ترجمة حفصة جودة
قُتل أكثر من 8 آلاف شخص وأُصيب عشرات الآلاف بجروح، جراء الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا يوم الإثنين، انهارات آلاف المباني في كلتا الدولتين، بينما تحذر وكالات الإغاثة من عواقب كارثية شمال غرب سوريا، حيث يعيش ملايين النازحين الذين يعتمدون بالفعل على المساعدات الإنسانية.
تجري الآن جهود إنقاذ ضخمة بمساعدة المجتمع الدولي في عمليات البحث والتعافي، وفي الوقت نفسه، حذرت الوكالات من احتمالية تصاعد أعداد الوفيات بشكل أكبر، إليكم ما نعرفه عن الزلزال، ولماذا كان مدمرًا بهذا القدر؟
أين وقع الزلزال؟
يعد هذا الزلزال واحدًا من أقوى الزلازل التي وقعت بالمنطقة خلال القرن، فقد أيقظ السكان من سباتهم في الساعات الأولى من صباح الإثنين، نحو الرابعة فجرًا، ووفقًا لهيئة المسج الجيولوجي الأمريكية فقد وقع الزلزال على بعد 23 كيلومترًا شرق مدينة نورداغي في محافظة غازي عنتاب التركية على عمق 24.1 كيلومتر.
وقعت سلسلة من الهزات الارتدادية بالمنطقة في الساعات التالية للزلزال الأول، فقد وقعت هزة ارتدادية قوتها 6.7 ريختر بعد 11 دقيقة من الزلزال الرئيسي، لكن الهزة الأسوأ بلغت قوتها 7.5 ريختر ووقعت بعد 9 ساعات من الزلزال الأول.
كانت هذه الهزة التي بلغت قوتها 7.5 ريختر قد وقعت على بعد 95 كيلومترًا شمال الزلزال الأول، وهي الأقوى بين 100 هزة ارتدادية سُجلت حتى الآن.
تسابق فرق الإنقاذ الزمن والإمكانات المتاحة لسحب الناجين من تحت الركام على جانبي الحدود، حيث انهار أكثر من 5700 مبنى في تركيا وفقًا لوكالة الكوارث في البلاد.
كان هذا الزلزال يوم الإثنين من أعنف الزلال التي ضربت تركيا في القرن الماضي، بعد الزلزال الذي ضرب البلاد عام 1939 بقوة 7.8 ريختر، ونتج عنه أكثر من 30 ألف قتيل وفقًا لهيئة المسج الجيولوجي الأمريكية.
لماذا تقع الزلازل؟
تحدث الزلازل في كل قارة بالعالم من قمم جبال الهيمالايا وحتى أعمق الوديان مثل البحر الميت إلى أبرد المناطق في أنتاركتيكا، ومع ذلك فتوزيع هذه الزلازل ليس عشوائيًا.
تصف هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية الزلزال بأنه اهتزاز الأرض مسببة انزلاقًا مفاجئًا في الصدع، تدفع الضغوط على قشرة الأرض الخارجية جوانب الصدع معًا، يزداد هذا الضغط حتى تنزلق الصخور فجأة، مخلفة طاقة على هيئة موجات تسافر عبر قشرة الأرض وتسبب الاهتزازات التي نشعر بها في أثناء الزلزال.
تُقاس الزلازل بأجهزة قياس الزلزال التي تراقب موجات الزلزال المسافرة عبر قشرة الأرض بعد وقوع الزلزال، ربما يعرف الكثيرون مصطلح مقياس ريختر الذي استخدمه العلماء لسنين طويلة، لكنهم يستخدمون هذه الأيام مقياس ميركالي المعدل “MMI” لأنه أكثر دقة في قياس حجم الزلازل.
ما قوة زلازل قدره 7.8؟
تُعرف قوة الزلزال بالحجم، وقد تختلف كثافة الهزة وفقًا للجغرافيا والتضاريس المحلية وعمق الزلزال، على مقياس الحكم، فكل زيادة في الرقم الصحيح تُترجم إلى زيادة في الطاقة قدرها 32 مرة.
وهكذا يمكن الشعور بالزلزال الذي ضرب جنوب تركيا بقوة 7.8، في لبنان وفلسطين على بعد مئات الكيلومترات.
ليس بغريب عن تركيا وقوع زلازل قوية لأنها تقع على حدود صفائح تكتونية، فقد دمرت 7 زلازل قوتها 7 وأكثر، البلاد خلال الـ25 عامًا الماضية، لكن زلزال الإثنين كان واحدًا من أقوى الزلازل.
كما أنه أقوى زلزال في العالم منذ الزلزال الذي ضرب منطقة قرب جزر ساندويتش الجنوبية جنوب المحيط الأطلنطي عام 2021 بقوة 8.1، لكنه تسبب في أضرار قليلة نظرًا لبعد موقع الحادث.
تقول كارل لانغ الأستاذ المساعد بجامعة جورجيا للتكنولوجيا في كلية علوم الأرض والغلاف الجوي إن هذه المنطقة عرضة للنشاط الزلزالي.
لماذا تقع الكثير من الزلازل في تركيا؟
يقول عالم الأرصاد الجوية وخبير الطقس تشاد مايرز: “عادة ما نتحدث عن مركز الزلزال، لكن هذه المرة يجب أن نتحدث عن خط الزلزال، فقد التقت صفيحتان تكتونيتان – العربية والأوراسية – تحت محافظات جنوب شرق تركيا، على طول خط الصدع ذلك، انزلقت الأرض على طول 100 ميل من جانب إلى الآخر”.
يشير علماء الزلازل إلى هذا الحدث بأنه “انزلاق مفاجئ” حيث تتلامس الصفائح ثم تنزلق على جانبها فجأة، يختلف ذلك عن “حلقة النار” التي وقعت على طول الساحل الغربي للولايات المتحدة، في تلك المنطقة تقع الزلازل والتسونامي بسبب “الاندساس” حيث تنزلق إحدى الصفائح تحت الأخرى.
يقول مايرز: “في الانزلاق المفاجئ، تتحرك الصفائح أفقيًا وليس رأسيًا، لهذا السبب لم تتحرك المباني ذهابًا وإيابًا، ثم بدأت في التحرك بهذا الشكل في الهزات الارتدادية”.
تقول عالمة الأرصاد كارين ماغينيس: “بسبب طبيعة هذا الحدث، قد تستمر الهزات الارتدادية لأسابيع وشهور”.
كيف يُقارن هذا الزلزال عالميًا؟
عند مقارنة الحدث بالزلازل الكبرى الأخرى حول العالم، سنجد أن زلزال وتسونامي اليابان عام 2011 – الذي قُتل وفُقد فيه أكثر من 22 ألف شخص – سجل قوة قدرها 9.1، خلّف هذا الحدث دمارًا واسعًا بعد أن ابتلعت المياه قرى كاملة وسحبت المنازل على الطرق السريعة، ما تسبب في أسوأ كارثة نووية شهدتها البلاد على الإطلاق.
قبل ذلك بعام في 2010، ضرب زلزال قوته 7 درجات هايتي مسببًا قتل ما بين 220 ألف إلى 300 ألف شخص، وإصابة 300 ألف آخرين ونزوح الملايين.
وفي 2004، ضرب زلزال قوته 9.1 ساحل سومطرة في إندونيسيا مسببًا تسونامي خلّف وراءه 227898 قتيلًا ومفقودًا، لكن الزلزال الأقوى في القائمة كان زلزال تشيلي عام 1960 الذي كانت قوته 9.5 درجة.
لماذا كان زلزال تركيا مدمرًا للغاية؟
ساهمت عدة عوامل في شدة دمار هذا الزلزال، أحدها التوقيت الذي وقع فيه الزلزال، فالزلزال وقع في الساعات الأولى من الصباح حين كان غالبية الناس نائمين، والآن أصبحوا عالقين تحت أنقاض منازلهم.
وبسبب الطقس البارد والرطب في المنطقة والظروف السيئة، أصبحت جهود الإنقاذ والحركة على جانبي الحدود أكثر تحديًا، ورغم أن درجات الحرارة منخفضة بالفعل، فمن المتوقع انخفاضها عدة درجات أخرى تحت الصفر بعد يومين من الزلزال، فمن المتوقع أن تصل درجة الحرارة في غازي عنتاب إلى -4 يوم الأربعاء وفي حلب -2، وفي الخميس تنخفض إلى -6 و-4 على التوالي.
هذه الظروف السيئة شكلت تحديًا أمام وصول فرق الإنقاذ للمناطق المتضررة، فقد قال وزير الصحة التركي فخر الدين قوجة إن طائرات الهليكوبتر لم تتمكن من الهبوط يوم الإثنين بسبب سوء الطقس، ومع ذلك طلب المسؤولون من السكان مغادرة منازلهم لسلامتهم وسط مخاوف من هزات ارتدادية أخرى.
وسط هذا الدمار يتساءل الكثيرون عن الدور الذي لعبته البنية التحتية للمباني المحلية في تلك المأساة، يقول المهندس الإنشائي في هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية كيشور جايسوال إن تركيا واجهت زلازل شديدة في الماضي من بينها زلزال 1999 الذي ضرب جنوب غرب تركيا وقتل أكثر من 14 ألف شخص.
يضيف جايسوال إن عددًا من المناطق في تركيا مسجلة بأنها منطقة خطر زلزالي عالٍ، لذلك فتنظيم المباني في المنطقة يعني أن تقاوم هذه المشاريع الإنشائية هذه الزالزل وتتجنب الانهيار الكارثي في أغلب الأحوال، إذا بُنيت بشكل صحيح.
لكن لم تُبن جميع المباني وفق معايير الزلزال التركية الحديثة، هذا القصور في التصميم والبناء خاصة المباني القديمة، يعني أن هذه المباني لن تتحمل الصدمات الشديدة.
يقول جايسوال: “إذا لم تُصمم تلك المنازل لمقاومة الزلازل الشديدة التي قد تتعرض لها على مدى الحياة، فإنها لن تصمد طويلًا”، كما حذر جايسوال من أن العديد من المباني التي ما زالت قائمة قد تكون ضعيفة بشكل بارز نتيجة الزلزالين القويين اللذين تعرضوا لهما.
ما زالت هناك فرصة ضئيلة لوقوع توابع أخرى للزلزال، ما قد يتسبب في وقوع تلك المباني، لذا خلال نشاط الهزات الارتدادية يجب أن يتخذ الناس حذرهم عند دخول المباني الضعيفة في أثناء جهود الإنقاذ.
كيف نقدم العون؟
يعيش آلاف اللاجئين السوريين النازحين من منازلهم بسبب الحرب في المناطق التركية التي تعرضت لهذا الزلزال المدمر، فوفقًا لبيانات هيومن رايتس ووتش تأوي تركيا أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري، يعيش الكثير منهم على الحدود السورية التركية.
تضم محافظات هاتاي وغازي عنتاب وشانلي أورفا أكثر من 300 ألف سوري وفقًا لبيانات المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما تضم المحافظات المجاورة مئات آلاف اللاجئين الذين فروا من بلادهم منذ بداية الصراع في سوريا عام 2011.
بعد هذه الكارثة أعلنت منظمة ihh، ومنظمة آفاد، وفريق ملهم التطوعي، ومنظمة الخوذ البيضاء، وسوريا للإغاثة والتنمية، والجمعية الطبية السورية الأمريكية، وغيرها من المنظمات الموثوقة والنشطة في سوريا وتركيا، حملات لمساعدة جهود الإغاثة في كلا البلدين. (جرى تحرير هذه الفقرة الأخيرة باستبدال عناوين المنظمات إلى مؤسسات محلية، من قبل محرر نون بوست)
المصدر: سي إن إن