واجه القطاع الطبي المنهك في شمال سوريا كارثة حقيقة أمام أعداد الإصابات والمتضررين إثر الزلزال المدمر الذي ضرب المنطقة في 6 فبراير/شباط الحاليّ، لاستقباله أعدادًا قياسية للإصابات، وسط غياب معدات طبية مهمة ومستلزمات طبية ضرورية لمعالجة المصابين، بالإضافة إلى نقص الكوادر الطبية التي بدأت مؤخرًا بالعمل في شؤون أخرى وتركت المشافي لغياب الدعم.
وزادت الكارثة التي ضربت المنطقة من معاناة الكوادر الطبية وتوجههم إلى المشافي تلبيةً للنداء، في وقت كانت تمتلئ فيه المشافي والنقاط الطبية بمرضى نزلات البرد التي خيمت على المنطقة قبيل أسبوع من وقوع الزلزال.
يقول الطبيب أحمد رحال العامل في مشفى “شام” ببلدة تل الكرامة شمال إدلب: “المشفى يحوي 17 سريرًا، وكان مليئًا قبيل حدوث الكارثة، ومعظم المرضى كانوا يعانون من التهاب قصبات حاد، ومنهم من كان مصابًا بفيروس كورونا”.
وأضاف “الكارثة جاءت علينا بشكل مفاجئ، ففي فجر الإثنين الماضي وصل إلى المشفى ما يقارب 60 جريحًا، ما جعلنا نشعر بالصدمة من هول الإصابات، ما دعانا لإخراج من تحسن وضعه الصحي بنسبة 50% والاحتفاظ بالآخرين، أما معالجة المصابين الجدد إثر الزلزال، فقد امتلأ المشفى داخله وخارجه نتيجة الإصابات، حتى إن الكوادر لم تعد تستطيع مراقبة الجميع، وأوقفنا جميع الإحالات القادمة إلينا حتى الانتهاء من الأعداد الموجودة”.
وأشار إلى أن المستلزمات الطبية باتت مهددة بالانتهاء في الدفعة الأولى من قدوم الإصابات، رغم حصول المشفى على دعم من منظمة “سامز”، الأمر الذي دعاهم لإخطار المنظمة بتقديم الدعم الفوري، تخوفًا من قدوم إصابات جديدة، إضافة لتزوديهم بأسرّة للمرضى لوجود حالات حرجة جدًا.
ويعيش الشمال السوري مأساةً إنسانيةً حقيقيةً، وفق توصيف الأمم المتحدة، لا سيما في المخيمات التي يقطن فيها أكثر من 1.5 مليون إنسان ما بين تجمعات منظمة وأخرى عشوائية.
وقد تعرضت المنطقة لعدة كوارث منذ بداية عام 2020 بدأت بتفشي فيروس كورونا، وبعده وباء الكوليرا، وآخرها الزلزال، ما أدى إلى إعلان الكوادر الطبية عجزهم عن استقبال مزيد من المرضى.
بدوره يقول الطبيب محمد عبيد العامل في مشفى “المغارة” بمدينة الأتارب غرب حلب، وهو أحد الخريجين الجدد من جامعة إدلب في كلية الطب: “كارثة الزلزال الأخيرة كشفت مدى حاجة المنشآت الطبية غير المدعومة إلى أبسط الاحتياجات كالإسعافات الأولية ومواد التخدير والجبائر والصفائح اللازمة للكسور العظمية”.
وطالب عبيد بضرورة التعامل مع هذه التحديات والصعوبات وتوفير المستلزمات، حتى تكون المشافي قادرة على مواجهة الكوارث التي تقع دون سابق إنذار.
وقال عبيد في حديثه لـ”نون بوست”، إن الساعات الأولى لوقوع الكارثة وتحديدًا عند الساعة 5 والنصف من فجر يوم الإثنين، وصل إلى مشفى “المغارة” قرابة 50 إصابة من أهالي المدينة، ومعظمهم في حالة حرجة وسط برد شديد جدًا وأمطار غزيرة.
مضيفًا “استلقت جميع الإصابات القادمة إثر الزلزال على أرض المشفى وسط رياح شديدة وأمطار غزيرة، وهو ما كان خطرًا على حياتهم”، ولفت إلى أن العديد من الممرضين وطلاب الطب من أهالي المدينة توجهوا عقب الحادثة إلى المشفى بعد أن أطلقوا نداء استغاثة على غرف “واتس آب” التي تضم أهالي المدينة، وناشدوهم بالتوجه إلى المشفى لمساندة الكادر الطبي ما أمكن.
مشيرًا إلى أنه ومع وصول الساعة 11 من ظهر يوم الإثنين (يوم الزلزال) سجل المشفى وفاة 140 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال، وبتر ما يزيد على 10 أطراف، إضافة إلى نقل ما يزيد على 30 حالة حرجة إلى مشافي مدعومة وبالأخص مشفى “باب الهوى” عبر سيارات المسعفين، منوهًا أن المشفى في اللحظات الأولى كان يحوي طبيبين و4 ممرضين (امرأتان وشابان) فقط.
وأظهرت أرقام رسمية جديدة يوم السبت 11 فبراير/شباط 2023 أن فرق الدفاع المدني انتشلت حتى صباح السبت، أكثر من 2166 حالة وفاة بينهم الكثير من النساء والأطفال، وتركزت الحصيلة الكبرى في مدينة جنديرس بريف عفرين شمال حلب، التي وصلت فيها أعداد الضحايا لأكثر من 513 وفاة، تليها مدينة حارم وفيها أكثر من 360 وفاة، ثم مدينة الأتارب 235 وفاة، ومن ثم سلقين وفيها 221 وفاة، تليها بلدة أرمناز وفيها 155 وفاة، وبلدة عزمارين وفيها 140 وفاة، وتنخفض الأعداد بشكل تدريجي في باقي المناطق المنكوبة لتبدأ من 56 وفاة وتنتهي بأقل الأرقام للوفيات عند عتبة 5 وفيات.
واجه القطاع الطبي في شمال غرب سوريا كارثة قبيل وقوع الزلزال لا سيما أن أكثر من 18 مشفى ونقطة طبية توقف دعمها من المنظمات الإنسانية الداعمة لها منذ مطلع عام 2023
“أما الحصيلة الأعلى لأعداد المصابين شمال غرب سوريا تركزت في مدينة جنديرس أيضًا التي أنقذنا وأسعفنا فيها 831 مدنيًا على قيد الحياة من بين الركام، تليها مدينة سلقين ومنها أنقذنا 258 مدنيًا، ثم مدينة قرية بسنيا غربي إدلب ومنها 215 مدنيًا أنقذتهم فرقنا، تليها مدينة حارم في الريف نفسه ومنها 210 مدنيين أنقذناهم ثم مدينة الأتارب وأرمناز في كل واحدة منهما 200 مصاب، ثم مدينة عفرين ومنها 170 مصابًا تم إنقاذهم، وتبدأ الحصيلة بالانخفاض تدريجيًا عند 100 مصاب وتنتهي بأقل أعداد الإصابات بواقع 5 إصابات”، بحسب ما أكده عضو المكتب الإعلامي في الدفاع المدني محمد حج حسين.
بدوره يقول عمر البكور وهو مسؤول طبي في منظمة “شام” الطبية والعامل في مديرية صحة إدلب لـ”نون بوست”: “المستلزمات الطبية والضرورية التي تحتاجها المستشفيات هي الأدوية الأولية كالشاش الطبي والمسكنات وأدوية التخدير، فضلًا عن حاجة المشافي إلى وقود لتشغيل محطات توليد الأكسجين اللازم للمرضى، بسبب انقطاع الكهرباء نتيجة الكارثة الأخيرة، ما جعل المستشفيات تعتمد على مولدات بسيطة”.
وأشار إلى أن المستشفيات رغم عدم قدرتها على استيعاب هذا العدد الكبير من المصابين، فإنها استقبلت جميع من لجأ إليها من الجرحى الذين تم توزيعهم على جميع المستشفيات في محافظة إدلب، وأشار إلى أن الزلزال تسبب في وفاة 10 صيادلة وطبيبين، بالإضافة إلى عدد من الكوادر الصحية التمريضية المسجلين في مديرية صحة إدلب.
مؤكدًا أن المشافي في شمال سوريا بحاجة ماسة إلى كوادر ومستلزمات طبية عاجلة ومسكنات الألم وأجهزة العناية المشددة وأسرة مجهزة.
وبيّن بكور أن الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سوريا زاد من معاناة الكوادر الطبية ومنشآتهم التي تكافح منذ 12 عامًا إثر الحرب والمتصدعة فعليًا نتيجة القصف الجوي السابق لنظام الأسد وروسيا.
ويواجه القطاع الطبي في شمال غرب سوريا كارثة قبيل وقوع الزلزال لا سيما أن أكثر من 18 مشفى ونقطة طبية توقف دعمها من المنظمات الإنسانية الداعمة لها منذ مطلع عام 2023.
من جهتها، تروي الطبيبة أمل شاكردي العاملة في مشفى “دركوش” شمال إدلب لـ”نون بوست”، أن المشفى أصبح ممتلئًا بشكل كامل عقب ساعات قليلة جدًا من وقوع الزلزال ولم يعد يتسع لمصاب جديد، ما دفع الكوادر الطبية إلى استخدام المراكز الصحية مثل المستوصفات والعيادات العامة في المدينة لاستقبال مصابي الزلزال القادمين من خارج المدينة.
ينذر استمرار توقف الدعم عن هذه المشافي والمراكز الطبية بكارثة إنسانية كبيرة في المناطق المحررة شمال غرب سوريا، بالتزامن مع البرد الشديد الذي يخيم على المنطقة وتسجيل إصابات عدة بفيروس كورونا ومرض الكوليرا
وأضافت أن معظم المشكلات والعقبات التي تواجه الكوادر الطبية هي نقص غرف العناية المركزة وتخصص الجراحة العصبية والعينية، إضافة إلى أجهزة التنفس.
بدوره أكد أحد الناشطين الإعلاميين في شمال سوريا، أن جميع الأطباء والطواقم الطبية بهذه المستشفيات تكاتفوا رغم غياب الإمكانات والدعم، لإنقاذ من يستطيعون إنقاذه خاصة في ظل وجود كارثة أصابت جميع السكان وتضرر جميع الموجودين شمال غرب سوريا.
وكان فريق منسقو استجابة سوريا قد حذر مؤخرًا من توقف الدعم عن عشرات المنشآت الطبية شمال غرب سوريا، الأمر الذي يهدد حياة أكثر من مليون شخص يعتمدون على خدماتها، وفقًا للفريق.
وجاء في بيان الفريق مطلع العام الحاليّ 2023 “مع بداية العام الحاليّ، أزمة جديدة تعاني منها مناطق شمال غرب سوريا تضاف إلى العديد من الأزمات الموجودة في المنطقة، والمتمثلة بانقطاع الدعم عن عشر منشآت طبية، إضافة إلى توقف الكلف التشغيلية لعدد من المنشآت الأخرى، التي تقدم خدماتها لأكثر من مليوني مدني مقيمين في المنطقة إضافة إلى المخيمات، وسط تزايد المخاوف من توقف منشآت أخرى جديدة”.
وطالب الفريق جميع الجهات المانحة للقطاع الطبي في الشمال السوري بعودة الدعم المقدم لتلك المشافي، خاصة في ظل الضعف الكبير للاستجابة الإنسانية ضمن القطاع الطبي التي لم تتجاوز 33% خلال العام الماضي 2022.
وينذر استمرار توقف الدعم عن هذه المشافي والمراكز الطبية بكارثة إنسانية كبيرة في المناطق المحررة شمال غرب سوريا، بالتزامن مع البرد الشديد الذي يخيم على المنطقة وتسجيل إصابات عدة بفيروس كورونا ومرض الكوليرا.
وضرب زلزال مدمر قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر جنوب تركيا وشمال سوريا، فجر الإثنين الماضي، أعقبته هزات ارتدادية شعر بها السكان في دول مجاورة منها مصر ولبنان والعراق.
وبلغ ضحايا الزلزال في شمال غرب سوريا 3818 ضحية، كما بلغ عدد الجرحى 7442 مصابًا، مع وجود العشرات تحت الأنقاض، بحسب وحدة تنسيق الدعم في سوريا.