في الوقت الذي تتواصل فيه جهود الإنقاذ التابعة لفرق الدفاع المدني لانتشال الركام، جرّاء الزلزال الذي ضرب شمال سوريا وجنوبي تركيا، لا تزال آلاف العائلات المتضررة إثر الكارثة تفترش الطرقات والساحات العامة ومراكز إيواء مؤقتة لا تحوي سوى خيام بلاستيكية بدائية، وسط أحوال جوّية غاية في السوء.
هول هذا الزلزال جعل السيدة مريم الصادق (43 عامًا)، المقيمة بمدينة الأتارب بريف حلب الغربي، تقول إنها اعتبرت الكارثة من علامات يوم القيامة، لتكمل: “لا أعلم كيف نسينا أولادنا وعائلتنا وهربنا خارج المنزل دون غطاء، وكأن الأمور خرجت تمامًا عن سيطرتنا، ونصرخ “الله أكبر” بصوت عالٍ”.
وأضافت: “لم أشهد مثيلًا لما حلَّ بنا ذاك الصباح.. لقد اعتقدت أنها نهاية العالم، كما أنني أيقنت أني لن أعيش وسأموت حتمًا.. وزاد هذا اليقين باسترجاع اللحظات التي عشتها مع زوجي وأولادي في الليلة الماضية داخل المنزل، وكيف كنا سعداء وكأننا كنا نودّع بعضنا، وكل ذاك جاء في مخيّلتي بأقل من لحظة في ظل الكارثة”.
السيارة بديل المنزل
وبدوره وصف أحمد رشيد، وهو في الثلاثينيات من عمره، الذعر الذي انتابه عندما شعر بهزات الزلزال، بينما كان في الطابق العلوي من البناية التي يسكنها في بلدة جنديرس شمالي حلب، قائلًا: “خرجنا في حالة ذعر. كان المطر ينزل بغزارة.. أنا الآن خائف للغاية.. لا يمكنني العودة إلى شقتي، ولا أعرف ما يخبئه المستقبل، لن أنسى ما جرى وفي كل لحظة تدور مشاهد الخوف ولحظات الكارثة في مخيلتي”.
وأضاف: “أنام اليوم مع عائلتي (زوجتي وأولادي الثلاثة) في سيارتي من نوع “هونداي – بيك آب”، بعد أن نصبت شادرًا على ظهرها يمنع تسرُّب الهواء والماء، كما أنني اشتريت بطانيات واسفنجات، وأنا اليوم أنام داخلها في أرضٍ زراعية بعيدة تمامًا عن المباني السكنية”.
وتساءل قائلًا: “هل سأرجع يومًا إلى منزلي وأعيش حياة طبيعية كما سبق.. يراودني هذا السؤال كثيرًا.. وهل سأبقى بلا عمل وإلى متى ستكفيني أموالي القليلة التي لم يبقَ منها سوى 300 ليرة تركية، لكننا نأكل من 4 أيام خبزًا مع معلبات جاهزة أشتريها من البقالة”، مضيفًا: “لا أخفيك أبدًا، هناك الكثير من أهل الخير يقومون بتقديم الحفاضات لأطفالي، ومنهم من يقدّم الخبز والطعام، ولكن بشكل متقطّع”.
يقول عمر الحاج، عضو مكتب الأتارب الإعلامي شمال سوريا، إن العائلات التي تضررت إثر الزلزال في المدينة تمَّ نقل العديد منهم إلى مدرسة الصناعة على أطراف المدينة، وتمَّ وضع خيام بلاستيكية وسط الساحة، بهدف إيواء المتضررين والمتخوفين من الذهاب إلى منازلهم بعد أن تصدعت إثر الزلزال.
وأكّد على أن المباني في المدينة تهدّم 18 منها بشكل كامل، وقرابة 38 لم تعد صالحة للسكن، منوّهًا أن العديد من العائلات المذعورة لجأت إلى الأراضي الزراعية، وأخذوا من سيارتهم ملجأ آمنًا، ينامون بداخلها ويقضون نهارهم يتنقلون من مكان لآخر، بهدف نسيان ما فقدوه وإحساس أنفسهم بالارتياح.
ولفت إلى أن مركز الإيواء الوحيد في المدينة بحاجة كل شيء من مواد غذائية ومواد صحية وغيرها، إضافة إلى أن الكثير من الناجين بدوا يعانون من أمراض قلبية وارتفاع في ضغط الدم والسكّر، إضافة إلى أن الأمراض النفسية، فمنهم من لم يستطع التحدث إلى اليوم من هول الكارثة.
فخلال 12 عامًا في سوريا من النزوح والتهجير، شيّد العديد من النازحين السوريين منازل جديدة في شمال سوريا، وعادت حياتهم إلى مسارها، حيث يقول محمد عبد الفتاح، وهو نازح من مدينة حلب إلى تجمُّع “بسنيا” غربي إدلب: “لقد انتهى كل شيء، تهدّم منزلي وفقدت ابنتي تحت ركام المنزل، وقد اضطررت تمضية الليلتَين الماضيتَين مع زوجتي وأطفالي الثلاثة في مسجد القرية. لا أعرف ماذا أفعل. لقد خسرت كل شيء”.
نداءات مستمرة وصمت دولي
أطلقت عدّة مجالس محلية في شمال سوريا، على رأسها جنديرس وأعزاز والأتارب وبسنيات وسلقين، نداءات استغاثة إلى جميع المنظمات الإنسانية ومنظمة الصحة العالمية والمنظمات المختصّة في إدارة الكوارث أن تستجيب للمتضررين في مناطقها، وتقوم بمد يد العون لضحايا الزلزال بشكل عاجل.
وطالبوا جميع المنظمات الإنسانية العاملة في مجال الإغاثة التحرُّك وبشكل فوري، لمساعدة العوائل في شوارع المنطقة ومراكز الإيواء المؤقت.
وأكّدوا على أن هناك نقصًا في المساعدات الغذائية ووسائل التدفئة في المراكز التي تمَّ إنشاؤها حديثًا، وللعوائل التي تنام في المحال التجارية التي لا تزال صامدة، وعلى أرصفة الطرقات.
ولا تزال الأمم المتحدة تصمّ آذانها عن معاناة السوريين في شمال غرب سوريا بحجج واهية، بحسب الناشط الإنساني محمد العلي، الذي قال لـ”نون بوست”: “أضافت اليوم الأمم المتحدة وصمة عار جديدة على سجلّها المليء بالعار في سوريا، حيث لم تقدّم أي استجابة في مناطق شمال غرب سوريا، وكل ما فعلته أنها أدخلت عدة شاحنات كانت مقررة سابقًا من قبل الزلزال، ورغم مرور أيام الكارثة لم تقدّم شيئًا لنا، وكأنها تقول لنا إننا لسنا محسوبين على البشر التي تدّعي أنها أُنشئت للمحافظة عليهم”.
وأصدر الدفاع المدني السوري بيانًا شدد من خلاله على أن المساعدات الأممية التي يجري الحديث عن دخولها لشمال غربي سوريا هي مساعدات دورية، وتوقفت خلال الأيام الأولى من الزلزال، والآن تمَّ استئنافها.
وأوضح الدفاع المدني أن ما تمَّ استئنافه ليست مساعدات ومعدّات خاصة لفرق البحث والإنقاذ، وانتشال العالقين تحت الأنقاض، كما عبّر عن الشعور بخيبة أمل كبيرة في وقت كان السوريون بأمسّ ما يكونوا إلى تلك المعدّات، التي ستساعد بإنقاذ الأرواح من تحت الركام.
النزوح المتكرر يزيد معاناة السوريين
سمية أم هاشم من ريف إدلب الجنوبي هربت مع عائلتها من قريتها بعد هجوم النظام عليها إلى مدينة سلقين شمال إدلب، ليتصدّع بيتها نتيجة الزلزال، وتسكن مع عائلتها في أحد بيوت المدينة التي تصدعت نتيجة الزلزال.
قالت سمية لـ”نون بوست”: “بسبب الزلزال هربنا دون معرفة إلى أين سنهرب، حيث اتجهنا باتجاه قرية تلول القريبة من مدينة سلقين، وجلسنا في الأراضي الزراعية حيث نصبنا خيمة وجلسنا، لكن في اليوم الثاني شعرنا أن المياه بدأت تتسلل إلى الخيمة، وعند خروجنا منها لاحظنا ارتفاع منسوب مياه نهر العاصي الذي بدأ بغمر الأراضي التي نتواجد فيها، وهنا بدأنا بالهرب خارج الأراضي الزراعية، لتنهي قولها أنها لا تعرف الآن إلى أين تنزح وممّن تنزح، من نظام الأسد أم من الزلازل أم من الغرق؟”.
وتقيم سمية اليوم في الأراضي الزراعية قرب بلة حير جاموس، لكنها تعاني مثل عشرات العوائل التي تتواجد بالمكان ذاته من البرد والصقيع ودرجات الحرارة المنخفضة حاليًّا.
وبحسب آخر حصيلة نشرها الدفاع المدني، فقد ارتفعت حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي سوريا إلى أكثر من 2037 حالة وفاة، وأكثر من 2950 مصابًا، والعدد مرشّح للارتفاع بشكل كبير بسبب وجود مئات العوائل تحت أنقاض الأبنية والمنازل المدمرة، مع استمرار عمليات البحث وسط ظروف صعبة جدًّا تحت أنقاض المباني المدمَّرة بعد مرور أكثر من 100 ساعة على الزلزال.