ترجمة وتحرير: نون بوست
على الرغم من الحروب وعدم الاستقرار السياسي والاضطرابات المالية العالمية، إلا أن الاقتصاد الإسرائيلي قد حقق نجاحًا مطردًا، وباستثناء ما وقع في سنة 2020؛ نما الاقتصاد بنسبة 4 بالمائة تقريبًا بشكل سنوي منذ سنة 1996، وكان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الأطول خدمة في البلاد والذي يُفضِّل أن يُنسب إليه الفضل في الازدهار، مسؤولاً عن الكثير من هذا النجاح، وقد سمح له رجال الأعمال في “إسرائيل” بفعل ذلك.
لكن ليس بعد الآن؛ فقد أثارت خطط حكومته الجديدة لإصلاح النظام القانوني في “إسرائيل”، وتقويض استقلالية المحكمة العليا والحد من سلطتها في محاسبة السلطة التنفيذية، غضب خصومه الذين يمكن توقعهم، بما في ذلك خصومه السياسيون والقضاء. وفي الوقت الراهن، يتدخل الاقتصاديون وقادة الأعمال في البلاد أيضًا، محذرين من أنه قد يعرض ازدهار البلاد للخطر.
في رسالة مفتوحة إلى نتنياهو؛ جادل اثنان من محافظي البنك المركزي السابقين أنه من خلال إضعاف استقلالية المحكمة، يخاطر نتنياهو بجعل “إسرائيل” أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب، مما يؤدي إلى انخفاض تصنيفاتها الائتمانية، قائلين: “هناك علاقة بين العمليات التي تبدو غير مترابطة، مثل قدرة القضاء على مراجعة الحكومة، والثقة في الاقتصاد، مما يؤثر على الأداء الاقتصادي”. وحذروا من أن مقترحات رئيس الوزراء قد تضر بالاقتصاد الإسرائيلي، وقد تردد صدى تحذيراتهم في رسالة أخرى انضم إليهما فيها 370 اقتصاديًا إسرائيليًا.
وأرسل قادة الأعمال والمستثمرين في قطاع التكنولوجيا، والتي شكلت في سنة 2021 54٪ من صادرات “إسرائيل” من السلع والخدمات، رسائل مماثلة من قبل، وفي 24 كانون الثاني/ يناير؛ نظم حوالي ألف عامل تقني في شركات مختلفة أول إضراب لهم على الإطلاق احتجاجًا على المقترحات؛ حيث ساروا وهم يحملون لافتات كتب عليها “لا ديمقراطية – لا تكنولوجيا عالية”.
من جهتهم؛ ذهب بعض رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إلى أبعد من ذلك، حيث أعلنوا عن تحويل أموالهم إلى الخارج، وهو أمر لم يحدث مثله من قبل بالنسبة لصناعة كافحت لعقود لجلب الاستثمار الأجنبي إلى “إسرائيل” وتفخر بإبقاء مراكزها البحثية هناك، حتى عندما تم شراء الشركات الناشئة من قبل الشركات الأجنبية.
وتقول فيونا دارمون، المُستثمرة المغامرة في القدس: “ينظر المستثمرون والشركات الناشئة إلى قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي على أنه نموذج يُحتذى به في المهنية. ويُعد النظام القانوني المهني والمستقل حجر الأساس لذلك”.
نظم حوالي ألف عامل تقني في شركات مختلفة أول إضراب لهم على الإطلاق احتجاجًا على المقترحات
إن مخاوف التقنيين لا تقتصر عن كونها مخاوف مالية فحسب، فهي تعكس الانقسامات الأيديولوجية والاجتماعية داخل “إسرائيل” التي تقف وراء الاحتجاجات ضد الحكومة؛ حيث ينحدر الناس في قطاع التكنولوجيا بأغلبية ساحقة من الطبقة الوسطى في “إسرائيل”، والتي تُصنف بأنها علمانية، في حين يميل مؤيدو تحالف نتنياهو إلى أن يكونوا أكثر تدينًا ومن الطبقة العاملة.
لا تحاول الحكومة إضعاف المحكمة العليا ذات الميول الليبرالية فحسب، بل تريد زيادة التمويل للعلماء اليهوديين مدى الحياة وللمدارس الدينية التي ترفض تدريس مواد مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية. وفي الوقت نفسه؛ تقترح تقليص المشاريع التي يحبها الإسرائيليون العلمانيون، مثل هيئة الإذاعة العامة. ومن جهته؛ يقول أحد المسؤولين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا: “يبدو الأمر وكأن الحكومة تحاول أن تفعل كل ما في وسعها للتغلب على الإسرائيليين الذين يعملون ويدفعون معظم الضرائب”.
لا يظهر نتنياهو، إلى حد الآن أي نية في التخلي عن خططه؛ حيث ويعتمد استقرار حكومته على دعم شركائه السياسيين اليمينيين المتطرفين، كما أنه لدى رئيس الوزراء، الذي يواجه اتهامات بالرشوة والاحتيال (وهي مزاعم ينفيها بشدة)، أسبابه الخاصة لمعارضة المؤسسة القانونية الإسرائيلية.
لكن الاتهامات الأخيرة – بأنه يعرّض النجاح الاقتصادي لـ”إسرائيل” للخطر – تشغله الآن؛ ففي الأسابيع الأخيرة تصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية التي تحتلها “إسرائيل”، حيث قتلت قوات الأمن الإسرائيلية عشرات الفلسطينيين هناك، وفي 27 كانون الثاني/ يناير قتل فلسطيني مسلح سبعة إسرائيليين في القدس. وعلى الرغم من هذه الفظائع؛ كثّف نتنياهو حملته على وسائل التواصل الاجتماعي للتركيز على الاقتصاد.
مرة أخرى؛ أخبر نتنياهو قادة الأعمال في تل أبيب أن سياساته كانت مصدر النجاح الاقتصادي لـ”إسرائيل” وضمانًا للنمو في المستقبل، وقال إن خصومه السياسيين يديرون “حملة تخويف” لردع المستثمرين، وأصر على أن آلاف المستثمرين كانوا يبتعدون عن “إسرائيل” بسبب “التدخل القانوني”، وقد تم تصميم إصلاحاته للمساعدة في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي فحسب.
حتى الآن؛ هناك القليل من الدلائل على تعثر الاقتصاد الذي نما بنسبة تزيد عن 6 بالمائة في سنة 2022 ويبقى أن نرى ما إذا كانت خطط نتنياهو ستبطئه.
المصدر: الإيكونوميست