تواصل فرق الإنقاذ العمل – وسط درجات حرارة تقترب من التجمد – لانتشال المحاصرين تحت أنقاض المباني في جنوب تركيا وشمال سوريا أو الذين تُركوا بلا مأوى نتيجة الزلزال الذي ضرب المنطقة بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر، فيما بدأت فرق الإنقاذ والمساعدات من دول العالم بالوصول إلى المناطق المنكوبة.
وما زال المدى النهائي للكارثة في المنطقة الحدودية غير واضح، بفعل قوة الزلزال واتساع دائرته الجغرافية (10 ولايات تركية، وعدد من المحافظات السورية)، كما شعر به سكان دول أخرى كلبنان والأراضي الفلسطينية واليونان وقبرص وأرمينيا وجورجيا والعراق وبعض المناطق في مصر.
تتصاعد حصيلة القتلى والمصابين باستمرار، وتخطى مجمل عدد الضحايا الذين سقطوا جراء الزلزال 5 آلاف قتيل و24 ألف جريح، وفق مسؤولي الصحة في البلدين، كما دُمر نحو 6 آلاف مبنى جراء الزلزال الذي أعقبه 285 تابعًا.
لمجابهة الكارثة، حولت السلطات قاعات رياضية ومدارس ومساجد إلى مراكز لإيواء الناجين، فيما فضل عدد كبير من السكان البقاء في العراء خشية وقوع هزات جديدة، وتتوقع منظمة الصحة العالمية الأسوأ وتخشى أن تكون “الحصيلة أعلى بثماني مرات من الأرقام الأولى المنشورة”.
حصيلة كبيرة، تؤكد حجم الكارثة التي ألمت بالشعبين التركي والسوري، وتؤكد أن الزلازل أشد الكوارث الطبيعية حصدًا للأرواح، خاصة أنها تتسبب في العديد من الأمراض والأوبئة التي يمكن أن تودي بحياة الآلاف.
أبرز الزلازل التي عرفتها تركيا
يصف المختصون في علم الزلازل ما حدث في محافظات الجنوب التركي والشمال السوري، بأنه أكبر زلزال في تاريخ المنطقة منذ عقود، ولا يقترب منه إلا زلزال عام 1939 شمال شرق تركيا، الذي تسبب في أضرار كبيرة.
وتعدّ تركيا من بين أكثر الدول المعرضة للزلازل في العالم، فهي محل تقاطع لعدد من خطوط الصدوع الجيولوجية الرئيسية، ما يؤدي إلى وقوع زلازل صغيرة بشكل مستمر ومتقارب، فضلًا عن الزلازل الكبيرة التي يسقط نتيجتها قتلى وجرحى، وتحدث أضرارًا هائلةً في البنية التحتية.
سجل العالم لأول مرة أول زلزال بقوة 9 درجات بمقياس ريختر في شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية وكان ذلك في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1952
يعيد هذا الزلزال العنيف إلى الأذهان سلسلة من الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا خلال العقود الأخيرة، منها الزلزال الذي وقع في 26 ديسمبر/كانون الأول 1939 بقوة 7.8 درجة على مقياس ريختر، في مدينة إرزينجان الشرقية، ولقي نحو 33 ألف شخص حتفهم بسببه، بحسب الإحصاءات الرسمية.
بعدها بـ60 عامًا، تحديدًا يوم 17 أغسطس/آب 1999 استفاقت تركيا على زلزال مدمر ضرب منطقة مرمرة (شمال غربي)، المعروفة بالاكتظاظ السكاني، وقد بلغت قوة الزلزال 7.4 درجة، وتركز في بلدة جولجوك الصناعية، واستمر لمدة 45 ثانية، متسببًا بمصرع 14 ألف شخص وتشريد نحو نصف مليون.
ماذا عن العالم؟
أما على مستوى العالم، فإن أبرز الزلازل وأشدها قوةً وعنفًا زلزال تشيلي الذي وقع يوم 22 مايو/أيار عام 1960، الذي ضرب مدينة فالديفيا بقوة 9.5 على مقياس ريختر وتضررت مناطق أخرى جنوب البلاد.
تسبب هذا الزلزال بمقتل ما يقرب من 5000 شخص، وهو أكبر زلزال سجل على الإطلاق وترك الملايين بلا مأوى، كما تسبب في تسونامي قتل 61 شخصًا في هاواي و138 في اليابان و32 في الفلبين، وثار على إثره بركان كوردون كوالي في تشيلي.
بعدها بسنتين، شهد مضيق الأمير ويليام بآلاسكا زلزالًا عنيفًا بقوة 9.2 على مقياس ريختر، أسفر عن مقتل 128 شخصًا فقط، برغم قوته الهائلة، لكنه تسبب في خسائر في الممتلكات بلغت نحو 311 مليون دولار.
كما قتل زلزال تانغشان العظيم، في 28 يوليو/تموز 1976، بقوة 7.8 درجة، ما بين 250.000 و800.000 شخص، ودمر تقريبًا مدينة تانغشان الصينية المشهورة بتعدين الفحم والتصنيع، التي تقع على بعد نحو 110 كيلومترات شرق بكين.
في 26 ديسمبر/كانون الأول 2004، هزّ زلزال المحيط الهندي قبالة جزيرة سومطرة الإندونيسية بقوة 9.1 على مقياس ريختر، وتسبب في مقتل 226306 شخصًا، قتلوا أو اعتبروا في عداد القتلى، وتشرد نحو 1.7 مليون شخص جراء الزلزال والتسونامي اللاحق له، في 14 دولة في جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا.
كما أدى زلزال ضرب بورت أو برنس في هاييتي، عام 2010 بقوة 7 درجات بمقياس ريختر إلى مقتل 316000 شخص، ودمر زلزال هايتي منطقة العاصمة بورت أو برنس وخلف ما يقدر بنحو 1.5 مليون ناجٍ بلا مأوى.
وفي 11 مارس/آذار 2011، شهد الساحل الشرقي لجزيرة هونشو اليابانية زلزالًا بقوة 9 درجات، ولد موجات تسونامي هائلة أودت بحياة ما يقدر بنحو 15891 شخصًا، وكان تأثيره أقوى 8000 مرة من القنبلة النووية التي ألقيت على اليابان خلال الحرب العالمية الثانية.
يذكر أن العالم سجّل لأول مرة أول زلزال بقوة 9 درجات بمقياس ريختر في شبه جزيرة كامتشاتكا الروسية وكان ذلك في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1952، وولد الزلزال موجات تسونامي بلغ ارتفاعها 13 مترًا، ولم تزهق خلال هذا الزلزال أي أرواح، لكن في هاواي، قُدرت الأضرار في الممتلكات بنحو مليون دولار، وقذفت الموجات بالقوارب إلى الشاطئ، وتسببت في انهيار منازل ودمرت الأرصفة وجابت الشواطئ ثم انتقلت إلى الطرق.
تغييرات كثيرة حملتها الزلازل
تبيّن هذه الأرقام والحقائق أن الزلازل أشد الكوارث الطبيعية حصدًا للأرواح، خاصة أنها تخلف أمراضًا وأوبئةً كثيرةً تودي بحياة الآلاف في المناطق المنكوبة ويمكن أن يصل ضررها إلى المناطق المجاورة، خاصة إذا تلوثت مصادر المياه.
لكن إلى جانب عدد الضحايا الكبير والدمار الذي خلفته الزلازل، والأمراض والأوبئة التي يمكن أن تنتج عنها، تسببت العديد من الزلازل في تغييرات تاريخية كبيرة، من ذلك ما حصل في تركيا سنة 1999 عقب الزلزال المدمر الذي ضرب إزميت.
تسبّب الزلزال في أضرار قدرت بنحو 5 مليارات دولار للاقتصاد التركي – ما يقرب من 2.5% من الناتج القومي الإجمالي للبلاد، وفق البنك الدولي -، ما ساهم إلى جانب عوامل أخرى بينها عدم الاستقرار السياسي والفساد، في أزمة اقتصادية كبرى بالبلاد.
دفعت هذه الأزمة بسلطات البلاد إلى الجوء لصندوق النقد، وكانت هذه المشكلات سببًا في عملية إصلاح سياسي جذري أدت لوصول حزب العدالة والتنمية للحكم في عام 2003، حين بدأ الإصلاح الاقتصادي في البلاد.
من التغييرات التي كانت الزلازل سببًا مباشرًا فيها، ما حدث في إندونيسيا نهاية سنة 2004، إذ ضرب زلزال تحت البحر بقوة 9.1 درجة قبالة ساحل جزيرة سومطرة الإندونيسية، ما تسبب في تسونامي قتل ما لا يقل عن 225000 شخص في 12 دولة، أغلبهم في إندونيسيا وسريلانكا والهند وجزر المالديف وتايلاند.
ساهمت كارثة تسونامي في دفع الحكومة الإندونيسية ومتمردي إقليم أتشيه للمضي قدمًا في السلام بالإقليم، الذي ما زال ساريًا حتى الآن، وأنهى الاتفاق نزاعًا دام 30 سنة وأسفر عن مقتل نحو 15 ألف شخص.
أما زلزال اليابان الذي وقع في 1 سبتمبر/أيلول 1923، فقد ساهم في تقوية اليمين القومي المتطرف الذي قاد البلاد إلى شن هجوم واسع في آسيا، وصولًا للهجوم على قاعدة بيرل هاربور في جزر هاواي الأمريكية عام 1941، الذي دشن دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، وقصفها لليابان بقنبلتين نوويتين.