ترجمة نون بوست
قال المصنّعون والمحللون إن نقص العملة الأجنبية والشروط البنكية الصعبة لتمويل الصادرات، يجبر العديد من المصنّعين المصريين على الانخراط في التهريب والأنشطة التجارية غير القانونية للحفاظ على استمرار العمل.
مع انتشار هذه الممارسات الزائفة، فإن الأرقام التجارية في مصر قد تبدو مبالغًا فيها أيضًا، كان الوضع صعبًا للغاية العام الماضي، فالشركات المصرية تعتمد على المواد الخام والآلات المستوردة لتصنيع البضائع.
في الوقت نفسه تعرض الجنيه المصري للتعويم أمام الدولار الأمريكي 3 مرات منذ شهر مارس/آذار، ليفقد نصف قيمته، بينما ارتفعت نسبة التضخم لتصل إلى 22% في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
يقول جمال – صاحب مصنع للملابس والمنسوجات في القاهرة -: “نتيجة التضخم والتعويم، انخفضت قوتنا الشرائية بأكثر من 50% عن بداية العام الماضي، من الصعب والمكلف أن تستورد المواد الخام ومن شبه المستحيل استيراد الآلات حتى لو كنت تملك المال”.
بدأت الأوضاع تسوء لدى المصنّعين منذ فبراير/شباط الماضي عندما غزت روسيا أوكرانيا، فارتفعت أسعار الطاقة، ما تسبب في تعطيل سلسلة التوريد، وأصبح وضع السوق مجهولًا، بينما سحب المستثمرون الأجانب نحو 22 مليار دولار من سوق ديون البلاد.
بدأت ودائع الدولار في البنوك بالتناقص حين حوّل المالكون مدخراتهم إلى الجنيه المصري للاستفادة من شهادت الادخار في البنوك المحلية التي تقدم نسبة فائدة قدرها 18%، ووصلت إلى 25% مع بداية يناير/كانون الثاني 2023
بعد ذلك في شهر مارس/آذار، خفضت القاهرة من قيمة الجنيه المصري لتلبية شروط صندوق النقد الدولي بعد أن سعت للحصول على قرض قيمته 3 مليارات دولار، وهو القرض الرابع خلال 6 سنوات، لتسديد ديونها المتزايدة.
أدت هذه الخطوة إلى رفع تكلفة الاستيراد على الشركات، خاصة للشركات التي لا تجني 50% أو أكثر من مكاسبها بالعملة الأجنبية من الصادرات.
في شهر مايو/أيار، فرضت اللوائح المحلية عبئًا إضافيًا عندما طلب البنك المركزي المصري من الشركات استخدام العملة الأجنبية لـ”خطاب الاعتماد” – وهو وثيقة بنكية تضمن الدفع عند تسليم البضائع أو الخدمات – بدلًا من التعامل مباشرة مع الموردين الدوليين.
في الوقت نفسه، فرضت الحكومة قيودًا متزايدةً على المبالغ التي يُسمح للصرافات بتغييرها، وبدأت ودائع الدولار في البنوك بالتناقص حين حوّل المالكون مدخراتهم إلى الجنيه المصري للاستفادة من شهادت الادخار في البنوك المحلية التي تقدم نسبة فائدة قدرها 18%، ووصلت إلى 25% مع بداية يناير/كانون الثاني 2023.
قال أحد المسؤوليين المصريين: “حول الكثير من الناس ودائعهم بالدولار إلى الجنيه المصري واشتروا شهادات ادخار، ما أدى إلى اختفاء العملة الأجنبية من نظام البنوك المحلية”.
لا خيار إلا مخالفة القانون
هذا الوضع بأكمله ترك المصنّعين المعتمدين على المبيعات في الأسواق المحلية، محرومين من الدولار وغير قادرين على شراء المواد الخام، كان لذلك تأثير هائل على صناعة الملابس والمنسوجات المصرية التي يعمل بها نحو 1.5 مليون شخص.
يلجأ المشترون إلى صفحات فيسبوك للعثور على تجار جملة يبيعون حاويات من القماش، هناك كثيرون يعملون في تهريب القماش والخيوط وغيرهما من الإكسسوارات
قال أحد اللاعبين في مجال الصناعة لشبكة معلومات النسيج العالمية “World Textile Information Network“: “تؤثر مشكلة العملة الأجنبية على السوق بشكل كبير، فالعديد من الشركات المحلية التي تبيع محليًا لا تعمل بأكثر من 50% من قوتها بسبب نقص العملة وصعوبة الحصول على المواد الخام”.
وهكذا، فللبقاء في العمل، يحتاج المصنّعون إلى اتباع طرق ملتوية للحصول على البضائع والعملة الأجنبية.
يقول جمال: “إذا أراد المصنّعون الشراء بطرق قانونية فمن المستحيل دخول البضائع البلاد، لذا يلجأ المشترون إلى صفحات فيسبوك للعثور على تجار جملة يبيعون حاويات من القماش، هناك كثيرون يعملون في تهريب القماش والخيوط وغيرهما من الإكسسوارات”.
تُستخدم طرق أكثر تطورًا للحصول على الدولار في حسابات الشركة البنكية، فحسب اللوائح الحكومية، يجب أن تكون الودائع من التصدير المباشر، يقول جمال: “فمثلًا إذا كان لديك 100 ألف دولار، لا يمكنك إيداعها ببساطة في البنك، بل تحتاج إلى تغيير وضع المال ليصبح عائدات الصادرات”.
للقيام بذلك، يصدر المصنّع حاويات ببضائع منخفضة الجودة إلى صديق يملك شركة في دولة أخرى مثل دبي، بعد ذلك يقوم المصنّع المصري بتحويل المبلغ المطلوب الذي يحتاج إليه على هيئة دولارات إلى شريكه في الجريمة، وذلك من خلال تجار السوق السوادء في القاهرة.
يقول جمال: “بعد إرسال الشحنة والنقود، تصدر الفاتورة ويودع شريكك في الجريمة النقود في حسابه ثم يحولها إلى مصر، بذلك يصبح لديك المال الذي دفعته لأجل الواردات”.
يقوم الكثير من الناس بذلك من خلال السوق السوداء، هناك الكثير من الحيل المستخدمة، والجميع يعلمون ذلك
تصدر بعض الشركات منتجات حقيقية للعملات، لكنها تبالغ في سعر الفواتير بموافقة المشتري، يقول جمال: “يتطلب ذلك إرسال مبلغ كبير من المال إلى العميل لتغطية فرق السعر، لا خيار أمامنا إلا اتباع تلك الطرق غير الشرعية للبقاء في العمل”.
كل أنواع الحيل
في الجرائم المالية، تُعرف هذه الممارسة باسم غسيل الأموال بالتجارة “TBML“، تُعرّف هيئة “مجموعة العمل المالي” ومقرها باريس، هذه الطريقة بأنها “عملية إخفاء عائدات الجريمة وتحريك القيمة من خلال استخدام المعاملات التجارية لإضفاء الشرعية على أصولها غير الشرعية”.
عمليًا، يمكن تحقيق ذلك من خلال تغيير سعر أو جودة أو كمية البضائع الصادرة أو الواردة، وغم أن المصنّعين المصريين لا يستخدمون هذه الطريقة لتقنين عائداتهم – فالأموال ملكهم بالأساس – فإنهم يستخدمون طرقًا غير شرعية في القانون المصري لإدخال الأموال في النظام المصرفي.
يقول محلل اقتصادي سياسي مقيم في القاهرة – طلب إخفاء اسمه -: “يقوم الكثير من الناس بذلك من خلال السوق السوداء، هناك الكثير من الحيل المستخدمة، والجميع يعلمون ذلك”.
“يمكنك أن تدفع لتجار الصرف الأجنبي من أجل ما تريد، لكن مقابل فائدة أعلى، هناك حافز مالي كبير للقيام بذلك، وإذا كان من السهل القيام بذلك من خلال طرق فاسدة، فسيقوم الجميع بذلك بدلًا من الاتجاه للتجارة”.
التكلفة المالية لدخول الدولار من خلال تلك الطرق الملتوية تلقي بظلالها على الشركات، هناك الكثير من الأعمال التي يمكن القيام بها من خلال تلك التحويلات، لأنها تتطلب الكثير من رأس المال العامل.
فمثلًا إذا كان لديك مبلغ “X” من رأس المال، فإنك بحاجة إلى زيادته 1.5 أو 1.8 مرة لنقله خارج البلاد وإعادته مرة أخرى، لأنك ستخسر البضائع المرسلة ونسبة السوق السوداء للتحويل من جنيه إلى دولار خلال عملية التحويل، كما سيجب عليك انتظار تصدير البضائع ثم إتمام عملية التحويل.
تتحدث الحكومة عن الأرقام في حملة دعاية كبيرة لتجعل الأمر يبدو إيجابيًا، لكن إذا نظرت إلى الحقائق والأرقام ستجد أنها فوضى
يقول جمال إن الخيار الوحيد الآخر أمام الشركات المصرية هو الحصول على قرض بنكي، لكن الفائدة تصل إلى 18 أو 20%، لذا فالأمر لا يستحق ذلك، وأضاف “بعد التعويم الأخير ارتفعت الأسعار بجنون”، وذلك إشارة إلى انخفاض سعر الجنيه بنسبة 13% ليصل إلى 32.20 مقابل الدولار من 27.60 في يناير/كانون الثاني.
مشكلة كبيرة يتم تجاهلها
تتسبب عمليات التهريب والتضليل في التجارة في تحريف أرقام الصادرات والواردات الحقيقية في مصر، حيث يقدرّ جمال أن نحو نصف تجارة الملابس والمفروشات – وشركات أخرى – تشارك في هذه الأنشطة المشبوهة.
يقول جمال: “يجب أن تضع في اعتبارك أنه عندما تقول الحكومة في الأخبار بأن هناك زيادة في أرقام الصادرات، فإن ذلك يرجع إلى عمليات التصدير الوهمية”.
يتفق المحلل مع ذلك، فقد قال: “يحرّف ذلك من أرقام التجارة ويؤدي إلى بيانات مضللة، وهذه البيانات الخاطئة جزء من مشكلة الاقتصاد المصري، تتحدث الحكومة عن الأرقام في حملة دعاية كبيرة لتجعل الأمر يبدو إيجابيًا، لكن إذا نظرت إلى الحقائق والأرقام ستجد أنها فوضى”.
“لقد اتجهت مصر إلى التسول والاعتماد الكامل على دول الخليج والأموال الدولية لتسديد ديونها، بسبب فشل النموذج الاقتصادي للنظام بشكل كامل، لكن ليس مسموحًا لأحد أن يقول ذلك، إنها مشكلة كبيرة يتم تجاهلها عمدًا”.
ربما تراجعت أزمة العملة الأجنبية بعد تدفق ما يقرب من مليار دولار إلى مصر بعد تعويم يناير/كانون الثاني، كما أن الحكومة بدأت في تصفية الشحنات الواردة المتراكمة في الموانئ، لكن هذه التدفقات ليست كفاية بأي حال من الأحوال.
“لقد تركت الكثير من الشركات العمل، وهناك اختلاف كبير بين الواقع في الشوارع وما تراه في التليفزيون المصري، ما زالت السوق السوداء منتعشة، ما يكشف أن الوزراء يكذبون وأننا لم نصل إلى الحضيض بعد، ما زالت المشكلة متمثلة في نقص الدولار”.
المصدر: ميدل إيست آي