أطلق شباب متطوعون من مدينتي، داريا، حملة إغاثية على نطاق ضيّق، في مساع لنجدة المتضررين من الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي وسوريا. المستهدَفون من هذه الحملة المؤقتة هم عوائل مدينتنا المتواجدين في الشمال السوري والذين تأثروا وتضرروا من الكارثة.
الهدف الأساسي من الحملة هو التكافل في هذه الأوقات الصعبة، وتخفيف الأعباء عن المنظمات العاملة في المناطق التي تضررت بشدة، يقول أحد منسّقي هذه الحملة إن “الفرق التطوعية والمنظمات المدنية يجب أن تبقى في المدن الأكثر تضررًا”، مضيفًا: “رأينا أن نقوم بهذه الحملة بشكل عاجل لتقوم كل مجموعة بنجدة الناس القريبين منها، وبذلك نكون حقّقنا استجابة سريعة فعلية”.
كذلك امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي السورية بحملات الإغاثة الأهلية العاجلة للمناطق المتضررة والأهالي المنكوبين، فالمدن التي كانت أضرارها قليلة باتت تجمع المساعدات للقرى والمناطق التي حلّت عليها النكبة الكبرى.
ومجرد أن تدخل أي منصة من شبكات التواصل الاجتماعي، سترى أنها تحولت إلى خلية نحل لسوريين يجمعون أنفسهم ويتشكلون في فرق صغيرة حسب المنطقة المستهدفة، من أجل العمل على جمع التبرعات سواء مالية أو عينية، أو للبحث عن مفقدوين، أو لتأمين إجلاء للعائلات المنكوبة من المناطق المتضررة بالزلزال.
وكذلك السوريون في الشتات باتوا يساهمون بدفع المبالغ المالية وإرسال المواد العينية إلى المناطق المتضررة، وفي السياق يقول أسامة أبو النور، أحد المتطوعين في حملة أهلية لإغاثة الشمال السوري، إن حملتهم التي يقومون عليها “قائمة على التبرعات الفردية للشباب السوريين المتواجدين في أوروبا”.
إذًا، يحاول السوريون، أيًّ كانت مناطق إقامتهم، في الشمال السوري أو مناطق سيطرة النظام أم تركيا أو حتى في الغرب، إنجاد بعضهم والتكاتف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ومساعدة الناس المنكوبين، في الوقت الذي عجزت دول العالم والأمم المتحدة إلى الآن عن إدخال أية مساعدات للشمال السوري، وهو الأمر الذي فاقم المعاناة وزاد من حجم الخسائر في الأرواح البشرية، وأعلنت الأمم المتحدة الثلاثاء، تعليق المساعدات إلى الشمال السوري مؤقتًا، بسبب ما قالت إنه صعوبة حالة الطرقات الواصلة إلى المعابر الحدودية.
في هذه الأثناء، أكّد مازن علوش، مدير المكتب الإعلامي في معبر باب الهوى، لـ”نون بوست” عدم دخول أية مساعدات حتى الآن (ظهر الأربعاء) من أية جهة كانت، وقال إن المعبر من الجانب السوري مفتوح ولا يشهد أي حركة حاليًّا، وبيّن أن ما يدخل من تركيا حاليًّا فقط هو جثث لأشخاص سوريين لقوا حتفهم في الزلزال الذي ضرب مناطق تركية متعددة، ويأتي هذا التصريح رغم ما ذكره رئيس هيئة التفاوض السورية، بدر جاموس، من أن تركيا سمحت بإدخال المساعدات إلى الشمال السوري من عدّة معابر.
تبرُّعات
يعيش الشاب محمد السيد في ألمانيا مع عائلته، ومنذ سماعهم بخبر الزلزال والمصيبة التي حلت بتركيا والشمال السوري، بدأوا البحث عن وسيلة لإرسال مساعدة مالية فورية لإنجاد الناس المحتاجين هناك.
يقول محمد السيد لـ”نون بوست” إنه يعيش حالة من العجز التام والكآبة ممّا يحصل، مضيفًا أن مناطق الشمال التي تُركت وحيدة دون مساعدات تحتّم علينا نحن السوريين التكاتف لننقذ الناس الذين تخلى عنهم الجميع.
نظّم محمد، الذي يعمل في مجال الحوالات المالية، حملة مع أصدقائه لإرسال مساعدة مالية فورية لمنظمة “الدفاع المدني”، وخلال يوم واحد استطاع إرسال 4 آلاف يورو بحسب ما قال، ويكمل محمد قوله: “أعلم أن المال لن يفعل شيئًا، ولكن أكيد لن نظل واقفين ونجعل اليأس والعجز يستحكمانا، الدول لم ترسل أي مساعدات، لا ترسل، البركة فينا وبالشباب وبالسوريين الذين يتبرعون”.
ودعا محمد كل الشباب السوريين الذين يملكون عملًا في أوروبا أن يخصّصوا جزءًا لأهلهم في سوريا، إما عن طريق المنظمات وإما عن طريق أشخاص يثقون بهم، إضافة إلى ذلك قال محمد إنه “ألغى الأرباح من الحوالات العاجلة المرسلة إلى شمالي سوريا”.
في السياق ذاته، نشر نشطاء سوريون صورًا لقافلة إغاثية انطلقت من مدينتَي أعزاز والباب بريف حلب إلى المناطق المتضررة من الزلزال، وقد جمع تجّار المدينتَين والأهالي التبرعات العينية واللوازم الضرورية لإنجاد بعض المناطق المتضررة، وحملت الشاحنات بحسب النشطاء أغذية وخيام وبطانيات وبعض الأدوات الطبية المتوفرة، بالإضافة إلى ملابس وأحذية.
#الباب
ريف حلب الشمالي
توجه قافلة انقاذ تضم معدات طبية واغاثية وادوات تدفئة وخيام من اهالي مدينة الباب الى جنديرس pic.twitter.com/zAf4sBi8Hs— الأقصى (@bkdadaksa) February 7, 2023
وعلى الصعيد متصل، خصص بعض المؤثرين السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي منصات النشر الخاصة لديهم من أجل فتح التبرعات للمنكوبين، وهو ما فعله اليوتيوبر السوري يمان نجار، الذي أطلق بثًّا مباشرًا على تطبيق تيك توك لجمع المساعدات المالية، وخلال ساعات قصيرة جمع أكثر من 100 ألف دولار عدا عن الأرباح التي تأتي نتيجة البث المباشر والتي يتيحها التطبيق، وفق ما أعلن.
خلال 6 ساعات فقط.. اليوتيوبر #يمان_نجار يجمع تبرعات بقيمة 108 آلاف دولار عبر بث مباشر في #تيكتوك لمساندة ضحايا #الزلزال في #الشمال_السوري. #أورينت pic.twitter.com/gPE1SDV4h0
— Orient أورينت (@OrientNews) February 7, 2023
حملات المنظمات الإنسانية
استجاب عدد من المنظمات المحلية السورية للكارثة، وأطلقت حملات استجابة طارئة لتوفير الاحتياجات الإنسانية بمختلف أنواعها من أجل إنقاذ المتضررين.
وأطلق “فريق ملهم التطوعي” حملة طارئة لتأمين المأوى وتوفير الاحتياجات العاجلة للمتضررين، وجمعت حملته أكثر من 2.8 مليون دولار.
https://molhamteam.com/campaigns/439
رابط تبرُّع “فريق ملهم التطوعي”
إلى ذلك أطلق “الدفاع المدني السوري” حملة بعنوان “ادعموا أبطال سوريا” لجمع تبرعات لتغطية احتياجات فرق البحث والإنقاذ، يذكَر أن فرق “الدفاع المدني” يقع على كاهلها الحمل الأكبر من العمل لإنقاذ العالقين في شمالي سوريا، ويواصل المتطوعون ليلهم بنهارهم للوصول إلى العوائل المحاصرة تحت الركام قبل أن يفوت الأوان، يأتي ذلك في ظلّ نقص الأدوات التشغيلية اللازمة من آليات ورافعات وجرّافات ووقود لازم.
https://www.whitehelmets.org/ar/
رابط التبرُّع لـ”الدفاع المدني السوري”
إضافة إلى ما سبق، أطلقت منظمة “غراس النهضة” رابطًا للتبرع الإلكتروني لإنقاذ المتضررين وإنجاد الناس المتواجدين في العراء، وتعمل المنظمة على توزيع وجبات الطعام والأغطية والخيام وسلّات تحوي المواد الرئيسية اللازمة للمنكوبين.
كذلك قامت منظمة “أسرة” و”مجموعة هذه حياتي التطوعية” بحملات استجابة لآثار الزلزال شمال غربي سوريا، ودعت السوريين للتبرع الفوري من أجل الوصول إلى أكبر عدد من المتضررين.
رابط التبرُّع لـ”مجموعة هذه حياتي التطوعية”
رابط التبرُّع لمنظمة “غراس النهضة”
النظام يسرق المساعدات
لا فرق بين نكبة الناس في الشمال السوري وعموم سوريا، فالسوريون في مناطق سيطرة بشار الأسد يعانون من آثار الزلزال المدمرة، ورغم وصول المساعدات من عدة دول إلى مطارات النظام السوري، إلا أن المؤسسات الرسمية متّهمة على الدوام بسرقة المساعدات ونهبها وليس إيصالها إلى مستحقيها.
كما يدّعي موالو النظام السوري أن ضائقتهم الناتجة عن الزلزال وقلة مواردهم سببها العقوبات الغربية على البلاد، وتحديدًا قانون قيصر الذي أقرّه الكونغرس الأمريكي عام 2019، إلا أن القانون الأمريكي لا يمنع دخول المساعدات، بل يسهّل تقديم العون للمنظمات والمؤسسات السورية المدنية العاملة في الشأن الإنساني والإغاثي.
وكشفت تقارير سابقة سرقة النظام السوري ما يقارب 96% من المساعدات الإنسانية الأممية على مدار الـ 11 عامًا الماضية، وتسخيرها لدعم حملاته العسكرية وميليشياته، إذ فُقدت ملايين الطرود الغذائية وملايين الدولارات التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لإغاثة الشعب السوري.
إضافة إلى ذلك، فإن 47% من مشتريات الأمم المتحدة ذهبت إلى شركات وشخصيات مقرّبة من الأسد، عبر صفقات مشبوهة وتواطؤ مؤسسات وأفراد يتبعون لمنظمة الأمم المتحدة، منها 137 مليون دولار ذهبت لجيوب مقرّبين من بشار الأسد مثل محمد حمشو ونزهت مملوك وبلال النعال.
يستغل النظام السوري الزلزال والكارثة المروعة التي حلت بالبلاد للترويج لنفسه، ففي الاجتماع الحكومي الذي ترأّسه بشار الأسد، ظهر جالسًا في قاعة الاجتماعات وهو يوزّع الابتسامات يمنة ويسرة وكأن زلزالًا لم يقلب البلاد رأسًا على عقب، ثم ذهب ليتلقّى بعض الاتصالات من قادة بعض الدول العربية، ويبدو أن الأسد سعيد بطائرات المساعدات التي تصل إلى مطارات البلاد بعد سنوات من القطيعة.
بالمحصلة، إن النكبة السورية مضاعفة، ففي الشمال السوري نكبة كبيرة من دون أي عون دولي أو مساعدات، وفي مناطق النظام نكبة كبيرة وبعض الدول ترسل المساعدات لكنها تُنهب من قبل النظام، هذه النكبات المتراكمة تحتاج اليوم إلى الوقوف كتفًا إلى كتف وانتشال ما تبقّى من البلاد من قبل أهلها وأولادها، بعد تخلي كل الدول والمنظمات الخارجية.