ترجمة وتحرير: نون بوست
استغرقت الأمم المتحدة ثلاثة أيام حتى أعلنت استعدادها لإرسال قافلة مساعدات إلى شمال غرب سوريا في أعقاب الزلزال المدمر الذي بلغت قوته 7.8 درجة والذي هز تركيا والدول المجاورة لها في الساعات الأولى من فجر يوم الإثنين.
وفي حين تم نشر 79,110 من أفراد البحث والإنقاذ، بما في ذلك الفرق الدولية، في شرق تركيا بحلول يوم الأربعاء وفقًا لهيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد)، ينتظر المحاصرون تحت أنقاض منازلهم في شمال غرب سوريا بيأس الدفاع المدني السوري المنهك – الخوذ البيضاء – لمحاولة إنقاذهم.
بحلول يوم الخميس غطت عمليات البحث والإنقاذ – وفقًا للأمم المتحدة – خمسة بالمئة فقط من المواقع والبلدات المتضررة في شمال غرب سوريا، بينما تلاشت صرخات الاستغاثة من تحت الأنقاض.
كانت السنوات الـ 12 الماضية شاهدة على فشل المجتمع الدولي في حماية الشعب السوري من قصف نظام بشار الأسد وحليفته روسيا. وأصبح الوصول إلى المساعدات أكثر محدودية لا سيما بالنسبة لـ 2.8 مليون سوري يعتمدون عليها في الجيب الشمالي الغربي. وهذا الأسبوع، أضاعت الأمم المتحدة فرصة حيوية للوقوف في وجه موسكو ودمشق ووقف تسييس المساعدات.
تضاءل عدد نقاط العبور الحدودية القانونية لنقل المساعدات الأممية من تركيا إلى سوريا على مر السنين إلى معبر واحد فقط، وهو معبر باب الهوى، بسبب استخدام روسيا لحق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد إبقاء هذه المعابر مفتوحة.
وفي الآونة الأخيرة، أذعنت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لإصرار روسيا تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى السوريين عبر معبر باب الهوى على الحدود التركية لمدة 6 أشهر فقط بدلاً من 12 شهرًا، مما وضع ملايين السوريين في مأزق دوري وأعاق قدرة وكالات الإغاثة التابعة للأمم المتحدة وكذلك المنظمات غير الحكومية على التخطيط لبرامج طويلة الأجل.
لطالما جادل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بأن قراره منح امتيازات لروسيا يصب في مصلحة حماية عمليات الأمم المتحدة المستمرة في المناطق التي يسيطر عليها النظام. وكانت الأزمة في شمال غرب سوريا تتفاقم منذ سنوات، لذلك فإن ما حدث هذا الأسبوع في أعقاب الزلزال كان حتميًا إلى حد ما مع أنه كان من الممكن منعه أيضًا.
وفي تصريح لمجلة “نيو لاينز”، قالت إيما بيلز، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، إن الأزمة الحالية تسلط الضوء على مدى عدم مقبولية وضع المساعدات عبر الحدود، مشيرة إلى أن “الوضع الذي يعتمد فيه الملايين من الأشخاص اليائسين على تمديد شهري من ستة إلى 12 شهرًا، مع محدودية الوصول إلى المساعدات في كثير من الأحيان، وما يترتب عن ذلك من عواقب مميتة في حالة الطوارئ، ليس طريقة مستدامة لتلبية الاحتياجات التي تمس الحاجة إليها بالنسبة للسوريين الذين يعيشون في الشمال الغربي”.
لم تعبر أي مساعدات من الأمم المتحدة حدود معبر باب الهوى حتى منتصف نهار الخميس تقريبا. وما تم تداوله من تفسيرات وتبريرات أن التأخير كان بسبب تضرر الطرق بشدة بسبب الزلزال، مما جعل الوصول إلى المعبر الحدودي غير ممكن. وفي الوقت نفسه، نُقلت جثث النازحين السوريين الذين لقوا حتفهم في منازلهم في تركيا في شاحنات صغيرة إلى سوريا وتم تسليمها عبر معبر باب الهوى إلى الأقارب ليدفنوا على الجانب الآخر من الحدود.
لكن إذا تمكنت السلطات التركية – أي البلديات – من تنظيم نقل المتوفين إلى الحدود، وسط الضغط الهائل الذي كانوا يواجهونه لمساعدة شعبهم، فهل عجزت الأمم المتحدة حقًا عن إيجاد طريقة – على سبيل المثال، من خلال تقليص حجم شاحناتها إلى سيارات أصغر – للتنقل في الطرق وإرسال المساعدات على الفور؟
طُرح هذا السؤال على دارين خليفة، كبيرة المحللين السوريين في مجموعة الأزمات الدولية، التي أخبرت مجلة “نيو لاينز” أن الطرق لا ينبغي أن تكون حجة أو ذريعة للأمم المتحدة للامتناع عن إرسال فرق الإنقاذ أو المساعدة. وقالت خليفة إن “هناك مليون طريقة للدخول إلى سوريا. أعتقد أنه كان ينبغي على الأمم المتحدة أن تجد تفسيرا أكثر حكمة للتفويض واستخدام معابر أخرى إذا كان هذا المعبر غير صالح للعمل”.
بالإضافة إلى باب الهوى، كانت هناك ثلاثة معابر حدودية أخرى على الأقل مفتوحة بشكل غير رسمي وتعمل بشكل غير رسمي وهي معبر باب السلامة وجرابلس والراعي. وفي حين أن هذه المعابر غير مصرح بها من الناحية الفنية للاستخدام من قبل جحافل المساعدات التابعة للأمم المتحدة، فقد يُعتقد أن أقوى زلزال في المنطقة منذ 100 سنة كان سببًا كافيًا للتفكير على الأقل في إجراء استثناء من خلال فتح معبر آخر لدخول مساعدات الأمم المتحدة.
مع ذلك، كما تشير بيلز، “لا يمكن للأمم المتحدة فتح معبر حدودي آخر من جانب واحد، ولكن يمكن للجهات الفاعلة الأخرى العمل على النحو الذي يرونه مناسبًا”، وذلك في إشارة إلى سوريا وتركيا. وأضافت أن “جزءًا من المشكلة كان التركيز المفرط على استجابة الأمم المتحدة، عندما كان من الواضح للغاية أن نظامها تشوبه مشاكل قانونية ولوجستية قد يستغرق حلها وقتًا”.
وعندما سُئل المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عما إذا كان سيتم فتح معبر إنساني أو طارئ أجاب قائلا “سنحاول الحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدة من خلال هذا المعبر”. وتابع قائلا “أعتقد أننا بحاجة إلى التروّي من أجل تحديد الاحتياجات القائمة بالضبط وما الذي يمكن تلبيته عبر الخطوط المتقاطعة وعبر الحدود على حد سواء، ولكن أهم شيء هو إجراء تقييم للاحتياجات لمعرفة ما نحتاجه بالضبط وكيف يمكننا تلبية هذه الاحتياجات”.
كان واضحا منذ البداية أن خيار استخدام معبر آخر لم يكن مطروحا. وترى خليفة أن “الخوف من إغضاب الحكومة السورية والروس لا ينبغي أن يكون بالتأكيد عاملاً يُؤخذ بعين الاعتبار عند الاستجابة لهذه الأزمة”.
صرّح مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية يوم الأربعاء بأن عملية إرسال المساعدات عبر الحدود قد توقفت، “لأن الطريق الذي يربط غازي عنتاب بمركز إعادة الشحن التابع للأمم المتحدة في هاتاي قد تعطل”، وأنهم الآن وجدوا طريقًا بديلًا هناك. كانت الإمدادات المُرسلة إلى سوريا ستُنقل جوًا إلى مدينة أضنة التركية فور وقوع الزلزال، خاصة أن الشاحنات التي وصلت أخيرًا إلى الحدود يوم الخميس احتوت فقط على إمدادات طعام ومياه ومواد تنظيف – وليس إمدادات الطوارئ المتعلقة بالزلزال على وجه التحديد.
باعتبار أن عمال الأمم المتحدة في تركيا قد تأثّروا أيضًا بالزلزال ولم يتمكنوا من العمل في الساعات الأولى، أخبر الزميل غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، كرم شعار، مجلة “نيولاينز” بأنه كان ينبغي نقل مقر هيئة الإنقاذ السورية إلى مركز آخر ـ في أربيل في العراق أو عمّان في الأردن.
حتى مع غياب الموظفين، قال تشارلز ليستر، الزميل الأول ومدير برنامج سوريا بمعهد الشرق الأوسط، إن تركيا مُنحت الأولوية مضيفًا أنه “تم تصنيف منطقة شمال غرب سوريا على أنها ليست بالأولوية الكافية – وهو أمر يصعب تقبّله بصراحة”. وتجدر الإشارة إلى أن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في غازي عنتاب لم يردّ على طلب التعليق.
وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لا تزال الأمم المتحدة تنتظر الحصول على تقييم لاحتياجات شمال غرب سوريا، الذي تقول إنه لم يجرَ بعد. وحيال ذلك قالت خليفة “عندما أسمع أعضاء الأمم المتحدة في دمشق يقولون إنهم لا يعرفون ما هي الاحتياجات في هذه المناطق، أعتقد أن هذه حجة”، مشيرةً إلى أن هناك وصولاً مفتوحًا إلى المنطقة في الوقت الحالي، وهناك الكثير من التقييمات التي تجريها المنظمات المحلية التي يمكنها الاعتماد عليها.
ومن ناحية أخرى، وصل فريق الاستجابة التابع للأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق المخصص للاستجابة في غازي عنتاب إلى أضنة في تركيا في 8 فبراير/شباط، وفقًا لبيان صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
وأضاف ليستر أن الالتزام بالواجب الإنساني يبدو أنه قد تم التخلي عنه تمامًا عندما يتعلق الأمر بشمال غرب سوريا، مضيفًا أن “هؤلاء خمسة ملايين من الأشخاص الأكثر ضعفًا على وجه الأرض، وقد تعرضوا للتو لزلزال شبه مروع واكتفت الأمم المتحدة بقول “إنه أمر صعب، لكننا نعمل عليه، ونأمل المساعدة هناك قريبًا”، محذرًا من “أن مئات إن لم يكن الآلاف من الأرواح ستُزهق نتيجة هذا التقاعس”.
حتى كتابة هذه السطور، تم الإبلاغ عن مقتل ما لا يقل عن 18342 شخصًا في تركيا و3377 في سوريا، وبذلك يصل المجموع الكلي إلى أكثر من 21 ألف قتيل وهو عدد مرشح للارتفاع أكثر خلال الأيام المقبلة بسبب عدم القدرة على انتشال جميع الجثث.
إن كل ما تحتاجه جميع مناطق سوريا المتضررة من الزلزال على الفور هو الحصول على الآليات الثقيلة للمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ. ومن الواضح أن تركيا بحاجة إلى جميع الرافعات التي تمتلكها لإنقاذ الناس داخل حدودها، ولكن إذا تعاقدت الأمم المتحدة أو حتى بعض المنظمات غير الحكومية مع شركات الإنشاء الخاصة في لبنان ـ على سبيل المثال ـ لإرسال آلات إلى سوريا فإنها ستكون هناك في غضون ساعات قليلة. وقد اقترح الشعار أنه كان ينبغي على المنظمات الإنسانية التعاقد مع الشركات في سوريا للانتقال على الفور إلى المواقع المدمرة.
في حين أن تركيا لم تتمكن بعد من الوصول إلى جميع المدفونين تحت أنقاض المنازل، إلا أن نسبة الجثث التي تم انتشالها في تركيا أعلى بكثير مما هي عليه في سوريا؛ وذلك بسبب استجابتها [البطيئة] للزلزال – على حد تعبير شعار. وربما ليس من الممكن نقل تلك الشاحنات إلى شمال غرب سوريا في الوقت المحدد، لأن النظام ربما لم يسمح بذلك، لكن مع ذلك، فإن إنقاذ الناس في المناطق التي يسيطر عليها النظام يستحق العناء كما هو الحال في شمال غرب سوريا.
إن الحاجة الماسة للآلات الثقيلة تزول بسرعة، لأن مهمة الإنقاذ مع مرور الأيام ستتحول بشكل طبيعي إلى مهمة استرجاع، لأن معظم الناس سيكونون قد اختنقوا أو ماتوا متأثرين بجروحهم أو متجمدين من البرد القارس.
وإذا لم تستطع الأمم المتحدة وضع السياسة جانباً والتصرف بشجاعة في أوقات الطوارئ، فسيستمر السوريون والمدنيون الآخرون على حد سواء في دفع الثمن. وخلُص ليستر إلى أن “الأمم المتحدة، بما لديها من موارد هائلة تحت تصرفها، أكثر من يقدر على زيادة حصة المساعدات إلى الشمال الغربي، لكنها أكثر قلقًا بشأن إبقاء دمشق سعيدة بدلاً من إنقاذ حياة السوريين في إدلب”.
المصدر: نيولاينز