ترجمة حفصة جودة
في الرابعة صباحًا، استيقظت على جدران البيت وهي تهتز، فجمعت زوجتي وأولادي وأسرعنا خارج المنزل، كانت الأمطار تهطل بشدة فوق الثلج المتراكم منذ عدة أيام، كنا نحاول النجاة مع وقوع الهزة التالية.
انهار منزلنا والمنازل المحيطة أمام أعيننا، لكننا لم نستطع التوقف حتى وصلنا إلى سيارتنا وجلسنا بداخلها بحثًا عن الأمان، في الوقت نفسه خلف الحدود في سوريا، كان زميلي يجري عملية ولادة قيصرية في مستشفى الإيمان التابع لمنظمة “Human Appeal” في إدلب.
بمجرد خروج الطفل من رحم أمه، بدأت جدران المستشفى في الاهتزاز، وتحطمت الخزانة فوق أرضية غرفة الولادة، كان موقفًا غير مسبوق، لكن فريقنا أسرع بالأم والطفل خارج المكان، فقد كانوا يعلمون في تلك اللحظات المرعبة أن البقاء خارج المستشفى في هذا البرد القارص، أكثر أمانًا من البقاء داخل جدران المستشفى.
لم أتمكن بعد من العودة إلى المستشفى الذي يقع على مسافة قصيرة من سيارتي في تركيا حيث أعيش مع أسرتي الآن، كانت الطرق قد تضررت بشدة جرّاء الزلزال، لكن خطوط الإنترنت ما زالت تعمل بأعجوبة، وبالتالي تمكنت من البقاء على اتصال مستمر مع زملائي.
إعادة البناء أمر بعيد المنال
فقد العديد من زملائي عائلاتهم أو منازلهم، لكنهم واصلوا عملهم في المستشفى الذي ما زال صامدًا رغم الأضرار التي لحقت به، بما في ذلك انهيار الجدران والخزائن والمعدات، بينما أصبحت الأدوية والأدوات في حالة فوضى.
لقد تضاعف عملهم الآن، حيث يجب عليهم إعادة الأمان والنظام للمستشفى، وتوفير العلاج المتاح للمرضى والمصابين بعد تلك الكارثة، فبعد أسبوع من الزلزال، ما زال الأطفال يولدون في مستشفى الإيمان.
عمال الإنقاذ يعملون على مدار الساعة ويحفرون بحثًا عن الجثث بين الأنقاض، لذا ربما نستغرق بعض الوقت قبل أن ندرك مستوى الدمار الكامل الناتج عن الزلزال
يعيش أشقائي ووالدي على الجانب الآخر من الحدود عبر الطريق إلى سوريا، والآن بعد 10 سنوات في البلاد التي دمرتها الحرب، لم يعد بإمكاني أن آخذ أطفالي معي عند عودتي إلى إدلب لمواصلة عملي كطبيب.
مثل الكثير من العائلات، نحيت الصراع جانبًا، لكنني لم أستطع أن أترك سوريا، لذا واصلت عملي كطبيب هناك، مقدمًا الرعاية الطبية لهؤلاء الذين ما زالوا يعيشون في وطني، لكنني أخشى عليهم، فسوريا لا تملك البنية التحتية التي تملكها تركيا.
لن يمكنها أيضًا إعادة البناء كما ستفعل تركيا، لذا ستظل عواقب هذه الكارثة لفترة طويلة بعد أن ينقشع الغبار، في سوريا أيضًا لا يُسمح بدخول الآلات الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض وإنقاذ العائلات العالقة تحت الأنقاض، إننا بحاجة ماسة لتلك الأدوات والمعدات.
تتسبب برودة الطقس في أن تصبح الأرض قاسية ومن المستحيل الحفر فيها يدويًا، كما أن الطرق مدمرة، لذا نواجه صعوبة في إدخال أي إمدادات، يبدو أن إعادة البناء أمر بعيد المنال، لذا بدأت منظمات الإغاثة مثل “Human Appeal” في العمل فورًا وذلك بتوزيع الطعام يوميًا، ورغم أن جهود الإنقاذ مستمرة في تركيا، فإننا بحاجة للمزيد.
صدمة جيل
يلجأ الناجون والعائلات إلى أي مكان متاح، فقد أُسست مراكز لجوء طارئة في القاعات وصالات الرياضة الفارغة، حيث امتلأت بالأغطية الثقيلة وأسقف وحوائط لحماية الناس من البرد، لكن بالنسبة لكثير من العائلات مثلي، فخطر الوجود داخل مبنى يبدو عظيمًا.
تملأ الخيام المتنقلة التي صُنعت من المواد المتاحة والمباني المتهدمة، الأراضي ومواقف السيارات وأي مكان يجد الناس فيه مساحة واسعة، لم يكن بإمكانهم أن يفعلوا الكثير للاحتماء من درجات الحرارة المتجمدة والأمطار، لكنهم كانوا يشعرون بالأمان في الخارج نوعًا ما.
هناك من قادوا سياراتهم بعيدًا إلى مدن تركية أخرى حيث يجلسون مع أقاربهم، أما أسرتي فقد فضلت البقاء معي في السيارة، فبناتي ما زلن في صدمة من الزلزال ويفضلن النوم والمعيشة في السيارة حتى الآن، حتى يستطعن الشعور بالأمان مرة أخرى داخل البيوت.
بصفتي طبيبًا، فما أحتاج أن يفهمه الناس جيدًا هو أن عمال الإنقاذ يعملون على مدار الساعة ويحفرون بحثًا عن الجثث بين الأنقاض، لذا ربما نستغرق بعض الوقت قبل أن ندرك مستوى الدمار الكامل الناتج عن الزلزال.
لقد فقد أكثر من 33 ألف رجل وامرأة وطفل ورضيع حياتهم حتى الآن، بينما أُصيب مئات الآلاف وفقدوا منازلهم مثلي، سنعيد البناء إن شاء الله، لكن الصدمة ستستمر معنا.
بفضل الله وبعد 100 ساعة من الزلزال، كانت منظمة “Human Appeal” أول من يقدم منازل للنازحين السوريين الذين فقدوا منازلهم في الزلزال، فقد قدمت 1000 منزل في مشروع مدينة الزهور شمال غرب سوريا، لكن ما زال الأطفال والكبار يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، وسيحملون ذكرى هذا العام معهم إلى الأبد.
لقد حان الآن وقت العمل، يجب أن يأتي المجتمع الدولي للمساعدة في تخفيف معاناة السوريين والأتراك، وتقديم المعدات التي يحتاجون إليها لإنقاذ العالقين والمشاركة في جهود توزيع الطعام، ومساعدة مستشفى الإيمان لمواصلة عمله الحيوي، لتوفير الرعاية الصحية والطبية الطارئة، بينما يُعاد بناؤه.
لكن عندما تنقشع الغمة، نناشدكم ألا تنسونا، سنحتاج مساعدتكم لإعادة بناء منازلنا والحفاظ على صحتنا اليوم وفي المستقبل.
المصدر: ميدل إيست آي