منذ مطلع الأسبوع الجاري، بدأ الوفد العراقي برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين زيارة لواشنطن، للتباحُث مع مسؤولي وزارة الخزانة والبنك الفيدرالي الأمريكي حول الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة حيال العراق، والتي أدّت إلى صعود غير مسبوق بقيمة الدولار أمام الدينار خلال الأيام الماضية، وتحديدًا البنوك العراقية التي اتهمتها واشنطن بعملية تهريب الدولار إلى خارج العراق، وتحديدًا إيران، إلى جانب عمليات غسيل الأموال التي تمارسها فصائل مسلحة مقرّبة من طهران، للحصول على عوائد مالية كبيرة يتم إرسال جزء كبير منها لإيران، التي تخضع لعقوبات أمريكية مشدَّدة.
على هامش هذه المباحثات، كشف البنك المركزي العراقي عن نتائج اجتماعه مع وزارة الخزانة والبنك الفيدرالي الأمريكي، حيث منحت واشنطن العراق 3 أشهر إضافية، على أن يلتزم بالمعايير المتّبعة لحركة الأموال ومنع تهريبها.
وقال البنك، في بيان له، إن “وفد البنك المركزي العراقي اجتمع لساعات طويلة بكل من وفد وزارة الخزانة والبنك الفيدرالي الأمريكي في العاصمة واشنطن، وأن الطرفَين أبديا استعدادهما للعمل المشترك لمواجهة تحديات العمل بالمنصة الإلكترونية للحوالات والنقد”، في إشارة إلى إجراءات الفيدرالي الأمريكي وطلبه من بغداد اعتماد منصة إلكترونية لتحويل الأموال، للقضاء على عمليات الفساد وتهريب العملة ووثائق الاستيراد المزوَّرة.
ردود فعل إيرانية
على هامش هذه الزيارة، علقت صحيفة “آسيا” الاقتصادية في عددها الصادر صباح الاثنين على زيارة الوفد العراقي بقولها: “العراق يقبل الطلبات الأمريكية”، مضيفة أن الوفد العراقي ذهب إلى واشنطن من أجل تنفيذ المطالب الأمريكية وليس من أجل التفاوض معها.
يأتي هذا في وقت أعلن فيه يحيى آل إسحاق، رئيس غرفة التجارة الإيرانية العراقية المشتركة، في بيان صباح الاثنين، عن أن القيود المفروضة على الدولار في المصارف العراقية أخّرت الحوالات إلى إيران.
واستدرك: “مع العقوبات المصرفية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة، زادت الرقابة على البنوك والتحويلات في هذا البلد من حيث الدولار، الأمر الذي أدّى إلى فرض قيود”، وقال إن “المعروض من الدولارات في السوق العراقية انخفض وزاد سعره، ما أضرَّ بأعمال إيران”.
طهران تنظر بخشية كبيرة إلى الإجراءات التي بدأ يعتمدها العراق للحدّ من عمليات تهريب العملة إلى إيران.
أما صحيفة “شرق” فقد أشارت إلى إن الإصرار الأمريكي على انضمام العراق إلى مجموعة العمل المالي (FATF) لمكافحة غسيل الأموال، سيصعّب نقل الدولارات على شكل حقائب وأمتعة إلى إيران، حيث إنه من الصعب الالتفاف على العقوبات عبر الإمارات وتركيا، والعراق كان خيارًا أكثر أهمية بالنسبة إلى إيران في هذا الصدد.
إلا أنه في حالة مضيّ العراق بتفاهمات أكثر موثوقية مع الولايات المتحدة، ستواجه إيران وضعًا اقتصاديًّا صعبًا، خصوصًا أنها تعمل على الإعداد للموازنة العامة للدولة، التي ستتمّ مناقشتها في مجلس الشورى الإيراني مطلع الشهر المقبل، ورغم أن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، يزور الصين حاليًّا للبحث عن بدائل اقتصادية، إلا أنه من غير المتوقع أن يحقق الشيء الكثير، في ظل التقارب الكبير الذي تشهده العلاقات العربية الصينية اليوم.
أما الخبير القانوني أنور خير آبادي، فقد اعتبر في افتتاحية صحيفة “آفتاب يزد” “أن العراق هو بمثابة لاعب الاحتياط الجديد، والذي كلّفته أمريكا ببعض الملفات المرسومة طبقًا لأجندتها الدولية”، كما وردَ في الافتتاحية: “عندما نطالع التطورات الأخيرة والعلاقات الدولية، خاصة العلاقات بين إيران والعراق، ونتابع بدقة أداء العراق الإقليمي، سنفهم بسهولة أن العراق يقوم من جديد -كما كان في عهد دكتاتورية صدام حسين- بتنفيذ مؤامرات الأعداء ضد إيران ومصالحها”.
ويكمل: “وفي أحدث إجراء مناهض لإيران ويتوافق مع مصالح أمريكا، بدأ النظام المصرفي العراقي بمواكبة أمريكا تحت مسمّى مكافحة الفساد وغسل الأموال ومنع دخول الأموال إلى إيران من خلال المنصة الإلكترونية عبر التجار والمصدّرين، نجد أن العراق بوصفه لاعبًا إقليميًا نشطًا يفكّر الآن في إرضاء قادة البيت الأبيض”.
وللتخفيف من حدة المخاوف الإيرانية، أشار وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، في مقابلة مع موقع “المونيتور” الأمريكي، عن “استمرار الاتصال مع المسؤولين الأمريكيين والإيرانيين”، مؤكدًا أن تقليل التوتُّر بين طهران وواشنطن یصبّ لصالح العراق، وأكّد أن “من مصلحة العراق أن يكون هناك توتر أقل بين واشنطن وطهران”.
أصبحت قوى الإطار خاضعة لمعادلة معقّدة للغاية، ما بين الاستمرار بعمليات تهريب الدولار، ومن ثم مواجهة الشارع العراقي أو الالتزام بالشروط الأمريكية
وقال حسين: “الولايات المتحدة حليف مهم، وإيران جارة مهمة، نتقاسم معها العديد من المصالح المشتركة، بما في ذلك الحدود والدين والثقافة والاقتصاد والتجارة”، معربًا عن أمله أن يبدأ الطرفان في التحدث مع بعضهما مرة أخرى.
ممّا لا شك فيه أن طهران تنظر بخشية كبيرة إلى الإجراءات التي بدأ يعتمدها العراق للحدّ من عمليات تهريب العملة إلى إيران، فرغم أن قوى الإطار التنسيقي، وتحديدًا الأجنحة المسلحة، ترتبط بعلاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع الإيرانيين، إلا أنها بدأت غير قادرة على مواجهة الضغوط الأمريكية.
إذ أصبحت قوى الإطار خاضعة لمعادلة معقّدة للغاية، ما بين الاستمرار بعمليات تهريب الدولار، ومن ثم مواجهة الشارع العراقي المحتقن، وقد تخسر سيطرتها على الحكومة والبرلمان، أو أن تلتزم بالشروط الأمريكية وتوقف تهريب الدولار، ومن ثم تواجه سخطًا إيرانيًّا.
إن عملية التوفيق بين هذين الضاغطَين تبدو صعبة للغاية بالوقت الحاضر، فالمواطن العراقي، وتحديدًا من جمهور الإطار، بدا غير مكترث للخطابات الشعبوية التي تدعوا إلى المواجهة مع الولايات المتحدة، قدر مطالبته بسياسات اقتصادية تخلّصه من الواقع الاقتصادي المأزوم الذي يعيشه العراق اليوم.
كما أن الإدارة الأمريكية هي الأخرى بدأت تدرك أهمية هذه الورقة في فرض مزيد من الضغوط على حلفاء إيران، الذي بدا وكأنهم غير مكترثين بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها، والتي قطعت بسببها الدعم والتمويل عنهم، وأسّسوا بدلًا من ذلك اقتصاديات موازية في الدول التي يتواجدون فيها، من أجل تمويل عملياتهم وعناصرهم ومكاتبهم.
ومن ثم إن الإصرار الأمريكي على استخدام هذه الورقة في العراق، قد يخلق في المرحلة المقبلة مزيدًا من الفتور بين إيران وحلفائها في العراق، خصوصًا إذا ما عجزوا عن إرسال مزيد من الأموال إلى إيران.