إيطاليا وبعدها تركيا حذّرتا من حدوث تسونامي في البحر االمتوسط في أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا، بالتالي يظلّ قائمًا خطر أمواج المد العاتية، حيث يشير التاريخ وعلم الزلازل إلى أن الموجات الأكثر تدميرًا لا مفرّ منها في البحر المتوسط الذي يعيش على سواحله ملايين الناس.
تحدث معظم موجات التسونامي في المحيط الهندي، حيث لا تزال ذكريات الخوف تطارد الناجين من تسونامي 2004، وهو واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية التي شهدها العالم عندما مات 230 ألف شخص في 14 دولة، بسبب الموجة اللاحقة للزلزال الذي كان مركزه السطحي قبالة الساحل الغربي لشمال سومطرة في إندونيسيا.
تسونامي الإسكندرية
منذ مطلع القرن الحالي، اجتاحت موجات المد البحري مناطق مأهولة في العالم 177 مرة، 4 منها حدثت في حوض البحر الأبيض المتوسط، لكنها كانت صغيرة نسبيًّا، ولم تؤدِّ إلى خسائر في الأرواح.
غير أن أخطر تسونامي عرفه البحر المتوسط يعود إلى تاريخ بعيد، ففي 21 أغسطس/ آب 365م دمّر تسونامي جزءًا كبيرًا من الإسكندرية، حيث تضمّنت الوثائق التي حصل عليها المؤرخ الروماني، أميانوس مارسيليانوس، أوصافًا لشهود عيان.
ويقولون هؤلاء الشهود: “انجرف البحر إلى الوراء، وتدفقت مياهه بعيدًا لدرجة أن قاع البحر العميق أصبح مكشوفًا، وأنواع كثيرة من الكائنات البحرية يمكن رؤيتها… لذلك تقطّعت السبل بالعديد من السفن كما لو كانت على اليابسة، وتجوّل الكثير من الناس بحرّية، يجمعون الأسماك والمخلوقات المماثلة”.
وما تلى ذلك كان مفجعًا للغاية، وفقًا لإفادات الشهود العيان: “تدفقت كميات هائلة من المياه عائدة في غير المتوقع، والآن طغت وقتلت عدة آلاف من الناس… أُلقيت بعض السفن العظيمة بسبب غضب الأمواج على سطح اليابسة، وأُلقيت سفن أخرى على بُعد ميلَين من الشاطئ”.
كما تشير التقارير إلى أن حدوث التسونامي المدمّر في ذلك الوقت مرتبط أو ناتج عن نشاط زلزال كبير على شاطئ شمال البحر الأبيض المتوسط، خلال الفترة البيزنطية المبكّرة.
تحذيرات مبكّرة
كانت هناك تحذيرات مبكّرة من حدوث تسونامي مدمّر في البحر المتوسط، حيث قامت لجنة الأمم المتحدة المعنية بعلوم البحار بإنشاء نظام إنذار مبكّر من تسونامي، بهدف التخفيف من حدّته في شمال شرق المحيط الأطلسي والبحر المتوسط والبحار المتصلة، وهذا النظام الذي نجح تجريبه في أغسطس/ آب 2011 هو واحد من 4 هياكل للإنذار المبكّر تنسّقها منظمة اليونسيكو، ويتمّ تشغيلها كذلك في المحيط الهادئ والمحيط الهندي ومنطقة البحر الكاريبي.
تقول منظمة اليونسكو إن خطر حدوث تسونامي كبير في غضون الـ 30 عامًا القادمة يقارب 100%، حيث تحثّ المدن الساحلية على أن تصبح “جاهزة للتسونامي”، كما أطلقت برنامج “الاستعداد للتسونامي” لضمان أن تعرف جميع المجتمعات المعرّضة للخطر ما يجب فعله في حالة حدوث تسونامي بحلول عام 2030.
السيناريو الأسوأ الذي يضعه العلماء في الاعتبار هو أن حجم البحر الأبيض المتوسط صغير نسبيًّا، وبالتالي يمكن لموجات تسونامي أن تصل إلى كل نقطة على سواحله بسرعة، بحيث يكون وقت الإنذار المبكّر، اعتمادًا على المسافة، قصيرًا للغاية.
إن الحجم المحتمَل لتسونامي في البحر الأبيض المتوسط يمكن مقارنته تمامًا بالحدث الكارثي الذي وقع في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2004 في المحيط الهندي، وفقًا للدكتور يورن لوتيرجونغ من مركز الأبحاث الألماني لعلوم الأرض، فإن “الزلازل في منطقة البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تصل قوتها من 7.5 إلى 8، بالتالي إن ارتفاعات الأمواج من 5 إلى 6 أمتار تقع ضمن نطاق الاحتمال، وستكون العواقب وخيمة”.
إدارة مخاطر الكوراث في العالم العربي
تمتدّ على طول البحر المتوسط 8 دول عربية، وهي سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة وسوريا ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، ورغم أن تحذيرات سابقة حدّدت مناطق بعينها، بما في ذلك الإسكندرية التي تقع على ارتفاع 5 أمتار عن سطح البحر، ما يجعلها معرّضة أكثر لخطر تسونامي، إلا أنه لا يمكن اعتبار المناطق الساحلية المكتظة بالسكان والمرتفعة نسبيًّا عن سطح البحر أنها بعيدة عن الخطر.
على مستوى العالم، زادت الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية، حيث قدّرها البنك الدولي بـ 210 مليارات دولار في عام 2020، ومن بين جميع الوفيات الناجمة عن مخاطر الطقس والمناخ والمياه، وقع 91% منها بالاقتصادات النامية في فترة 1970-2019، ولا تزال النسبة مماثلة، حيث وقعت 82% من الوفيات في البلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل.
بالطبع كل هذا يحتّم على البلدان وضع برنامج إدارة مخاطر الكوارث ضمن قائمة الأولويات، لكن بلدانًا مزّقتها الحروب مثل سوريا وليبيا ستكون الأكثر تضررًا ما إذا تحققت التحذيرات بحدوث الكارثة، في حين أن تمويل تدبير المخاطر الطبيعية لا يزال ضعيفًا أو متواضعًا، بالنظر إلى الوضعية الاقتصادية الهشّة للدول الواقعة جنوب بحر الأبيض المتوسط.
تعاني الجزائر من وجود هشاشة إزاء الأخطار الطبيعية حالت دون الوقاية منها أو الحد من مخاطرها، فقد شهدت البلاد العديد من الكوارث كانت حصيلتها ثقيلة، حيث تبقى حرائق صيف 2021 من أخطر الكوارث التي تعرّضت لها البلاد، ليس من حجم الخسائر فقط ولكنها الحرائق التي شبّت في أكثر من 20 منطقة، ما أعاق حتى عمليات التدخُّل.
ترتبط المرونة للطوارئ بالقدرات الحكومية، فكلما كانت ضعيفة تفاقمت المخاطر، حيث إن الكوارث والصراعات والهشاشة تغذي بعضها، ومن ناحية أخرى قد تؤدي مخاطر الكوارث إلى تفاقم التوترات القائمة بالفعل وتزيد مخاطر العنف.
أما تونس فتحتاج إلى تحسين قدراتها المؤسساتية في خدمات الطقس والمياه والمناخ وأنظمة الإنذار المبكّر، حيث إن الاستثمار في مثل هذه الخدمات من شأنه توفير معلومات حيوية تحمي الأرواح قبل وقوع الكوارث.
بالنسبة إلى المغرب، فإن الاستثمار في الحد من المخاطر يساعد في خدمة أكثر من 174 ألف مستفيد، وتأمين قرابة 9 ملايين شخص ضد الإصابة الجسدية في الوقائع الكارثية، وإنشاء صندوق للتضامن يعود بالنفع على نحو 6 ملايين من المنتمين إلى الفئات الأشد فقرًا.
وقامت مصر بإدماج إدارة المخاطر في رؤيتها الاستراتيجية 2030، من خلال استحداث أنظمة لتعزيز ودعم جهود التنبؤ والإنذار المبكّر، فضلًا عن تطوير آليات تبادُل البيانات ونقل التكنولوجيا والمعلومات.
في الواقع، ترتبط المرونة للطوارئ بالقدرات الحكومية، فكلما كانت ضعيفة تفاقمت المخاطر، حيث إن الكوارث والصراعات والهشاشة تغذي بعضها، ومن ناحية أخرى قد تؤدي مخاطر الكوارث إلى تفاقم التوترات القائمة بالفعل وتزيد مخاطر العنف.