا الترشيح بشرط “اختيار الشعب”. وإذا كان كليجدار أوغلو مرشحًا مشتركًا، فمن الخطر أن يتحول ناخبو حزب الخير إلى حزب الشعب الجمهوري. ستبدأ العملية الانتخابية الفعلية لانتخابات سنة 2023 بتحديد ”الطاولة السداسية” لمرشحهم المشترك. وتنتظرنا فترة حملة صعبة، مصحوبة بتنافس شديد في خطاب البقاء والفوضى.
المصدر: كريتر