سجل الدينار العراقي أدنى قيمة سعرية له منذ عام 2003، بعد أن شهدت الأسواق العراقية ارتفاعًا قياسيًا بسعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي ليصل إلى 1730 دينارًا لكل دولار، في الوقت الذي يباع فيه الدولار بـ1460 دينارًا في مزاد بيع العملة التابع للبنك المركزي العراقي.
وفي الوقت الذي فقد فيه العراقيون ما يقرب من 15% من وارداتهم نتيجة ارتفاع سعر الصرف، يؤشر العديد من المراقبين إلى احتمالية أن يقود ذلك لأزمة اجتماعية جديدة تتمثل بمظاهرات شعبية واسعة قد لا يمكن السيطرة عليها.
ارتفاع قياسي
منذ تولي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني مهامه كرئيس للوزراء، تعهد في برنامجه الحكومي بتحسين الوضع الاقتصادي ومكافحة الفساد والسيطرة على الأسواق، فضلًا عن العمل على استكمال المشاريع التنموية والاستثمارية وإعادة الصناعة المحلية وصناعتها.
وفي الوقت الذي بدأ فيه رئيس الوزراء بالعمل على مكافحة الفساد من خلال بعض الإجراءات التي بدأتها حكومته، يبدو أن السوداني بات يواجه مشكلة لم تكن في الحسبان، فمنذ أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي شرع البنك المركزي العراقي بتطبيق إجراءات المنصة الإلكترونية لمزاد بيع العملة بما يتوافق مع متطلبات البنك الفيدرالي الأمريكي ووزارة الخزانة الأمريكية القاضية بتطبيق نظام التحويلات المالية الدولية سويفت (SWIFT)، وهو ما أدى لامتناع عشرات المصارف الخاصة بالعراق من الدخول لمزاد بيع العملة مع حجب المركزي العراقي 4 مصارف أخرى بسبب العقوبات الأمريكية نتيجة تبييض تلك المصارف للأموال.
ويذهب في هذا المنحى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الذي أكد في لقاء متلفز مع قناة العراقية الإخبارية الثلاثاء الماضي، حين أكد رصد تحويلات احتيالية للدولار إلى الخارج، وهو ما كشفه تطبيق نظام المنصة الإلكترونية، لافتًا إلى أن تهريب العملة إلى الخارج كان يتم عبر تحويلات على أساس فواتير مزورة لواردات يتم تضخيم أسعارها.
تراجع مفاجئ
وعلى الرغم من بلوغ سعر الصرف معدلات قياسية، فإن اجتماع وفد البنك المركزي العراقي مع وزارة الخزانة الأمريكية يوم أمس الجمعة في إسطنبول أدى لتراجع سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي ليصل إلى 1530 دينارًا للدولار، وهو ما يعزوه الخبير الاقتصادي محمد الحمداني إلى جملة من الشائعات التي صدرت بعيد هذا الاجتماع.
وأضاف الحمداني في حديثه لـ”نون بوست” أن الوضع لا يزال ضبابيًا، إذ إن بورصتي الكفاح والنهضة ببغداد مغلقتان نتيجة العطلة الأسبوعية، فضلًا عن أن تصريحات البنك المركزي العراقي لم تكشف علانية وبشكل صريح تراجع البنك الفيدرالي الأمريكي عن إلزام البنك المركزي العراقي بتطبيق نظام سويفت، الأمر الذي قد يؤدي بنا إلى ضرورة انتظار الأحد القادم لمعرفة حقيقة تراجع سعر صرف الدولار من عدمه، لا سيما مع التصريحات الأمريكية السابقة التي أكدت أن لا عودة لاستثناء العراق من نظام التحويل المالي الدولي سويفت بعد الآن، بحسب الحمداني.
أما عن خطورة عودة ارتفاع سعر صرف الدولار حال تأكدت أنباء فرض نظام سويفت على العراق، يقول الحمداني: “سنشهد ارتفاعًا جنونيًا في سعر الصرف، ومن غير المستبعد أن يصل سعر الدولار إلى 1800 خلال أسبوع، مع فقدان العراقيين لما تبقى من ثقتهم بالمسؤوليين، وهو ما قد يؤدي لمزيد من الغليان الشعبي”.
تحذيرات من الأسوأ
شهدت الأيام الماضية مظاهرات شعبية واسعة ببغداد والعديد من المناطق تنديدًا بارتفاع سعر صرف الدولار، وهو ما يعزى للركود الاقتصادي الذي شهدته الأسواق العراقية طيلة الشهرين الماضيين. وأمس الجمعة تظاهر المئات في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية بغداد للمطالبة بخفض سعر الدولار، في الوقت الذي شهدت فيه مدن عديدة مظاهرات مشابهة للمطالب ذاتها.
من جهته، يقول رئيس مركز الأمصار للدراسات الإستراتيجية والاقتصادية رائد العزاوي إن انخفاض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار بات أزمة خطرة بدت ملامحها واضحة من خلال تراجع مداخيل المواطنين، لا سيما من الطبقة الوسطى والفقيرة.
وأضاف العزاوي “بات من الواضح أن الصراع المحتدم بين الولايات المتحدة وإيران ينعكس بشكل واضح على العراق اقتصاديًا”، لافتًا إلى أن إجراءات البنك الفيدرالي الأمريكي أدت إلى تراجع تدفق الدولار العراقي إلى إيران رغم وجود طرق عديدة لتهريبه إلى هناك”.
احتمالية عودة الصدر
وفي خضم الوضع السياسي والاقتصادي المعقد الذي تشهده الساحة العراقية، كشف المستشار في مركز رؤى للدراسات غانم العابد عن أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر كان قد دعا نوابه المستقيلين من البرلمان للاجتماع في محافظة النجف (جنوب بغداد) في خطوة قد تمهد لعودة التيار الصدري للحياة السياسية بعد استقالة نوابه في يونيو/حزيران الماضي.
وكشف العابد في حديثه لـ”نون بوست” أن تحالف الإطار التنسيقي كان قد ضغط على رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي قبل نحو أسبوعين لأجل التصويت البرلماني على استقالة نواب التيار الصدري، مبينًا أن الحلبوسي لم يخضع لهذه الضغوط.
وأوضح العابد أن ضغط الإطار التنسيقي في هذا الجانب قد يكون من باب إغلاق أي باب قانوني لاحتمالية عودة نواب التيار الصدري فيما إذا أقدم التيار الصدري على الطعن باستقالة أعضائه دون تصويت برلماني، الأمر الذي سيقلب الطاولة على تحالف إدارة الدولة وعلى شرعية حكومة السوداني.
في خضم ذلك، وبعيدًا عما كشفه العابد، يقول المحلل السياسي حسن العبيدي: “انطلاق أي مظاهرات شعبية في بغداد والمحافظات، وإذا تطورت إلى مظاهرات واسعة، فإن ذلك قد يبرر للتيار الصدري عودته للساحة السياسية من خلال هذه المظاهرات، لا سيما مع انقضاء مدة 100 يوم على عمر حكومة السوداني دون تمكنها من تحقيق ما وعدت به إبان تكليفها، خاصة ما يتعلق بالانتخابات المبكرة ومكافحة الفساد”.
يبدو أن جميع السيناريوهات السياسية والاقتصادية واردة في العراق، إذ يشهد الوضع الاقتصادي للعراق تقلبات كل ساعة، مع غموض كبير يلف زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن في 7 فبراير/شباط الحاليّ، وما سيؤول إليه من تفاهمات مع وزارة الخزانة والفيدرالي الأمريكي، ما سيحدد مدى قناعة واشنطن بإجراءات الحكومة العراقية الجديدة.