الزلزال المدمّر الذي أصاب فجر يوم الاثنين جنوب شرق تركيا وشمال سوريا بشكل أساسي، وخلّف عددًا كبيرًا من الضحايا والمصابين والمفقودين، شعر وتأثّر به سكان البلدان المحيطة ومنها لبنان، خاصة في مدينة طرابلس شمال البلاد، وفي العاصمة بيروت، حيث خلّف فيهما حالة من الهلع والخوف، خاصة بعد الهزّات الارتدادية التي شعر بها المواطنون في هذه المناطق أكثر من مرّة.
غير أنّه بموازاة حالة الخوف والهلع التي أصابت المواطنين اللبنانيين، ولّد الزلزال حالة من التضامن الواسعة مع المصابين في كلا البلدَين، لا سيّما بعد أن بدأت وسائل الإعلام العربية والدولية تكشف حجم الدمار الذي لحق العديد من المدن والبلدات، وحجم الضحايا الآخذ بالارتفاع مع كل بناية مهدّمة يجري رفع أنقاضها، فصدرت المواقف المتضامنة من ناحية، والمعبّرة عن حزنها لحجم الخسائر البشرية والمادية من ناحية ثانية.
وترافق ذلك مع حملات وتحركات للمساعدة بما أمكن، حتى في ظل الواقع الاقتصادي الصعب والمرير الذي يعيشه اللبنانيون، وعلى المستويات الرسمية والشعبية والعامة، ولم يخلُ الأمر في بعض الأحيان من خلفية سياسية لبعض المواقف المتضامنة أو حتى المتشفّية.
الموقف الرسمي اللبناني
على الصعيد الرسمي الحكومي، وفي ظل غياب حكومة أصيلة وإدارة البلد من قبل حكومة تصريف الأعمال، أعلن رئيس هذه الحكومة، نجيب ميقاتي، تضامنه وحكومته مع الضحايا في كل من سوريا وتركيا، وقرّر إرسال مجموعات ذات خبرة من الدفاع المدني والجيش اللبناني وفرق الإسعاف الرسمية إلى كل من سوريا وتركيا، وتمّ تكليف وزير البيئة، ناصر ياسين، بمتابعة وتنسيق الأمر مع الجانب التركي، ووزير الأشغال العامة والنقل، علي حميّة، بمتابعة وتنسيق العمل مع النظام السوري.
كما قام وفد وزاري ضمّ عددًا من الوزراء المختصين والمعنيين بزيارة دمشق ولقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلا أن خطوة الحكومة لم تخلُ من نكهة سياسية، وهي التي تخشى من العقوبات الأمريكية على النظام السوري من ناحية، وهي التي تتشكّل أساسًا من أكثرية هُم حلفاء للنظام السوري من ناحية ثانية.
وقد ذُكر أن وزير البيئة المكلّف التواصل مع الجانب التركي رفض زيارة دمشق مع الوفد الوزراي على خلفية موقفه من النظام السوري، في ظل حرص من رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، على إدارة هذه الأزمة بكثير من التوازن، حتى لا يؤثّر ذلك على علاقات لبنان وعلى حكومته أيضًا.
الموقف الشعبي والأهلي
على الصعيد الأهلي والشعبي وحتى الحزبي، برزت حالة تضامن واسعة مع ضحايا الزلزال في شرق تركيا أو في شمال سوريا، غير أنّ هذه التضامن طغى عليه الانقسام السياسي من الأزمة والثورة السورية من ناحية، والموقف السياسي من تركيا وحكومتها ورئيسها من ناحية ثانية.
فعلى صعيد الإغاثة، أطلقت معظم الهيئات والمؤسسات الأهلية العاملة في إطار الإغاثة حملات تبرُّع واستغاثة للمتضرّرين من الزلزال، غير أنّ المفارقة هي في انقسامها بين من أطلق حملات تبرُّع لإغاثة المتضرّرين في مناطق سيطرة النظام السوري، دون الالتفات إلى المتضرّرين من الزلزال في شمال سوريا أو شرق تركيا.
وبالفعل، جمعت هذه الهيئات والمؤسسات المحسوبة على القوى السياسية المناصرة والمساندة للنظام السوري تبرُّعات من البيئات التي تعيش فيها، وسيّرت شاحنات إغاثة وسيارات إسعاف وطواقم طبية نحو تلك المناطق بالتنسيق مع النظام.
حملات التضامن شملت كلّ قطاعات ومكوّنات الشعب اللبناني، ما خلا بعض المهووسين والمنبوذين الذين حمّل بعضهم شعبَي تركيا وسوريا تبعات ما جرى
في مقابل ذلك، هرعت مؤسسات أهلية وإنسانية أخرى عاملة في الوسط اللبناني إلى تنظيم حملات تبرُّع وتضامن مع الشعبَين السوري والتركي، وأطلقت حملات إعلامية عبر مؤسسات إذاعية محلية ومنصات التواصل الاجتماعي لحثّ المواطنين على التبرُّع والتفاعل والتضامن.
وبالفعل وجدت هذه الحملات صدى واسعًا لدى قطاعات واسعة من اللبنانيين الذين لبّوا النداء، وتفاعلوا من خلال التبرُّع، حتى أنّ بعض النساء وصل بهنّ الموقف إلى التبرُّع ببعض حليّهن الخاص لصالح المتضرّرين من الزلزال.
فيما نظّمت بعض المؤسسات الشبابية، كجمعية الكشاف المسلم في لبنان، حملة من المتطوعين الذين انتقلوا إلى شرق تركيا للمساعدة في عمليات الإغاثة والإيواء والتسكين، بينما ساهم رجال أعمال وتجّار في تمويل حملات طبية وإنسانية للمدن والقرى في شرق تركيا وشمال سوريا، وتمّ تنسيق الكثير من هذه الأعمال الإغاثية والإنسانية مع السفارة التركية في لبنان، وعبر الجهات الحكومية اللبنانية.
وقد كان لافتًا أنّ حملات التضامن شملت كلّ قطاعات ومكوّنات الشعب اللبناني، ما خلا بعض المهووسين والمنبوذين الذين حمّل بعضهم شعبَي تركيا وسوريا تبعات ما جرى، انطلاقًا من خلفيات طائفية وعرقية حاقدة، وقد كانت هذه المواقف نادرة ومحدودة جدًّا.