ترجمة حفصة جودة
كتب باتريك كينجسلي ورجا عبد الرحمن
تقع بقايا مستوطنة أورحاييم – غير الشرعية – فوق تلة معرضة للرياح كثيرًا شمال الضفة الغربية المحتلة، نصب نحو 20 مستوطنًا إسرائيليًا عدة أكواخ بالية في إحدى ليالي الشهر الماضي، لكن في الصباح كان الجيش الإسرائيلي قد هدمها.
لكن المستوطنين يخططون للمحاولة مرة أخرى، فقد تمكنت أكثر الحكومات اليمينية تطرفًا في “إسرائيل” من الفوز أواخر العام الماضي، التي تضم عددًا من قادة المستوطنين بين وزرائها، ما شجع حركة المستوطنين الذين أحسوا بأن فرصتهم للتوسع أصبحت أكبر من أي وقت مضى.
يقول نافيه شيندلر – 19 عامًا – مستوطن ناشط في جهود بناء مستوطنة أورحاييم: “أتوقع الآن أن تتم الأمور بشكل مختلف، فببعض من المثابرة، آمل أن تبني الحكومة هذه المستوطنة بنفسها”.
يأمل مستوطنون مثل شيندلر في بناء المزيد من المستوطنات عبر الضفة الغربية – وهو أمر غير قانوني وفقًا للقانون الدولي – حيث الأرض التي يأمل الفلسطينيون في أن تصبح مركزًا للدولة الفلسطينية المستقبلية.
في الوقت نفسه، يراقب الفلسطينيون بكثير من الخوف والقلق توسع المستوطنات، وزيادة الهجمات على الفلسطينيين مع تزايد قدوم المستوطنين.
بنت الحكومات الإسرائيلية السابقة مئات المستوطنات وقامت بحمايتها، لكنها كانت تعارض البؤر الاستيطانية غير المصرح بها التي يبنيها نشطاء المستوطنين، والآن فالدعوات المفتوحة لبناء المستوطنات من الحكومة وتزايد طموحات حركة المستوطنين مع تصاعد العنف، يثير الخوف من التحفيز على انفجارات قادمة في الضفة الغربية.
اجتاحت موجة عنف غير مسبوقة من المستوطنين تجاه الفلسطينيين وممتلكاتهم أجزاءً من الضفة الأسبوع الماضي، وذلك بعد شهر من اقتحامات الجيش الإسرائيلي شبه اليومية للمدن والبلدات الفلسطينية، خلّفت 26 شهيدًا فلسطينيًا.
تصاعدت كذلك الهجمات الفلسطينية على الإسرائيليين بشكل حاد، ما ينذر باتجاه المنطقة نحو الهاوية.
وثقت الأمم المتحدة 22 هجمة وعملية تخريب قام بها المستوطنون من 26 إلى 30 يناير/كانون الثاني، بينما قال مسؤولون فلسطينيون إن الرقم الحقيقي أكبر 7 مرات، وقعت أكبر من 70 هجمة للمستوطنين خلال شهر يناير/كانون الثاني، وقد قال مسؤولو الأمم المتحدة إنه إذا استمر هذا المعدل خلال العام، فسيكون الأعلى منذ نصف عقد على الأقل.
يتوج ذلك ما صرح به الجيش الإسرائيلي عن 59 هجمة فلسطينية في يناير/كانون الثاني بالضفة الغربية وهي ضعف الهجمات التي وقعت قبل شهرين، ما تسبب في عدة إصابات لكن دون وفيات، لكن في نفس الفترة قُتل أكثر من 35 فلسطينيًا بعضهم خلال تلك الهجمات، واثنان على الأقل على أيدي مستوطنين في ظروف قال المسؤولون الإسرائيليون إنها كانت دفاعًا عن النفس، لكن الفلسطينيين قالوا إنها لم تكن واضحة.
دائمًا ما كان العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين أمرًا روتينيًا في الضفة الغربية التي احتلتها “إسرائيل” في أثناء حرب 1967 التي هزمت فيها “إسرائيل” عدة جيوش عربية، ومنذ ذلك الحين، بُنيت عدة مستوطنات إسرائيلية لتعيق آمال الفلسطينيين بالسيادة.
ساهمت تلك المستوطنات أيضًا في إنشاء نظام قانوني ثنائي المستوى، يحيل المستوطنين لمحاكم مدنية، بينما يحيل الفلسطينيين لأخرى عسكرية.
لكن هنا توقعات بمزيد من العنف الآن، فنشطاء المستوطنين الذين يعتقدون أن أرض الضفة الغربية هي الأرض التي وعدها بهم الرب، مدفوعون بوجود حلفائهم في الحكومة الجديدة.
في الوقت نفسه ظهرت مجموعات جديدة من المقاتلين الفلسطينيين الشباب ردًا على اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي والفساد المتزايد بين القادة الفلسطينيين.
سلطت موجة العنف الأسبوع الماضي الضوء على مدى استعداد الموقف لمزيد من التصعيد، فقد تسببت هجمة للجيش الإسرائيلي شمال الضفة الغربية في قتل 10 فلسطينيين بعد اندلاع معركة مسلحة، وقبل أن يقتل مهاجم فلسطيني 7 إسرائيليين في القدس، كان الحادثان الأكثر عنفًا خلال سنوات.
لكن القليل من التقارير تحدثت عن موجة لاحقة من هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين التي خرّب فيها المستوطنون منازل الفلسطينيين ومتاجرهم وسياراتهم.
في إحدى الهجمات، أظهرت لقطات كاميرا المراقبة 3 رجال ملثمين داخل قرية ترمسعيا الفلسطينية ليلة السبت الماضي، قفز الرجال فوق السياج ودخلوا منزلًا ثم غابوا عن نظر الكاميرا، بعد عدة ثوان اندلعت النيران تحت مظلة المنزل المصنوعة من الطين الأحمر، بينما فر الرجال عبر السياج مرة أخرى.
يقول عوض أبو سمرة – 47 عامًا – الفلسطيني الذي أسرع إلى المنزل الذي يملكه فلسطيني أمريكي: “إنهم يعتقدون أنهم وحدهم الذين يملكون حقًا في تلك الأرض، يبدو أن الوضع متجه من السيئ إلى الأسوأ خاصة مع تلك الحكومة الجديدة”.
في قرية جينصافوط – شمال غرب الضفة الغربية – استيقظت وسام عيد – 29 عامًا – صباح الأربعاء لتجد أن الإطارات الأربع لسيارة أسرتها الرياضية السوداء ممزقة، وجد 7 جيران آخرين على الأقل أن إطارات سياراتهم ممزقة أيضًا، ويعتقد جميع السكان أن هذه الجرائم ارتكبها المستوطنون.
لسنوات، كان الإسرائيليون من المستوطنة القريبة يدخلون القرية عدة مرات لتمزيق الإطارات وكسر النوافذ وكتابة عبارات عنصرية ضد الفلسطينيين على الجدران بما في ذلك جدران مسجد القرية وفقًا لشهادات السكان والمسؤولين المحليين، لكن لم يحدث ذلك مطلقًا في الحي الذي تسكنه عيد.
تقول عيد بعد أن وجدت الإطارات ممزقة: “لقد تجمدت من الخوف، كان من الممكن أن يتسلقوا السور ويدخلوا المنزل”، قررت عيد ألا ترسل أطفالها ذلك اليوم إلى المدرسة، بعد ساعات كانت لا تزال ترتجف وتمسك هاتفها في قلق، تضيف عيد “هدفهم أن يصيبونا بالرعب، إنهم يرسلون رسالة: ابقوا خائفين وقلقين، وأنا كذلك بالفعل”.
يعترف المستوطنون بوقوع أعمال عنف، لكنهم يقولون إن أقلية صغيرة تقوم به، وفي الأغلب دفاع عن النفس، وأنه لو لم يكن هناك هجمات فلسطينية مثل الأخيرة في القدس، لن يكون هناك ردود للمستوطنين.
يصور بعضهم الحياة في الضفة الغربية كعملية تعايش مضطربة بين مجموعتين قوميتين، يزعزعها غالبًا أعمال العنف الفلسطينية، فقد قتل الفلسطينيون 9 إسرائيليين في الضفة الغربية العام الماضي، و21 إسرائيليًا وأجنبيًا داخل “إسرائيل”، ويقول الجيش الإسرائيلي إنه توقف عن محاول إحصاء عدد هجمات الفلسطينيين بإلقاء الحجارة على الإسرائيليين في الضفة الغربية لأن الرقم يُعد بالآلاف.
يقول شيندلر – الذي قال إنه لا يوافق شخصيًا على العنف -: “تبدأ معظم الحالات بأعمال عدائية من الفلسطينيين ضد الإسرائيلين، فنرد على ذلك، لكن وسائل الإعلام لا تغطي الأمر بتلك الطريقة”.
بالنسبة للفلسطينيين، فالإسرائيليون لا يحتكرون العنف فقط – فقد قُتل أكثر من 170 فلسطينيًا في الضفة الغربية العام الماضي، معظمهم قتلتهم القوات الإسرائيلية وهو أعلى رقم منذ عقد ونصف – لكنهم أيضًا لا يعترفون أيضًا باختلال توازن القوة العميقة الذي تسبب فيه إنشاء المستوطنات في الضفة الغربية إضافة إلى القيود التي يفرضها الاحتلال على الروتين اليومي للفلسطينيين وحرياتهم.
عادة ما تمتد المستوطنات الإسرائيلية لأراضي فلسطينية خاصة، ما يتطلب حشد قوة عسكرية إسرائيلية كبيرة لحمايتهم، وقد أدى ذلك إلى النظام القانوني الذي يحاكم الفلسطينيين أمام المحاكم العسكرية بمعدلات إدانة عالية، بينما يُحاكم الإسرائيليون أمام محاكم مدنية، إذا حوكموا من الأساس.
وجدت البيانات التي نشرتها المنظمة الحقوقية الإسرائيلية “Yesh Din” هذا الأسبوع التي تراقب عنف المستوطنين أن 3% فقط من الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين من 2005 نتج عنها إدانة وتجريم.
بدأت المبادئ التوجيهية للحكومة الإسرائيلية الجديدة التي نُشرت أواخر العام الماضي بالتأكيد المباشر على الحق الحصري للشعب اليهودي في “إسرائيل” والضفة الغربية.
وعد اتفاق آخر للتحالف بضم الضفة الغربية رسميًا وتقنين عشرات المستوطنات غير الشرعية في الضفة، كما منح قائد المستوطنين بتسئليل سموتريتش سيطرة اسمية على وزارة الدفاع التي تشرف على عمليات البناء والهدف في الضفة الغربية.
يقول يدعايا ستين – 22 عامًا – وهو مستوطن ناشط آخر يقود جهودًا لإنشاء أورحاييم: “نأمل أن تنفتح نافذة لفرصة جديدة، وسنطالب بالمزيد والمزيد من البناء”.
تحت ضغوط الحلفاء – بمن فيهم الولايات المتحدة – تجنب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تنفيذ أجزاء من اتفاق التحالف بالكامل، فحتى الآن يعمل على تقييد سموتريتش.
فعندما دفع سموتريتش لإبقاء أورحاييم قائمة، هدمها نتنياهو، والآن يرغب سموتريتش في هدم مجتمع فلسطيني يعيش شرق القدس، لكن الحكومة قررت تأجيل هدمه هذا الأسبوع وسط مخاوف من ردود فعل فلسطينية عنيفة واسعة.
تسبب ذلك في انقسام دخل حركة المستوطنين، فالنشطاء الأصغر سنًا يريدون استغلال اللحظة لبناء المزيد من البؤر الاستيطانية، بغض النظر عن التداعيات المحلية والدولية، لكن النشطاء الأكبر سنًا يشعرون أن بإمكانهم تحقيق المزيد بالعمل بهدوء في أروقة السلطة لمنح المستوطنين سيطرة طويلة المدى على الضفة الغربية، ما يمكنهم من المزيد من البناء في المستقبل.
يقول يسرائيل مداد – ناشط استيطاني مخضرم -: “لسنا بحاجة لتغيير كل شيء في يوم وليلة، فبالعمل الكافي بعيدًا عن الأنظار في اتجاه التخطيط الإستراتيجي، يمكننا تحقيق المزيد”.
لكن بالنسبة لشباب المستوطنين مثل شيندلر وستين، فقد حان الوقت لبناء بؤر جديدة مثل أورحاييم، فكل أزمة بسبب بؤرة استيطانية جديدة ستزيد من الضغط على الحكومة لتحويل مُثلها المؤيدة للمستوطنين إلى ممارسة.
يرى شيندلر أن ردود الفعل أمر حتمى، لذا لا معنى للقلق بشأنهم، ويضيف “إنها حرب قومية بين شعبين، الصراع على الأرض وهناك القليل من الأراضي للمطالبة بها، لذا ستشتد الحرب على هذه الأرض”.
المصدر: نيويورك تايمز