نحن شعب متدين بطبعه، يقولها ذلك العربي وكان منذ قليل في أحد المواصلات العامة وسائق الباص يسب الدين لذلك الذي تجرأ وانعطف أمامه بسيارته – أو سبه بأحد والديه على أقل تقدير -، أو يقولها ويتصدر اليوتيوب فيديو يحمل عنوان “شاهد قبل الحذف”، أو يقولها وتتصدر الدول العربية قوائم الفساد على مستوى العالم.
نعم يا عزيزي لسنا شعب متدين بطبعه، نحن وصلنا إلى القاع، ونكاد نختنق من عمق الانحطاط الذي وصلنا إليه، فإن كنت شابًا فأنت تعلم جيدًا المواضيع التي يتحدث عنها الكثير من الشباب – وإن لم يكن أغلبهم – والتي لا تتخطى نصفهم السفلي، وهؤلاء الفتيات اللاتي يتابعن ذلك المسلسل الأبله الذي يمثل فيه حفنة من فارغي العقل الباحثين عن المال والشهرة، ليشاهده ويجلس أمامه البلهاء فارغي العقل أيضًا، أما عن أغلب الأغاني المنتشرة فهي دائمًا تدور حول نفس قصة الحب المملة، بنفس الألحان والكلمات المزرية.
لا أدري لما يعيش هؤلاء مثل هذه الحياة الفارغة البائسة المملة، ولا يقدمون شيئًا ذا قيمة لدينهم ودنياهم، فإن في الحياة أمورًا أخرى عظيمة، واهتمامات أخرى تجعلنا بشرًا وليس أنعامًا تعيش لتأكل وفقط.
أما عن التعليم في بلادنا، فما هو إلا عملية من التشويه المتعمد للعقل البشري المذهل الذي خلقه الله، فيتحول الطفل إلى كائن لا يستطيع التدبر ولا التفكر، فاقد القدرة على الإبداع، ليحصل في نهاية المطاف على شهادة تقيس مدى نجاح عملية التشويه تلك.
وإن كنت من هؤلاء الساخطين على الأوضاع والظلم الذي يسود البلاد والعباد فإن أذنك تعتاد دائمًا سماع “امشي جنب الحيط” وأشياء من هذا القبيل من أهلك وأقاربك، ودائمًا ما يحذرونك من التعبير عن غضبك وسخطك حتى وإن كان بضع سطور على الإنترنت، فقد اعتادوا هذا الظلم والطغيان حتى صار معارضته ومحاولة تغييره ضرب من الخيال ومحاولة انتحار مؤكدة، بل إنهم خيل لهم أن هؤلاء الظالمين هم الأبطال الذين يحموننا من المؤامرة الكونية علينا، وقد نسوا قول الله عز وجل “وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ “، كما أنهم نسوا أننا ميتون لا محالة، فلماذا إذن التشبث بهذه الحياة المهينة؟!
وفي لحظة قرائتك لهذه السطور فإن “البشر” من حولنا يعيشون كـ “بشر” ويستكشفون الفضاء ويبحثون عن نشأة الكون ويخترعون وينتجون ما يفيدهم ويفيد البشرية.”
ولا أجد ما أختم به إلا أبيات المتنبي:
إذا غامَرْتَ في شَرَفٍ مَرُومِ فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ